تفسير سفر إرميا ٢٧ للقمص أنطونيوس فكري
فشل إرمياء في إقناع شعبه بالتوبة وهنا يبحث عن حل وسط ليمنع تدمير المدينة. وهذا الحل أن يستسلموا لملك بابل. فأن يخسروا حرياتهم لهو أفضل من أن يخسروا حياتهم أو مدينتهم. عجيب هو الله الذي يبحث عن الخير والأفضل حتى لهؤلاء الأشرار الذين يقاومونه. وقد أعطى النبي هذه النصيحة للملوك المحيطين باسم الله. وملخص الموضوع أن هذا هو “أحسن الوحش” ولا علاج سوى هذا. ولن يستمر ذلك سوى 70 سنة فقط. وهذه النصيحة وجهها النبي أيضًا لصدقيا الملك ثم للكهنة والشعب وهو يدلهم علىالسياسة الصحيحة كشفقة منه.
الآيات 1-11:- 1- في ابتداء ملك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا صار هذا الكلام إلى إرميا من قبل الرب قائلا. 2- هكذا قال الرب لي اصنع لنفسك ربطا و انيارا واجعلها على عنقك. 3- وارسلها إلى ملك ادوم والى ملك مواب و إلى ملك بني عمون والى ملك صور والى ملك صيدون بيد الرسل القادمين إلى أورشليم إلى صدقيا ملك يهوذا. 4- واوصهم إلى سادتهم قائلًا هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل هكذا تقولون لسادتكم. 5- أني أنا صنعت الأرض والإنسان و الحيوان الذي على وجه الأرض بقوتي العظيمة وبذراعي الممدودة واعطيتها لمن حسن في عيني. 6- والان قد دفعت كل هذه الاراضي ليد نبوخذناصر ملك بابل عبدي واعطيته أيضًا حيوان الحقل ليخدمه. 7- فتخدمه كل الشعوب وابنه و ابن ابنه حتى يأتي وقت ارضه أيضًا فتستخدمه شعوب كثيرة وملوك عظام. 8- و يكون أن الامة أو المملكة التي لا تخدم نبوخذناصر ملك بابل والتي لا تجعل عنقها تحت نير ملك بابل أني اعاقب تلك الامة بالسيف والجوع والوبا يقول الرب حتى افنيها بيده. 9- فلا تسمعوا انتم لانبيائكم وعرافيكم وحالميكم و عائفيكم وسحرتكم الذين يكلموكم قائلين لا تخدموا ملك بابل. 10- لأنهم انما يتنباون لكم بالكذب لكي يبعدوكم من ارضكم ولاطردكم فتهلكوا. 11- والامة التي تدخل عنقها تحت نير ملك بابل وتخدمه اجعلها تستقر في ارضها يقول الرب و تعملها وتسكن بها.
نجد هنا مشكلة ظاهرية أن في آية (1) يذكر اسم يهوياقيم بينما يُذكر اسم صدقيا في باقي الإصحاح. وحل هذه المشكلة بسيط جدًا، أن النبي صنع الأنيار ووضعها على عنقه في بداية حكم يهوياقيم ولكنه لم يرسلها إلا في بداية حكم صدقيا. وغالبًا هو وضعها في بداية حكم يهوياقيم حيث بدأت سيطرة بابل على يهوذا. ويبدو أنه كانت هناك مؤامرة بين صدقيا وهؤلاء الملوك بتشجيع من فرعون مصر ضد نبوخذ نصر. وجاء رُسل هذه الأمم ليتشاوروا مع صدقيا لعقد حلف ضد بابل. وهنا النبي يمنعهم ويُرسِل لهم الأنيار التي كان يلبسها منذ زمن يهوياقيم، ليُعلِنْ أن هذه هي إرادة الرب، خضوعهم لملك بابل ويبدو أن إرميا نجح هذه المرة في أن يرد صدقيا عن أن يشترك في هذه الفتنة. وصنع رُبُط وأنيار(النير هو قطعة خشبية يربط بها الثور عن طريق أربطة في رأسه مع ثور آخر ليقوم بالعمل) معناها أنه ليس أحد قادرًا أن يجعل رأسه حرًا أمام ملك بابل. والله أعطى لملك بابل كل شيء حتى حيوان الأرض. وهذا ليس راجع لقداسة نبوخذ نصر فهو كان طاغيةمتوحش لكن مُلْك الأرض لا يدل على رضا الله على الشخص فقد قيل عن إبليس “رئيس هذا العالم” أما أولاد الله فلا يقنعهم أي نصيب في العالم مهما كان. والعكس فمن غاب عنه مجد السماء لا يكتفى بأى شيء على الأرض. مثال:- الإسكندر الأكبر بعد ما غزا العالم المعروف كله بكى لأنه لم تعد هناك أماكن يغزوها. وقد حدد الله سابقًا مدة السيادة البابلية بـ70 سنة ولكن ها هو هنا يحددها بطريقة أخرى. أن هذه السيادة ستستمر في أيام نبوخذ نصروإبنه وهو أبل مرودخ وإبن ابنهبيلشاصر (7) التي إنتهت الدولة البابلية في أيامه على يد كورش وهذا معنى = يأتي وقت أرضه أي يأتي وقت تسقط فيه أرضه تحت حكم شعوب كثيرة وملوك عظام = هم ملوك فارس وجيشهفتستخدمه = لأن بابل خدمت فارس. وهنا الله يحذر من أن تستخدم هذه الأمم قوتها لكي تحارب بابل فالله أعطى التفويض لملك بابل فمن يستطيع مقاومته. وهو سمح بهذا لكي يؤدب هذه الأمم على وثنيتها. فمن لا يخدم الله سيجعله الله يخدم سادة غيره. والله حين يسود على إنسان يحرره أما الآخرين (الشياطين) حين يسودون يستعبدون ويذلون ومع هذا فالله يعطيهم نصيحة أن لا يقاوموه حتى لا يفنيهم. ويبدو من (9) أن هذه الأمم المجاورة أيضًا كانت تعاني من وجود الأنبياء الكذبة. وفي (10) نجد أن من يسمع لهؤلاء الأنبياء الكذبة ولا يستسلم يقتله ملك بابل = يُبْعِدُوكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ، وَلأَطْرُدَكُمْ فَتَهْلِكُوا أي يأخذهم لأرضه في عذاب شديد ثم يقتلهم. وفي (11) حدث هذا فعلًا حين خضع يهوياقيم لملك بابل وإستسلم له تركه ملك بابل، وتكرر مع ثم صدقيا في أوائل ملكه. ولكن حين تمرد يهوياقيم على ملك بابل كان مصيره القتل على يد ملك بابل. وبعد تمرد صدقيا ومؤامراته سمح الله بخراب أورشليم وقتل صدقيا.
كيف نفهم هذا الكلام روحيًا؟
إذا كان ملك بابل يشير للشيطان فما معنى أن الله يطلب أن نخضع له ؟ الله يستخدم الشيطان للتأديب. فالمطلوب ليس أن نستسلم للشيطان في غوايته لنا بالخطية. ولكن نُسَلِّم الأمر لله في الضيقات التي يصيبنا بها عدو الخير، فهي بسماح من الله صانع الخيرات وضابط الكل، ولم يكن الله ليسمح للشيطان أن يجربنا بها إلا لو كان لها نتيجة إيجابية في شفاء أمراضنا الروحية، أما من يتذمر على التجربة فلن يستفيد منها.
الآيات 12-22:- 12- وكلمت صدقيا ملك يهوذا بكل هذا الكلام قائلًا ادخلوا اعناقكم تحت نير ملك بابل واخدموه وشعبه واحيوا. 13- لماذا تموتون أنت وشعبك بالسيف بالجوع والوبا كما تكلم الرب عن الامة التي لا تخدم ملك بابل. 14- فلا تسمعوا لكلام الانبياء الذين يكلمونكم قائلين لا تخدموا ملك بابل لأنهم انما يتنباون لكم بالكذب. 15- لأني لم ارسلهم يقول الرب بل هم يتنباون باسمي بالكذب لكي اطردكم فتهلكوا انتم والانبياء الذين يتنباون لكم. 16- وكلمت الكهنة وكل هذا الشعب قائلًا هكذا قال الرب لا تسمعوا لكلام انبيائكم الذين يتنباون لكم قائلين ها انية بيت الرب سترد سريعا من بابل لأنهم انما يتنباون لكم بالكذب. 17- لا تسمعوا لهم اخدموا ملك بابل واحيوا لماذا تصير هذه المدينة خربة. 18- فان كانوا انبياء وأن كانت كلمة الرب معهم فليتوسلوا إلى رب الجنود لكي لا تذهب إلى بابل الانية الباقية في بيت الرب وبيت ملك يهوذا وفي أورشليم. 19- لأنه هكذا قال رب الجنود عن الاعمدة وعن البحر وعن القواعد وعن سائر الانية الباقية في هذه المدينة. 20- التي لم يأخذها نبوخذناصر ملك بابل عند سبيه يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا من أورشليم إلى بابل وكل اشراف يهوذا وأورشليم. 21- انه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل عن الانية الباقية في بيت الرب وبيت ملك يهوذا وفي أورشليم. 22- يؤتى بها إلى بابل وتكون هناك إلى يوم افتقادي اياها يقول الرب فاصعدها واردها إلى هذا الموضع.
النبي هنا يستغل بداية غزو بابل ليهوذا ليثبت كذب الأنبياء الكذبة حتى يصدقوه. ولذلك يشرح لهم أن ما يقولونه عن الصمود هو كذب. وأعمى يقود أعمى يقع كلاهما في حفرة. ومن يقود خاطئ لخطية يهلك معهُ. وهم عشموا الكهنة أن الآنية الذهبية سترجع (2مل15،13:24) + (2أى10:36) ولكن النبي هنا يتحداهم!! هم يتنبأون، دعهم يصلون ولنرى شفاعتهم في وقف أحكام الله.
فلنقارن بأنفسنا أيهما أفضل أن نخضع لنير إلهنا يسوع المسيح أو نخضع لنير الشيطان بقبولنا فعل الخطية. فخضوعنا للمسيح يرفعنا للمجد وخضوعنا للشيطان يقودنا للموت الثاني وخضوعنا للمسيح يحررنا وخضوعنا للشيطان يذلنا ونعيش في هم وكآبة وحزن.