تفسير سفر صموئيل الثاني أصحاح 7 للقمص أنطونيوس فكري
الآيات (1-3):- “وَكَانَ لَمَّا سَكَنَ الْمَلِكُ فِي بَيْتِهِ، وَأَرَاحَهُ الرَّبُّ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ، أَنَّ الْمَلِكَ قَالَ لِنَاثَانَ النَّبِيِّ: «انْظُرْ. إِنِّي سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْ أَرْزٍ، وَتَابُوتُ اللهِ سَاكِنٌ دَاخِلَ الشُّقَقِ». فَقَالَ نَاثَانُ لِلْمَلِكِ: «اذْهَبِ افْعَلْ كُلَّ مَا بِقَلْبِكَ، لأَنَّ الرَّبَّ مَعَكَ».”
وأراحه الرب من كل الجهات= غالبًا من ناحية التسلسل الزمني يأتي هذا الإصحاح بعد الإصحاح الثامن الذي فيه نجد عدة حروب بعدها أراحهُ الرب من كل الجهات. لكن الكاتب هنا لم يراعي التسلسل الزمني. فنجده يتكلم عن بناء الهيكل في أعقاب الإصحاح السابق الذي كلمنا عن نقل داود للتابوت. ونرى هنا اشتياق داود لبناء هيكل للرب إذ شعر بإحساناته. ناثان النبي= كان نبيًا أمينًا لله يحترم الملك حتى في توبيخه لهُ على خطاياه كان يتكلم باحترام ولكن بشجاعة (2صم12: 1-15). وقام هو وجاد النبي بترتيب خدمة بيت الرب (2أى25:29). وحين وافق ناثان داود أن يبني بيتًا للرب كان هذا رأيه الخاص إذ حسبه طلبًا صالحًا ولائقًا.
آية (4):- “وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى نَاثَانَ قَائِلًا:”
يبدو أن الله تحدث مع ناثان النبي خلال رؤيا الليل وقد رفض الله أن يبني داود البيت.
الآيات (5-17):- “«اِذْهَبْ وَقُلْ لِعَبْدِي دَاوُدَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَأَنْتَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِسُكْنَايَ؟ لأَنِّي لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ يَوْمَ أَصْعَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، بَلْ كُنْتُ أَسِيرُ فِي خَيْمَةٍ وَفِي مَسْكَنٍ. فِي كُلِّ مَا سِرْتُ مَعَ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ إِلَى أَحَدِ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَرْعَوْا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتًا مِنَ الأَرْزِ؟ وَالآنَ فَهكَذَا تَقُولُ لِعَبْدِي دَاوُدَ: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أَنَا أَخَذْتُكَ مِنَ الْمَرْبَضِ مِنْ وَرَاءِ الْغَنَمِ لِتَكُونَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ، وَقَرَضْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ، وَعَمِلْتُ لَكَ اسْمًا عَظِيمًا كَاسْمِ الْعُظَمَاءِ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ. وَعَيَّنْتُ مَكَانًا لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَغَرَسْتُهُ، فَسَكَنَ فِي مَكَانِهِ، وَلاَ يَضْطَرِبُ بَعْدُ، وَلاَ يَعُودُ بَنُو الإِثْمِ يُذَلِّلُونَهُ كَمَا فِي الأَوَّلِ، وَمُنْذُ يَوْمَ أَقَمْتُ فِيهِ قُضَاةً عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَقَدْ أَرَحْتُكَ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِكَ. وَالرَّبُّ يُخْبِرُكَ أَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ لَكَ بَيْتًا. مَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ، أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا. إِنْ تَعَوَّجَ أُؤَدِّبْهُ بِقَضِيبِ النَّاسِ وَبِضَرَبَاتِ بَنِي آدَمَ. وَلكِنَّ رَحْمَتِي لاَ تُنْزَعُ مِنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا مِنْ شَاوُلَ الَّذِي أَزَلْتُهُ مِنْ أَمَامِكَ. وَيَأْمَنُ بَيْتُكَ وَمَمْلَكَتُكَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامَكَ. كُرْسِيُّكَ يَكُونُ ثَابِتًا إِلَى الأَبَدِ». فَحَسَبَ جَمِيعِ هذَا الْكَلاَمِ وَحَسَبَ كُلِّ هذِهِ الرُّؤْيَا كَذلِكَ كَلَّمَ نَاثَانُ دَاوُدَ.”
لماذا رفض الله لداود أن يبني هو البيت؟ الله ترك هذه المهمة لسليمان ابن داود ليكمل الرمز. فالبيت هو الكنيسة جسد المسيح (عب6:3). والمسيح ابن داود هو الذي يبنيها. والأيات هنا واضحة جدًا أنها عن جسد المسيح أي هيكل جسده (زك6: 12، 13 + يو2: 19-22 + 1كو3: 9-17 + 1بط5:2). فما يمجد الله ليس المباني الضخمة بل النفوس الحية التي أقامها السيد المسيح من موت الخطية والوثنية، وتعلن حضوره في وسطها وملكوته في داخلها. ومن هذه النفوس التي قال عنها القديس بطرس “الحجارة الحية” (1بط2: 5) يُبنى هيكل جسد المسيح. ولذلك فحين يقول الله لداود أأنت تبني لي بيتا فهذا ليس تقليلا من شأن داود، فالله يحب داود وهذا سنراه في بقية كلام الله لداود، لكن الله يريد أن يشرح لداود أنه هو أي الله، هو الذي يبني الهيكل حجرًا حجرًا، بأن يُحَوِّل الحجارة الميتة إلى حجارة حية ليبني هيكلًا حيًّا، لذلك فمعنى ما يقوله الله لداود… هل تريد يا داود أن تفهم معنى تكوين حجر حي؟ إذًا أنظر إلى نفسك، ماذا كنت؟ لقد كنت راعي غنمات بسيط… وماذا أصبحت؟ إذًا أنا قد عملت منك حجرا حيا عظيما في الهيكل الذي أبنيه أنا وأسكن فيه. ثم يمتد الكلام إلى عمل الله مع كل شعب إسرائيل وكيف جعل منهم أحجارا حية في هذا الهيكل الذي يبنيه الله. ثم يمتد الشرح إلى المسيح ابن داود بالجسد الذي سيأتي ليجمع فيه أي في جسده كل هذه الأحجار الحية لتكون جسدا له وهو رأس هذا الجسد. فحين يُظهر الله لداود كيف أقامه من المربض من وراء الغنم ليصير رئيسًا لشعبه (أية 8) وكيف أعطاه النجاح، فالله بهذا يظهر أنه مع كل نصرة روحية وكل نجاح داخلي مع كل نفس يُعلَن بيت الرب المجيد فينا والذي يؤسسه الله ليسكن فيه. وبعد ذلك نجد داود قد فهم هذا بطريقة مختلفة، فهو قد فهم أن الله منعهُ من بناء البيت لأنهُ رجل دماء (1أى8:22). لكن حينما نراجع ما قاله الله هنا لا نجد إشارة لهذه الجملة. فالله لم يمنع داود لأنه رجل دماء بل أعطى لهُ عمل يختلف عن عمل سليمان. فعمل داود كان أن يوسع المملكة ويثبتها، وكان ذلك عن طريق الحروب والدماء وكان الله يرشده ويساعده لينتصر. وكان له عمل آخر أساسي هو وضع المزامير التي ستستخدم للصلاة في الهيكل بعد ذلك. وينظم كل أمور الخدمة والتسبيح. بل هو أعد كل المواد المطلوبة للبناء.
لكن بناء الهيكل كان لسليمان ابنه. فسليمان ابن داود كان رمزًا للمسيح ابن داود الذي أقام الكنيسة بيتًا روحيًا يسكنه الثالوث القدوس. من هذا نفهم أن الله حين يقول لداود أَأَنْتَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِسُكْنَايَ = فهذا ليس تقليلًا من شأنه بل أن بناء البيت هو عمل نسلهُ الذي هو المسيح يسوع . لذلك لاحظ قوله في آية (12) أقيم بعدُك نسلك الذي يخرج من أحشائك . فهو لم يقل أقيم إبنك مباشرة بل نسلك فالمسيح من نسل داود. لذلك يكمل في (14) أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا. فالكلام واضح على أنه عن ابن الله الذي سيأتي من نسل داود بالجسد. وقولهُ في (13) وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. فهل هذا الكلام ينطبق على سليمان الذي ملأ بيته نساءً وثنيات وبخر لآلهتهن. لكن الكلام متداخل ما بين المسيح كابن لله وبالجسد ابن لداود ، وما بين سليمان كإبن لداود.
وذلك لأن سليمان ابن داود باني الهيكل الحجري هو
رمز للمسيح ابن داود بالجسد باني الكنيسة جسده من حجارة حية.
ولكن وبكل المقاييس فداود أفضل من سليمان بمراحل بل أن سليمان مات وأمامهُ علامة إستفهام هل خلصت نفسه أم لا؟ لا نعرف. أمّا داود الحلو مرنم إسرائيل فكان هو المرجع الذي يقاس عليه باقي الملوك فيقال مثلًا… هذا الملك كان بشروره ليس مثل داود… أو أن هذا الملك كان بارًا ولكنه لم يكن مثل داود أبيه. بل أن الله رحم سليمان من أجل قداسة أبيه داود (1مل11: 34).
ولأن الكلام متداخل بين المسيح وسليمان ولأن الله يعرف أن سليمان سينحرف قال “ إِنْ تَعَوَّجَ أُؤَدِّبْهُ بِقَضِيبِ النَّاسِ ” فسليمان كابن لله إن أخطأ فالله يؤدبه والتأديب علامة محبة الأب الأبوية (عب12: 4 – 7) . على أن المسيح الابن أيضًا هو الذي تحمل الآلام عنا في جسده. وأيضًا فهذه التأديبات التي تقع على أحد منّا، نتيجة لأخطائه، إنما توجه لنا ونحن أعضاء جسد المسيح، وبهذا فهذه الآلام موجهة للمسيح، وهذا ما قاله بولس الرسول (كو 1: 24).
ويكون قوله أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ هذه موجهة للمسيح فهو الذي ستثبت مملكته للأبد أمّا سليمان فقد إنشقت مملكته بعده، ثم إنتهت تمامًا بعد عشرات السنين. وحتى الهيكل الذي بناه هدمه نبوخذ نصّر بعد ذلك.
وفي أية (11) الرَّبُّ يُخْبِرُكَ أَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ لَكَ بَيْتًا = بيتًا المقصود به بيت داود وهذا يعني أن الله سيثبت نسله على الكرسي. وهذا إشارة لأن الله هو الذي يبني البيت فهو بيد الله وليس بيد إنسان (2كو1:5). ونلاحظ في (2أى7: 19، 20) أن الوعد لسليمان كان مشروطًا أن الله يديم مملكته، ويحفظ البيت، إن حفظوا هو والشعب وصاياه. أما مملكة المسيح فدوامها للأبد هو غير مشروط (إش9: 6، 7 + 11: 1-10 + 55: 1-5 + إر5:23 + حز33: 24 + لو1: 31-33؛ لو1: 68-72؛ أع2: 25-32). بالإضافة إلى أن مملكة المسيح مملكة روحية (زك9:9 + مت28:20؛ يو36:18). وفي (6) كُنْتُ أَسِيرُ فِي خَيْمَةٍ وَفِي مَسْكَنٍ. . . وفي (7) نرى أن الله لم يقل لأحد من القضاة … لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتًا مِنَ الأَرْزِ؟ فالله لا يهتم بأن يكون بيته فخمًا من الأرز فهو قَبِل أن يسكن في خيمة، ولم يطلب أن يسكن في قصور فالسموات والأرض لا تسعهُ (والخيمة أسميت مسكن). بل الله يسكن عند المتواضع (إش15:57). وكان الله فرحا في وجوده وسط شعبه. وقولهُ في (8) هكَذَا تَقُولُ لِعَبْدِي دَاوُدَ = هذه علامة إعتزاز الله بداود أن ينسبه لنفسه. وفي (9) عَمِلْتُ لَكَ اسْمًا عَظِيمًا = كان اسم داود كملك اسم عظيم فهو مؤسس المملكة الحقيقي، والملوك نسبوا إليه فيقال مملكة داود ولا يقال مملكة سليمان ولا ابن سليمان. فداود أعظم ملوك إسرائيل لكن ما يزيد عظمة داود أن المسيح نُسِبَ إليه فيقال المسيح ابن داود. وفي (10) وَلاَ يَضْطَرِبُ بَعْدُ = هكذا هو بيت الرب الثابت …… “سلامي أعطيكم سلامي أترك لكم”.
الآيات (18-29):- “فَدَخَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: «مَنْ أَنَا يَا سَيِّدِي الرَّبَّ؟ وَمَا هُوَ بَيْتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى ههُنَا؟ وَقَلَّ هذَا أَيْضًا فِي عَيْنَيْكَ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ، فَتَكَلَّمْتَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ بَيْتِ عَبْدِكَ إِلَى زَمَانٍ طَوِيل، وَهذِهِ عَادَةُ الإِنْسَانِ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ. وَبِمَاذَا يَعُودُ دَاوُدُ يُكَلِّمُكَ وَأَنْتَ قَدْ عَرَفْتَ عَبْدَكَ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ؟ فَمِنْ أَجْلِ كَلِمَتِكَ وَحَسَبَ قَلْبِكَ فَعَلْتَ هذِهِ الْعَظَائِمَ كُلَّهَا لِتُعَرِّفَ عَبْدَكَ. لِذلِكَ قَدْ عَظُمْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُكَ وَلَيْسَ إِلهٌ غَيْرَكَ حَسَبَ كُلِّ مَا سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا. وَأَيَّةُ أُمَّةٍ عَلَى الأَرْضِ مِثْلُ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ الَّذِي سَارَ اللهُ لِيَفْتَدِيَهُ لِنَفْسِهِ شَعْبًا، وَيَجْعَلَ لَهُ اسْمًا، وَيَعْمَلَ لَكُمُ الْعَظَائِمَ وَالتَّخَاوِيفَ لأَرْضِكَ أَمَامَ شَعْبِكَ الَّذِي افْتَدَيْتَهُ لِنَفْسِكَ مِنْ مِصْرَ، مِنَ الشُّعُوبِ وَآلِهَتِهِمْ. وَثَبَّتَّ لِنَفْسِكَ شَعْبَكَ إِسْرَائِيلَ، شَعْبًا لِنَفْسِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَأَنْتَ يَا رَبُّ صِرْتَ لَهُمْ إِلهًا. وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ أَقِمْ إِلَى الأَبَدِ الْكَلاَمَ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ عَنْ عَبْدِكَ وَعَنْ بَيْتِهِ، وَافْعَلْ كَمَا نَطَقْتَ. وَلِيَتَعَظَّمِ اسْمُكَ إِلَى الأَبَدِ، فَيُقَالَ: رَبُّ الْجُنُودِ إِلهٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَلْيَكُنْ بَيْتُ عَبْدِكَ دَاوُدَ ثَابِتًا أَمَامَكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ إِلهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ أَعْلَنْتَ لِعَبْدِكَ قَائِلًا: إِنِّي أَبْنِي لَكَ بَيْتًا، لِذلِكَ وَجَدَ عَبْدُكَ فِي قَلْبِهِ أَنْ يُصَلِّيَ لَكَ هذِهِ الصَّلاَةَ. وَالآنَ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ أَنْتَ هُوَ اللهُ وَكَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ، وَقَدْ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ بِهذَا الْخَيْرِ. فَالآنَ ارْتَضِ وَبَارِكْ بَيْتَ عَبْدِكَ لِيَكُونَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامَكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمْتَ. فَلْيُبَارَكْ بَيْتُ عَبْدِكَ بِبَرَكَتِكَ إِلَى الأَبَدِ».”
وَجَلَسَ أَمَامَ الرَّبِّ = هذه تعني جلوس داود على الأرض حانيًا رأسهُ في تواضع ليشكر الله على نعمهُ ولا تفهم أن داود جلس على كرسي المملكة ليصلي. فلكي نُقبل أمام الله يجب أن نتواضع. ولن نجد مثل داود في تواضعه. مَنْ أَنَا يَا سَيِّدِي = لقد شعر داود بأن كل النعمة التي هو فيها من الله نعمة مجانية لا يستحقها. وفي (19) إِلَى زَمَانٍ طَوِيل = ربما لم يفهم داود أولًا ما المقصود بقول الله أن كرسيه يثبت إلى الأبد ، وأن هذا عن المسيح إنما فهمها أن الله سيثبت كرسيه إلى زمان طويل وهذا حدث فعلًا.
وَهذِهِ عَادَةُ الإِنْسَانِ أي لقد تعود الإنسان على هذا منك يا رب أن تعطيه من نعمك وهو غير مستحق (1أى17:17). والله في تنازله نجده يكلم البشر كما يتكلم إنسان لإنسان ، أعطى دالة للإنسان أن تكون لهُ عادة أن يتكلم إلى الله في دالة. ولنلاحظ أن الإنسان لا يتنازل لإنسان بل الله تنازل ودخل في عهد مع الإنسان أي لقد تعود الإنسان منك يا رب على محبتك وتنازلك وعطاياك وهل هناك تنازل أكثر من التجسد أو عطية أكثر من هذا. وبِمَاذَا يَعُودُ دَاوُدُ يُكَلِّمُكَ وَأَنْتَ قَدْ عَرَفْتَ = لقد شعر داود بالخجل من أنه يكلم الله والله يعلم كل خفايا قلبه وضعفاته وخطاياه مكشوفة أمامه . وفي (21) فما تقدمه يا رب من عطاياك ليس لأننا نستحق بل بحسب وعدك الإلهي وكلمتك الثابتة ومحبتك وفي (23) لأن الله ليس مثله فشعبه أيضًا ليس مثله، فهو الشعب الذي فداه فصار الشعب مهوبًا. وفي (26) لْيَتَعَظَّمِ اسْمُكَ = كما نقول في الصلاة الربانية “ليأتي ملكوتك وليتقدس اسمك”. وكيف يحدث هذا أن يأتي ملكوت الله؟ بأن نسلمه الملك على القلب فَيُقَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِله إِسْرَائِيلَ أي يعلم كل إنسان أن رب الجنود صار يملك عليَّ وأنا واحد من جنوده. وفي (27) وَجَدَ عَبْدُكَ فِي قَلْبِهِ = هذه هي الصلاة التي تفرح الله ، أن تكون من القلب وليس من اللسان فقط. ولاحظ أن الله هو الذي وضع الصلاة في قلبه (رو26:8)، وهذا ما سمعناه أيضًا في (هو14: 2) “خذوا معكم كلامًا وارجعوا إلى الرب. قولوا له ارفع كل إثم واقبل حسنا فنقدم عجول شفاهنا”. هنا نجد أن الله يعطينا ما نصلي به. وهذا نفس ما عَبَّر عنه داود النبي نفسه بقوله “فاض قلبي بكلام صالح. متكلم انا بانشائي للملك. لساني قلم كاتب ماهر” (مز45: 1). والكاتب الماهر هنا هو الروح القدس.