تفسير سفر اشعياء 51 للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الحادي والخمسون

إصحاح فيه تعزية للمسبيين وللمؤمنين المتألمين في كل جيل. ويقول لهم النبي أن الله الذي أعطى إسحق لإبراهيم من مستودع ميت كالصخر هو قادر أن يخلص وأن يعطى حياة للكنيسة. ولكل إنسان كان ميتاً بالخطية بل هو قادر أن يوجد كنيسة من لا شيء ولكن ليذكر كل من ولد جديداً كيف كانت ولادته صعبة مثل النحت في الصخر.

لقد تكلم عن عبد الرب وآلامه في الإصحاح السابق وسيتكلم عنه ثانية ابتداء من (52 :13) ومابين هذين الفصلين كلام تعزية من الرب لشعبه. وهنا نجد ثلاثة أوامر بأن نسمع أسمعوا لي (آية 1) ثم أنصتوا لي (آية 4) ثم أسمعوا لي (آية 7) فإن كان أبن الله سمع وأطاع فبالأولى نسمع نحن ونطيع فكلمة إسمعوا هي حث على الطاعة، ومن يسمع يصير تابعاً للبر.

 

آيات (1، 2) اسمعوا لي آيةا التابعون البر الطالبون الرب انظروا إلى الصخر الذي منه قطعتم و إلى نقرة الجب التي منها حفرتم. انظروا إلى إبراهيم أبيكم و إلى سارة التي ولدتكم لأني دعوته و هو واحد و باركته و أكثرته.

التابعون البر = هم كل من يريد أن يتبع وصايا الرب لكنه متشكك في أنه يتبع البر فعلاً ويصير قديساً بينما هو ميت في خطاياه. و الله يذكر هؤلاء بأنه قد أعطى من قبل لإبراهيم وسارة نسل كرمل البحر بعد أن فقدا كل أمل في أن تخرج منهما حياة، فهل يعجز الآن. ما حدث لإبراهيم ليس بقوته بل من عند الله، وما سيحدث لي من قداسة وبر هو من عمل الله فيَأنا الخاطئ الميت.

 

آية (3) فان الرب قد عزى صهيون عزى كل خربها و يجعل بريتها كعدن و باديتها كجنة الرب الفرح و الابتهاج يوجدان فيها الحمد و صوت الترنم.

الله قد عزى شعبه وكنيسته، هذه التي كانت خِرباً فصارت كجنة. هذا عمل نهر الروح القدس الذي كان له ثماره من فرح ظهر في التسبيح والترنيم.

 

آية (4) أنصتوا إلي يا شعبي و يا أمتي أصغي إلي لان شريعة من عندي تخرج و حقي أثبته نورا للشعوب.

شعبي وأمتي = هي كلمات معزية، فالله مازال يعتبرهم ويعتبرنا خاصته لأن شريعة = هي شريعة العهد الجديد التي أعطاها الله = من عندي تخرج ليس لإسرائيل وحدها بل لكل الشعوب = نوراً للشعوب. وشعب الرب هو من يخضع لشريعة الرب. و هذه الشريعة ليست ثقيلة بل هي نوراً للشعوب هي انطلاق وحرية وفرح وتسبيح وترنم وامتلاك للسماء وليست قيوداً.

 

آية (5) قريب بري قد برز خلاصي و ذراعاي يقضيان للشعوب إياي ترجو الجزائر و تنتظر ذراعي.

قريب برى = لقد أقترب البر والخلاص الذي للمسيح وهو للجميع حتى الجزائر. و ذراعي= أي قوتي أي المسيح المنتظر.

 

آية (6) ارفعوا إلى السماوات عيونكم و انظروا إلى الأرض من تحت فان السماوات كالدخان تضمحل و الأرض كثوب تبلى و سكانها كالبعوض يموتون آما خلاصي فالي الأبد يكون و بري لا ينقض.

السماء والأرض يزولان ولكن كلامي لا يزول (مت 24 :35) فخلاص الله الموعود هو خلاص أبدى ثابت وليس قابلاً للتغير كالإنسان.

 

آيات (7،8) اسمعوا لي يا عارفي البر الشعب الذي شريعتي في قلبه لا تخافوا من تعيير الناس و من شتائمهم لا ترتاعوا. لأنه كالثوب يأكلهم العث و كالصوف يأكلهم السوس آما بري فالي الأبد يكون و خلاصي إلى دور الأدوار.

المخاطبون هنا هم المؤمنين بالرب وهم عرضة للخوف من كثرة المضطهدين وقوتهم، والله يطمئنهم بأن هؤلاء المضطهدين كبابل مصيرهم الزوال وهم كالعث.

 

آيات (9، 11) استيقظي استيقظي البسي قوة يا ذراع الرب استيقظي كما في أيام القدم كما في الأدوار القديمة الست أنت القاطعة.رهب الطاعنة التنين. الست أنت هي المنشفة البحر مياه الغمر العظيم الجاعلة أعماق البحر طريقا لعبور المفديين.و مفديو الرب يرجعون و يأتون إلى صهيون بالترنم و على رؤوسهم فرح ابدي ابتهاج و فرح يدركانهم يهرب الحزن و التنهد.

ذراع الرب = قوته أي المسيح (1كو 24:1) وهذا نداء له ليقوم أى ليتجسد ويخلص شعبه. كما فعل في الماضي مع رهب = أي مصر أيام موسى.

 

آية (13،12) أنا أنا هو معزيكم من أنت حتى تخافي من إنسان يموت و من ابن الإنسان الذي يجعل كالعشب. و تنسى الرب صانعك باسط السماوات و مؤسس الارض و تفزع دائما كل يوم من غضب المضايق عندما هيا للاهلاك و اين غضب المضايق.

جواب الرب لصلاة شعبه فحواه أن ينظروا إليه وحده ولا يخافون من بشر الذين يموتون وهم مهما بلغت قوتهم فهم ضعاف كالعشب يداسون.

 

آية (14) سريعا يطلق المنحني و لا يموت في الجب و لا يعدم خبزه.

المنحنى = أي الأسير الذي يضعون رجليه في المقطرة ورأسه مربوط عند العنق إشارة للمسبيين (في بابل أو سبى الخطية) ووعد بتحرير حتى هذا المنحنى.

 

آيات (15، 16) و أنا الرب إلهك مزعج البحر فتعج لججه رب الجنود اسمه.و قد جعلت أقوالي في فمك و بظل يدي سترتك لغرس السماوات و تأسيس الأرض و لتقول لصهيون أنت شعبي.

لماذا تخافون والرب قادر أن يزعج البحر، البحر يشير لبابل التي كأنها أغرقتهم. والرب قادر أن يزعج البحر ويرعب أعداء شعبه كما فعل مع المصريين وكما فعل مع  موآب أيام جدعون. و طالما هو يستطيع أن يزعجهم فهو قادر أن يسكنهم أيضاً. وقد جعلت أقوالي في فمك = المخاطب هنا هو المسيح كلمة الله وهو الذي سيغرس السموات = أي الكنيسة التي على الأرض ولكنها سماوية (لأن سيرتكم هي في السماويات).يغرس السموات هذه مثل طأطأ السموات فهو جعل كنيسته التى على الأرض كالسموات ( مز 9:18).

 

آية (17) انهضي انهضي قومي يا أورشليم التي شربت من يد الرب كاس غضبه ثقل كاس الترنح شربت مصصت.

كانت هناك عادة أن يعطوا للمحكوم عليه بالإعدام كأس خمر شديدة ليترنح قبل إعدامه، والكلام هنا لأورشليم التي شربت من يد الرب كأس غضبه وذهبت تحت نير بابل. وكانت خطاياها سبب هلاكها. و النداء لها هنا أن تنهض للحرية من بابل والنداء أيضاً للكنيسة. وللنفس البشرية التي طالما عانت من العبودية للخطية ولسلطان الشهوات ولإبليس.

 

آية (18) ليس لها من يقودها من جميع البنين الذين ولدتهم و ليس من يمسك بيدها من جميع البنين الذين ربتهم.

ليس لها من يقودها = فملوكها أسرى ورؤساؤها هربوا. وأي أرض بلا قائد تخرب.” إضرب الراعي فتتبدد الرعية” والمعنى قبل المسيح لم يكن هناك قائد أو مرشد لطريق الخلاص فلا أحد يعرفه أما المسيح فهو الطريق.

 

آية (19) اثنان هما ملاقياك من يرثي لك الخراب و الانسحاق و الجوع و السيف بمن أعزيك.

الاثنان هما الخراب والانسحاق. الخراب = الجوع في الداخل والانسحاق هو السيف في الخارج. ولا محامٍ عنك.

 

آية (20) بنوك قد أعيوا اضطجعوا في رأس كل زقاق كالوعل في شبكة الملآنون من غضب الرب من زجرة إلهك.

النبي هنا كأنه يرى ما حدث بعد السبي كالوعل في شبكة = يرفس ويضرب ويُعذِب نفسه ولا يقدر أن يخلص (اليهود في بابل). وكل ذاك لأنهم ملآ نون من غضب الرب. وهكذا كل أسرى شباك الخطية.

 

آية (21)  لذلك اسمعي هذا أيتها البائسة و السكري و ليس بالخمر.

هنا الله يكلم شعبه. اللاهى في خطاياه وكأنهم سكري. وليس بالخمر = بل بالخطايا. وقطعاً جزاء الخطية غضب الرب و ألام كثيرة.

 

آية (22) هكذا قال سيدك الرب و إلهك الذي يحاكم لشعبه هاأنذا قد أخذت من يدك كاس الترنح ثقل كاس غضبي لا تعودين تشربينها في ما بعد.

الوضع الآن أن الشعب معذب بسبب خطاياه والرب أتى ليحاكم. لكن لم يكن محام كما ذكرنا قبلاً. وهنا قام الرب بهذا الدور. فكان هو المحامى عن شعبه بل هو الذي أخذ من يدها كأس الترنح فهو حمل خطايانا وحمل عقوباتها.

 

آية (23) و أضعها في يد معذبيك الذين قالوا لنفسك انحني لنعبر فوضعت كالأرض ظهرك و كالزقاق للعابرين.

كانت العادة أن المنتصر يدوس على رقبة المهزوم لذلك أمرها الغالبون أن تنطرح أرضاً ليسير العدو على ظهرها كزقاق ضيق يعبر فيه، هنا نرى مذلة الخطية، ولكن كما عذبهم البابليون هكذا عُذِبوا هم . وبعد الفداء نال الشيطان كل الآلام التي كان يكيلها للبشر وأُعِد له البحيرة المتقدة بالنار التي نارها لا تطفأ ودودها لا يموت.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى