تفسير المزمور 16 للقديس أغسطينوس
عظة في المزمور الخامس عشر (بحسب السبعينية)
نشيد القيامة
لأن المسيح اعتصم بالربّ، ولم يرغب إلاه ميراثاً، نصره الربّ على أعدائه بالقيامة. ذاك يكون أيضًا نصيب النفس البارة التي تعتصم بالله، فتنتصر على الموت الأبدي .
كتابة لداود (16: 1)
– هذا المزمور هو نشيد مَلِكِنا في إنسانيته، الذي بآلامه نال بالكتابة على الصليب لقب الملك .
2- «أللهم احفظني فإنّي بك اعتصمتُ . قلتُ للربّ أنت سيدي، ولا حاجة لك في خيوري (ولا خير لي سواك)» (16: 1). أي: لا سعادة لك في خيوري .
3- «للأنفس القدّوسة التي تحلّ في مساكنه» (16: 3) أي لأولئك القديسين الذين اعتصموا بأرض الأحياء سكان أورشليم السماوية، الذين ثبتوا كلمتهم الروحية بمرساة الرجاء، في تلك الأرض التي استحقت بجدارة اسم أرض الله، ولو انهم بحسب الجسد، يعيشون في هذه الدنيا، أظهر حبَّه كلّه (16: 3). إذا ، لقد عرف الربّ تلك النفوس القدوسة برسومه العجيبة لأجل ترقيهم، فأدركوا المكسب الذي يوفّره لهم سرُّ إله صار إنسانًا ليموت، وإنسان هو إله ليقوم من الموت.
4 – كثرت أسقامُهم (16: 4) لا لهلاكهم، بل لكي يبتغوا الطبيب. لذلك أسرعوا في عدوهم (16: 4). إذًا، لكثرة أسقامهم سارعوا في طلب الشفاء . لن أجمعهم لأجل ذبائح دموية» (165: 4) . لن تكون تجمعاتهم بعد الحميّة، ولا لأجل دم حيوانات أجمعُهُم لكي أستجيبهم. ولا أذكر اسمهم بشفتي (16: 4). من خلال تبدل روحي، لا يعودون يذكرون ما كانوا عليه في الماضي؛ وأنا، بالسلام الذي أعطيهم لن أعود أرى فيهم خطأةً وأعداء، أو حتى بشرًا، بل أدعوهم صدّيقين وإخوة وأبناء الله.
5 – «الربّ نصيب ميراثي وكأسي» (16: 5) لأنهم يملكون معي الميراث الذي هو الله نفسه وليختر الآخرون ميراث الخيرات الزمنية الزائلة وينعموا بها. أما نصيب القديسين فهو الإله الأزلي. فليرتو الآخرون من الشهوات المهلكة، فالربّ نصيب كأسي. وأشمل معي بـ «نصيب كأسي الكنيسة، لأنه حيث يكون الرأس، هناك يكون الجسم أيضًا. والحال، فإنّي أجعل نصيبي في جماعاتهم، وإذ أرتوي من كأسي، أنسى أسماءهم القديمة. وأنت يا الله تُثبتني في ميراثي» (16: 5)، لكيما يعرف الذين أخلصهم المجد الذي كان لي بك من قبل خلق العالم (يو 17: 5). لستَ إليّ تُرجع ما لم أخسر، بل للذين خسروا معرفة مجدك ؛ ولما كنت أنا فيهم، فإلي تُعيدُ معرفة مجدك .
6 – «الحَبْل قاس نصيبي في أراض خصيبة» (16: 6). مثلما صار الربّ في الماضي مُلكًا للكهنة ،واللاويين كذلك وقع علي ميراثي بالقرعة، في بهاء مجدك يا إلهي. وميراثي جليل»، وهو ليس بجليل لكل الناس، بل للذين يعرفونَه ؛ وبما أنني فيهم، فإنّه جليل لي.
7- «أبارك الربّ الذي وهبني الفهم» (16: 7) اللازم لأرى ذلك النصيب المجيد وأملكه . وإلى ذلك، في الليل وعظتني كليتاي بقسوة (16: 7). عدا عن الفهم، فإنّ ذلك الجزء السفلي مني، الذي هو الجسد الذي لبسته، وعظني فابتلاني بظلمات الموت التي تعصى على الفهم .
8 – «جعلتُ الربّ أمامي في كلّ حين» (15: 8). عندما أتيت إلى هذا العالم الفاني، لم يغب عن نظري ذاك الباقي إلى الأبد، بعد حياة الدهور، ولم يغب تصميمي على الرجوع إليه. «فإنّه عن يميني لكي لا أتزعزع (15: 8) . إنّه يعضدني، لكي أثبت فيه.
9 – «لذلك ابتهج قلبي وأنشد لساني فرَحَه» (15: 9) . ملأ الفرح أفكاري، وأشرقت البهجة في كلماتي وجسدي أيضًا سيسكن على الرجاء (15: 9) لن يأكل الموت جسدي بل سيرقد على رجاء القيامة.
10 – «لأنك لا تترك نفسي في الجحيم» (16: 10). لن تُقدّم نفسي فريسة للجحيم، ولا تدع قدوسَك يرى فسادًا» (16: 10). لن تدع للفساد جسدا مقدسًا، عليه أن يُقدّس الآخرين. «عرّفتني سبل الحياة» (16: 11). بي عرفت العالم سبيل التواضع، من أجل أن يعودوا إلى الحياة التي خسروها بالكبرياء وبما أنني فيهم، فأنا الذي عرفتنيها . وستملأني فرحًا إذ تُريني وجهك» (16: 11). عندما يرونك وجها لوجه، يمتلئون فرحًا لا يبتغون بعد ما عداه. وبما أنني فيهم، فأنا الذي تملأني فرحًا . ولي من يمينك لذات أبدية» (16: 11) . إن نعمك ومراحمك لذيذة لنا في طريق هذه الحياة، وهي تبلغنا إلى قمة المجد في حضرتك .