تفسير إرميا أصحاح ١١ للعلامة أوريجانوس

عظة 9

تفسير الآيات من : ” الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب قائلا . اسمعوا كلام هذا العهد “(إر1:11)،
إلى : ” قد رجعوا إلى أثام آبائهم الأولين ” ( إر 11 : 10 ) .

1. إذا تأملنا في مجيء ربنا يسوع المسيح كما وصفتها الكتب التاريخية ، فإن مجيئه كان في جسد ، كان مجيئاً لمرة واحدة فقط خلالها أنار العالم كله : ” والكلمة صار جسدا وحل بيننا ” . لقد كان بالفعل ” النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان آتيا إلى العالم ، كأن في العالم ، وكون العالم به ، ولم يعرفه العالم . إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله “. يجب أن نعرف أنه جاء أيضاً قبل ذلك ، وإن لم يكن بالجسد ، في كل من القديسين ، كما أنه ومع ذلك بعد مجيئه المنظور بالجسد يأتي إلينا أيضا الآن.

إذا كنت تريد دليلا على هذا ، فأنصت إلى هذه الكلمات : ” الكلام ( الكلمة ) الذي صار إلى إرميا من قبل الرب قائلاً .اسمعوا “.

هي إذا تلك الكلمة التي صارت إلى إرميا أو إلى إشعياء أو حزقيال أو إلى غيرهم من الأنبياء ، من قبل الرب ، إلا الكلمة الذي كان عند الله منذ البدء ؟ فبالنسبة لي ، فإنني لا أعرف كلمة أخرى للرب ، إلا التي قال عنها يوحنا الإنجيلي : ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ” .

يجب علينا أيضا أن نعرف هذا : أن مجيء الكلمة كان أيضا على مستوى شخصي . لأنه ماذا يفيدني إن كان الكلمة قد جاء إلى العالم ، بينما أنا لا أحمله ؟ ولكن على العكس ، فحتى لو لم يكن قد جاء بعد إلى العالم كله ، وكنت أنا مثل الأنبياء ، فسوف يجيء إلى الكلمة . وسأقول مؤكدا أن السيد المسيح قد جاء إلى موسى وإلى إرميا وإلى إشعياء وإلى كل واحد من الأبرار ، وأن الكلمة التي قالها لتلاميذه : ” ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر ” قد تحققت بالفعل قبل مجيئه. أو كيف كان لهؤلاء الأنبياء أن ينطقوا بكلام الله إن لم تكن كلمة الله قد جاءت إليهم ؟

من الضروري أن نعرف هذه الأشياء ، خاصة بالنسبة لنا ، نحن شعب الكنيسة ، بما أننا نريد أن يكون رب الشريعة ورب الإنجيل هو رب واحد ، وأن يكون مسيحنا هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد . حيث يوجد أناس يقومون بعملية فصل – ليس لها أساس إلا في عقولهم – بين الألوهية السابقة لمجيء المخلص ، وبين الألوهية المعلنة من السيد المسيح ، أما نحن فإننا لا نعرف إلا رباً واحداً ، قديماً وحالياً ، ومسيحاً واحداً ، قديماً وحالياً .

هذا بالنسبة للآية : ” الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب قائلا ” . فماذا سنسمع نحن أيضا من هذا الكلام ؟ ” اسمعوا كلام هذا العهد وكلموا رجال يهوذا وسكان أورشليم ” . رجال يهوذا هم نحن ، لأننا مسيحيون ، وجاء المسيح من سبط يهوذا . إذا كنت قد أوضحت من خلال الكتاب المقدس أن كلمة يهوذا يقصد بها السيد المسيح ، فإن رجال يهوذا في هذه الحالة لن يكونوا اليهود الذين لا يؤمنون بالسيد المسيح ، وإنما نحن كلنا الذين نؤمن به .

٢. يخاطب الكلمة ” رجال يهوذا ” و ” سكان أورشليم”.

و يتعلق الأمر هنا بالكنيسة ، لأن الكنيسة هي مدينة الله ، ومدينة السلام ، وفيها يتراءى ويعظم سلام الله المعطى لنا إذا كنا نحن أيضا أبناء سلام .

” اسمعوا كلام هذا العهد وكلموا رجال يهوذا وسكان أورشليم . فتقول لهم هكذا قال الرب إله إسرائيل . ملعون الإنسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد الذي أمرت به آباءكم”.

من الذي يسمع أفضل لكلام العهد الذي أمر الله به الاباء أهم الذين يؤمنون به ، أم الذين – بحسب الأدلة الموجودة عندنا – لا يؤمنون حتى بموسى حيث إنهم لم يؤمنوا بالرب ؟ ويقول لهم المخلص : ” لو كنتم آمنتم بموسى لأمنتم بي أنا أيضا ، لأنه تكلم عنى في كتبه ، ولكن إن كنتم لا تؤمنون بكتاباته ، فكيف تؤمنون بكلامي ؟ ” . إذا فهؤلاء الناس لم يؤمنوا أما نحن ، فبإيماننا بالسيد المسيح ، نؤمن أيضا بالعهد الذي أقيم بواسطة موسى ، أي بموسی ، ” العهد الذي أمرت به آباءكم”.

إذا لا تقع هذه اللعنة علينا نحن ، وإنما تقع على أولئك الذين لم يسمعوا كلام العهد الذي أمر به الآباء ، ” يوم أخرجتهم من أرض مصر كور الحديد ” . نحن أيضا ، أخرجنا الله من أرض مصر[1]، ومن كور الحديد ، خاصة إذا فهمنا ما هو مكتوب في سفر الرؤيا ، أن الموضع الذي صلب فيه الرب يدعى روحيا سدوم ومصر ( رؤ 11 : 8 ) ، إذا إن كان يدعى روحيا مصر ، فمن الواضح أنه لو فهمت ما هو المقصود بالبلد التي تدعى روحيا مصر والتي كنت تعيش فيها قبلا تكون أنت الذي خرجت من أرض مصر ، و يقال لك أيضا بعد ذلك : ” اسمعوا صوتي واعملوا به حسب كل ما آمركم به ” . بعد ذلك ، يوجد وعد من الرب للذين يسمعون كلامه ؛ فإذا فعلوا كل ما أمرهم به :

تكونوا لي شعباً وأنا أكون لكم إلهاً ” . ليس كل شعب يدعى أنه شعب الله ، يكون بالفعل شعباً لله . فإن ذلك الشعب الذي كان يتظاهر بأنه شعب الله ، ألم يقل له الله : “ أنكم لستم شعبي ” لأنهم : ” أغاظوني بإله آخر ، أغاظوني بأصنامهم ، فأنا أيضا أغيظهم بأمة أخرى ، بأمة غبية

3. إذاً أصبحنا نحن الآخرون شعبا لله ، قد أعلن بر الله للشعب الذي سيأتي ( سيولد ) ، أي للشعب القادم من الأمم.

في الواقع أن هذا الشعب قد ولد فجأة ، وقد قيل في النبي : ” هل يولد شعب مرة واحدة ” ، نعم فقد ولد شعب مرة واحدة حينما جاء المخلص ، وحينما أمن خمسة آلاف رجل في يوم بالإضافة إلى ثلاثة آلاف نفس في يوم آخر ، ويمكننا أن نري شعباً بأكمله مولودا من كلمة الله يسوع المسيح ؛ فقد ولدت العاقر ، هذه التي لم تكن قبلاً تنجب ، والتي قيل عنها : ” ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد . أشيدي بالترنم أيتها التي لم تمخض لأن بنى المستوحشة ( المتوحدة أو الوحيدة ) أكثر من بني ذات البعل ” ( إش 54 : 1 ) . إنها وحيدة ، لأنها كانت محرومة من الشريعة ومن الله ، أما الأخرى ذات البعل ، أي الأمة اليهودية ، فكانت كما هو معروف تتخذ من الشريعة الإلهية زوجا لها .

بماذا إذا يعدني الرب ؟ ” فتكونوا لي شعبا وأنا أكون لكم إلها ” . إنه ليس إلها للجميع ، وإنما فقط للذين يهبهم نفسه مجانا كإله لهم ، كما قال لأحد الآباء : ” أنا هو إلهك ” ، وقال لآخر : ” سأكون إلهك ” ، وقال أيضا عن آخرين : ” سأكون لهم إلها ” . فمتى نصل نحن أيضا إلى أن يكون الله إلهنا ( إلها لنا ) ؟ لو كنت تريد أن تعرف من هم الناس الذين يكون الرب إلها لهم ، والذين يعطيهم الرب شرف إضافة أسمائهم إلى اسمه ، انظر إلى قوله : ” أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ” ، وقد علق السيد المسيح على هذا بقوله : ” ليس هو إله أموات بل إله أحياء ” . من هو الإنسان المائت ؟ إنه الخاطئ ، أو أي إنسان لا يحمل في داخله الله القائل : ” أنا هو الحياة ” ، وكذلك كل من يعمل الأعمال المائتة ولم يتب عنها حتى الآن.

إذا ، بما أن اللهليس إله أموات بل إله أحياء ” ، وبما أننا نعرف أن الإنسان الحي هو الذي يحيا بحسب كلام السيد المسيح ووصاياه ويكون دائما ثابتاً فيه ، فلو أردنا أن يصير الرب إلها لنا ، فلنترك عنا أعمال الموت ، حتى يتمم لنا وعده : ” فتكونوا لي شعباً وأنا أكون لكم إلها لأقيم الحلف الذي حلفت لآبائكم أن أعطيهم أرضا تفيض لبنا وعسلاً ؛ تأمل هذه الكلمات ، فإن الرب يتحدث هنا كما لو يكن قد أعطاهم بعد هذه الأرض التي تفيض لبنا وعسلا . في الواقع أن هذه الأرض التي أخذوها ليست هي التي كان الله يقصدها حينما قال أرض تفيض لبنا وعسلا ، وإنما الأمر يتعلق بأرض أخرى قال عنها الرب في تعاليمه : ” طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض“.

4. بعد هذا ، وإجابة على قول الرب : ” ملعون الإنسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد ” ، يقول النبي : ” فأجبت وقلت أمين يا رب ” ، ما معنى كلمة آمين يا رب ؟ أي : آمين يا رب أن الذي لا يسمع كلام هذا العهد يصير ملعونا . ” فقال الرب لي : ناد بكل هذا الكلام في مدن يهوذا وفي شوارع أورشليم ( وخارج أورشليم ) ” -فنحن ننادي بكلام الرب حتى للذين هم في الخارج لندعوهم إلى الخلاص – ” قائلا . اسمعوا كلام هذا العهد واعملوا به … فلم يسمعوا … ولم يصنعوه . وقال الرب لي : توجد فتنة بين رجال يهوذا وسكان أورشليم ” . ألا يجب علينا نحن بالأولى أن نتوب عن خطايانا ، بكوننا رجال يهوذا ، أي رجال السيد المسيح ، كما سبق لنا القول . وحيث أنه يوجد بيننا أناس خاطئون وأناس يسلكون بحسب الباطل ، قال النبي : ” توجد فتنة بين رجال يهوذا وسكان أورشليم ” ” قد رجعوا إلى آثام أبائهم الأولين ” . رجعوا إلى آثام من ؟ إنه لم يقل مجرد ” أثام أبائهم ” وإنما أضاف كلمة الأولين.

لقد قلنا أن هذا الكلام موجه لنا وللخطاة الموجودين بيننا . فكيف رجع هؤلاء الخطاة – ليس إلى آثام آبائهم فقط بل – إلى آثام أبائهم الأولين ؟ أليس لأن لنا نوعين من الآباء ، منهم نوع فاسد . لأننا قبل أن نقبل الإيمان كنا أولادا للشيطان ، كما يوضحه الانجيل ” أنتم من أب هو إبليس ” ، ثم عندما أمنا صرنا أولاد الله . إذا ففي كل مرة نخطئ ، فإننا نرجع إلى آثام آبائنا الأولين . وحتى نوضح أن أباءنا نوعان أستعين بالمزمور 45 ، حينما يقول : ” اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي أذنيك وانسي شعبك وبيت أبيك ” ، بما أنه يقول لها ” اسمعي يا ابنتي ” إذا فهو أبوها ، فكيف إذا يقول أب لابنته ” انسي بيت أبيك ” ؟ إذا الآباء نوعان ، وانسي بيت أبيك ، أي أبيك الأول ؛ إذا عدت للخطايا بعد أن تكوني قد نسيتي بيت أبيك الأول ، فإنك بذلك أنت المقصودة بهذه الآية : ” قد رجعوا إلى آثام أبائهم الأولين”.

قلت إن الشيطان كان أبانا ، قبل أن يصير الله أبانا – إذا لم يكن الشيطان أبانا حتى الآن ! – هذا نوضحه أيضا من خلال رسالة القديس يوحنا : ” من يفعل الخطية فهو من إبليس ( فهو مولود من إبليس ) ” ( 1 يو 3 : 8 ) . وبما أن كل من يفعل الخطية هو مولود من إبليس ، كأننا مولودين من الشيطان عدة مرات حسب كل مرة نخطئ فيها. إذا ، فمسكين الإنسان الذي يولد من الشيطان بلا توقف ، وطوبى للإنسان الذي يولد من الله باستمرار . إنني في الواقع ، لا أقول إن البار يولد من الله مرة واحدة فقط طوال حياته ، ولكنه يولد من الله باستمرار في كل عمل صالح يقوم به.

وعندما أوضح ذلك بخصوص المخلص ، كيف أن الآب لم يلد الابن بطريقة تجعله ( أي الابن ) يحتاج أن يولد منه مرة أخرى بعد ذلك ، وإنما هو يلده باستمرار ، فكهذا أيضا بالنسبة للإنسان البار . لنرى ما هو مخلصنا : إنه يشع مجدا ، إن إشعاع المجد لم يحدث ( لم يولد ) مرة واحدة للأبد ، وإنما طالما يتولد منه النور ، فإن مجد الرب يشع باستمرار . إن مخلصنا هو حكمة الله ؛ والحكمة هي ” إشعاع النور الأبدي ” . فإذا كان المخلص مولودا باستمرار من الآب ، فهكذا أنت أيضا إذا كان عندك روح التبني ، فإن الله يلدك باستمرار في المسيح يسوع عند كل عمل من أعمالك وعند كل فكر من أفكارك . وهكذا بميلادك تصير أبنا لله بلا توقف ، مولوداً في المسيح يسوع الذي له المجد والقدرة إلى أبد الأبدين آمين.

 

عظة 10
تفسير الآيات من : ” والرب عرفني فعرفت ” ( إر ١١ : ۱۸ ) ،
إلى : ” اجمعوا كل حيوان الحقل . إيتوا بها للأكل ” ( إر١٢ :٩).
(جزء 1)

1. إذا كان الكلام الموجود في الناموس والأنبياء والأناجيل والرسائل ، هو كلام الله ، فإن الإنسان الذي يتعلم من هذا الكلام ، يجب أن يخص الله بلقب ” معلم ” . لأن الذي يعلم الإنسان المعرفة هو الرب ، كما جاء في المزمور ( ۹۳ : ۱۰).

ويؤكد المخلص أننا لا يجب أن نعطى لقب ” معلم ” لأي إنسان على الأرض : ” فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد هو المسيح ” ( مت ۲۳ : ۸-۹ ) . وفي الواقع ، فإن الآب الذي في السماوات هو الذي يعلم : إما بنفسه ، أو بواسطة الابن السيد المسيح أو بالروح القدس ، أو أيضا بواسطة بولس أو بطرس أو أي من القديسين الآخرين ، بشرط أن يأتي روح الرب وكلمته ليعلموا . لماذا قلت هذا ؟ لأن النبي يقول بالتحديد : ” والرب عرفني فعرفت ” أو ” عرفني يا رب فأعرف”.

لأنني لن أعرف شيئا إذا لم تعرفني أنت ، ولكن إذا كنت قد عرفت لأنك عرفتني ” فحيننذ ” سوف أرى ” أفعالهم ” ، وسوف أفهمهم سلوكهم ونياتهم.

هذا ما يقوله النبي . فلننظر بعد ذلك ما يقوله المخلص على لسان النبي : ” وأنا كخروف داجن يساق إلى الذبح ولم أعلم . أنهم فكروا على أفكارا قائلين لنهلك الشجرة بثمرها ، ونقطعه من أرض الأحياء فلا يذكر بعد أسمه ” ( إر ۱۱ : ١۹ ). وأيضا يقول إشعياء النبي عن المسيح : ” كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه ” ( إش 53 : 7 ) . في هذه الآية الأخيرة ، فإن إشعياء هو الذي يتحدث عن السيد المسيح ، اما في الآية الأولى التي سبقتها ، فإن السيد المسيح هو الذي يتكلم عن نفسه : ” وأنا كخروف داجن يساق إلى الذبح ولم أعلم ” ، فهو لم يذكر ما هو الشيء الذي لا يعلمه . فهو لم يقل : أولم أعلم الخير ” أو ” ولم أعلم الشر ” أو ” لم أعلم الخطية ” ، وإنما قال فقط ” ولم أعلم ” . وهو بذلك ترك لك مهمة البحث عن الشيء الذي لم يعلمه . ولكي تعرف ذلك الشيء ، تأمل هذه العبارة : ” لأنه جعل الذي لم يعرف خطية ، خطية لأجلنا ” ( ٢ كو ٥ : ٢١ ).

لأن معرفة الخطية معناها السقوط فيها ، تماما مثل معرفة الحق أي ممارسته . فإن الإنسان الذي يتحدث عن الحق ولا يمارسه فإنه لم يعرف الحق .

٢. ” أنهم فكروا على أفكارا قائلين لنهلك الشجرة بثمرها

إن كان اليهود قد صلبوه ، فإن هذا أمر مفروغ منه ، ونحن نعلنه بكل تأكيد ؛ ولكن كيف نعلمه ؟ أو نربط بين هذا الأمر وبين العبارة : ” أنهم فكروا على أفكارا قائلين لنهلك الشجرة بثمرها ” أو ” انهم فكروا على أفكارا قائلين هلموا نلقى خشباً في خبزه ” ( بحسب الترجمة الفرنسية ) . إنه موضوع يصعب فهمه ! إن خبز السيد المسيح هو الكلمة والتعاليم التي نتغذى بها ، واليهود حينما رأوه يعلم بين الشعب أرادوا أن يفسدوا تعاليمه بصلبهم إياه ، فقالوا : لنلقى خشبا في خبزه ” . فإن إضافة صلب السيد المسيح إلى تعاليمه هي بمثابة إلقاء خشبا في خبزه . فإن هؤلاء الناس حينما اجتمعوا فيما بينهم ليتأمروا عليه قالوا : ” هلموا نلقى خشبا في خبزه ” . أما أنا فإن لي أيضا – إلى جانب ذلك – رأي مختلف وهو : إن الخشب الملقى في خبزه جعل هذا الخبز أكثر قوة وفاعلية . وسأذكر مثال عل ذلك من شريعة موسى : فإن العصا ” الخشب ” المطروحة في المياه المرة جعلتها عذبة ( خر ١٥ : ٢٥ ) . كذلك فإن ” خشبه ” حب السيد المسيح حينما أضيفت إلى تعاليمه جعلت خبزه أكثر عذوبة ورقة . وبالفعل فإنه قبل أن يضاف ” الخشب ” إلى خبزه ” ، أي في فترة تعاليمه التي سبقت الصليب ، فإن أقواله لم تبلغ إلى أقصى المسكونة ( مز 19 : 5 ) . ولكن بعدما أخذ ” الخبز ” قوة من خلال ” الخشب ” المطروح فيه ، فإن أقوال تعاليمه بلغت إلى كل المسكونة . إن الخشب قديما كان رمزا لمحبة السيد المسيح التي بها صار الماء المر عنبا ، لأنني اعتقد أن الناموس إذا لم يفهم بالمعنى الروحي فإنه يكون ” ماء مر ” ، ولكن بمجيء خشب صلب السيد المسيح وبمجيء تعاليمه ، فإن ناموس موسى أصبح عذبا وحلوا.

3. ثم بعد هذا القول ، يضيفون : ” ونقطعه من أرض الأحياء فلا يذكر بعد اسمه ” . وهكذا فانهم قتلوه بهدف محو اسمه . ولكن السيد المسيح كان يعلم كيف ولماذا يموت . فقد قال عن ذلك : ” إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها . ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير ” ( يو ١٢ : ٢٤ ) . لذلك فإن موت السيد المسيح أصبح مثل حبة الحنطة التي اتت بأثمار كثيرة مضاعفة . وكذلك فإن السيد المسيح لو لم يكن قد صلب ومات فإن حبة الحنطة كانت ستبقى وحدها ولا كانت الجموع أثمرت منه وتبعته . أما موته فقد أعطى ثمارا تتمثل في جميع المسيحيين . فإذا كان الموت قد جاء بكل تلك الثمار ، فكم تكون بالأكثر القيامة !

٤. ” فيا رب الجنود القاضي العدل فاحص الكلى والقلب دعني أرى انتقامك منهم ” . فهو في نبوته يتمنى : أن يرى انتقام الله منهم ، فإن أورشليم كانت محاطة بجيوش وكان خرابها قريبا ( لو ۲۱ : ۲۰ ) . وقد قيل لأورشليم أيضا ” هوذا بيتكم يترك لكم خرابا ” ( مت ۲۳ : ۳۸).

” فيا رب الجنود القاضي العدل فاحص الكلى والقلب دعني أرى انتقامك منهم لأني لك كشفت دعواي . لذلك هكذا قال الرب عن أهل عناثوث الذين يطلبون نفسك قائلين لا تتنبأ باسم الرب فلا تموت بأيدينا . لذلك هكذا قال رب الجنود : ها أنذا أعاقبهم . يموت الشبان بالسيف ويموت بنوهم وبناتهم بالجوع ولا تكن لهم بقية لأني أجلب شرا على أهل عناثوث سنة عقابهم ” .

إن اسم عناثوث يؤخذ بالمعنى الرمزي وهو يشير إلى اليهود . و ” عناثوث ” بحسب ترجمة الأسماء العبرية تترجم ” مختار ” . فإن الشعب اليهودي كان هو شعب الله المختار ، وكان ملكوت الله أيضا عندهم . وبخصوص هذا الملكوت فقد تحققت الكلمات : ” إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ” ( مت ۲۱ : ٤٣). وفي هذا أيضا تحققت الكلمات أن ” أهل عناثوث ” الشعب المختار ، ” يطلبون نفسه ” ، ليس نفس إرميا -لأن التاريخ لا يذكر أن أهل عناثوث كانوا يطلبون نفس إرميا . وفي كتاب سفر الملوك فقد تم الحديث عن إرميا بينما لم يذكر عنه مثل هذا الكلام ؛ بل وحتى في سفر إرميا نفسه الذي بين أيدينا ، لا نجد تهديد قاله أهل عناثوث لإرميا- وإنما قيل هذا الكلام عن السيد المسيح .

الذين يطلبون نفسك قائلين : لا تتنبأ باسم الرب ” ، فلقد منع اليهود السيد المسيح من أن يعلم ، ” فلا تموت بأيدينا . لذلك هكذا قال رب الجنود ها أنذ أعاقبهم . يموت الشبان بالسيف ويموت بنوهم وبناتهم بالجوع ” . إنهم لم يهلكوا بالسيف في عهد إرميا وإنما الآن ، بعد الخراب ، فقد حل أيضا الجوع عليهم ، ليس جوعا إلى الخبز ولا عطشا إلى الماء ، بل لسماع كلمة الرب ( عا ٨ : ١١ ) . فإن العبارة التي كثيرا ما تكررت ، وهي ” هكذا قال رب الجنود ” لم تعد تقال بعد لهم . فالجوع يتمثل في أنه لم تعد توجد عندهم نبوات ولا حتى تعاليم . فإن كلمة الرب قد نزعت من عندهم ، حيث تحققت الكلمات : ” فإنه هوذا السيد رب الجنود ينزع من أورشليم ويهوذا السند والركن ، كل سند خبز وكل سند ماء . الجبار ورجل الحرب . القاضي والنبي والعراف والشيخ . رئيس الخمسين والمعتبر والمشير والماهر بين الصناع والحاذق بالرقية ” ( إش ۳ : ۱-۳ ) .

لم يعد أحد من بينهم يستطيع أن يقول : ” كبناء حكيم قد وصنعت أساسا ” ( 1 كو ٣ : ۱۰ ) . لقد مضى البناؤون وعبروا على الكنيسة ، ووضعوا السيد المسيح ” كأساس ” لها ، .وأولادهم أيضا بنوا عليه[2].

5. إذا ، فلقد ترك هذا الشعب وهو في حالة ” جوع ” ، لأنه مكتوب :

” لأني أجلب الشر على أهل عناثوث سنة عقابهم . أبر أنت يا رب من أن أخاصمك . لكن أكلمك من جهة أحكامك . لماذا تنجح طريق الأشرار ؟ اطمأن كل الغادرين غدرا ” . ونحن إذ نرى أن طرق الأشرار ناجحة وأن الله لا يعاقبهم ، وأن كل الغادرين مطمئنين ، نتساءل في حيرة : هل الله الذي أعطى الناموس والأنبياء هو كل ذلك إله صالح ؟ فإنه حتى الذين يجدفون على الإله خالق الكون ” يعيشون ” مطمننين ” . ” غرستهم فأصلوا نموا وأثمروا ثمرا ” ( إر ١٢ : ۲-۱). فكم من ثمار جاءت من مرقيون ! وكم من ثمار جاءت من باسيليدس ! وأيضا من فالنتينوس !

تكملة عظة 10 جزء 2

 


  1. نحن نعلم أن مصر تمثل بالنسبة لأوريجينوس ” هذا العالم ” أو ” الحياة المظلمة في هذا العالم ” .
  2. البناؤون ” هم الرسل ، لأنهم أسسوا الكنيسة ، ويقصد أوريجينوس بكلمة ” أولادهم ” أو ” خلفاتهم ” الوعاظ والمرشدين أكثر منهم الأساقفة والمطارنة.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى