تفسير سفر أيوب أصحاح 7 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الإصحاح السابع
بقية رد أيوب
حياة الإنسان هي مشقة
١- قال أيوب ” أليست حياة الإنسان على الأرض مشقة؟” (۱:۷)
إن أيوب بدوره يردد عبارة أليفاز القائلة «إنما الإنسان مولود للمشقة» (٧:٥). ماذا يعنى هذا بالنسبة لأيوب ؟ إن ما يحدث ليس هو بالظلم الوحيد، إنما الطبيعة نفسها هي التي تثير هذه المحن. وهكذا فإن الله هو الذى قرر أن تكون الحياة البشرية شاقة. لكن أيوب أضاف عبارة «على الأرض إذ لن يكون الأمر هكذا في السموات.
«ألا تشبه حياته حياة أجير؟» (تابع ۷: ١)
إنه يريد القول بصفتها الشاقة وكما أن الأجير يتعب ويعاني طوال اليوم، فبالمثل حياتنا قصيرة وشاقة ( كيوم عمل ) ولا تنال أية منفعة تُذكر، وكمثل الأجير الذي يتعب أثناء النهار دون أن يجنى أية منفعة، هكذا الإنسان أيضاً. أليس هو مثقلاً بالأتعاب والمخاطر أيضاً؟
٢ – ” أو كعبد يخاف سيده وكمن هو أمسك الظل (أو خيال) (۷: ۲).
إنه قال: إن كنت أخذت هدنة صغيرة كما يلتقط العبد نَفَسه قليلاً، والتقاط النفس لا يتم في أمان أو بكل هدوء إذ تأتى عليه الهجمات الكثيرة من كل جانب. وفي اعتقادي أنه يريد التكلم عن عبد هارب مثل ذاك الذى لكونه هارباً من سيده، فهو في رعب وخوف بدون توقف.
«أو كما الأجير الذي ينتظر أجرته» (تابع ٧: ٢).
فالأجير لا يرتاح إلا في تلك اللحظة التي يأخذ فيها أجرته.
ليالى أيوب كانت شاقة ومخيفة
٣- ” وأنا أيضاً صبرت باطلاً على مدى شهور” (۳:۷).
(أنا صبرت باطلاً ..) في رعب وفى الضيق والخوف. لكنه لا يقول هذا لكل الناس بل لنفسه.
“ليالى شقاء قد حجزت لي إذا اضطجعت أقول متى أقوم؟ وعندما أقوم أقول متى يأتى المساء؟ لأنى ممتلى أوجاعاً، من المساء إلى الصباح يسبح جسدي في عفونة الدود، وأبلى (أفسد) بحكى للقشور الملوثة بالصديد” (٣:٧ – ٥).
إنه قال: لأن حياة الإنسان على الأرض مشقة» (۷: ۱) ، وقال كذلك «أنا أيضاً صبرت باطلاً على مدى شهور (۷: ۳). لماذا باطلاً؟ لأننى تألمت دون أن أنال المجازاة، وأنا في البلايا دون أن أجنى أية منفعة تُذكر، بينما أنا أجاهد بشدة ضد العرق والحمى.
قال أيوب «ليالى شقاء قد حُجزت لى » ومع ما هو أسوأ من هذا أنه كان تعيساً كل الوقت فلا نور النهار كان يهدئنى ولا راحة الليل. كل لحظة ثقيلة على، ولا أسعى للتخلص من موقفى الحالى الذى هو بالضبط من نصيب التعساء».
بعد ذلك تحدث أيوب عن تعاسته فقال: «إننى أبلى أتحلل – أفسد) بحكى للقشور الملوثة بالصديد» لأنه يبدو لى أنه فى بؤسه لم يعد يحك بشقفة كما كان يفعل من قبل، إنما الآن يحك بالتراب.
– حياتى أسرع من الوشيعة وتنتهى بغير رجاء (٧: ٦).
وبينما الكتاب يقول “انتظر الرب” (مز (٦٢: ٥) – وهو نفسه يكافئك فإن أيوب يقول : لم يعد يتبقى لى وقت للحياة، وحياتى تنقضى بسرعة حتى قبل أن تظهر إذ قصيرة هي حياتنا ولا يمكن القول أنه بعد استمتاع طويل بالحياة أو على وشك الاستمتاع بها أيضاً – احتمل هذه البلايا المرعبة. أنا فنيت بغير رجاء» لأنى انتظرت تغير ونجاة (وشيء من هذا لم يحدث).
ه- “تذكر أن حياتي هي نسمة” (۷:۷).
لاحظ أنه لم يطلب أن يخلص نتيجة لأعماله الحسنة، إنما للطبيعة الزائلة لكيانه. وقال تذكر أن عينى لن تصعد لترى السعادة» (تابع (۷:۷).
إنه يتكلم عن الرجوع إلى الأرض، ويبدو لي أن أيوب كان يجهل عقيدة القيامة، لأنه لو كان يعرفها لما صار مثقلاً هكذا. هذه هي الكلمات التى كان يضعها أمامه ويتفرس فيها ويتأمل ويحفظها في روحه.
٦- لا تراني عين ناظرى، عيناك عليّ، ولست أنا موجود بعد. مثل سحابة تزاح في السماء، لأنه إن نزل إنسان إلى الهاوية، لم تعد هناك أية فرصة للصعود منها ولا يعود إلى بيته ولا يكون معروفاً فى الموضع الذى كان فيه. لذلك لا أضع الجاماً على لساني أو ذهني، لكنى سأتكلم في ضيق روحی (۸:۷-۱۱)
لاحظ أولاً كيف أنه يعرف كيف يجلب الاستحسان لكلماته. إنه في الغالب يطلب من قضاته التبرير، ويدعى أنه يتمتع بالغفران بحجة أنه ليس هو بل عناؤه هو الذي دفعه إلى نطق هذه الكلمات.
– قال أيوب “سأفتح فمى لأن مرارة نفسى تضيّق عليّ أبحر أنا أم تنين حتى تجعل على حارسا (۷: ۱۲،۱۱).
أي لكي تمارس كل هذه المراقبة علي، وبكلمة «حارس» يقصد خوفه.
– إنني قلت فراشي يعزيني وسأنهى فى السهر الحوار مع نفسي في فراشی (۱۳:۷).
أى النوم سيجلب لى راحة.
٩- لماذا تخيفنى بالأحلام أثناء نومى وترهبنی بروی؟» (٧: ١٤).
وبالطبع هذه المخاوف كانت بفعل الشيطان لأن لم تهاجمه أية تجربة من قبل الله لكن كل البلايا أتته من يد الشيطان.
ابتعد عنى يا رب فحياتي ليست أبدية
١٠- قال أيوب “ستفصل حياتى من روحى ونفسى من جسدي، لكن ستضع عظامي في حمى من الموت لأننى لن أحيا إلى الأبد حتى أصبر. ابتعد عنى لأن حياتي قد فنيت (7: 15، 16)
هي إنه لم يقل «انزعنى»، فهذه ستكون كلمات غير محتملة فما الكلمات غير المحتملة ؟ إنه (فقط) تكلم (هنا) عن بليته وطالب بالموت وبالعقوبة.
قال أيوب «لأنني لن أحيا إلى الأبد حتى أصبر»
ها أنت ترى (أيها القارئ) كيف أنه كان محروماً حتى من هذا الرجاء.
وقال أيوب أيضاً «ما . هي أيام عمرى حتى أقاوم؟» (٦: ١١).
ها أنت ترى أن الذى جعله يضطرب بالأكثر أنه لم يستطع حتى أن يأمل في تغيير ولو قصير الأمد.
«لأني لن أحيا إلى الأبد» وهكذا لو علم أنه سيحيا إلى الأبد لكان صبر.
“ابتعد عنى لأن حياتي قد فنيت”
إن هذا الكلام يبدو خطير، لكن لنفحصه. فماذا قال داود أيضاً؟ «أبعد عنى سوطك» (مز ۱۰:۳۹)
لأن حياتي قد فنيت فهذه الحياة في حد ذاتها تعقبني.
وقال أيوب: هل أنا ذو قيمة لأعانى هكذا ؟ «أيامنا تشبه ظل وحلم» (مز ۱۱:۱۰۲؛ .٤:١٤٤)
١١ – فما هو الإنسان لتعظمه وتهتم به (۷: ۱۷).
وهذا بالضبط الدليل الذي يجلبه هذا التعظيم، فالإنسان بصفة عامة قد أعتبر جديراً بالعقوبة، أو هوذا الدليل على أن الإنسان في فكر الله.
«من هو الإنسان حتى تذكره» (مز٤:٨).
هذا بالضبط أمر من يطالب بالأتعاب والعقوبات التي تبرهن على أن الإنسان ذو قيمة.
لماذا تهتم بالإنسان؟
۱۲- قال أيوب “لماذا تفتقده منذ الصباح؟ (۷: ۱۸).
أي لماذا تشغل بالك به؟
ولماذا تقاضيه حتى (إلى) وقت الراحة (أى الموت)؟ (تابع۷: ۱۸)
ولماذا تهتم به كثيراً؟
لاحظ هذا الخلط في الكلام، فالبعض منه ممتلئ بالحكمة والبعض الآخر بالألم. إنني اعتقد أن شدة الألم هي التي دفعته للتكلم هكذا.
ما معنى «حتى وقت الراحة»؟
إنه في اعتقادى يريد أن يقول أنت ترتب له الموت والراحة.
١٣ – قال أيوب “إلى متى سترفض أن تتركنى هادئاً وتدعنى أنطلق؟” (۷: ۱۹)
(إنه قال) كما قال داود إلى متى يا رب تنسانى تماماً؟ حتى متى تصرف وجهك عني؟ إلى متى أجعل هموماً فى نفسى وأحزن فى قلبى ليلاً ونهاراً» (مز ۱:۱۳-۲)
وقال أيوب إلى متى فى وجعى أبلع ريقى؟( تابع ۷:۹۱) أى إلى متى أكون يابساً وأصير مائتاً بالحياة.
١٤ – قال أيوب “إن كنت قد أخطأت فماذا يمكن أن أعمل لأجلك؟” (۲۰:۷)
أى ماذا أفعل الآن؟ فإن خطيتي قد عبرت.
انظر كيف يدين نفسه قائلاً أنه عوقب أيضاً لأجل خطاياه وهو الذي شهد له الله أنه كان “باراً وبلا لوم” (۱: ۱).
ما المقصود بعبارة «ماذا يمكنني أن أعمل لأجلك؟» أى ما الذي ينبغي أن أعمله الآن لأزيل خطأى لأهدئك وأصالح نفسى معك.
عقوبتي صارت عثرة للآخرين
١٥- قال أيوب ” أنت الذي تعرف فكر البشر ، لماذا جعلتنى متهماً لك (أي خصم لك)؟ .(۲۰:۷)
إن أيوب قال هذا ليس لأنه شخصياً يتهم الله، حاشا، إنما لأن ما حدث له ولد فيه اتهاماً عظيماً ضد الله. لهذا قال «أنت تعرف فكر البشر لأنه حتى ولو لم يتكلموا، فأنت تعرف أفكارهم الخفية وكل خواطرهم الداخلية أرجل مثلى يقاسى كل تلك الآلام!
لكن ليس هذا سلوك من يسعى لتبرير نفسه. لأنه بالحق لم يقل: إنني بار. إنما قال: إن الآخرين لهم رأى حسن في، وهوذا هم سيحتجون عليك بسبب بلاياي.
١٦ – “هوذا أنا بالنسبة لك كنت حملاً” (تابع ۲۰:۷).
وكأن أيوب يقول : إننى كنت حملاً ثقيلاً عليك يا رب بما سببته لك من كلام وتجاديف.
۱۷ – ” لماذا لم تنس إثمى؟” (۷: ۲۱).
هوذا أنت ترى كيف أن البار عرف أنه أخطأ.
“ولماذا لا تطهرني من خطیتی؟” (تابع ۷ :۲۱).
۱۸ – لكن هوذا سأضطجع فى التراب وفى الصباح لن أوجد بعد (تابع ۷: ۲۱).
وقال أيوب: إن طبيعتى أيضاً أنت تعلم نهايتها، ومن المحتمل أننى غداً لن أكون موجوداً بعد – أى – سيكون موتى سريعاً!
لماذا لا تنسى إنساناً قليل الأهمية ؟!
تفسير أيوب 6 | سفر أيوب 7 | تفسير سفر أيوب | تفسير العهد القديم | تفسير أيوب 8 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير سفر أيوب 7 | تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |