تفسير سفر حزقيال ٦ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح السادس

الآيات  1 – 7 :-

و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم اجعل وجهك نحو جبال اسرائيل و تنبا عليها. و قل يا جبال اسرائيل اسمعي كلمة السيد الرب هكذا قال السيد الرب للجبال و للاكام للاودية و للاوطئة هانذا انا جالب عليكم سيفا و ابيد مرتفعاتكم. فتخرب مذابحكم و تتكسر شمساتكم و اطرح قتلاكم قدام اصنامكم. و اضع جثث بني اسرائيل قدام اصنامهم و اذري عظامكم حول مذابحكم. في كل مساكنكم تقفر المدن و تخرب المرتفعات لكي تقفر و تخرب مذابحكم و تنكسر و تزول اصنامكم و تقطع شمساتكم و تمحى اعمالكم. و تسقط القتلى في وسطكم فتعلمون اني انا الرب.

جبال إسرائيل = عادة تشير الجبال للنفوس المرتفعة عن الأرضيات لتسكن مع الله فى السماويات، وهذه تكون راسخة فى إيمانها كالجبال. ولهذا أقام الله أورشليم على جبل إشارة لما يجب أن تكون عليه من حياة سماوية (راجع مزمور 121). ولاحظ أن الملاكان طلبا من لوط أن يهرب للجبال حتى لا يهلك. ولكن جبال إسرائيل هنا لا تشير لهذه المعانى السماوية، فأورشليم فى خطاياها وكبريائها أصبحت جبالاً شريرة مرتفعة بالكبرياء وليس بالقداسة لذلك كانت هذه النبوات ضدها لعلها تدفعهم للتوبة ويذكروا مركزهم الأول كجبال مقدسة. هكذا قال الرب للجبال والأكام = الجبال والأكام هنا إشارة لملوكهم ورؤسائهم وجبابرتهم. للأودية وللأوطئة = وهذه إشارة للشعب العادى. ولكن الكل صار فى فساد.

ونجد هنا تهديد بخراب إسرائيل لوثنيتهم، وهلاك أوثانهم معهم.

مرتفعاتكم = هى الهياكل الوثنية التى كانوا يفضلون إقامتها على المرتفعات شمساتكم = هى الهياكل التى يعبدون فيها الشمس، ويالخزى هذه الأصنام (الشياطين) التى لم تستطع أن تحمى من يعبدها، ولاحظ هذا من قوله وأطرح قتلاكم قدام أصنامكم = وحدث هذا مع سنحاريب الذى أهان الله حول أسوار أورشليم وقت أن حاصر أورشليم فى أيام حزقيا الملك، فحين عاد هذا المغرور لبلده قتله إبناه أمام هيكل نسروخ إلهه، ولم يستطع نسروخ حمايته. وتخرب مذابحكم وتنكسر = ستنكسر كل تماثيلهم ومشغولاتهم القيمة التى دفعوا فيها كل أموالهم كتقدمة لهذه الأوثان. ملحوظة :- كم من خاطئ الأن يضيع صحتة ونقوده ومواهبه التى أعطاها له الله من أجل خطايا وملذات يعرضها الشيطان عليه. فلا يوجد الآن من يعبد الأوثان، ولكن يوجد من يعبد اللذات. فتعلمون أنى أنا الرب = هذه عبارة تتكرر كثيراً فى هذا السفر، فهدف الرب من تأديباته أن نعود للرب مؤمنين به فنتحرر من عبودية إبليس ونعرف الفرح الحقيقى. وأذرى عظامكم حول مذابحكم = هذا إعلان عن

 1) نجاسة أو تنجيس هذه المذابح فالعظام هى نجاسة فى مفهوم العهد القديم، وإذا تم تنجيس هذه المذابح

      فهم  سيكفوا عن إستخدامها للعبادة، وهذا ما فعله يوشيا 2مل 23 : 16

 2) ضعف هذه المذابح التى لم تستطع حمايتهم، لعلهم يدركوا عدم جدوى عبادتهم.

 

الآيات 8 – 10 :-

و ابقي بقية اذ يكون لكم ناجون من السيف بين الامم عند تذريكم في الاراضي. و الناجون منكم يذكرونني بين الامم الذين يسبون اليهم اذا كسرت قلبهم الزاني الذي حاد عني و عيونهم الزانية وراء اصنامهم و مقتوا انفسهم لاجل الشرور التي فعلوها في كل رجاساتهم. و يعلمون اني انا الرب لم اقل باطلا اني افعل بهم هذا الشر.

هنا وعد بعودة بقية منهم لله بالتوبة. هنا تفرحنا مراحم الله بعد كل الإنذارات السابقة، فدائماً هناك رجاء إذا كان هناك توبة. والله يضرب ولكن من يجد فيه أمل يتركه فهو لا يطفئ فتيله مدخنة. والمطلوب منهم أن يذكروا الله بين الأمم = والناجون منكو يذكروننى بين الأمم = فهناك من نسوا الله فى أرض سلامهم ولكنهم يذكرونه فى سبيهم مثل الإبن الضال الذى ترك أبيه بينما كان فى مجد بيت أبيه، لكنه ذكره فى حظيرة الخنازير. هذا لم يذكر أبوه إلا حينما عوقب بالجوع فى أرض بعيدة، ولكن تذكره الله كان الخطوة الأولى فى الرجوع. فالخطية تبدأ فى النمو حينما ننسى الله أما التوبة فتبدأ حين نذكر الله. وغرض الله من ضرباته دائماً أن نتوب = أن يكسر قلبهم الزانى = الله يسمح بالحزن وأن ينكسر قلب الخاطئ، وذلك حتى يتوب فيخلص. والنتيجة مقتوا أنفسهم لأجل الشرور التى فعلوها = هم سيمقتوا أنفسهم حين يذكرون أنهم كسروا قلب الله بخطيتهم. والتائب الحقيقى يرى الخطية شئ بغيض جداً، فكل ما يغضب الله يغضبه، وما كان مصدر سرور ولذة للخاطئ سيكون له شئ بغيض حين يتوب. أن علامة التوبة الحقيقية أن التائب يشمئز من نفسه ويمقت نفسه بسبب خطاياه.

 

الآيات 11 – 14 :-

هكذا قال السيد الرب اضرب بيدك و اخبط برجلك و قل اه على كل رجاسات بيت اسرائيل الشريرة حتى يسقطوا بالسيف و بالجوع و بالوبا. البعيد يموت بالوبا و القريب يسقط بالسيف و الباقي و المنحصر يموت بالجوع فاتمم غضبي عليهم. فتعلمون اني انا الرب اذا كانت قتلاهم وسط اصنامهم حول مذابحهم على كل اكمة عالية و في رؤوس كل الجبال و تحت كل شجرة خضراء و تحت كل بلوطة غبياء الموضع الذي قربوا فيه رائحة سرور لكل اصنامهم. و امد يدي عليهم و اصير الارض مقفرة و خربة من القفر الى دبلة في كل مساكنهم فيعلمون اني انا الرب

هنا يطلب الله من النبى أن يرثى إسرائيل لنكباتها التى ستحل بها وهنا يطلب منه أن يضرب بيده ويخبط برجله ويتأوه = ليظهر لهم جاداً فيما يقوله، وكأن هذه الضربات قد حدثت فعلاً ورآها. وهذا ما يحدث مع الأنبياء، أن الله يظهر لهم ما سيحدث وهم يتفاعلون بصدق أمام الناس. وكان عليه أن ينوح على شيئين أ) خطايا إسرائيل ب) الأحكام التى ستقع عليها (السيف والمجاعة والوباء وخراب أورشليم والهيكل والسبى) وهكذا بكى يسوع على أورشليم. وهكذا كل خادم حقيقى يبكى على شعبه حين تتملك منهم الخطية، وحين تبدأ ضربات الله ضدهم، بل قبل أن تبدأ الضربات فالخادم الحقيقى يدرك أنها لا بد وستأتى. ولاحظ أن التائب سيكون أكثر شدة حيث المواضع المستخدمة للعبادة الوثنية :- التلال العالية ورؤس الجبال، وتحت ظلال الأشجار وبالذات البلوطة (لأن الوثنيين يفضلون هذه الأماكن لإقامة مذابحهم) حيث كانوا يقربون رائحة سرور لكل أصنامهم = فصارت رائحة موت لهم.

وأصير الأرض مقفرة من القفر إلى دبلة = الترجمة الإنجليزية أكثر دقة وهى “أجعل الأرض مقفرة وخربة، نعم وأكثر خراباً من البرية القفر عند دبلة” ودبلة هذه فى جنوب الشرق للبحر الميت، وهى منطقة قفر وخربة.

ملحوظة :– كان عباد الأصنام، وقد قلدهم اليهود للأسف، يفضلون أقامة معابدهم على المرتفعات والأكام، فى حين كانت عبادة “مولك” فى الأودية والأوطئة. وكانت هذه العبادة الوثنية تسمى زنا روحى وذلك لخيانة العابدين لله، وكانت تشتمل هذه العبادات على الزنا الجسدى.

زر الذهاب إلى الأعلى