جئت لألقي نارا على الأرض

 

“جئت لألقي ناراً على الأرض” (لو12 : 49)

بهذه الآية يكون الرب قد حدد هدف مجيئه لأرض الإنسان تحديداً مدهشاً .. معنى هذا أن أثر التجسد في الطبيعة الإنسانية لا يمكن أن يتم ويبلغ غايته ، إلا باضطرام نار الروح القدس داخل هذه الطبيعة .

إن كان المسيح بتجسده قد أعطى الطبيعة الترابية إمكانية الاتحاد بالطبيعة الإلهية ، فإنه قام بإرسال الروح القدس لجعل هذا الاتحاد أمراً ممكناً وضرورياً .

الإنسان الذي يؤمن بالمسيح ، فإن الروح القدس يضطلع بتبنيه لله – بتحولات جذرية في صميم طبيعته البشرية ، كنار تتأجج في أحشائه وتأكل بقوة طبقات من رواسب الماضي وأخطاء الأعمار المختلفة التي تعيش في صفاتنا الموروثة .

يوم الخمسين ، يوم ميلاد الكنيسة ، ألقى المسيح ناره الإلهية على الأرض فاحتوتها الكنيسة في صدرها ، تبثها في أولادها في اللقمة ، التي هي هي جمرة الروح القدس عينها التي سبق الشاروبيم ومس بها – فقط – شفتي إشعياء النبي ، فصار طاهراً . أما الكنيسة فلا ترتاح أبداً حتى تستودع هذه الجمرات في كل كيان الإنسان ، وليس شفتيه فقط ، ليصير مسكناً للروح ، وهيكلاً مقدساً في جسد المسيح .

لقد خُلق الإنسان مرة أخرى في ذلك اليوم ، والتحمت عناصر تكوينه بالروح والنار ، فصار وليد السماء ، ابناً لله ، من طبيعة لا تأكلها الخطية بعد ، من طبيعة نارية آكلة تسري في كيان الإنسان حتى أعماقه ، تصفيه وتنقيه حتى لا يبقى فيه إلا ما يتوافق مع صورة الله الأصيلة بشكل المسيح حتى إلى ملء قامة الروح . 

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى