يو 17: 26 ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم
“وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ“(يو 17: 26)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“وعرفتهم اسمك، وسأعرفهم،
ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به،
وأكون أنا فيهم”. (26)
يختم صلاته الوداعية بطلب المعرفة الإلهية لهم، فبعد أن طلب حفظهم من الشر، ثم تقديسهم للعمل الإلهي، والوحدة السماوية، يطلب لهم المعرفة، هذه التي لن تتحقق ما لم يرتفعوا معه بقلوبهم لتحيا في السماويات، وتكتشف المجد الإلهي.
المعرفة التي نتمتع بها هي ثمرة اتحادنا معه، فنتعرف علي الابن الذي يحملنا إلى معرفة الآب. وهي معرفة دائمة النمو: “عرفتهم اسمك وسأعرفهم“. هذه المعرفة بأسرار الله يقدمها الابن، العارف وحده بكمال الأسرار الإلهية، إذ هو واحد مع أبيه. لقد عرفنا الابن وحملنا إلى معرفة اسم الآب، وسيعرفنا أيضًا خلال نمونا في حبنا الإلهي واكتشافنا المستمر لمحبة الله وحلول الكلمة في قلوبنا.
المعرفة عمل ديناميكي لا يتوقف، خلالها يتمتع المؤمن بالنمو المستمر في معرفة الآب واهب العطايا، والابن المسيا محقق الخلاص، والروح القدس الذي يدعوه السيد المسيح في هذه الصلاة “روح الحق”.
من بركات الوحدة أن يختبر المؤمنون حب الآب لهم خلال حبه للابن الوحيد الجنس. تمتعهم بالحب الإلهي وسكنى الابن، الحب ذاته، فيهم هو مصدر الفرح الكامل (رو ٥: ٣، ٥).
v سنتمتع نحن أيضًا حسب قياسنا، إن كنا متعقلين. لذلك يقول بولس: “إن كنا نتألم معه فنتمجد أيضًا معه” (رو 8: 17). أما الذين ببلادتهم ونومهم يعملون ضد أنفسهم، حينما يُقدم أمامهم مثل هذا المجد وعدم دخولهم الجحيم، حين يكون في قدرتهم أن يملكوا ويتمجدوا مع ابن الله، ومع ذلك يحرمون أنفسهم من بركات عظيمة كهذه، هؤلاء يستحقون ربوات الدموع ويصيرون أكثر بؤسًا من أي كائن.
v أرأيت كيف بلغ السيد المسيح بكلامه إلى غاية جيدة؟ إلى المحبة التي هو أم الأفعال الحسنة كلها وكمالها… ليتنا إذن نؤمن بالله ونحبه، فلا يقال لنا: “يعترفون بأنهم يعرفون الله، ولكنهم بالأعمال ينكرونه” (تي 1: 16). مرة أخري: “فقد أنكر الإيمان وهو شرٌّ من غير المؤمن” (1 تى 5: 8). لأنه بينما يهتم (غير المؤمن) بأهله وأقاربه والغرباء لا تسعف أنت حتى الذين ينتمون إلى عائلتك، فأي عذر لك عندما يُجدف علي الله ويُهان بسببك؟
v لقد عرفتهم اسمك بالإيمان، وسأجعله معروفًا بالعيان. جعلته معروفًا للذين هم في رحلة في أرض غريبة لها نهاية معينة، وسأجعله معروفًا للذين سيكون ملكهم بلا نهاية.
v صلاة المسيح تنتهي، وآلامه تبدأ.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (26): “وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم.”
عرفتهم إسمك= أي أن المسيح إستعلن الآب وقوته ومحبته وقصده تجاه البشر. وإسم الآب أي محبته فالله محبة والمسيح إستعلنها على الصليب في أعمق معانيها. ومن أدرك محبة الآب وعرفه رفض محبة العالم الزائف الفاني. وسأعرفهم= التعريف باسم الله الآب عمل بدأه الابن بتجسده وصليبه وسيمتد للأبدية فالله لا يُدْرَكْ كماله، وهذا ما فعله المسيح بأن أرسل الروح القدس ليرشد إلى جميع الحق (يو13:16) ويسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5). وكل من بدأ يعرف اسم الله هنا سيكمل له المسيح المعرفة في الأبدية ومن رفض الصليب هنا ورفض أن يتعرف على اسم الآب لن يكون له نصيب أبدي.. ومن سكن اسم الآب في قلبه في تقوى فقد سكن الحب الأبوي فيه بضمان سكني المسيح. إذاً هي معرفة مستمرة متنامية، وشركة متزايدة بعمل الروح القدس. ليكون فيهم الحب= كلما نعرف ربنا بالأكثر نزداد ثباتا فيه، وامتلاء من ثمار الروح، فنمتلئ حباً له وللناس. فالعلاقة الحية تتم بالمحبة. وأكون أنا فيهم= هو القيامة والحياة (يو25:11) فحينما يكون فينا تكون لنا حياة أبدية. ونحن لن نذوق الحب الأبوي بدون المسيح (يو27:16) فالحب الجارف في قلب الآب استطاع المسيح أن يحوله نحو قلوبنا ولكي يضمن انسكابه فينا أمّن على ذلك بوجوده الدائم (مت20:28). وصحيح أن المسيح سيفارق تلاميذه بالجسد ولكنه سيظل فيهم بالروح للأبد، لن نراه بعيوننا المادية ولكن نراه بعيون قلوبنا التي سوف تشعر وتتيقن من وجوده. ومن يعرف المسيح حسب الجسد فلن يعرفه بعد (2كو16:5، 17). لذلك فشغل المسيحي الدائم أن يحوز على حلول المسيح في القلب (أف16:3-18). ولكن لاحظ ترتيب الآية. فالمسيح بدأ عملاً هو أن يعرفنا بالآب وسيكمله بالروح القدس وكلما إزددنا معرفة نزداد حباً. والهدف النهائي أن يسكن المسيح فينا ويتحد بنا فهذا هو المجد الذي أراده للبشر والحياة الأبدية لهم في المجد. هذا هو هدف التجسد، أن نكون في المسيح ويكون هو فينا ويعيدنا إلى حضن الآب. وهذا كان موضع سرور الآب الذي قال “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت”. والصليب كان لغفران خطايانا فنتطهر ونؤهل لسكنى المسيح فينا.
والعجيب أن الآيات التالية هي مؤامرة يهوذا والكتبة والفريسيين والكهنة ورؤساءهم والجند والرومان ضد من أحبهم كل هذا الحب!! فبينما كان المسيح يتكلم بهذا كانت المؤامرة تتم في الخارج. قارن مع (يو2:18).