يو1: 13 الذين ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد…

 

“اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ.” (يو1: 13)

+++

تفسير الأب متى المسكين 

 

13:1- الَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ.

القديس يوحنا بدأ يرافق الاستعلان بالرد العملي من جهة الإنسان اليهودي, وليس الامة اليهودية, ليوضح القيمة العظمى لاستعلان كلمة الله عندما جاء إلى خاصته, على مستوى المسيا, فقبله بعض الشخصيات اليهودية. فالاستعلان واكبه إيمان, والإيمان رافقه ميلاد جديد للانسان، جديد على عقل الإنسان غاية الجدة . وكان إيمان هؤلاء الأشخاص الأفراد اليهود هو باكورة الخليقة الجديدة الذين خمروا عجين الأمم كله. هذا ما صرح به القديس يعقوب الرسول معبراً عن نفسه وزملائه الرسل: “شاء فولدنا بـ “كلمة الحق” لكي نكون باكورة من خلائقه” (يع18:1)
ولينتبه القارىء, لأن مفهوم الميلاد من الله، أو قول يعقوب الرسول: «ولدنا بكلمة الحق»، أو قوله: “باكورة من خلائقه الجديدة»، هذه كلها تعبير عن «الحياة الآبدية» مع الله، وهذا هو ملخص اللاهوت بل خلاصة إنجيل يوحنا الذي بلوره في ختام الأصحاح العشرين بهذه الكلمات عينها: «وأما هذه ‏فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم حياة إذا آمنتم باسمه.» (يو31:20 ‏)

وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ “دَمٍ” وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ “جَسَد”ٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ “رَجُلٍ” …..

لآول مرة بالنسبة للانسان العادي يسمع عن ميلاد لا تتدخل فيه أي من العناصر الطبيعية (الدماء). نعم, لأن النتيجة ليست لحساب حياة طبيعية، والمولود ليس لحساب هذا العالم الطبيعي.
‏كما نجد في هذا الميلاد غياباً كاملآ للغرائز الطبيعية (مشيئة جسد), لذلك فالمولود هنا ليس خاضعأ جبرياً لسطوتها. كما يغيب عن هذا الميلاد (مشيئة الإنسان)، وبالتالي فتوجيه الحياة الجديدة بأفعالها لا تنبع من مشيئة بشرية.
‏هذا هو مجمل الثلاث معايير السلبية: “ليس. ولا. ولا”. ولو نلاحظ، نجد أن القديس يوحنا لم يضع هذه المعايير المنفية جزافاً، بل هو يتدرج بها من الأسفل إلى الأعلى. فالمعيار المنفي الأول هو المسار الطبيعي للحياة الطبيعية «الدم»، والثاني هو المحرك الطبيعي للحياة المخلوقة “مشيئة الجسد”، والثالث هو جماع الشخصية الإنسانية التي تُصرف أمور الحياة الطبيعية “مشيئة رجل”.
ومن السهل فهم العناصر الثلا ثة الأخلاقية التي تتلخص منها الحياة الجديدة بهذا الميلاد الجديد:
‏العنصر الاول: عدم اعتماد الحياة الجديدة على توريث الحياة من السلف، والثاني: تحررها من الغرائز والشهوة، والثالث: استقلالها عن قدرة الإنسان. فما أعجبها من حياة !!
“ليس من دم”
‏الترجمة الحرفية الصحيحة: « ليس من دماء»، لأن « دم» جاءت بالجمع في اللغتين اليونانية ‏واللاتينية. فهنا خرجت الترجة العربية عن النص فأساءت إل المعنى كما يقصده القديس يوحنا.
و«الدم» بالجمع يقصد بها دم الآب ودم الأم، كما يرى القديس أغسطينوس. وجمعها يفيد معنى كافة العناصر الطبيعية التي يتكون منها الجسد من ذكر وأنثى.
‏كما أننا نعرف لغة القديس يوحنا السرية لماذا يتحاشى قول “الدم” بالمفرد، فهذا هو افتخار اليهود، إنه كبرياء الجنس، فاليهوي مولود من «دم» يهودي, تعبيرا عن الجنس المختار, موروث من إبراهيم واسحق ويعقوب، كما يتحاشى القديس يوحنا المفرد في قوله: «مولودين ليس من دم (كما جاء في الترجة العربية)» لأننا مولودون بالحقيقة من «دم» هو دم يسوع المسيح. الميلاد الذي لم يستعلن بعد، لأن هذا مخصص لدرجة الاستعلان القادمة للكلمة حينما صار جسداً, وتخضب جسده على الصليب بهذا الدم غفراناً لكل العالم, أما الأن فنحن محصورون في “الكلمة” المستعلن بالمسيا، وفي المسيا، أي يسووع المسيح، لليهود فيما قبل الصليب, أي ليس بعد مكان للدم.

“وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ “جَسَد”ٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ “رَجُلٍ”

‏هنا يحصر القديس يوحنا معنى الميلاد الروحي للانسان, أو الخليقة الجديدة، أومعنى أولاد الله أو الميلاد من الله، في أنه ينأى كلية عن ما يتعلق بالخليقة الحيوانية عامة والخليقة البشرية خاصة. فهو ميلاد خليقة أخرى للانسان من فوق، فيها يصير الله أباً جديداً عظيمأ للانسان الذي به تُلغى عملياً القيمة المتبقية للانسان اليهودي من “الابوة” “لنا إبراهيم أباً» (مت9:3‏) التي يسعى الإنسان أن ينضوي تحتها: «لا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السموات”. ‏(مت9:23‏)

“بل من الله

«الولادة من الله» عقيدة متكاملة راسخة عند القديس يوحنا، يلذ لنا أن نستعرضها أمام القارىء:
1- وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ (إنجيل يوحنا بأكمله) لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ (يو 31:20)
2- كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ يُحِبُّ الْمَوْلُودَ مِنْهُ أَيْضاً. (1يو 1:5)
3- أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ … أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ ….(1يو1:3-2)
4- أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. (1يو 7:4)
5- إِنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ بَارٌّ (المسيح) هُوَ، فَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصْنَعُ الْبِرَّ مَوْلُودٌ مِنْهُ (1يو29:2)
6- نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ، بَلِ الْمَوْلُودُ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّهُ. (1يو18:5)
7- كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ. (1يو 9:3)
من بين هذه الآيات السبع نجد الآية رقم (2) هي الآية المتحكمة فيها جيعاً، وهي رأس مبدأ الميلاد من الله. لأن يسووع المسيح، كما في الآية رقم (1) هو ابن الله، والرسالة التي جاء ليكملها هي أن يرفعنا معه وفيه إلى حالة التبني لله.
‏فالذي يؤمن بأن يسوع هو المسيح فهو يكون قد قبل بالتالي الرسالة أي أن يكون أحد أولاد الله.
كذلك فإن العلة الأساسة التي على أساسها نصير أولادأ له, لا تعتمد على شيء حسن فينا، ولكن إلحاح محبته لنا، وهومضمون الآية رقم (3‏) . وكذلك الآية يو 16:3 “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية“.
‏كذلك فإن الوصية الاولى والعظمى هي المحبة لله والقريب لأنها الرد الوحيد اللائق لمحبته لنا.
‏فإذا نجح الإنسان في تكميل هذه الوصية، فإنه حتمأ يكون قد ؤلد من الله، لأن الله «محبة»، ويستحيل لأحد أن يستمد المحبة الإلهية إلا من مصدرها، وهذا هو مضمون الآية رقم (4‏).
‏كذلك فإن ناموس المسيح الذي جاء ليؤسسه هو ناموس البر الإلهي، أي السلوك بمقتضى الرحمة والحق معاً، والعدل والسلام معاً، وهذا مستحيل أن يأتيه إنسان ما إلا إذا أخذ قوة هذا البر من المسيح لأنه «بار» و«يبرر كثيرين»، وهذا مضمون الآية رقم (5‏).
‏كذلك إن كان المسيح قد حل بالإيمان في القلب، وثبت الإنسان في الروح القدس، فقد تسلح ضد الشيطان والخطية من جهة الغواية والفعل معاً، وأصبح متحصناً ضده، وهذا مضمون الأية رقم (6)
‏وهذه الآية يقابلها من جهة العقيدة عند القديس بولس مطابقة, إنما على الوجه الإيجابي البديع: “لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله, إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني, الذي به نصرخ (عند الضيقة) يا أبا الأب، الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله” (رو14:8-16)
‏كذلك نعلم أن ليس إنسان لا يخطىء، وأن المسيح وحده بلا خطية، وجاء ليكسر شوكة الخطية المميتة، وقد رفعها بالفعل، وخلص الإنسان من ناموسها القاتل. لذلك إن كان إنسان ما قد قبل المسيح وامن به وحل المسيح بالإيمان في قلبه وقبل الروح القدس، فلا يمكن أن هذا الإنسان يخطىء خطية للموت وهذا مضمون الآية رقم (7).
‏وقول القديس يوحنا هنا: “لأن زع الله ثابت فيه» قول خطير في الواقع، نفهم منه أن الذين يستقبلون روح الابوة داخلهم فإنها تخصبهم وتصيرهم أولاداً لله، وأن الله يصير أباهم، ليس بالاسم ولا بالمجاز، بل بالقوة الوالدة للروح، الأمر الذي هو أقوى ألف مرة من الولادة التي أخذوها بالجسد وانحدروا منها بواسطلة زرع البشر الفاني. لأن الإنسان حينها تسكنه بذرة الروح لابوة الله، تصير فيه قوة خالقة تخلقه جديداً، وتنميه لينمو حسب صورة خالقه في البر والقداسة والحق. وبحق وقوة أبوة الله التي تسكن الإنسان، لا يُعد الله بالنسبة للانسان حاملاً عصا التأديب بعد، بل فاتحاً أذرع الحب ليضم خليقته التي تاهت عنه ثم عادت تحمل جمال صورته.
ولا يعد الانسان بالنسبة لله خليقة عاصية متمردة بل أبناء حضنه، يضمهم إليه ويقبلهم قبلة الأب الذي عثر على ابنه الضال فوقع على عنقه وقبله تقبيلاً. لأن الإنسان لم يعد متغرباً عن الله، بل بواسطلة ابنه الوحيد المحبوب الذي أخذ جسدنا لنفسه صار الإنسان على مستوى معزة الابن الوحيد ووريثا معه لكل حب الأب.
‏وفي ختام الآية التي نحن بصددها من الإنجيل، أي الآية 13:1 يلزمنا أن ننبه أنه إزاء الرفض الشعبي للأمة اليهودية لاستعلان الكلمة في شخص يسوع باعتباره المسيا الآتي، واجهنا هذه المرة أفراداً من خاصته، تلاميذ ورسلاً وكهنة ورؤساء من الشعب، قبلوه وامنوا باسمه أنه هو ابن الله الآتي إلى العالم، والتصقوا به فصاروا أولاد الله عوض بني إسرائيل، وأهل بيت الله عوض أعضاء في السنهدريم، واستناروا بنوره وصاروا رسلاً له للعالم، فكانوا منفذاً للنور للجالسين في الظلمة وظلال الموت، المقيدين بالذل والحديد. أما العالم, أي الأمم, فلم يكونوا على موعد مع الله بانتظار المسيا كاليهود، فلهؤلاء استعلن «المسيح الكلمة» نفسه استعلانه الأخير والأعظم للعالم كله، لا كابن داود بل «ابن الإنسان» «الله ظهرفي الجسد.» (1تى 6:3)

فاصل
تفسير القمص تادرس يعقوب

 

“الذين ولدوا ليس من دماءٍ،

ولا من مشيئة جسد،

ولا من مشيئة رجل،

بل من اللَّه” (13).

كان اليهود يطلبون من الأممي لكي يصير دخيلاً أن يمارس ثلاثة أمور: الختان والعماد وتقديم ذبيحة، بهذا يُحسب أنه وُلد من جديد حيث يصير من شعب الله، له حق التمتع بالعهد الإلهي. أما اليهود في مصر فقد أهملوا الختان، ولم يكن ممكنًا لهم الخلاص من عبودية فرعون والتمتع بالميلاد الجديد ما لم يختتنوا ويقدموا دم الفصح، وكأنه يلزم أن يختلط دمهم بدم الحمل ليتقدسوا ويخلصوا ويصيروا مولودين حديثًا. أما وقد جاء ابن الله الوحيد فقدم البنوة لله خلال الميلاد الروحي بالماء والروح.

كشف الإنجيلي يوحنا عن عمل الكلمة في حياة الناس، فقدمه الخالق الذي به كان كل شيء، ثم أوضح أنه هو “الحياة” واهبة الحياة. هذه الحياة الحقيقية تشرق على الإنسان ليتمتع بالنور الصادر من النور الحقيقي. خلال هذه الاستنارة يتمتع الإنسان بإعلان الله ذاته له فيؤمن، هذا الإيمان يرافقه الميلاد الجديد الروحي من الماء والروح. بهذا الميلاد الجديد الذي من الله الروح نصير باكورة الخليقة الجديدة، وخميرة حية تخمر عجين الأمم. “شاء فولدنا بكلمة الحق، لكي نكون باكورة من خلائقه” (يع 1: 18).

إنه ميلاد جديد في نوعه، فهو ليس ثمرة عناصر طبيعية، لأنه ليس من دمٍ. ولا من نتاج غرائز جسدية، لأنه ليس من مشيئة جسد، ولا يتحقق بخطة بشرية، لأنه ليس من مشيئة رجلٍ، إنما هو ميلاد علوي سماوي من الله. إنه ميلاد من الله، ليس للمصدر الطبيعي “الدم” موضع فيه، متحرر من الغرائز الطبيعية ومن القدرات البشرية ومن التخطيط البشري.

جاءت الصيغة في النص اليوناني لكلمة “دماء” بالجمع وليس بالمفرد، لأنه يقصد دماء الآب والأم، وليس يعني “الدم” اليهودي. إذ كان اليهود يفتخرون أنهم من نسل الآباء البطاركة إبراهيم واسحق ويعقوب، دم الجنس المختار.

هذا الميلاد الجديد هو موضع اعتزاز الإنجيلي يوحنا: “انظروا أية محبة أعطانا الله حتى ندعى أولاد الله!” (1 يو 3: 1). “إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البرّ مولود منه” (1 يو 2: 29). “نعلم أن كل من ولد من الله لا يخطئ، بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه” (1 يو 5: 8).

v لقد ولدوا من آدم بالضرورة (وليس لهم اختيار في ذلك)… ويولدوا بالمسيح بإرادتهم وبالنعمة.

لا يُلزم البشر أن يولدوا بالمسيح.

إنهم لم يولدوا من آدم لأنهم رغبوا في ذلك. على أي الأحوال كل الذين ولدوا من آدم هم خطاة بالخطية، وكل الذين ولدوا بالمسيح يتبررون ليس بذواتهم بل فيه…

كان الموت عقوبة الخطايا، وفي الرب كانت هبة الرحمة، وليس عقوبة خطية…

لم تكن فيه أية علة لكي يلزم أن يموت، ومع ذلك مات، أما أنت فلديك علّة فهل ترفض الموت؟…

أنت مت في آدم، قم في المسيح، فالاثنان واجبا الأداء لك.

الآن أنت تؤمن بالمسيح، لا ترتد إلى ما هو واجب خلال آدم.

قيود الخطية لن تلحق بك أبديًا، لأن موت ربك المؤقت ذبح موتك الأبدي. نفس الأمر بالنسبة للنعمة أيها الاخوة، وبالنسبة للحق إذ وُعد بهما وأعلنا عنهما.

v إذ ينالوا سلطانًا أن يصيروا أبناء الله يولدون من الله. لاحظوا إذن أنهم يولدون من اللهوليس من دماء” مثل ميلادهم الأول، مثل ذاك المولد البائس يصدر عن البِؤس. أما الذين يولدون من الله ماذا كانوا قبلاً؟ مما قد وُلدوا أولاً؟ من دماء، من ارتباط دم الذكر والأنثى، من الاتحاد الجسدي للذكر والأنثى؛ من هذا ولدوا.

مما يولدون الآن؟ من الله.

الميلاد الأول من الذكر والأنثى، والثاني من الله والكنيسة.

v لقد وُلدوا، لكنهم وُلدوا من الله. رحم أمهم هو مياه المعمودية.

v لا تظنوا أنه أمر عظيم جدًا أن تصيروا أبناء الله، فإنه من أجلكم صار هو ابن الإنسان ذاك الذي هو ابن الله. إن كان قد صار أقل، ذاك الذي كان أكثر، أفلا يستطيع أن يجعل من هذا الأقل الذي هو نحن أن نصير أمرًا أعظم؟

نزل إلينا، أفما نصعد إليه؟

من أجلنا قبل موتنا، أفما يعطينا حياته؟

من أجلكم احتمل شروركم، أفما يعطيكم أموره الصالحة؟

القديس أغسطينوس

v يفعل ذلك حتى إذا تأملنا مكانة ولادتنا الأولى، ومذلتها الكائنة بالدماء وبمشيئة الجسد، وعرفنا علو مكانة ولادتنا الثانية بالمعمودية وشرف حسبها الكائنة بالنعمة، سنظهر حينئذ حرصنا العظيم، ونتأهل لعطية من ولدنا، ونظهر في المستقبل غيرة عظيمة، فإنه رعبنا لا يكون بسيطًا أن ندنس ذلك الثوب الجميل بإهمالنا بعد ذلك ومعاصينا، فنُطرح خارج حجال العرس الداخلي مثل العذارى الجاهلات، أو مثل ذاك الذي لم يرتدِ ثوب العرس (مت 25: 22).

القديس يوحنا الذهبي الفم

فاصل
تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

أية (13): “الذين ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله.”

ليس من دم (أي زرع بشري) الولادة من الله لا يدخل فيها أي عنصر من العناصر الطبيعية، ولم يعد الانتساب للدم الإسرائيلي أو الديانة الإسرائيلية سببًا ليكون الإنسان ابنًا لله. ونلاحظ أن اليهود يفتخرون بأن دمائهم نقية وهم جنس مختار مولودين من إبراهيم وإسحق ويعقوب (مت9:3+ يو33:8) فهم لهم كبرياء ويفتخرون بحسب الجسد بجنسهم. أما المسيحي فلا يفتخر بهذا بل نحن مولودين من دم يسوع المسيح، لا نحيا حياة طبيعية لحساب العالم الطبيعي، حياتنا هي حياة المسيح يعطيها لنا لا تورث من السلف ومحررة من الغرائز والشهوة. إذًا كلمة دم المقصود بها دم إبراهيم الذي يفتخر اليهود بأنهم أولاد الله بسبب انتسابهم له بالجسد.

وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ (أي الشهوة الجسدية) وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل (إرادة إنسان وزواجه لينجب ويكون له نسل)= الولادة من الله لا مجال فيها للغرائز الطبيعية ولا لمشيئة إنسان، وبالتالي فالمولود من الله لا يخضع جبرياً لسطوة الغرائز ولا لأي مشيئة بشرية. وبالتالي يتخلص المولود من الله من كل ما يتعلق بالخليقة الحيوانية عامة والخليقة البشرية خاصة، فهو ميلاد خليقة أخرى للإنسان من فوق، فيها يصير الله أباً جديداً للإنسان.

وقوله مشيئة جسد ومشيئة رجل فهي ربما تشير لمشيئة المرأة (الجسد) ومشيئة الرجل (رجل) أو تشير للغريزة الجنسية (جسد) وللإرادة والقرار الإنساني في أن يكون للإنسان نسل (رجل).

ولدوا من اللهالولادة من الله تكون [1] بالإيمان [2] بالمعمودية [3] الجهاد في طاعة الوصية (يو31:20+ يو3:3-5+ أع16:22+ أف26:5+ مت11:3+ لو16:3+ 1يو1:3-2) والله من محبته اتخذنا أولادًا له، وليس لشيء صالح فينا. وفي مقابل محبته علينا أن نحبه ونحب إخوتنا ومن يحب يصير ابنًا لله (1يو7:4).

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى