تفسير سفر حزقيال ٢٦ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح السادس العشرون

نبوات ضد صور

بعد أن عرض سريعًا للنبوات ضد بني عمون وموآب وأدوم والفلسطينيين خصص الأصحاحات الثلاثة (26-28) للنبوات ضد صور، الأصحاح الأول تحدث عن إدانة صور، والثاني مرثاة على صور، والثالث عبر إليرئيس صور نفسه. أما الأصحاح الأول (26) فتحدث عن:

  1. شر صور                         [1-2].
  2. الله ضدها                         [3-6].
  3. نبوخذنصَّر يُخربها                 [7-14].
  4. أثرها على الجزائر                [15-19].
  5. هبوطها في العالم السفلي          [20-21].

شر صور:

صور مدينة فينيقية شهيرة، ظهرت حوالي عام 2750 ق.م في البر، ولكن مع الزمن ولأسباب دفاعية نقلتإلي جزيرة صخرية مجاورة حملت ذات الاسم مساحتها 142 فدانًا، لها ميناءان وهي أقرب إلي بني إسرائيل منصيدون وتفوقها في العظمة، لم يحتلها العبرانيون في أيام يشوع. أرسل ملكها مواد البناء لداود الملك (2 صم 15: 11) ولسليمان الحكيم (1 مل 9: 10-14). أسلم الصوريون بني إسرائيل إلي أدوم  (عا 1: 9) وجردوهم من سلعهم، وباعوهم عبيدًا لليونانيين (يؤ 3: 5-6). حاصرهم نبوخذنصَّر 13 سنة (585 – 573 ق.م) وأخيرًا تفاوضت معه واعترفت بسلطانه. كما حاصرها الإسكندر الأكبر واحتلها عام 332 ق.م. ثم ما لبثأن استعادت مجدها، وبعد موته وقعت تحت صولة السلوقيين ثم أخذها منهم الرومانيون.

مر على شواطئها السيد المسيح (مت 15: 21-28)، (مر 7: 24-31) كما اتصل به قوم من صور (مر 3: 8، لو 6: 17). وقد دخلت المسيحية إليها في العصر الرسولي (أع 21: 3-4)، وقد دفن العلامةأوريجانوس في الباسيليكا بصور، وشيد فيها القديس بولينوس كنيسة فخمة ألقي فيها يوسابيوسالمؤرخ عظة يوم تكريسها سنة 323. وفي القرن الرابع وصفها القديس ايرونيموس أنها أشرف مدن فينيقيةوأجملها وقال إنها تتجر مع العالم كله. وكانت متميزة عن كل أسقفيات الكرسي الأنطاكي بعد أنطاكية، فكانرئيسها يسلم البطريرك عصا الرعاية أثناء تنصيبه[233].

أما اسم “صور” فهو اسم سامي يعني “صخر”، ربما لأنها قامت على جزيرة صخرية، إلا أن القديسجيروم يرى أن كلمة “صور” في العبرية تعني “محنة”[234]، لذا يرى سكانها يمثّلون الساقطين تحت محنةالشيطان وبلاياه.

على أيه الأحوال جاءت هذه النبوة (حز 26) ضد صور في السنة الحادية عشر في أول الشهر، أي بعدخراب أورشليم، لكن لم تكن أية أخبار قد وصلت إليه وإلي المسبيين في المرحلة الأولى، إذ عرف في السنة الثانيةعشرة في الشهر العاشر في الخامس من الشهر (حز 33: 21).

أما خطيئة صور فهي الطمع إذ استغلت خراب أورشليم؛ لقد شمتت قائلة: “هَهْ قد انكسرت مصاريعالشعوب، قد تحولتْ إليَّ، أمتلئُ إذ خرِبتْ[2]. كانت أورشليم أشبه بمصاريع (أبواب) الشعوب بأحدمعنيين إما أنها كانت قوية كالأبواب المغلقة لا تقدر الشعوب أن تقهرها، فصارت مفتوحة على مصراعيها وخربةيدوسها الجميع، مفتوحة لصور كما لغيرها من الشعوب، وإما أنها (أورشليم) كانت مركزًا للتجارة العالميةوبخرابها انفتحت أمام صور لتغتصب منها كل عملائها وتغتني على حسابها، لأن صور كانت تعيش علىالتجارة.

  1. الله ضدها:

إذ طمعت في أورشليم، استغلت خرابها لتمتلئ متهللة مبتهجة لاغتنام هذه الفرصة، لهذا يقف الله نفسهضدها فيُهيج الأمم عليها كما يرسل البحر أمواجه بلا توقف. إنه يحدثها باللغة التي تفهمها صور كجزيرة وسطالبحر. لقد ظنت بخراب أورشليم أن تأتيها السفن من كل العالم تطلب بضائعها فتغتني، لكن هوذا البحر عوضأن يرسل سفنه يرسل إليها أمواجه فيخرب أسوارها ويهدم أبراجها ويسحب ترابها عنها ويجعلها صخرة عاريةتمامًا.

لقد فرحت لأن أبواب أورشليم المغلقة انفتحت لها قسرًا، هوذا صور نفسها قد صارت بلا أسوار ولا أبواب ولاأبراج، بل بلا تراب، صخرة لا تصلح للحياة، لا يسكنها إنسان ولا يستريح فيها حيوان، ولا ينبت فيها نبات. حقًاإن من يظن في أخيه أنه غنيمة له يجعله الرب غنيمة للآخرين، لا بل يصيّره بلا نفع لشيء قط! هذا هو ثمر الطمعفي حياة الإنسان!

  1. نبوخذنصَّر يُخربها:

إن كان نبوخذنصَّر قد حطم أورشليم، فإنه حاصر أيضًا صور بجيشه ثلاثة عشر عامًا حتى فتحها. صارتغنيمة له ولجيشه، وقد صوَّر النبي حال صور الطامعة في أورشليم في النقاط التالية:

أ. يقتل بناتها [8]، وربما هنا يقصد قتل عملائها الذين يأتون من كل العالم يتاجرون معها… وترمز البناتإلي أعمال الجسد وثمره، فالإنسان الشامت في أخيه يصير بلا ثمر. عوض اغتنام صور من وراء أورشليم تفقدكل ثمر مادي!

ب. بكثرة جيشه وخيله يغطيها بغبارها، فتفقد كل رؤية وتخسر كل جمالها، فلا يفد إليها تجارها.

ج. يقتل شعبها بالسيف فتسقط إلي الأرض أنصاب عزها [11]. علامة قتل شعبها وقادتها الذينيسقطون من العز والكرامة إلي التراب.

د. ينهبون ثروتها ويغتنمون تجارتها ويهدمون أسوارها وبيوتها البهجة ويضعون حجارتها وخشبها وترابهافي وسط المياه، فتصير صخرة عارية تمامًا من كل شيء حتى من التراب!

هـ. يبطل أغانيها وصوت العود والفرح [13].

هذا هو عمل الطمع، ليس فقط يخسر الإنسان ما قد طمع فيه، إنما يفقد ثروته وقوته وجماله وفرحه وصحته،ويفقد الآخرين ويصير مجردًا من إنسانيته وكل حيوية فيه!

ظنت صور أنها تقتني مكاسب كثيرة بخراب أورشليم، فإذا بها تدخل لا في خسائر مادية فحسب وانماتفقد بنيها وبناتها.

حسبت أنها تصير موضع انشغال العالم بابادة أورشليم، فإذا بالجيوش تحيط بها فيغطيها الغبار، ويسخرالكل بها.

تترقب كرامة وعظمة بانهيار أورشليم فيُقتل شعبها مع قادتها…

عوض المكاسب التي تتنبأ بها بخراب أورشليم تصير غنيمة لناهبيها، تفقد كل حصانتها، ويزول جمالها،وتتحول إلي صخرة عارية.

صارت تغني وترقص طربًا بهلاك أورشليم، فنُزع عنها الفرح والبهجة!

  1. أثرها على الجزائر:

“أما تتزلزل الجزائر عند صوت سقوطك عند صراخ

 الجرحى عند وقوع القتل في وسطك؟! فتنزل جميع

رؤساء البحر عن كراسيهم، ويخلعون جببهم

وينزعون ثيابهم المطرزة، يلبسون رعدات،

ويجلسون على الأرض، ويرتعدون كل لحظة،

ويتحيرون منك، ويرفعون عليك مرثاة” [15-17].

انهيار صور يزلزل بقية الجزائر، فقد ظنوا أن هذه الجزيرة الغنية والشهيرة، التي تقف كالصخر وسطالبحر لا يقدر أحد أن يهزمها أو يفتحها. لقد انهارت صور، فماذا تفعل البلاد الصغيرة؟!، لا يحتاج الأمر إليمحاربتهم، إنما ينزل الرؤساء عن كراسيهم من الخوف ويخلعون ثياب الملك، وتلبسهم الرعدة، ويجلسون علىالأرض في خوف وحيرة! إنهم يرفعون مرثاة على صور وهم في الواقع يبكون حالهم!

لقد سقط حنانيا وسفيرة وماتا لأنهما كانا طماعين، كذبا على الروح القدس واختلسا من ثمن الحقل (أع 5: 3)، فصار خوف عظيم على جميع الذين سمعوا بذلك. لقد صارا كصور الطامعة، ففقدا حياتهما مع ممتلكاتهماوفصارا عبرة للآخرين.

لعل هذه الجزائر تشير إلي التجار القادمين إليها للتعامل معها أو إلي السفن القادمة تحمل البضائع منكل العالم… إنها تقدم مرثاة على صور مركز التجارة. يا للعجب حين سقطت أورشليم مدينة الملك العظيم لم تجدمن يرثيها بل وجدت من يستهزئ بها ويُعيّرها، أما صور فحين خربت قامت الجزائر ترثيها. أورشليم سقطت لكنالرب أقامها بعد أن تأدبت، أما صور فسقطت فرثاها العالم أما هي فلم تقم بل زالت إلى الأبد! هكذا يسقط المؤمنتحت التأديب وليس من يشفق عليه لكن عين الرب تترفق به وتسنده، أما الشرير المصمم على شره فحين يسقطيرثيه الكثيرون أما هو فلا يقوم! وربما قصد هنا “الشر” ذاته إذ يسقط ولا يقوم.

  1. هبوطها في العالم السفلي:

“أُهبطك مع الهابطين في الجب إلى شعب القدم.

وأُجلسك في أسافل الأرض، في الخرب الأبدية مع

الهابطين في الجب لتكوني غير مسكونة، وأجعل فخرًا

في أرض الأحياء، أُصيّرك أهوالا ولا تكونين، وتُطلبين

فلا توجدين إلي الأبد” [20-21].

إن كانت صور تمثل خطيئة الطمع، فإنها وإن كانت تبدو في البداية براقة وجذابة ويشتهيها الكثيرون، لكنهامخادعة، تبيد ولا تعود توجد بعد. إنها كغيرها من جميع الخطايا، يظن الإنسان فيها كل شعبه ولذته وسعادته،لكنه سرعان ما يكتشف أنها ليست بموجودة. إنها كالسراب يجري وراءه الإنسان ولا يرتوي!.

 

من وحي حزقيال 26

لتسقط هي فأغتني!

v   لتسقط هي فأغتني أنا!

هذا ما تغنت به صور عندما انهارت أورشليم!

انها شامتة طامعة على حساب غيرها!

v   تُرى ماذا اقتنت بصور بخراب أورشليم؟

عوض أن تقتني التجار فقدت بناتها،

عوض انشغال العالم بها وحدها صارت غنيمة الجيوش،

عوض نوال كرامة قُتل شعبها،

وعوض الفرح والغناء صارت صخرة عارية بائسة!

v   علمني يا رب الحب والرحمة،

فلا أشمت بمصائب إخوتي، ولا أستغل هذه الفرص لصالحي!

انزع صور من قلبي،

وهب لي أن أُبذل لأجل إخوتي،

أشاركهم مشاعرهم،

وأحسبهم فرحي وإكليلي!

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى