تفسير سفر إشعياء ٤٤ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع والأربعون

 

هنا نجد وعود وبركات بعد العودة من السبي. وهنا تكملة للإصحاح السابق يعلن فيه الله عن تحقيق خلاصنا بسكب روحه القدوس على كنيسته لأجل تجديدها المستمر. وليعطها بروحه شبعاً عوضاً عن الفراغ الروحي أيام عبادتها للأصنام فتكون كنيسته شاهدة له.

 

آيات (1، 2) و الآن اسمع يا يعقوب عبدي و إسرائيل الذي اخترته. هكذا يقول الرب صانعك و جابلك من الرحم معينك لا تخف يا عبدي يعقوب و يا يشورون الذي اخترته.

عبد الرب هنا هم المؤمنون الأتقياء أي الكنيسة المفدية التي أُرسِل لها الروح القدس. يشورون = دُعِي إسرائيل بهذا الاسم 4 مرات (تث 32 : 5 + 33 :5) ومعناه المستقيم. وإسرائيل الروحي هي الكنيسة لذلك سماها يشورون. فيشورون أي المستقيم ليس إسرائيل الخاطئة بل الكنيسة. الرحم = المعمودية.

 

آية (3) لأني اسكب ماء على العطشان و سيولا على اليابسة اسكب روحي على نسلك و بركتي على ذريتك.

المقصود بالماء هو الروح القدس لأنه:

1- ينزل من فوق كالمطر.

2- يُطهر القلوب كما الماء للجسد.

3- الجسد كالأرض فالأجساد أخذت من الأرض (تراب الأرض) والماء يعطيها أن تثمر (غل 5 : 22، 23)

4- يحل على البشر بالقوة والكثرة كما المطر الغزير.

5- من تذوق عطاياه ومواهبه نشعر بالعطش إليه وعمل الروح في الكنيسة هو الذي يجعلها تسمى يشورون أي المستقيم.

والماء يشير للروح القدس كما يظهر بوضوح من هذه الآية (يو37:7-39)).

 

آية (4) فينبتون بين العشب مثل الصفصاف على مجاري المياه.

المؤمنون يكونون كالصفصاف وهو نبات مرتفع الساق وغير المؤمنين كالعشب الذي يداس. ولاحظ أن الصفصاف يحتاج لمياه كثيرة.

 

آية (5) هذا يقول أنا للرب و هذا يكنى باسم يعقوب و هذا يكتب بيده للرب و باسم إسرائيل يلقب.

هذا يقول أنا للرب = المؤمنون يكرسون أنفسهم للرب. و هذا يكنى باسم يعقوب = يشير لانضمام المؤمنين إلى الكنيسة ودعوتهم باسم المسيح، فالمؤمنين سينسون نسبتهم لبلادهم وعائلاتهم ويفتخرون باسم مسيحي الذي حصلوا عليه. وهذا يكتب بيده = وفى ترجمة (أخرى) يتعهد بيده للرب، يتعهد بأن يكون للرب.

 

آية (7،6) هكذا يقول الرب ملك إسرائيل و فاديه رب الجنود أنا الأول و أنا الأخر و لا اله غيري. و من مثلي ينادي فليخبر به و يعرضه لي منذ وضعت الشعب القديم و المستقبلات و ما سياتي ليخبروهم بها.

أنا الأول وأنا الأخر = هنا لقب يهوة وفى (رؤ 1 : 17) لقب المسيح فيكون المسيح قطعاً هو يهوة. وهذه الآية يقف أمامها شهود يهوة حيارى.

 

آية (8) لا ترتعبوا و لا ترتاعوا آما أعلمتك منذ القديم و أخبرتك فانتم شهودي هل يوجد اله غيري و لا صخرة لا اعلم بها.

لا ترتعبوا = من كل ما يحدث من مظاهر قوة الأصنام (خاصة في بابل ) فلا يوجد صخرة= لها قوة وثبات إلا الله صخرتنا.

 

آية (9) الذين يصورون صنما كلهم باطل و مشتهياتهم لا تنفع و شهودهم هي لا تبصر و لا تعرف حتى تخزى.

الذين يصنعون الأصنام هم بشر محدود القدرة فكم بالأولى الأصنام التي يصنعونها. هنا سخرية من الأصنام حتى لا ينخدع اليهود في السبي بقوة آلهة البابليين ويكون لهم ثقة في يهوة إلههم القوى. مشتهياتهم = أصنامهم وشهودهم هي = الأصنام تشهد على نفسها أنها لا تسمع ولا تعرف فسيخزى عابدوها.

 

آيات (10، 11) من صور إلها و سبك صنما لغير نفع. ها كل أصحابه يخزون و الصناع هم من الناس يجتمعون كلهم يقفون يرتعبون و يخزون معا.

يجتمعون = كما أجتمع ديمتريوس وشعب أفسس يصرخون ساعتين  عظيمة هي أرطاميس آلهة الأفسسين. و ليس هذا الصراخ سوى تعبير عن رعبهم وخزيهم فهم لهم آلهة من المخجل أن يدافعون عنها. وأما نحن فلنا إله يدافع عنا حتى ونحن صامتون فلا نخزى (أع 19 : 28، 29).

 

آية (12)  طبع الحديد قدوما و عمل في الفحم و بالمطارق يصوره فيصنعه بذراع قوته يجوع أيضا فليس له قوة لم يشرب ماء و قد تعب.

كان من عادة صانعي الأوثان أن لا يأكلوا ولا يشربوا حتى ينتهوا من عملهم (هذه الجدية تدين تهاوننا نحن المؤمنين) فإن كانوا هم الصانعين تخور قوتهم فكم بالأولى ضعف وتفاهة الآلهة التي يصنعونها.

 

آية (13) نجر خشبا مد الخيط بالمخرز يعلمه يصنعه بالأزاميل و بالدوارة يرسمه فيصنعه كشبه رجل كجمال إنسان ليسكن في البيت.

الآية السابقة عن صانع الأوثان الحديدية وهذه عن صانعي الأوثان الخشبية.

 

آيات (14 – 17) قطع لنفسه ارزا و اخذ سنديانا و بلوطا و اختار لنفسه من أشجار الوعر غرس صنوبرا و المطر ينميه.فيصير للناس للإيقاد و يأخذ منه و يتدفأ يشعل أيضا و يخبز خبزا ثم يصنع إلها فيسجد قد صنعه صنما و خر له. نصفه احرقه بالنار على نصفه يأكل لحما يشوي مشويا و يشبع يتدفأ أيضا و يقول بخ قد تدفأت رأيت نارا. و بقيته قد صنعها إلها صنما لنفسه يخر له و يسجد و يصلي إليه و يقول نجني لأنك أنت الهي.

الإنسان هو الذي غرس الشجرة وهو الذي قطعها ليتدفأ ببعضها ويشوى لحماً بالبعض ويقول بخ AHA علامة اندهاش ويصنع ببقية الخشب إلهاً.

 

آيات (18 – 19)  لا يعرفون و لا يفهمون لأنه قد طمست عيونهم عن الإبصار و قلوبهم عن التعقل. و لا يردد في قلبه و ليس له معرفة و لا فهم حتى يقول نصفه قد أحرقت بالنار و خبزت أيضا على جمره خبزا شويت لحما و أكلت أفأصنع بقيته رجسا و لساق شجرة آخر.

سبب هذه الغباوة ليس ضعف العقل بل قساوة القلب ومحبة الخطية فهم لا يريدون أن يعرفوا الإله الطاهر القدوس الذي لا يرضى بالخطية فيغمضون عيونهم ويقسون قلوبهم بإرادتهم.

 

آية (20) يرعى رمادا قلب مخدوع قد أضله فلا ينجي نفسه و لا يقول أليس كذب في يميني.

يرعى رماداً = هؤلاء الوثنيون يخدعون أنفسهم، فهم يراعون أخشاب (أحرقوا بقيتها في التدفئة والشواء فتحولت رماداً) لو احترقت أيضاً لتحولت إلى رماد. وهم ينتظرون أن يكون لهم خير من وراء هذا. ولا ينجى نفسه = فهم مازالوا يخافون من الأرواح الشريرة وتقلبات الطبيعة ومن الموت ويعانون من تسلط الشهوات.

وكذب في عينيه = لا يعترف بأن هناك خطأ في الأمور الجوهرية.

 

آيات (21- 23) اذكر هذه يا يعقوب يا إسرائيل فانك أنت عبدي قد جبلتك عبد لي أنت يا إسرائيل لا تنسى مني. قد محوت كغيم ذنوبك و كسحابة خطاياك ارجع إلي لأني فديتك. ترنمي ايتها السماوات لان الرب قد فعل اهتفي يا اسافل الارض اشيدي ايتها الجبال ترنما الوعر و كل شجرة فيه لان الرب قد فدى يعقوب و في اسرائيل تمجد.

لا تنسى منى = الله لا ينسى شعبه، أما الشعب فقد ظنوا أن الله قد نساهم. والذنوب كغيم = لأنها تفصل الإنسان عن الله وتجلب على الإنسان غضب الله كالرعود. والله سيزيلها فيعود ضوء الشمس يظهر، أي حنان ومحبة الله. وكل ما يطلبه الله إرجع إلىَ بالتوبة. وحينما نذكر الله ونرجع له يذكرنا الله ويحارب من أسلمنا ليدهم ويحمق حكمتهم ويكذب حكماؤهم الذين تنبئوا لهم بدوام السيادة.

 

آيات (24، 25) هكذا يقول الرب فاديك و جابلك من البطن أنا الرب صانع كل شيء ناشر السماوات وحدي باسط الأرض من معي. مبطل آيات المخادعين و محمق العرافين مرجع الحكماء إلى الوراء و مجهل معرفتهم.

فاديك = المسيح وهنا تشير إلى الله الذي سيفدى شعبه من سبى بابل. مبطل آيات المخادعين = كل ما يحدث يوافق أقوال الرب تماماً ويكذب أقول العرافين. مرجع الحكماء إلى الوراء = أي يظهر فساد أراء مدعِى الحكمة.

 

آيات (26- 28) مقيم كلمة عبده و متمم رأي رسله القائل عن أورشليم ستعمر و لمدن يهوذا ستبنين و خربها أقيم.القائل للجة أنشفي و أنهارك أجفف. القائل عن كورش راعي فكل مسرتي يتمم و يقول عن أورشليم ستبنى و للهيكل ستؤسس

مقيم كلمة عبده = أي سيتمم الله كل نبوات إشعيا عبد الرب. ومتمم رأى رسله = الأنبياء كأرمياء

(أر 29 : 1-14) وحزقيال (39 : 25-28) وغيرهم. القائل للجة = أي نهر الفرات الذي نشفه كورش لما أخذ بابل وهذا عمل الله لأنه أنهض كورش وأرسله. القائل عن كورش = الرب هنا ذكر أسم كورش صراحة. و كورش معنى أسمه شمس رمز للمسيح شمس البر ومعنى أسمه بالآرامية راعٍ. وقد ذكر أسم كورش قبل أن يولد بما يزيد عن المائة عام. و ذكر أسمه برهان قاطع على أن الرب هو الإله الحقيقي وحده. وحينما رأى كورش هذه النبوة قال الرب إله السماء أوصاني… (عز 1 :2) يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن دانيال (هو الذي أعطى هذه النبوة لكورش). كورش راعىَ = قيل أن كورش أحب هذا اللقب وقال فعلاً يجب أن يكون الملك راعٍ. ولكن هنا كورش الراعي يرمز للراعي الحقيقي الذي سيحرر شعبه ويرعاهم بعد كورش بحوالي 536 سنه.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى