تفسير سفر إشعياء ٣١ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثلاثون

هم يلجلأون لمصر لحمايتهم، وهي غير قادرة علي ذلك، بل ستؤذيهم كالحيات (آية 6) في هذا الإصحاح وما بعده شرح للخلاص الذي يأتي بطريقة معجزيه وتهديد بالويل لمن يتكل علي مصر التي سبق وأذلتهم.

 

آية (1) ويل للبنين المتمردين يقول الرب حتى إنهم يجرون رأيا و ليس مني و يسكبون سكيبا و ليس بروحي ليزيدوا خطيئة على خطيئة.

الله يبين محبته لليهود ويسميهم بنين بالرغم من خطاياهم وتمردهم وطلبهم التحالف مع مصر. ويسكبون سكيباً من عادات الوثنيين أنهم يسكبون أمام الآلهة سكيبة من خمر زيت لتصديق العهد. واليهود فعلوا هذا أمام آلهة المصريين في تحالفهم معهم.

 

آيات (2، 3)  الذين يذهبون لينزلوا إلى مصر و لم يسالوا فمي ليلتجئوا إلى حصن فرعون و يحتموا بظل مصر.فيصير لكم حصن فرعون خجلا و الاحتماء بظل مصر خزيا.

لينزلوا إلي مصر = فالإتكال علي مصر أو أي أحد غير الله هو نزول بينما أن الاتكال علي الله هو صعود للسماويات. وكان سؤال الرب عن طريق رئيس الكهنة أو الأنبياء، وفي أيامنا بالصلاة وقراءة الكتاب المقدس وسؤال الكنيسة.

 

آيات (4، 5) لان رؤساءه صاروا في صوعن و بلغ رسله إلى حانيس.قد خجل الجميع من شعب لا ينفعهم ليس للمعونة و لا للمنفعة بل للخجل و للخزي.

صوعن = هي صالحجر علي نهر النيل (تانيس) كما دعاها اليونانيين. حانيس = أهناسيا. رؤساء يهوذا = أي المرسلون لعقد التحالف مع مصر وكان خجلهم فيما بعد حين تخلي عنهم المصريون وقت الحاجة.

 

آيات (6، 7) وحي من جهة بهائم الجنوب في ارض شدة و ضيقة منها اللبوة و الأسد الأفعى و الثعبان السام الطيار يحملون على أكتاف الحمير ثروتهم و على أسنمة الجمال كنوزهم إلى شعب لا ينفع. فان مصر تعين باطلا و عبثا لذلك دعوتها رهب الجلوس.

بهائم الجنوب = الجنوب هي مصر، ورسل اليهود المرسلين إلي مصر مشبهين بالبهائم، إذ يلجأوا لغير الله.  لبؤة وأسد وثعبان = فهذا تصوير لمصر أنها أرض وحوش كاسرة تستعد للافتراس، ومع هذا أرسل لهم الشعب هداياهم. والله هنا يصور مصر باسم شعري رهب الجلوس ورهب تعني كبرياء وتعظم، والجلوس أي كالتماثيل فهي لا تنفع شيئاً.

 

آيات (9،8)  تعال الآن اكتب هذا عندهم على لوح و ارسمه في سفر ليكون لزمن آت للأبد إلى الدهور. لأنه شعب متمرد أولاد كذبة أولاد لم يشاءوا أن يسمعوا شريعة الرب.

الله يطلب من النبي لا أن يكتفي بالكلام بل يكتب علي لوح ليراه كل إنسان وليصبح هذا شاهداً عليهم.

 

آيات (10 – 12)  الذين يقولون للرائين لا تروا و للناظرين لا تنظروا لنا مستقيمات كلمونا بالناعمات انظروا مخادعات.حيدوا عن الطريق ميلوا عن السبيل اعزلوا من أمامنا قدوس إسرائيل.لذلك هكذا يقول قدوس إسرائيل لأنكم رفضتم هذا القول و توكلتم على الظلم و الاعوجاج و استندتم عليهما.

هنا نري الشعب يرفض الوعظ الذي يكشف خطاياه ويطلب كلاماً ناعماً ونبوات كاذبة تتفق مع مشيئته. وقارن مع سفر الرؤيا حين يفرح الناس بقتل النبيين ويرسلوا هدايا لبعضهم (رؤ 11) هؤلاء يرفضون قدوس إسرائيل.

 

آيات (13، 14)  لذلك يكون لكم هذا الإثم كصدع منقض ناتئ في جدار مرتفع يأتي هده بغتة في لحظة. و يكسر ككسر إناء الخزافين مسحوقا بلا شفقة حتى لا يوجد في مسحوقه شقفة لأخذ نار من الموقدة أو لغرف ماء من الجب.

الصدع يكون قبل الهدم (هدم الجدار). ويكون فيه ويزداد رويداً رويداً، غير أن هدم الجدار يكون دفعة واحدة بغتة، وهكذا سيكون سقوط يهوذا ولكن من أسباب قديمة داخلية (وسيكسر حتى لا يصلح سوي للمزبلة وكسر الإناء هذه نراها بالتفصيل في (أر 19).

 

آية (15)  لأنه هكذا قال السيد الرب قدوس إسرائيل بالرجوع و السكون تخلصون بالهدوء و الطمأنينة تكون قوتكم فلم تشاءوا.

هم لم يقبلوا الخلاص بطريقة الله التي كلها هدوء وطمأنينة وسلام بدل المخاوف. و لكن هذا السلام يتطلب الرجوع لله بالتوبة والهدوء بثقة بالرجوع والسكون تخلصون = أي بالرجوع عن خطاياهم خصوصاً الاتكال علي مصر.

 

آيات (16، 17)  و قلتم لا بل على خيل نهرب لذلك تهربون و على خيل سريعة نركب لذلك يسرع طاردوكم. يهرب ألف من زجرة واحد من زجرة خمسة تهربون حتى إنكم تبقون كسارية على رأس جبل و كرآية على أكمة.

اشتهرت مصر قديما بالخيل والملك سليمان أخذ خيل من مصر والمعني إصرارهم علي الاتكال علي مصر وقوتها الحربية. وهم رفضوا دعوة الله في  آية (15) وقالوا نهرب إلي مصر ظانين أنها قادرة أن تنقذهم، فإذا بالعدو يطاردهم بل يهربون من لا شيء، وهذا ناشي عن رعبهم. الله هنا ينذرهم بأن اتكالهم علي مصر سيكون سبباً في تشتتهم. كسارية = شجرة وحيدة باقية بعد قطع كل الأشجار. وكرآية علي أكمة = هي رآية في مكان ظاهر تبقى بعد.تشتت الجنود عبرة للجميع. هنا نري أيضاً صورة البقية.

 

آيات (18 – 26) صورة جميلة للشعب بعد انتهاء الحصار، وهذا وعد من الله لهم أنهم لو تركوا الاعتماد علي مصر ورجعوا إليه يرحمهم. هذه البركات هي للبقية سواء بعد فك حصار أشور أو الرجوع من السبي (من بابل) أو للمؤمنين بالمسيح.

 

آيات (18، 19) لذلك ينتظر الرب ليتراءف عليكم و لذلك يقوم ليرحمكم لان الرب اله حق طوبى لجميع منتظريه.لان الشعب في صهيون يسكن في أورشليم لا تبكي بكاء يتراءف عليك عند صوت صراخك حينما يسمع يستجيب لك.

لا تبكي = الله المحب الذي لا يحتمل بكائنا بل يعطينا فرحاً داخليا. و عند صوت صراخنا = يسمع ويستجب. هنا نري الله ينتظر عودتهم ورجوعهم له. وهنا يسكنهم الرب في أورشليم في هدوء وسلام. وهذه إشارة لسكني المؤمنين في الكنيسة في سلام.

 

آيات (20 : 21)  و يعطيكم السيد خبزا في الضيق و ماء في الشدة لا يختبئ معلموك بعد بل تكون عيناك تريان معلميك. و أذناك تسمعان كلمة خلفك قائلة هذه هي الطريق اسلكوا فيها حينما تميلون إلى اليمين و حينما تميلون إلى اليسار.

حتى لو تضايقوا في السبي، أو لو عادوا من السبي وسكنوا في أورشليم وأتت عليهم آية ضيقة (وهذه تنطبق علينا الآن ونحن فى الكنيسة معرضين لتجارب) فالرب لا يتركهم ولا يقطع عنهم القوت الروحي أي نعمته اليومية. والقوت الروحي يرسله لهم الله عن طريق الروح القدس الذي يعلم ويذكر ويهب روح التعليم للمعلمين الذين يرسلهم الرب لنا وللشعب. والله لم يترك شعبه في السبي دون أنبياء بل أرسل لهم حزقيال ودانيال.  كلمة خلفك = كتائهين عن الطريق يسمعون صوت دليلهم (صوت الروح القدس) من ورائهم يقول لهم أرجعوا.

 

آية (22)  تنجسون صفائح تماثيل فضتكم. المنحوتة و غشاء تمثال ذهبكم المسبوك تطرحها مثل فرصة حائض تقول لها اخرجي.

هنا نري بركات التجربة. وأنهم رفضوا أوثانهم بكراهية شديدة.

 

الآيات (23 – 26)  ثم يعطي مطر زرعك الذي تزرع الأرض به و خبز غلة الأرض فيكون دسما و سمينا و ترعى ماشيتك في ذلك اليوم في مرعى واسع. و الأبقار و الحمير التي تعمل الأرض تأكل علفا مملحا مذري بالمنسف و المذراة. و يكون على كل جبل عال و على كل أكمة مرتفعة سواق و مجاري مياه في يوم المقتلة العظيمة حينما تسقط الأبراج.و يكون نور القمر كنور الشمس و نور الشمس يكون سبعة أضعاف كنور سبعة أيام في يوم يجبر الرب كسر شعبه و يشفي رض ضربه.

نبوءة بأحسن البركات للكنيسة. خبز غلة = هنا نري الجهاد والنعمة، فالمؤمن يزرع والرب يبارك في الثمار. وروحياً فكلمة الله هي طعام القلب لمن يتأمل فيها. مطر زرعك + سواقي ومجاري مياه = هذه عطايا الروح القدس وفي (24) الأبقار والحمير إشارة للأجساد، وهنا يعد الله بأنها تأكل أحسن طعام علفاً مملحاً نقياً من التبن والأتربة علامة الاهتمام بالجسد الذي تقدس لحساب المسيح وفي (25) نعمة الله ستفيض علي العظماء (الجبال) وعلي البسطاء (الآكام) وهؤلاء مرتفعين بحياتهم السماوية، أما المتكبرين (الأبراج) فسيسقطون يوم المقتلة العظيمة = هو يوم هلاك جيش أشور، يوم ال 185.000 أو هو يوم نهآية بابل، أو هو يوم الصليب، يوم صراع المسيح مع الشيطان علي الصليب والذي من بعده قامت الكنيسة منتصرة، أو هو في الأيام الأخيرة بعد المعركة العظيمة ومجيء المسيح. ويوم الصليب سقطت الأبراج (جزئياً) أي الشياطين المتكبرين. وفي مجيئه الثاني تكون نهايتهم ونهآية كبريائهم.

وفي (26) بعد مجيء المسيح يصبح نور القمر = أي الكنيسة كالشمس إذ نري الله في كمال مجده، ويكون نور الشمس سبعة أضعاف = أي نور كامل لأننا سنري الله وجهاً لوجه، نراه في كمال مجده وليس فى لغز أو كما فى مرآة. سبعة أيام = رقم 7 رقم كامل والمعني سنوجد في هذا المجد للأبد، بلا نهآية.

 

آيات (27- 33) هنا تتداخل آيات البركة والدينونة.

آية (27)  هوذا اسم الرب يأتي من بعيد غضبه مشتعل و الحريق عظيم شفتاه ممتلئتان سخطا و لسانه كنار آكلة.

أسم الرب = الاسم هو ما يعرف به المسمي ومعني الكلام أن الرب سيظهر نفسه بأعمال مخيفة ليعرف كل الناس قوة غضبه. و غضبه يأتي من بعيد فهو أنتظر طويلاً وأطال أناته لعل (أشور / الشيطان / كل إنسان شرير ) يتراجع عن كبريائه وشروره. و هو من بعيد لأن الأشرار يظنونه بعيداً وعقابه بعيد، بل ربما ظنوا أنه لن يأتي. وشفتاه = شفتا الرب تقطران دسماً لأولاده وسخطاً للعصاة. لسانه = لسان الله يدعو الكل لخيراته السماوية ويكون كنار آكلة للمضادين. الحريق عظيم = هلاك أشور أو هلاك الأيام الأخيرة.. وتصوير غضب الله هنا أنه كغيمة تأتي من بعيد وسريعاً ما تمتلئ السماء غيوماً وتسود السماء ويأتي المطر والريح. ومن البروق يشتعل حريق عظيم. هو مطر يسبب فيضاناً مهلكاً بالإضافة لحريق عظيم.

 

آية (28)  و نفخته كنهر غامر يبلغ إلى الرقبة لغربلة الأمم بغربال السوء و على فكوك الشعوب رسن مضل.

نفخته كنهر = الله ينفخ في الريح فتعطي مطراً بفيضان يبلغ إلي الرقبة = هذه تفهم أن ملك أشور وصل حتى أورشليم (الرقبة) لكنه لم يغرقها فهو لم يدخلها. و تفهم علي ملك أشور نفسه أن غضب الله وصل إلي رقبته فقد هلك جيشه أما الملك نفسه فلم يهلك بل عاد لبلاده. و لاحظ في الآية (25) أن الماء كان يرمز لفيض الروح القدس علي الكنيسة. فنفخة الله لكنيسته فيها كل ملء البركة ونفخته ضد أعدائه فيضان يهلكهم. غربال السوء = هو الذي لا يبقي فيه سوي الهشيم وهذا مصيره الحريق. و الغربال في يد الله يوم الحصاد، لم يترك في هذا الغربال سوي القش (الأمم المقاومة / إبليس / الأشرار ) بعد أن انتقي أولاده وما تبقي في غربال السوء هو للحريق. ثم شبه جيش أشور بحصان جامح علي فكه. رسن مضل = أي علي فكه لجام يقود للضلال، فهو قد سمع عن خبر (ص 37 : 7) عن خروج المصريين عليه وخدعه هذا الخبر.

 

آيات (29 – 31) تكون لكم أغنية كليلة تقديس عيد و فرح قلب كالسائر بالناي ليأتي إلى جبل الرب إلى صخر إسرائيل.و يسمع الرب جلال صوته و يري نزول ذراعه بهيجان غضب و لهيب نار آكلة نوء و سيل و حجارة برد. لأنه من صوت الرب يرتاع أشور بالقضيب يضرب.

الصورة هنا للقديسين الذين يفرحون بعمل الله ضد أعدائهم ويكون لهم ذلك كليلة عيد فهم سيأتون لله بلا عائق متهللين ويسبحون (رؤ 14 : 2).

 

آية (32)  و يكون كل مرور عصا القضاء التي ينزلها الرب عليه بالدفوف و العيدان و بحروب ثائرة يحاربه.

مرور عصا القضاء = الضربات التي وقعت علي أشور (إبليس) والقضاء الذي تم فيها فيه فرح بالدفوف لأبناء الله.

 

آية (33)  لأن تفتة مرتبة منذ الأمس مهيأة هي أيضا للملك عميقة واسعة كومتها نار و حطب بكثرة نفخة الرب كنهر كبريت توقدها

تفتة = كانت مكاناً لمولك اله بني عمون حيث يوقدون في تمثال نحاسي له ويلقون أولادهم عليه كمحرقات. ولقد أزال يوشيا هذه العبادة وجعل هذا المكان الذي في وادي إبن هنوم مزبلة. وفيها ترمي الجثث وموقدة دائماً للتنقية. مرتبة منذ أمس = في مقاصد الله الأزلية. الملك = هو ملك أشور أو إبليس. وهذه الصورة هي نفسها في (رؤ 20 : 10)

 

زر الذهاب إلى الأعلى