تفسير سفر صموئيل الثاني أصحاح 18 للقمص أنطونيوس فكري

 

في خلال أسلبيع قليلة من مُلك إبشالوم كان قد جمع جيشًا جرارًا من كل إسرائيل وعبر الأردن (2 صم 14:17) لمحاربة داود ورجاله طالبًا قتل داود بالذات. لذلك قيل لا يوجد مثيل لكراهية ابن لأبيه مثل كراهية إبشالوم ولا يوجد مثيل لحب أبوي مثل حب داود لإبشالوم. فنحن نرى أن إبشالوم لا يطلب قتل أحد سوى داود وداود مع كل هذا يوصى رجاله باستحياء بإبشالوم (2 صم 5:18). وخرج داود ظافرًا من هذه المعركة رمزًا لانتصار المسيح في معركة الصليب فكما هاج إبشالوم على أبيه وجمع كل هذا الجيش الضخم ضده هكذا فعل إبليس المتكبر وهزمه المسيح بصليب تواضعه.

 

الآيات (1-5):- “وَأَحْصَى دَاوُدُ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَهُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ. وَأَرْسَلَ دَاوُدُ الشَّعْبَ ثُلْثًا بِيَدِ يُوآبَ، وَثُلْثًا بِيَدِ أَبِيشَايَ ابْنِ صَرُويَةَ أَخِي يُوآبَ، وَثُلْثًا بِيَدِ إِتَّايَ الْجَتِّيِّ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِلشَّعْبِ: «إِنِّي أَنَا أَيْضًا أَخْرُجُ مَعَكُمْ». فَقَالَ الشَّعْبُ: «لاَ تَخْرُجْ، لأَنَّنَا إِذَا هَرَبْنَا لاَ يُبَالُونَ بِنَا، وَإِذَا مَاتَ نِصْفُنَا لاَ يُبَالُونَ بِنَا. وَالآنَ أَنْتَ كَعَشَرَةِ آلاَفٍ مِنَّا. وَالآنَ الأَصْلَحُ أَنْ تَكُونَ لَنَا نَجْدَةً مِنَ الْمَدِينَةِ». فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: «مَا يَحْسُنُ فِي أَعْيُنِكُمْ أَفْعَلُهُ». فَوَقَفَ الْمَلِكُ بِجَانِبِ الْبَابِ وَخَرَجَ جَمِيعُ الشَّعْبِ مِئَاتٍ وَأُلُوفًا. وَأَوْصَى الْمَلِكُ يُوآبَ وَأَبِيشَايَ وَإِتَّايَ قَائِلًا: «تَرَفَّقُوا لِي بِالْفَتَى أَبْشَالُومَ». وَسَمِعَ جَمِيعُ الشَّعْبِ حِينَ أَوْصَى الْمَلِكُ جَمِيعَ الرُّؤَسَاءِ بِأَبْشَالُومَ.”

كان داود هنا يحصى رجاله لا لمعرفة عددهم بل لتنظيم جيشه في محنايم، ويقدر يوسيفوس عددهم بحوالي 4000 نسمة بينما يذهب البعض أنه وصل العدد إلى 10,000 بناء على قول الشعب والآن أنت كعشرة الآف منّا (3) والمقصود بهذا أن إبشالوم وجيشه سيفرحون بقتلك أكثر ممّا سيفرحون بقتل 10,000 من رجال داود. وداود قسم الجيش ثلاث فرق وكان يريد أن يخرج هو للحرب على رأس القادة الثلاث (يوآب وأبيشاي وإتّاي) إني أيضًا أخرج معكم. ولكن الشعب أي رجاله منعوهُ لأنهم عرفوا مشورة أخيتوفل وتوصيته بقتل داود شخصيًا وأنه لو سقط داود لسقط الجيش كله. ولكن إن حدث وهُزِم الجيش يرسلون لداود في المدينة فيسارع بتدبير نجدة تصل لهم ويسندهم بمشورته وتدبيره= والآن الأصلح أن تكون لنا نجدة في المدينة. وكان هذا بتدبير إلهي لأن الله أراد أن يعاقب إبشالوم بالقتل ولو وُجِدَ داود في الميدان لمنعهم من قتله، وقد وافق داود على عدم الذهاب لكنه أوصى رجالهُ بأن يترفقوا بإبشالوم وهذه وصية أب وليست وصية قائد عسكري. فعسكريًا قتل إبشالوم ينهى المعركة. وإذا كانت هذه هي مشاعر داود نحو ابنه فكم وكم تكون مشاعر أبينا السماوي. وطلب داود العفو عن ابنه يشبه طلب المسيح المغفرة لصالبيه.

 

الآيات (6-8):- “وَخَرَجَ الشَّعْبُ إِلَى الْحَقْلِ لِلِقَاءِ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ الْقِتَالُ فِي وَعْرِ أَفْرَايِمَ، فَانْكَسَرَ هُنَاكَ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ أَمَامَ عَبِيدِ دَاوُدَ، وَكَانَتْ هُنَاكَ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. قُتِلَ عِشْرُونَ أَلْفًا. وَكَانَ الْقِتَالُ هُنَاكَ مُنْتَشِرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَزَادَ الَّذِينَ أَكَلَهُمُ الْوَعْرُ مِنَ الشَّعْبِ عَلَى الَّذِينَ أَكَلَهُمُ السَّيْفُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ.”

وخرج الشعب إلى الحقل: لقد طلب داود لجيشه أن يكون القتال خارج محنايم حتى لا يصيب أهل محنايم أي اضطراب وقد إستضافوه هو ورجاله، هذه هي رقة مشاعر داود وهذه هي تصرفات الراعي الصالح. وكان القتال في وعر إفرايم إفرايم غرب الأردن وهذا المكان شرق الأردن فلماذا سمي كذلك؟ في هذا المكان إنهزم الإفرايميون حينما حاربوا يفتاح وأهل جلعاد (قض6:12). وزاد الذين أكلهم الوعر= الوعر المقصود به الوحوش والحفر والأشجار مثلما حدث لإبشالوم نفسه ولماذا لم يضر الوعر ويهلك رجال داود؟ السبب أن الله ضدهم فهم في ثورة على ملك اختاره الله وهي ثورة بلا سبب وكأن الطبيعة ذاتها ثارت ضد هذا الشرير كما حدث أثناء الصليب من ظلمة وخلافه.

 

آية (9):- “وَصَادَفَ أَبْشَالُومُ عَبِيدَ دَاوُدَ، وَكَانَ أَبْشَالُومُ رَاكِبًا عَلَى بَغْل، فَدَخَلَ الْبَغْلُ تَحْتَ أَغْصَانِ الْبُطْمَةِ الْعَظِيمَةِ الْمُلْتَفَّةِ، فَتَعَلَّقَ رَأْسُهُ بِالْبُطْمَةِ وَعُلِّقَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالْبَغْلُ الَّذِي تَحْتَهُ مَرَّ.”

يقول يوسيفوس أن شعر إبشالوم تشابك بأغصان بطمة عظيمة بسبب طوله وغزارته. وربما قد حدث هذا إلاّ أن الكتاب لم ينص صراحة على أن شعره هو الذي تعلق بأغصان البطمة بل رأسه ويبدو أن رأسه إنحشر في أغصان البطمة ممّا عرضه للموت فقد مرت البغلة من تحته وظل جسمه معلقًا في الهواء كما المشنوق ومن المؤكد أنه ظل يحاول أن يتعلق بيديه لكن كان موقفه صعبًا وكاد أن يموت ويوآب هو الذي أجهز عليه فهو حين ضربه بالسهام كان بعد حيّ (آية 14) وقولهُ كان بعد حيّ يشير إلى أنه لو كان قد تُرِكَ لمات وحده مخنوقًا.

 

الآيات (10-15):- “فَرَآهُ رَجُلٌ وَأَخْبَرَ يُوآبَ وَقَالَ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَبْشَالُومَ مُعَلَّقًا بِالْبُطْمَةِ». فَقَالَ يُوآبُ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَخْبَرَهُ: «إِنَّكَ قَدْ رَأَيْتَهُ، فَلِمَاذَا لَمْ تَضْرِبْهُ هُنَاكَ إِلَى الأَرْضِ؟ وَعَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَكَ عَشَرَةً مِنَ الْفِضَّةِ وَمِنْطَقَةً» فَقَالَ الرَّجُلُ لِيُوآبَ: «فَلَوْ وُزِنَ فِي يَدِي أَلْفٌ مِنَ الْفِضَّةِ لَمَا كُنْتُ أَمُدُّ يَدِي إِلَى ابْنِ الْمَلِكِ، لأَنَّ الْمَلِكَ أَوْصَاكَ فِي آذَانِنَا أَنْتَ وَأَبِيشَايَ وَإِتَّايَ قَائِلًا: احْتَرِزُوا أَيًّا كَانَ مِنْكُمْ عَلَى الْفَتَى أَبْشَالُومَ. وَإِّلا فَكُنْتُ فَعَلْتُ بِنَفْسِي زُورًا، إِذْ لاَ يَخْفَى عَنِ الْمَلِكِ شَيْءٌ، وأَنْتَ كُنْتَ وَقَفْتَ ضِدِّي». فَقَالَ يُوآبُ: «إِنِّي لاَ أَصْبِرُ هكَذَا أَمَامَكَ». فَأَخَذَ ثَلاَثَةَ سِهَامٍ بِيَدِهِ وَنَشَّبَهَا فِي قَلْبِ أَبْشَالُومَ، وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ فِي قَلْبِ الْبُطْمَةِ. وَأَحَاطَ بِهَا عَشَرَةُ غِلْمَانٍ حَامِلُو سِلاَحِ يُوآبَ، وَضَرَبُوا أَبْشَالُومَ وَأَمَاتُوهُ.”

غضب يوآب من الذي أخبرهُ أنه رأى إبشالوم هكذا لأنه لم يقتله فيوآب يعرف أن بقاء إبشالوم فيه خطر على حياة داود وموته ينهى الحرب ويأتي بالسلام فقال للرجل أنه مستعد أن يعطيه 10 شواقل فضة= وهذه أجرة كاهن ميخا في السنة (قض10:17) إذًا هي مبلغ محترم. ومنطقة مطرزة= هذه مثل الوسام العسكري الآن. وإلاّ فكنت فعلت بنفسي زورًا= هذه تعني لو كنت قتلت إبشالوم لكنت عرضت حياتي للخطر، أو ارتكبت في حق حياتي شخصيًا شيء خاطئ فأنا أعلم أن الملك منع قتل إبشالوم لا يخفى عن الملك شيء= هي شهادة عن حكمة داود وفطنته بالإضافة أن الكل سيخبرون الملك بما حدث. وأنت كنت وقفت ضدى= هي شهادة أن يوآب لا يمكن الوثوق به، أي أن الملك حين يحقق في مقتل إبشالوم ربما شهد يوآب ضد هذا الجندي وقد ينفذ فيه الإعدام بنفسه.  وفي (14) أني لا أصبر هكذا أمامك يوآب يدرك قيمة الوقت فلم يريد إضاعة الوقت في الحديث. وفي (15) عشرة غلمان يضربونه= من المؤكد أن ضربة يوآب وحدها كانت كافية فهو كان شبه ميت فلماذا يأمر عشرة رجال بضربه. من المؤكد أن هذا حتى تضيع المسئولية فضربة من هي التي قتلته وداود لا يمكن أن يأمر بإعدام 11 فرد منهم قائد الجيش.

 

هزيمة إبشالوم ورجاله أمام داود ترمز لمعركة الصليب:

1- بقى إبشالوم بين السماء والأرض معلقًا على شجرة (خشبة) والخشبة إشارة إلى الصليب الذي جعل الشيطان معلقًا بين السماء والأرض إذ ليس لهُ مكان في السماء ولا الأرض باقية لهُ.

2- لقد قام رب المجد يسوع على الصليب بكل العمل وترك الشيطان معرضًا لسهام كل المؤمنين (يوآب يمثل الجبابرة والغلمان يمثلون البسطاء في الإيمان). فرب المجد بصليبه لم يقتل وينهى الشيطان تمامًا بل كما كان بقاء إبشالوم خطرًا ينبغي أن يواجهه يوآب وغلمانه بسهامهم هكذا قَيّدَ رب المجد إبليس تاركًا إياه لسهام صلوات وإيمان شعبه.

3- الشعر (الجسد الجميل) الذي كان لإبشالوم كان سبب هلاكه. هكذا لو أسأنا استخدام أجسادنا وأستسلمنا لإرضاء غرائزنا يكون جسدنا سبب هلاكنا.

4- كان مكان الحرب خارج المدينة ونحن فلنخرج خارج المدينة حاملين عاره (عب13:13) أي نعتزل المجتمع الشرير، نعتزل خطاياه ولا نتشبه به ونقبل أي إهانة تأتي إلينا حاسبين أن كل إهانة هي مجد لنا.

 

آية (16):- “وَضَرَبَ يُوآبُ بِالْبُوقِ فَرَجَعَ الشَّعْبُ عَنِ اتِّبَاعِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ يُوآبَ مَنَعَ الشَّعْبَ.”

طالما مات إبشالوم فلا داعي لمزيد من الدماء وإلاّ تحولت لحرب أهلية طاحنة. ومن الناحية الرمزية فبعد الصليب كان هناك بوق الكرازة ببشارة الخلاص ونهاية عدو الخير.

 

الآيات (17، 18):- “وَأَخَذُوا أَبْشَالُومَ وَطَرَحُوهُ فِي الْوَعْرِ فِي الْجُبِّ الْعَظِيمِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِ رُجْمَةً عَظِيمَةً جِدًّا مِنَ الْحِجَارَةِ. وَهَرَبَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. وَكَانَ أَبْشَالُومُ قَدْ أَخَذَ وَأَقَامَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ حَيٌّ النَّصَبَ الَّذِي فِي وَادِي الْمَلِكِ، لأَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لِيَ ابْنٌ لأَجْلِ تَذْكِيرِ اسْمِي». وَدَعَا النَّصَبَ بِاسْمِهِ، وَهُوَ يُدْعَى «يَدَ أَبْشَالُومَ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ.”

لقد أقام إبشالوم نصبًا تذكاريًا لنفسه مجدًا لهُ وهو يدعى يد إبشالوم لأنه أقيم بيد إبشالوم أي بقوة إبشالوم لذلك ربما صوروا عليه صورة يد. والآن ماذا تبقى سوى رُجمة من الحجارة شهادة لنهايته الأليمة عقوبة لهُ لجحوده وتمرده وصار النصب تذكارًا وعبرة للحادثة ولكل من تسول له نفسه ممارسة العقوق. وهكذا كل ابن عاق على الله أبيه يفقد كرامته كابن للملك.

 

الآيات (19-33):- “وَقَالَ أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ: «دَعْنِي أَجْرِ فَأُبَشِّرَ الْمَلِكَ، لأَنَّ اللهَ قَدِ انْتَقَمَ لَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ». فَقَالَ لَهُ يُوآبُ: «مَا أَنْتَ صَاحِبُ بِشَارَةٍ فِي هذَا الْيَوْمِ. فِي يَوْمٍ آخَرَ تُبَشِّرُ، وَهذَا الْيَوْمَ لاَ تُبَشِّرُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ابْنَ الْمَلِكِ قَدْ مَاتَ». وَقَالَ يُوآبُ لِكُوشِي: «اذْهَبْ وَأَخْبِرِ الْمَلِكَ بِمَا رَأَيْتَ». فَسَجَدَ كُوشِي لِيُوآبَ وَرَكَضَ. وَعَادَ أَيْضًا أَخِيمَعَصُ بْنُ صَادُوقَ فَقَالَ لِيُوآبَ: «مَهْمَا كَانَ، فَدَعْنِي أَجْرِ أَنَا أَيْضًا وَرَاءَ كُوشِي». فَقَالَ يُوآبُ: «لِمَاذَا تَجْرِي أَنْتَ يَا ابْنِي، وَلَيْسَ لَكَ بِشَارَةٌ تُجَازَى؟» قَالَ: «مَهْمَا كَانَ أَجْرِي». فَقَالَ لَهُ: «اجْرِ». فَجَرَى أَخِيمَعَصُ فِي طَرِيقِ الْغَوْرِ وَسَبَقَ كُوشِيَ. وَكَانَ دَاوُدُ جَالِسًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ، وَطَلَعَ الرَّقِيبُ إِلَى سَطْحِ الْبَابِ إِلَى السُّورِ وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا بِرَجُل يَجْرِي وَحْدَهُ. فَنَادَى الرَّقِيبُ وَأَخْبَرَ الْمَلِكَ. فَقَالَ الْمَلِكُ: «إِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَفِي فَمِهِ بِشَارَةٌ». وَكَانَ يَسْعَى وَيَقْرُبُ. ثُمَّ رَأَى الرَّقِيبُ رَجُلًا آخَرَ يَجْرِي، فَنَادَى الرَّقِيبُ الْبَوَّابَ وَقَالَ: «هُوَذَا رَجُلٌ يَجْرِي وَحْدَهُ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «وَهذَا أَيْضًا مُبَشِّرٌ». وَقَالَ الرَّقِيبُ: «إِنِّي أَرَى جَرْيَ الأَوَّلِ كَجَرْيِ أَخِيمَعَصَ بْنِ صَادُوقَ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «هذَا رَجُلٌ صَالِحٌ وَيَأْتِي بِبِشَارَةٍ صَالِحَةٍ». فَنَادَى أَخِيمَعَصُ وَقَالَ لِلْمَلِكِ: «السَّلاَمُ». وَسَجَدَ لِلْمَلِكِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. وَقَالَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي دَفَعَ الْقَوْمَ الَّذِينَ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ». فَقَالَ الْمَلِكُ: «أَسَلاَمٌ لِلْفَتَى أَبْشَالُومَ؟» فَقَالَ أَخِيمَعَصُ: «قَدْ رَأَيْتُ جُمْهُورًا عَظِيمًا عِنْدَ إِرْسَالِ يُوآبَ عَبْدَ الْمَلِكِ وَعَبْدَكَ، وَلَمْ أَعْلَمْ مَاذَا». فَقَالَ الْمَلِكُ: «دُرْ وَقِفْ ههُنَا». فَدَارَ وَوَقَفَ. وَإِذَا بِكُوشِي قَدْ أَتَى، وَقَالَ كُوشِي: « لِيُبَشَّرْ سَيِّدِي الْمَلِكُ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ انْتَقَمَ لَكَ الْيَوْمَ مِنْ جَمِيعِ الْقَائِمِينَ عَلَيْكَ». فَقَالَ الْمَلِكُ لِكُوشِي: «أَسَلاَمٌ لِلْفَتَى أَبْشَالُومَ؟» فَقَالَ كُوشِي: «لِيَكُنْ كَالْفَتَى أَعْدَاءُ سَيِّدِي الْمَلِكِ وَجَمِيعُ الَّذِينَ قَامُوا عَلَيْكَ لِلشَّرِّ». فَانْزَعَجَ الْمَلِكُ وَصَعِدَ إِلَى عِلِّيَّةِ الْبَابِ وَكَانَ يَبْكِي وَيَقُولُ وَهُوَ يَتَمَشَّى: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ، يَا ابْنِي، يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ! يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضًا عَنْكَ! يَا أَبْشَالُومُ ابْنِي، يَا ابْنِي».”

واضح هنا محبة أخيمعص الكاهن لداود فهو يريد أن يكون أول من يبشره بالانتصار. ولكنه لا يريد أن يحزنه على موت ابنه فقال ولم أعلم ماذا (29) ولذلك ولأن يوآب يعلم محبة داود لابنه أراد أن يرحم أخيمعص الكاهن من غضبة داود. وأرسل كوشي وهو عبد ليوآب من كوش. ولاحظ أن أخيمعص جرى من طريق الغور= هو طريق وعر ولكنه أقصر وهو فضل هذا ليصل إلى داود.

أسرع. وكان داود جالسًا بين البابين باب المدخل فكان مسقوف لهُ بابين.

أحدهما تجاه البرية والآخر تجاه المدينة وطلع الرقيب إلى سطح الباب= لينظر من بعيد ماذا يأتي من البرية وفي (25) إن كان وحدهُ ففي فمه بشارة= لأنه لو حدثت هزيمة لجيش داود لكان الهاربين كثيرين. وفي (27) هذا رجل صالح= هو رجل صالح ساعدهُ وأيدهُ في محنته وهو عَرِف أن يوآب سيستخدم رجل صالح ليرسل ببشارة (الأخبار الطيبة) ونرى هنا مشاعر الأبوة. وهل من بكى على شاول ويوناثان وعلى أبنير لن يبكي على ابنه وربما بكاء داود عليه أنه مات دون توبة وربما لشعوره أنه أخطأ في تربيته إذ دلله كثيرًا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى