تفسير سفر حزقيال ٤٢ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح الثاني والأربعون

المخادع المقدسة

يتحدث في هذا الأصحاح عن:

  1. المخادع المقدسة        [1-12].
  2. استخدامها               [13-14].
  3. قياس البيت كله          [15-20].
  4. المخادع المقدسة:

بعد أن تمتع حزقيال النبي بالدخول إلى القدس الذي يمثل موضع العبادة الجماعية، وقدس الأقداس الذيرآه دون أن يدخله إذ يمثل عمل السيد المسيح الكفاري الذي يدخلنا فيه إلي حضن الآب، انطلق به الروح إليالخارج في مبنى نحو الشمال وآخر نحو الجنوب يمثلان المخادع (الحجرات) الخاصة بالكهنة دعاها “مخادعمقدسة” [13]. هذه المخادع داخل أسوار الهيكل، لها قدسيتها ومتلازمة مع مبنى الهيكل نفسه ومكملة له، إنهاتمثل العبادة الخاصة في المخدع، فالحياة الروحية الحقة، أو الاتحاد مع الله في ابنه بالروح القدس لا يتحققبالعبادة الجماعية وحدها ولا بالعبادة الخاصة وحدها، إنما تتم من خلال العبادة كحياة واحدة يمارسهاالإنسان مع الجماعة كعضو حي فيها، ويمارسها مع أسرته وفي خلوته دون أن يعتزل عضويته للجماعة. هذا هومفهومنا الكنسي للحياة التعبدية، إنها حياة واحدة يعيشها المؤمن؛ يشترك مع إخوته في العبادة خلال علاقتهالشخصية السرية مع الله، ويتعبد في مخدعه كعضو حي في الجماعة المقدسة… بمعنى أنه لا توجد ثنائية فيالعبادة: جماعية وفردية، بل وحدة متكاملة ومتلازمة.

كان المبنى يتسع في الوسط عنه في الأسفل، ويزداد اتساعًا في الجزء الأعلى، لأن حائط المبنى كان يقلسمكه كلما ارتفع فيعطي اتساعًا للطوابق العُليا. وكما قلنا في الأصحاح السابق إنه كلما ارتفع الإنسان بالروحالقدس إلي أعلى خف ثقل احتياجات الجسد ورغباته الأرضية الزمنية (السور) واتسع القلب بالحب.

ولعل وجود ثلاثة طوابق [3، 6] حجرات سفلية وأخرى علوية وثالثة في الوسط يذكرنا بما قاله العلامةأوريجانوس[313] في حديثه عن أنواع التفسير الثلاثة لكلمة الله، التفسير الحرفي المُرّ الذي يمثل الطابقالسفلي حيث تكون المساحة ضيّقة والحائط سميك للغاية، إذ يجعل النفس ضيقة والعقل غير متسع بينما يكونالجسد ثقيلاً، أما التفسير الروحي العلوي ففيه تنطلق النفس إلي حجال العريس تتعرف علي أسراره ويتسعقلبها بالحب ولا يمثل الجسد ثقلاً عليها. أما التفسير الثالث أو السلوكي فيقف في المنتصف. وقد رأى العلامةأوريجانوس أن هذه التفاسير الثلاثة تنطبق على فلك نوح ذي الطوابق الثلاثة: الطابق السفلي يحويالحيوانات النجسة، والمتوسط الحيوانات المقدسة، والثالث العلوي يحوي نوح عائلته في الأعالى في شركة معالله.

إن كان البيت قد غُلِّف كله بالأخشاب لكي يظهر قطعة واحدة، جسدًا واحدًا في المسيح المصلوب، إلا أنهذه الحجرات الكثيرة ترافق البيت كجزء لا يتجزأ منه لتعلن أنه في المجد، وإن كنا جميعًا نمثل جسدًا واحدًا فإننجمًا يمتاز عن نجم في القيامة من الأموات (1 كو 15: 41). حقًا كل يفرح بوجوده في حضن الآب متحدًا فيابنه بالروح القدس، ويفرح كل واحد لمجد إخوته من أجل طبيعة الحب الفائقة التي تعمل فينا هناك بغير عائق،لكن “مجد الشمس شيء ومجد القمر آخر ومجد النجوم آخر” (1 كو 15: 41). في السماء تظهر القديسةمريم والدة الإله ممجدة أكثر من السمائيين والأرضيين، ويظهر الرسل والتلاميذ والأنبياء والشهداء لهم أمجادهممن أجل آلامهم، وشهادتهم لله حتى الدم، وهكذا…

يقول السيد: “في بيت أبي منازل كثيرة” (يو 14: 2)، لهذا يجاهد كل واحد منا لا ليفوق إخوته في المجدبل ليبلغ إلى شركة أعمق مع الله واتحاد فيه لنبلغ “إلى قياس قامة ملء المسيح” (أف 4: 13).

  1. استخدامها:

يستخدم الكهنة هذه المخادع في أمرين:

أ. فيها يأكل الكهنة الذين يتقربون إلى الله.

ب. فيها توضع ملابس الكهنوت التي للخدمة الإلهية.

كأن لقاءنا مع السيد المسيح في مخادعنا غايته أن ندخل إلى شركة وخبرة عملية مع الله، فنأكل كلمتهونشبع ونرتوي، لكي ننمو كل يوم في الحياة الجديدة التي صارت لنا فيه. وأيضًا أن نلبس المسيح كثوب البر، بهوحده نقدر أن نلتقي مع الآب فيقبل صلواتنا وأصوامنا وكل عبادتنا في المسيح يسوع ربنا.

  1. أبعاد البيت كله:

قاس أبعاد البيت كله فوجده متسعًا للغاية، 500 قصبة قياس من كل جانب، فهو بيت مربع كما رآهالقديس يوحنا الحبيب (رؤ 21)، ومتسع لكل البشرية، يقدر كل أحد أن يجد له فيه مكانًا.

بالرغم من اتساعه الذي يعلن عن مدى شوق الله إلى جمع البشرية كلها فيه، لكنه جعل له سورًا “للفصل بينالمقدَّس والمحلَّل” [20]. إن حب الله وطول أناته واتساع ملكوته لا يعني أن يدخل بغير المستحقين من مستهترينوغير تائبين إليه.

 


 

من وحي حزقيال 42

عبادة في المخدع!

v   ما هذا المبنى الخارجي الملحق بالهيكل

إلا عبادة المخدع المرافقة للعبادة الجماعية؟!

علمني أن أعبدك وسط الجماعة،

وأن التقي خفية!

وسط الجماعة أحرص على علاقتي الشخصية بك،

وفي مخدعي أحرص على صلاتي من أجل الجماعة!

v   ما هذه الطوابق الثلاثة للمبنى الخارجي،

إلا السلم الذي يرفعني للتمتع بالإتحاد معك؟!

احملني من الطابق السفلي الضيق والسميك،

أرفعني إلى فوق فأنعم باتساع القلب وخفة الروح!

هب لي جناحي حمامة فأطير إلى السماء!

v   ماذا يفعل الكهنة في هذا المبنى؟

يأكلون ما هو محلل لهم،

ويرتدون الثياب!

أنت هو الخبز السماوي!

أنت هو ثوبنا الأبدي!

بك نشبع، وفيك نختفي، يا محب البشر!

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى