تفسير سفر عزرا ٦ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح السادس
داريوس الوثني يحث على بناء بيت الله
في الأصحاحين السابقين لاحظنا أنه يمكننا الاستفادة حتى من اضطهاد العالم لنا، ولا نعجب أن نجد عونًا وتعاطفًا يصدر حتى من غير المؤمنين متى رجعنا إلى الله بالتوبة. تحركت قلوب اليهود بالتوبة، فتحركت عناية الله ووجهت قلب تتناي ومن معه للسؤال عن ما يفعلونه بروحٍ طيبة، وبعث رسالة للملك تحمل نية صادقة، ولم يطلبوا إيقاف العمل! الآن نرى عمل العناية الإلهية في قلب الملك داريوس نفسه.
- طلب الملك البحث عن كتابة الملك كورش في سجلات الدولة، هذا احتاج إلى سنوات دون أن يطلب داريوس إيقاف العمل [1-5].
أ. طلب داريوس من الوالي ورجاله ابتعادهم عن المدينة حتى يتمموا “عمل بيت الله” [6-7].
ب. تقديم عون مالي سريع من جزية الملك حتى لا يتوقف العمل [8].
ج. إن كان كورش قد علم عن وجود يهوه (1: 3)، الآن نجد داريوس يسأل اليهود لكي يصلوا ليهوه ويقدموا ذبائح من أجله [9].
د. طلب داريوس الصلاة عن حياة الملك وبنيه [10].
هـ. إصدار تشريع بصلب من يقاوم العمل [11].
- لم يتباطأ الوالي ومن معه في تنفيذ ما ورد في الرسالة الملكية [13].
- استمر اليهود في البناء، وفى عام 516 ق.م، أي بعد أربع سنوات من بداية التجديد (4: 24)، تم بناء الهيكل [15]. كما قاموا بتدشينه بفرحٍ عجيبٍ، مع الاحتفال بعيد الفصح بتهليلٍ عظيمٍ [14-22]. “لأن الرب فرّحهم وحوَّل قلب ملك أشور نحوهم لتقوية أيديهم في عمل بيت الله إله إسرائيل” [22].
كتابة كورش والعناية الإلهية 1-5.
حِينَئِذٍ أَمَرَ دَارِيُوسُ الْمَلِكُ،
فَفَتَّشُوا فِي بَيْتِ الأَسْفَارِ،
حَيْثُ كَانَتِ الْخَزَائِنُ مَوْضُوعَةً فِي بَابِلَ [1].
أصدر الملك أمره بالتفتيش في خزائن الملك عن منشور ادعى اليهود أن كورش أصدره لبناء هيكل الرب. وبالفعل وجدوه في الأرشيف الذي في مدينة احمثا، مصيف الملوك. فجاءت توصية داريوس الملك بعدم التعرض لهم، بل وأصدر داريوس أمرًا أن يُدفع مبلغ من مال الملك، أي من الجزية، للمساهمة في نفقة البناء، وما يحتاجون إليه من حيوانات لتقديمها ذبائح. بالفعل نفذ تنتاي ومن معه أمر الملك وبُني البيت ودُشن بفرحٍ عظيمٍ.
“بيت الأسفار” أي بيت الكتب، حيث تُحفظ الوثائق الهامة.
فَوُجِدَ فِي أَحْمَثَا فِي الْقَصْرِ الَّذِي فِي بِلاَدِ مَادِي
دَرْجٌ مَكْتُوبٌ فِيهِ هَكَذَا: تِذْكَارٌ [2].
“أحمثا”
اسم أرامي مشتق من الاسم الفارسي القديم “هجمتاثا”، وهي عاصمة ميديا.
يدعوها اليونانيون”اكتبانا”، وهي عاصمة بلاد مادي، موقعها الآن همدان، كانت مصيفًا للملوك. ويظهر أن الكتابات الهامة القديمة، فهي من أيام كورش، قد نقلت إلى هناك. وهناك احتمال آخر أن مشيري الملك الذينتم رشوتهم (٥:٤) أخفوا الدليل – أمر كورش – في هذا المكان والله أراد كشفه الآن ليتم البناء. في منطقة أحمثا ثم اكتشاف الكثير من الوثائق المكتوبة على ألواح طينية وبرديات سُجلت فيها أعمال تجارية وبيانات تاريخية.
“درج”: كانوا قديمًا يكتبون على قطعة من نسيج الكتان أو الرقوق عند كل من طرفيها قضيب خشب يلفالدرج عليه.
فِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ الْمَلِك،ِ
أَمَرَ كُورَشُ الْمَلِكُ مِنْ جِهَةِ بَيْتِ اللهِ فِي أُورُشَلِيمَ:
لِيُبْنَ الْبَيْتُ الْمَكَانُ الَّذِي يَذْبَحُونَ فِيهِ ذَبَائِحَ،
وَلْتُوضَعْ أُسُسُهُ ارْتِفَاعُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا [3].
“ارْتِفَاعُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا” ارتفاع القدس وقدس الأقداس على التوالي. وكون أنالملك يعطى تصريح بأن يكون الارتفاع ستون ذراعًا، فهذا لا يعنى أنه يتدخل في ارتفاع القدس أو قدس الأقداس،بل أقصى ارتفاع للمباني الملحقة بالهيكل.
الملك كورش الذي يدعو اليهود لإعادة بناء الهيكل في أورشليم يديننا إن كنا لا نهتم ببناء هيكل الرب في قلوبنا بناء على دعوة الله، الذي يقدم لنا كل إمكانية لتحقيق ذلك.
v واضح أننا هيكل الله إن صنعنا الصلاح. إن كان إنسان ما هيكلا لله، فإن ما بالهيكل بالضرورة يكون خاصًا بالله… لا يوجد هيكل لله حيث تكون كثرة من الرذائل[64].
الأب فاليريان
v إني أقول لكم أيضًا عن الهيكل، إن هؤلاء الضالين الأشقياء انحصر رجاؤهم في بناء الهيكل، وليس بالله صانعهم. لقد فعلوا كما يفعل الوثنيّون عندما حصروا الله في الهيكل كالصنم، لكنّه سوف يُهدم الهيكل. تعلموا: “من قاس السماوات بالشبر وكال بالكيل (تراب) الأرض؟ ألست أنا يقول الرب؟ السماوات كرسيّ والأرض موطئ قدميّ. أين البيت الذي تبنون لي؟ وأين مكان راحتي؟” (راجع إش ٤٠: ١٢؛ ٦٦: ١)… قبل أن يكون لنا الإيمان بالرب كان داخلنا حقيرًا فاسدًا كهيكل مبني بأيدٍ بشريّة. كان هذا الهيكل مليئًا بعبادة الأصنام، ومسكنًا للشيطان عندما كنا نعمل ما يخالف الرب. انتبهوا حتى يأتي البناء عظيمًا، لأنّه يُبنى باسم الرب… يُبنى بعد نوالنا غفران الخطايا ووضع رجائنا في الرب وتجديدنا، فيُعاد بناؤنا، ويسكن الرب في داخلنا.
كيف يتم ذلك؟ تتنبّأ فينا كلمته، وهي غرض إيماننا ودعوة موعده وحكمة وصاياه وتعاليمه، وتفتح لنا باب الهيكل، أي تفتح فمنا بالصلاة، نحن الذين كنا مستعدّين للموت، ويهبنا مغفرة الخطايا، ويدخل بنا إلى الهيكل غير الفاسد. من أراد أن يخلّص لا يتطلّع إلى الإنسان وإنّما إلى الساكن فيه… هذا ما يعنيه الهيكل الروحي الذي بناه الله[65].
برناباس
v لنعمل ما ينبغي علينا عمله، معتبرين أنّه حالّ فينا، ونحن هياكله، وهو إلهنا الساكن فينا. وهذا سيظهر لنا بكل وضوح إن أحببناه باستقامة[66].
v اعتبرتم نفوسكم حجارة هيكل الآب، أُعدت لبناء الله، ورُفعتم إلى فوق بأداة يسوع المسيح، أي بالصليب، وبحبل الروح القدس. إيمانكم يسحبكم إلى فوق، والمحبّة هي الطريق الذي يؤدي بكم إلى الله.
أنتم إذن رفاق الطريق، حاملون الله Theophoroi والهيكل Naophoroi والمسيح Christophori والقدسات[67]Agiaphoroi.
القدِّيس أغناطيوس الثيوفورس
بِثَلاَثَةِ صُفُوفٍ مِنْ حِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ وَصَفٍّ مِنْ خَشَبٍ جَدِيد.
وَلْتُعْطَ النَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ [4].
“بثلاثة صفوف من حجارة عظيمة”: هذه إشارة لطريقة بناء الحوائط وبناء الغرفات عليها.
v رأى يوحنا المدينة المقدسة نازلة من السماء مبنية على أسس من حجارة كريمة ولها اثنا عشر بابًا (رؤ 10:21-21)… في هذه المدينة يملك المسيح؛ وسكانها أنفسهم هم سكان وأبواب، بيوت وسكان. المسيح ساكن فيهم، المسيح يتحرك فيهم. يقول: “أنا أسكن وأتحرك فيهم”.
فكروا في النفس القديسة كيف أنها أقدس من أن تُوصف. إنها تضم المسيح الذي السماء ليست متسعة لتحويه!… يتحرك فيها! فبالتأكيد هي بيت متسع فيه يسير.
قيل: “أنتم هيكل الله، والروح القدس يسكن فيكم” (راجع 1 كو 16:3). لنعد هيكلنا حتى يأتي المسيح ويجد مسكنه فينا، وتصير نفوسنا صهيون، وتكون برجًا يُقام في الأعالي، فتكون دومًا إلى فوق وليس إلى أسفل[68].
القديس جيروم
وَأَيْضًا آنِيَةُ بَيْتِ اللهِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ،
الَّتِي أَخْرَجَهَا نَبُوخَذْنَصَّرُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ
وَأَتَى بِهَا إِلَى بَابَِلَ،
فَلْتُرَدَّ وَتُرْجَعْ إِلَى الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى مَكَانِهَا،
وَتُوضَعْ فِي بَيْتِ اللهِ [5].
داريوس يخشى الرب 6-12.
حوّل الله هذا الموقف لصالح شعبه. فإذا بحث الملك عن منشور كورش، يبدو أنه تأثر من أسلوب المنشور بجانب يد الله الصالحة التي تعمل في قلوب الملوك والرؤساء لحساب شعبه. فنجد في هذه الرسالة صورة حية لهذا العمل.
وَالآنَ يَا تَتْنَايُ وَالِي عَبْرِ النَّهْرِ
وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرُفَقَاءَكُمَا الأَفَرْسَكِيِّينَ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ،
ابْتَعِدُوا مِنْ هُنَاكَ [6].
جاء الأمر الملكي يمنع تنتاي أو غيره من تعطيل العمل [6-7].
كشفت رسالة داريوس عن شخصيته الوقورة، فإنه لم يصدر أمرًا بإيقاف العمل إلى حين وجود منشور كورش. وعندما وُجد المنشور احترم شريعة مادي وفارس التي لا تُنسخ، كما لم يضرب بعرض الحائط أوامر الملوك السابقين له.
اتْرُكُوا عَمَلَ بَيْتِ اللهِ هَذَا.
أَمَّا وَالِي الْيَهُودِ وَشُيُوخُ الْيَهُودِ،
فَلْيَبْنُوا بَيْتَ اللهِ هَذَا فِي مَكَانِهِ [7].
حقًا قلب الملك في يد الله، وها نحن نجد الملك يصدر أمرًا للوالي بأن يكمل بناء الهيكل، ويظهر من لغة الكلامأن الملك كان يميل لليهود فديانة الفرس تعتقد بوجود إله واحد، ومنهم هذا الملك غالبًا، لا يميلون إلى عبادةالأصنام. ونلاحظ وجود مذاهب متعددة، فكان كورش يمجد آلهة بابل، ولكن هناك ملوك مثل هذا الملك كانوا يؤمنونبمبدأ الإله الواحد، فتوافقوا في هذا مع اليهود.
وَقَدْ صَدَرَ مِنِّي أَمْرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
مَعَ شُيُوخِ الْيَهُودِ هَؤُلاَءِ فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ هَذَا.
فَمِنْ مَالِ الْمَلِكِ، مِنْ جِزْيَةِ عَبْرِ النَّهْرِ، تُعْطَ النَّفَقَةُ عَاجِلاً،
لِهَؤُلاَءِ الرِّجَالِ حَتَّى لاَ يَبْطُلُوا [8].
لم يقف الأمر عند منع التعرض للذين يعملون، وإنما قدم الملك مما يخصه من جزية مساهمة سريعة وعاجلة لإتمام لعمل.
وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الثِّيرَانِ وَالْكِبَاشِ وَالْخِرَافِ،
مُحْرَقَةً لإِلَهِ السَّمَاءِ،
وَحِنْطَةٍ وَمِلْحٍ وَخَمْرٍ وَزَيْتٍ،
حَسَبَ قَوْلِ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ
لِتُعْطَ لَهُمْ يَوْمًا فَيَوْمًا حَتَّى لاَ يَهْدَأُوا [9].
عَنْ تَقْرِيبِ رَوَائِحِ سُرُورٍ لإِلَهِ السَّمَاءِ وَالصَّلاَةِ،
لأَجْلِ حَيَاةِ الْمَلِكِ وَبَنِيهِ [10].
واضح أن داريوس الوثني كان يقدر الإله الحي، ويطلب بركته، ويسأل رجال الله أن يصلوا من أجله ومن أجل بنيه.
“الصلاة لأجل حياة الملك”. من هذا يتضح أن الملك مقتنع بقوة صلاة شعب الله عنه. ألم نسمع أن عينالله كانت على شعبه، فهل بعد هذا يُمكن أن نخاف من أي أعداء للكنيسة؟ هنا نرى الله يوقف عمل الشيطان متىأراد إذا كان هناك أناس مخلصون يعملون بجدية. لقد هاج الشيطان وأوقف العمل، ولكن العمل عاد ومعه بركاتأكثر من الأول.
كما أن بعض غير المؤمنين إذ يتعرفون على الله يطلبون الصلاة عنهم، كذلك يليق بالمؤمنين الصلاة من أجل كل الناس، خاصة الملوك والرؤساء وأصحاب السلاطين (1 تي 2: 1-3).
وَقَدْ صَدَرَ مِنِّي أَمْرٌ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يُغَيِّرُ هَذَا الْكَلاَمَ،
تُسْحَبُ خَشَبَةٌ مِنْ بَيْتِه،ِ
وَيُعَلَّقُ مَصْلُوبًا عَلَيْهَا،
وَيُجْعَلُ بَيْتُهُ مَزْبَلَةً مِنْ أَجْلِ هَذَا [11].
وَاللهُ الَّذِي أَسْكَنَ اسْمَهُ هُنَاكَ،
يُهْلِكُ كُلَّ مَلِكٍ وَشَعْبٍ يَمُدُّ يَدَهُ لِتَغْيِيرِ،
أَوْ لِهَدْمِ بَيْتِ اللهِ هَذَا الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ.
أَنَا دَارِيُوسُ قَدْ أَمَرْتُ فَلْيُفْعَلْ عَاجِلاً [12].
يا للعجب فإن الملك الوثني يحمل مهابة نحو بيت الله، فيحكم بصلب من لا يبالي ببنائه. ويتم الصلب على خشبة من بيته. وكأنه حكم على نفسه بنفسه بصلبه بسبب اهتمامه ببيته دون بيت الله. فالخطية تحمل في ذاتها الموت والفساد لمن يرتكبها.
فرح المسبيين 13-22.
حِينَئِذٍ تَتْنَايُ وَالِي عَبْرِ النَّهْرِ وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرُفَقَاؤُهُمَا،
عَمِلُوا عَاجِلاً حَسْبَمَا أَرْسَلَ دَارِيُوسُ الْمَلِكُ [13].
لم يبحث تتناي عن حجج لتأجيل أمر الملك، وإنما أسرع عاجلاً بتنفيذ ما ورد في رسالة الملك. لم يكن هذا الوثني يحمل كراهية للمؤمنين، ولا مقاومة لله.
“عملوا عَاجِلاً”: لقد خافوا من أمر الملك، كما أن روح الله كان يحرك الجميع.
وَكَانَ شُيُوخُ الْيَهُودِ يَبْنُونَ وَيَنْجَحُونَ،
حَسَبَ نُبُوَّةِ حَجَّيِ النَّبِيِّ وَزَكَرِيَّا بْنِ عِدُّو.
فَبَنُوا وَأَكْمَلُوا حَسَبَ أَمْرِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ،
وَأَمْرِ كُورَشَ وَدَارِيُوسَ وَأَرْتَحْشَشتَا مَلِكِ فَارِسَ [14].
سرّ نجاحهم في العمل سماعهم للصوت الإلهي، وارتباطهم بكلمة الله.
“أكملوا حسب أمر إله إسرائيل”: أمر الله أولاً، واستجاب لهُ الملك، والملك أمر واستجاب لهُ الولاة. لكنالذي بدأ هو الله وهو أيضًا الذي أمال قلوب الشعب ليعملوا ويبنوا.
وَكَمُلَ هَذَا الْبَيْتُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ شَهْرِ أَذَارَ،
فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مُلْكِ دَارِيُوسَ الْمَلِكِ [15].
استغرق البناء أربع سنوات في جهد متواصل وبقلب ملتهب بالحب لله.
كورش وداريوس وأرتحششتا: كورش وداريوس هستاسبس أصدرا أوامر بالبناء، أما أرتحششتا (قمبيز) فأصدر أمرًا بوقف البناء، ولكن البناء استمر شهورًا في عهده حتى صدر الأمر بالتوقف أو يكونأرتحششتا هو لونجيمانوس ويكون ذكره هنا لتكريمه لأنه هو الذي أصدر أمرًا ببناء السور.
وَبَنُو إِسْرَائِيلَ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّون،َ
وَبَاقِي بَنِي السَّبْيِ،
دَشَّنُوا بَيْتَ اللهِ هَذَا بِفَرَحٍ [16].
كان الاحتفال عظيمًا، سكب روح الفرح على الجميع. فقد عاد الهيكل بعد غيبة عشرات السنوات، وصار لهم إمكانية تقديم الذبائح، وممارسة طقوس الهيكل، والاحتفال بالأعياد.
تدعى الكنيسة “بيت التسبيح“، ففي تدشين الهيكل الأول بارك سليمان الرب وسبحه. يقول القدِّيس أغناطيوس النوراني: [اهتمُّوا في أن تجتمعوا بكثافة أكثر لتقديم الشكر والمجد لله، فعندما تجتمعون مرارًا معًا في الاجتماع الأفخارستي تضمحل قوى الشيطان وتنحل قوَّته أمام إيمانكم وتآلفه[69].]
وَقَرَّبُوا تَدْشِينًا لِبَيْتِ اللهِ هَذَا،
مِئَةَ ثَوْرٍ وَمِئَتَيْ كَبْشٍ وَأَرْبَعَ مِئَةِ خَرُوفٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ تَيْسَ مِعْزًى
ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ عَنْ جَمِيعِ إِسْرَائِيل،َ
حَسَبَ عَدَدِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ [17].
تدعى الكنيسة “بيت الذبيحة“، ففي تدشين الهيكل الأول قدم سليمان والشعب ذبائح كثيرة، لأنَّه بدون سفك دم لن تحصل مغفرة. لقد عرَّف القدِّيس أغناطيوس النوراني الكنيسة بأنَّها “موضع الذبيحة[70]“. ففي الكنيسة نلتقي بالسيِّد المسيح الذبيحة الحقيقيَّة، ونتَّحد به فتصير حياتنا ذبيحة حب فائقة.
كان الاحتفال مع بهجته العظيمة، لكن التقدمات والذبائح أقل بكثير من التي قدمها حزقيا الملك (2 أي 30: 24)، أو يوشيا الصالح (2 أي 35: 7). فمهما قدموا، فإن إمكانياتهم ضعيفة كجماعة قليلة عائدة من السبي.
“إثني عشر تيسًا”: العدد ١٢ يدل على وجود أعداد من كل الأسباط وأنهم عادوا للاتحاد. فالتأديبأعادهم كشعبٍ واحدٍ. ولذلك في آية ١٦ قال: “وبنو إسرائيل،” فهنا عزرا يرى أن الشعب شعب واحد والكهنةواللاويين هم للجميع.
وَأَقَامُوا الْكَهَنَةَ فِي فِرَقِهِمْ،
وَاللاَّوِيِّينَ فِي أَقْسَامِهِمْ عَلَى خِدْمَةِ اللهِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ،
كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ مُوسَى [18].
لصق بهم التعبير “بنو السبي“، فمع ما أعطيت لهم من حرية في العبادة، وبناء بيت الرب، إلا أنهم لازالوا تحت سلطان ملك فارس، ليس لهم ملك خاص بهم مستقل له حرية الحركة في الأمور السياسية. ومن جهة أخرى فإن هذا اللقب يذكرهم بخطيتهم وخطايا آبائهم، التي بسببها سقطوا تحت السبي.
وَعَمِلَ بَنُو السَّبْيِ الْفِصْحَ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ [19].
عملوا الفصح الذي به تحقق خروجهم الأول من عبودية فرعون ليعبروا إلى البرية ويدخلوا أرض الموعد. الآن إذ يحتفلون بعيد الفصح يذكرون عمل الله الخلاصي، وأن ما تم على أياديهم إنما هو عطية الله مخلصهم.
يذكر العهد القديم خمسة أعياد للفصح:
- عند جبل سيناء (عد ٥:٩).
- في الجلجال (يش ١٠:٥).
٣. في زمان حزقيا.
٤. في زمان يوشيا.
٥. والآن في زمان زرُبابل.
كل من هذه الأعياد الخمسة دل على إصلاح العبادة، وتجديد العهد بين الله وشعبه.
يحدثنا الأب ميليتو أسقف ساردس[71] عن ارتباط عيد الفصح بمذبح العهد الجديد:
v يتحقق سرّ الفصح في جسد الرب…
فقد اُقتيد كحمل، وذبح كشاه، مخلصًا إيَّانا من عبودية العالم (مصر)، ومحررنا من عبودية الشيطان كما من فرعون، خاتمًا نفوسنا بروحه، وأعضاءنا الجسدية بدمه…
إنه ذاك الواحد الذي خلصنا من العبودية إلى الحرية، ومن الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، ومن الظلم إلى الملكوت الأبدي…
إنه ذاك الذي هو (فصح) عبور خلاصنا…
هو الحمل الصامت… الذي أخذ من القطيع، واُقتيد للذبح في المساء، ودُفن بالليل.
من أجل هذا كان عيد الفطر مرًا، كما يقول كتابكم المقدس: تأكلون فطيرًا بأعشاب مرَّة،
مرَّة لكم هي المسامير التي استخدمت،
مُرّ هو اللسان الذي جدف،
مرَّة هي الشهادة الباطلة التي نطقتم بها ضده…
تأمل هذا أيها العزيز المحبوب، كيف أن سرّ الفصح جديد وقديم، أبدي وزائل، غير قابل للفساد وقابل للفساد، خالد ومائت!
إنه قديم حسب الناموس، وجديد حسب اللوغس (الكلمة الإلهي).
زائل خلال عبارات الرمز، وأبدي في عبارات النعمة.
قابل للفساد خلال موت الحملان، وغير قابل للفساد خلال حياة الرب…
هكذا ذبيحة الحملان وطقس الفصح وحرف الناموس، هذه قد تحققت في المسيح يسوع. عوض الناموس جاء اللوغوس، فصار القديم جديدًا، وصارت الوصية نعمة، والرمز حقيقة[72].
ميليتو أسقف ساردس
v والآن وأنتم تحتفلون بالبصخة (الفصح) المقدسة، يلزمكم أن تعرفوا أيها الإخوة ما هي البصخة؟…البصخة تعني العبور، وهكذا دُعيَ العيد بهذا الاسم، لأنه في هذا العيد عبر ابن الله من هذا العالم إلى أبيه.
أي نفع لكم أن تحتفلوا بعيد الفصح إن لم تمتثلوا بذاك الذي تتعبدون له… فتعبرون من ظلمة الأفعال الشريرة إلى نور الفضيلة، ومن محبة هذا العالم إلى محبة البيت السماوي؟! فإنه يوجد كثيرون يحتفلون بهذا العيد المقدس ويُكرمون قدره لكنهم يفعلون هذا بغير استحقاق، وذلك بسبب شرهم، وعدم عبورهم فوق هذا العالم إلى أبيهم، أي لا يعبرون شهوات هذا العالم ومن الملذات الجسدية إلى محبة السماء. يا لهم من مسيحيين تُعساء، لا يزالون تحت سيطرة إبليس، مبتهجين بهذا الشر…
لأجل هذا أُنذركم يا إخوتي، بأن تحتفلوا بعيد الفصح كما يلزم، أي ينبغي أن تعبروا. فمن كان من بينكم لا يزال في الخطية، فليُقدس هذا العيد، عابرًا من الأعمال الشريرة إلى حياة الفضيلة. ومن كان فيكم سالكًا في حياة مقدسة، فليعبر من فضيلة إلى فضيلة وهكذا لا يوجد فيكم أحد لا يعبر[73].
القدِّيس أمبروسيوس
لأَنَّ الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ تَطَهَّرُوا جَمِيعًا،
كَانُوا كُلُّهُمْ طَاهِرِين،
وَذَبَحُوا الْفِصْحَ لِجَمِيعِ بَنِي السَّبْي،ِ
وَلإِخْوَتِهِمِ الْكَهَنَةِ وَلأَنْفُسِهِمْ [20].
“وَلإِخْوَتِهِمِ الْكَهَنَةِ وَلأَنْفُسِهِمْ” ذبح اللاويون الفصح للكهنة ولأنفسهم، ليتفرغ الكهنة لخدماتهم الأخرى.
لم يكن ممكنًا أن يأكل الفصح أحد، حتى من الكهنة واللاويين خدام الهيكل، ما لم يتطهروا.
v الإنسان المخادع وغير النقي القلب والذي ليس فيه شيء طاهر… هذا بالتأكيد غريب عن القدِّيسين ويُحسب غير مستحق أن يأكل الفصح، لأن كل ابن غريب لا يأكل منه. لهذا عندما ظن يهوذا أنه حفظ الفصح بينما كان يدبر خداعًا ضد المخلص، صار غريبًا عن المدينة التي هي من فوق، وبعيدًا عن الصحبة الرسولية، إذ أمرت الشريعة أن يؤكل الفصح بحرص لائق، أما هو فبينما كان يأكل نقبه الشيطان، ودخل إلى نفسه (يو 22: 31) [74].
البابا أثناسيوس الرسولي
وَأَكَلَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّاجِعُونَ مِنَ السَّبْي،ِ
مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ انْفَصَلُوا إِلَيْهِمْ مِنْ رَجَاسَةِ أُمَمِ الأَرْض.
لِيَطْلُبُوا الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ [21].
“الذين انفصلوا إليهم“: أكل الفصح الراجعون من السبي، أو الإسرائيليون الذين بقوا في البلاد زمانالسبي وانفصلوا عن رجاسات أمم الأرضو ربما كانوا من السامريين أو الوثنيين الذين تابوا وانفصلوا عن آلهتهموتهودوا.
وَعَمِلُوا عِيدَ الْفَطِيرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِفَرَحٍ.
لأَنَّ الرَّبَّ فَرَّحَهُمْ.
وَحَوَّلَ قَلْبَ مَلِكِ أَشُّورَ نَحْوَهُمْ،
لِتَقْوِيَةِ أَيْدِيهِمْ فِي عَمَلِ بَيْتِ اللهِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ [22].
في تدشين الهيكل الأول مارس سليمان وكل القيادات مع الشعب الاحتفال بتدشين الهيكل لمدَّة سبعة أيَّام، تلاها سبعة أيَّام أخرى حيث احتفلوا بعيد المظال، وفي اليوم الثامن بارك الشعب وصرفهم وهو متهلِّلون بالفرح.
ليس فقط وجد الشعب فرحه الفائق وشعبه في بيت الرب، بل حملوا هذا الفرح معهم إلى بيوتهم ليمارسوه كل أيَّام حياتهم.
هنا أيضًا أكلوا الفصح بروح الفرح والتسبيح، مقدمين الشكر لله الذي فرَّح قلوبهم، وعمل في قلب ملك أشور الوثني لمساندتهم في البناء.
نلاحظ هنا قولهُ” بفرح”، فالفرح يصاحب تجديد العهد مع الله بالتوبة، ونحن لا نفرح سوى بذبيحة الصليبفصحنا الحقيقي.
“ملك أشور” كان داريوس ملك فارس وأشور تتبعه، فيجوز تسميته ملك أشور كما أسماه من قبل ملك بابل. وهنايسميه ملك أشور حتى يذكر القارئ بأن ما بدأه ملك أشور السابق بتشتيت الشعب أنهاه ملك فارس هذا، وها هميجتمعون ثانية وهذا ما يفرحهم. ويفرحهم أيضًا أن الله أمال قلب ملك فارس نحوهم وأن الله قواهم في بناء البيت. لقد سبت أشور إسرائيل، وهوذا أشور الجديد تحث على العمل الإلهي وبناء بيت الرب والعبادة فيه! التوبة الصادقة هي الطريق العملي لبلوغ النجاح في الحياة.
ما نود أن نوضحه هنا هو أن عيد الفطير كان يدعى “خبز الحزن” (تث 17: 3)، إذ كان يرمز للمرارة التي عاشها الشعب في عبوديته لفرعون، وقد تحول الحزن إلى فرح وبهجة، وصار من أكثر الأعياد المفرحة. وبعد أن كان الإمتناع عن أكل الخمير إشارة إلى سرعتهم في الخروج من مصر (خر 12: 33، 39، تث 16: 3)، صار علامة ترك خمير الحياة القديمة والتمتع بحياة جديدة (إش 52: 11-12) لا ترتبط بخمير الماضي.
جاء في عنوان المزمور 112 ترجمة الفولجاتا: “تغيير المسار بواسطة حجي وزكريا”. وهو مزمور مفرح يبدأ بالعبارة: “هللويا. طوبى للرجل المتقي الرب المسرور جدًا بوصاياه”. وجاء تعليق القديس أغسطينوس على هذا العنوان بقوله: [“لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو” (1 كو 3: 17). لهذا من يغير مساره بالعمل في هذا البناء معًا، وبرجاء البنيان الثابت المقدس يكون كحجرٍ حيّ قائم من خرائب هذا العالم البائس، يفهم عنوان هذا المزمور… لهذا فليتغنَ بالعبارات التالية لا بصوت لسانه، بل بحياته. فإن إتمام البناء هو سلام الحكمة الذي لا يُعبر عنه[75].]
هكذا يدعونا القديس أغسطينوس أن نكون حجارة حية مقدسة في بيت الرب فننعم بالحياة المطوَّبة ونمتلئ بسرور الرب العظيم، وتتحول حياتنا كلها إلى تسبحة وترنم مفرح!
ملاحظة
سجل لنا عزرا الكاتب في الأصحاحات الستة السابقة موكب الفوج الأول تحت قيادة زربابل (شيشبصر) ويشوع اللذين نجحا أخيرًا في بناء بيت الرب.
ربما أعطى الملك لزربابل اسم شيشبصر، ومعناه “الفرح وسط المتاعب”، لأنه رآه دائم الفرح، فأُعجب به. فإنه ليس من شهادة لإيماننا الحقيقي مثل الفرح الدائم في الرب!
من وحي عزرا 6
أقم ملكوتك في داخلي يا إله المستحيلات
v يا لحبك الفائق يا إله المستحيلات.
تحوِّل كل الأحداث لحساب ملكوتك في داخلي.
تقيم من قلبي الفاسد هيكلاً مقدسًا لك.
تصنع عجائب في داخلي.
وتشتم ذبائح حب وتسبيح ورضا!
v هوذا أعماقي بين يديك.
ليعمل روحك القدوس فيها.
ليطهرها ويقدسها.
فتقيم فيها وليمة سماوية مفرحة!
تصير أنت سرّ فرحي وعيدي الدائم.
تفسير عزرا 5 |
تفسير سفر عزرا |
تفسير عزرا 7 |
تفسير العهد القديم |