تفسير سفر إرميا ١٦ للقمص أنطونيوس فكري

الآيات 1-9:- ثم صار إلى كلام الرب قائلا. لا تتخذ لنفسك امرأة ولا يكن لك بنون ولا بنات في هذا الموضع. لأنه هكذا قال الرب عن البنين وعن البنات المولودين في هذا الموضع وعن امهاتهم اللواتي ولدنهم وعن ابائهم الذين ولدوهم في هذه الأرض. ميتات أمراض يموتون لا يندبون ولا يدفنون بل يكونون دمنة على وجه الأرض وبالسيف والجوع يفنون وتكون جثثهم اكلا لطيور السماء ولوحوش الأرض. لأنه هكذا قال الرب لا تدخل بيت النوح ولا تمض للندب ولا تعزهم لأني نزعت سلامي من هذا الشعب يقول الرب الاحسان والمراحم. فيموت الكبار و الصغار في هذه الأرض لا يدفنون ولا يندبونهم ولا يخمشون أنفسهم ولا يجعلون قرعة من اجلهم. ولا يكسرون خبزا في المناحة ليعزوهم عن ميت ولا يسقونهم كاس التعزية عن اب أو أم. ولا تدخل بيت الوليمة لتجلس معهم للاكل و الشرب. لأنه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل هانذا مبطل من هذا الموضع امام اعينكم وفي ايامكم صوت الطرب وصوت الفرح صوت العريس وصوت العروس.

لإظهار حجم الكوارث القادمة مُنِعَ النبي من أن يكون لهُ بيتًا خاصًا ولا أسرة، وهذا ما دعا إليه بولس الرسول أيضًا (1كو26:7). ولا يذهب لبيت النوح أي يشترك في مناسبات العزاء إذا مات إنسان أو مناسبات الفرح. فلأن الشعب لم يهتم بكلام النبي فها هو يؤكِّد كلامه بأفعاله لعلهم يصدقون. وما يفعله هنا كأنه يرى البلد في خراب تام قادم سريعًا جدًا،وليظهر أمام الناس أنه مقتنع بهذا جدًا ، مُنِع النبي أن يشترك في الحياة العادية من أفراح وأحزان. فهؤلاء الخدام الذين يريدون أن يقنعوا الآخرين بشىء عليهم أن يتحملوا شيئًا لإظهار صدق كلامهم. فلن نستطيع أن نقنع الآخرين بأن هذا العالم ليس لهُ قيمة إن لم نمارس هذا فعلًا. وكون أن الإنسان لا يكون لهُ عائلة في كارثة مثل هذه الكارثة القادمة يجعل الهروب سهلًا. وكيف يحتمل أن يكون لهُ أبناء وهو يَعْلَمْ ماذا سيحدث للأبناء في (4،3) ولماذا يذهب لبيت ميت ليعزى أهله ُ والله إمتنع أن يعزيهم = لأني نزعت سلامى. وفي آية 4:- ميتات أمراض = ميتات ناشئة عن أمراض مصاحبة للمجاعة. وفي(5) لماذا لا يذهب لبيت النوح للعزاء ؟ لأن من مات لهو أسعد حالًا فلن يرى الضيقات القادمة. وهو وَجَدَ من يدفنه ، ولكن من يموت أيام هذه الكارثة لن يجد من يدفنه . وهو يجب أن لا يشترك في أحزانهم لأن حزنه على الخراب العام لبلده يجب ان يبتلع حزنه على فرد واحد. وفي (6) يصوِّر الموت وقت المأساة فلا أحد يحزن على آخر، يكفيه مصيبته. وفي(9،8) كيف يشترك في فرح هو يعلم أن الكل فيه عريس وعروس ومدعوين سيهلكون قريبًا وكيف يذهب ليأكل ويشرب ويفرح وهو ينادى بصوم ومسوح ليرحمهم الرب من الآتي.

 

الآيات 10-13:-  و يكون حين تخبر هذا الشعب بكل هذه الأمور أنهم يقولون لك لماذا تكلم الرب علينا بكل هذا الشر العظيم فما هو ذنبنا وما هي خطيتنا التي اخطاناها إلى الرب الهنا. فتقول لهم من أجل أن اباءكم قد تركوني يقول الرب وذهبوا وراء الهة أخرى وعبدوها وسجدوا لها واياي تركوا وشريعتي لم يحفظوها. وانتم اساتم في عملكم أكثر من ابائكم وها انتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لي. فاطردكم من هذه الأرض إلى ارض لم تعرفوها انتم و لا اباؤكم فتعبدون هناك آلهة أخرى نهارا وليلا حيث لا اعطيكم نعمة.

من ظلمة الخطية وظلمة القلب بسبب الخطية يتساءل الناس فما هو ذنبنا؟ بينما أن قديس عظيم مثل بولس الرسول يقول “الخطاة الذين أولهم أنا” وهؤلاء آباءهم أخطأوا وهم مستمرين في نفس الخطية بلا توبة بل هم أساءوا أكثر من أبائهم (12). ولأنهم أحبوا الآلهة الغريبة فليذهبوا كمسبيين لأرض هذه الآلهة (13) ويتركوا هذه الأرض. هذه الآية شرح لقول الرب “أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع”.

 

أيات 14-21:- لذلك ها أيام تاتي يقول الرب ولا يقال بعد حي هو الرب الذي اصعد بني إسرائيل من ارض مصر. بل حي هو الرب الذي اصعد بني إسرائيل من ارض الشمال ومن جميع الاراضي التي طردهم اليها فارجعهم إلى ارضهم التي اعطيت اباءهم اياها. هانذا ارسل إلى جزافين كثيرين يقول الرب فيصطادونهم ثم بعد ذلك ارسل إلى كثيرين من القانصين فيقتنصونهم عن كل جبل وعن كل اكمة و من شقوق الصخور. لأن عيني على كل طرقهم لم تستتر عن وجهي ولم يختف اثمهم من أمام عيني. واعاقب أولًا اثمهم وخطيتهم ضعفين لأنهم دنسوا ارضي وبجثث مكرهاتهم ورجساتهم قد ملاوا ميراثي. يا رب عزي وحصني وملجاي في يوم الضيق اليك تاتي الامم من اطراف الأرض ويقولون انما ورث اباؤنا كذبا و اباطيل وما لا منفعة فيه. هل يصنع الإنسان لنفسه آلهة وهي ليست الهة. لذلك هانذا اعرفهم هذه المرة اعرفهم يدي وجبروتي فيعرفون أن اسمي يهوه.

في هذه الآيات تمتزج رحمة الله مع أحكامه ضدهم للتأديب. ويبدو واضحًا أنها تشير لأيام الإنجيل. فبعد أن تكلم عن السبي في (13) هاهو يبشر بالخبر السار وهو الرجوع من السبي (15،14) بل سيكون رجوعًا أعظم. فسبيهم في بابل كان على يد متوحشين ليس مثل المصريين. وعبوديتهم في مصر جاءت تدريجية أما في بابل فالسبي كان شديدًا من أول يوم. بل أن خروجهم من بابل ستكون مراحم حديثة للرب تذكرهم بخروجهم من مصر وأن الله مازال يذكرهم. وعلينا نحن أن نقول المجد لك يا رب يا من بصليبك أنقذتنا من يد إبليس.

(فالخلاص العظيم في (14) هو الخلاص بالمسيح الذي كان الخلاص من بابل رمزًا لهُ. فبكل المقاييس فالخلاص من عبودية مصر هو أعظم من الخلاص من عبودية بابل بكثير، فلقد خرج من مصر ملايين شق لهم الله البحر، بينما خرج من بابل حوالي 40000 نسمة.

لكن هناك معنى مباشر لـ17،16 فبابل والرومان هم جَزَّافِينَ كَثِيرِينَ، فَيَصْطَادُونَهُمْ للعقاب فيعاقبون يهوذا على إثمها. وبعد العقاب والتأديب يرسل إلى الْقَانِصِينَ فَيَقْتَنِصُونَهُمْ =يجمعهم مرة ثانية إلى أرضهم.

وهذا وعد من الله بتجميعهم أينما كانوا إلى أرضهم. وسيستخدم الله القانصين(صيادى الوحوش على البر) والجزافين(صيادى السمك في الماء) أي سيأتي بهم لأرضهم سواء من في البر أو البحر أي من كل مكان في العالم. وهذا تم في أيام كورش ملك الفرس الذي أطلق نداء في المملكة لكل يهودي أن يرجع لبلده. ولاحظ أن كلا الجزافين الذين أدبوهم والقانصين الذين أعادوهم هم واحد، فسواء الذين يؤدبونهم أو الذين أعادوهم فهم يكملون عمل بعضهم البعض، إذ لا عودة بدون تأديب.

وكان زربابل ورفاقه وسائل يستخدمهاالرب ليحرك قلوبهم فيعودون لبلادهم.

وفي (18،17) الله يعرف ويرى خطاياهم وهو سيعاقبهم ضعفين ليس بالنسبة لما يستحقون فالله لا يعاقب إلا بالعدل ولكن ضعفين بالنسبة لما سبق أو لما يتوقعون، والمعنى أنه سيعاقب بشدة أولًا ثم يجىء الخلاص وهذا التأديب تم على يد الكلدانيين. وفي (19-21) سيعترفون بأنالله هو الإله الواحد عزهم وملجأهم فهم سيأتون تائبين بعد هذه الضيقة.

وفي (19) الأمم أيضًا سيأتون من أطراف الأرض وسيؤمن اليهود أيضًا ، لكن ليسالكل ولكن بعضًا منهم. لذلك يسبح النبي أمام هذا الخلاص “يا رب عزى وحصنى” والأمم سيعرفون ضلال أوثان أبائهم وكذبها وأنهم هم صنعوها. هذا هو خلاص المسيح للعالم كله. أما القانصين والجزافين هم “صيادى الناس” يصطادونهم للإيمان بالمسيح. وهذه تشير أيضًا لإيمان اليهود بالمسيح في الأيام الأخيرة، حين يكتشفون أن أبائهم قد أورثوهم كذبًا بانتظار مسيح اخر. والجزافين أي صيادى السمك فيها نبوة عن تلاميذ المسيح الذين كانوا صيادى سمك فجعلهم المسيح صيادى ناس. وهناك تأمل بأن صيادى السمك هم خدام كنيسة المسيح يجذبوا النفوس للكنيسة من العالم = البحر. والقانصين الملائكة الذين يأخذون نفوس المنتقلين الذين يجدونهم يحيون في السماويات (جبل/ أكمة) أو ثابتين في المسيح (الصخر) إلي السماء.

زر الذهاب إلى الأعلى