أدخلني الملك إلى حجاله
«أدخلني الملك إلى حجال» (1: 4 ب )
«إلى حجاله» تعني إلى حجرته الداخلية الخاصة. وأمَّا المسيح فما صنعه معنا هو أعظم من ذلك. فقد أدخلنا إلى صميم جسده «كأعضاء من جسمه، من لحمه ومن عظامه» (أف 5: 30). جعلنا نثبت فيه وهو فينا: «من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه» (يو 6: 56). هذا هو ما نفهمه من «أدخلني الملك إلى حجاله» في العهد الجديد.
في العهد القديم كان كل تطلع الأبرار واشتياقهم الكبير جدا ينصب على تواجدهم داخل «بيت الله»، الذي كان هو حجال الملك» بحسب فهمهم. وهذا نجده كثيرًا جدًا في المزامير :
+ «واحدة سألتُ من الرب وإياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرّس في هيكله» (مز 27: 4-5).
وطبعا هذا تترجمه في العهد الجديد إلى تواجدنا كأعضاء في الجسد الإلهي: أن أسكن في جسد الرب وأكون عضوًا فيه ليس كل أيام حياتي، بل كل الأبدية السعيدة. إن كل اشتياق قلوبنا هو أن نكون «أعضاءً من جسمه، من لحمه ومن عظامه» إلى أبد الآبدين.
+ «اخترتُ لنفسي أن أطرح على باب بيت الله أفضل من أن أسكن في مظال الخطاة… لأن يومًا صالحًا في ديارك خيرٌ من آلاف» (مز 83 في الأجبية).
حقا إن يومًا واحدًا من نعيم تواجدنا في جسد الرب كأعضاء منه خيرٌ من كل خيرات العالم مجتمعة.
+ «طوبى للذي تختاره وتُقرّبه ليسكن في ديارك. لنشبعنَّ من خير بيتك، قُدس هيكلك» (مز 65: 4).
هذه الآية يُطبّقها البعض على الراهب، لأنه أختير من الله ليسكن في دياره.
+ «ما أكرم رحمتك يا الله، فبنو البشر فى ظل جناحيك يحتمون، يَرْوَوْنَ من دسم بيتك ومن نهر نعمك تسقيهم» (مز36: 7-8)
نعم، فما أعظم حب الله، هذا الحب الذي يجعلنا ساكنين في جسده إلى الأبد. و«ظل الله» عبارة وردت كثيرًا في المزامير : «في ظل جناحيك أعتصم إلى أن يعبر الإثم» (مز ٥٦ في الأجبية). ظل الله هو الوسط الإلهى، هو الوجود في المحال الإلهي: «تحت ظلّه اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي» (نش 2: 3) فكل اشتياقنا هو أن نجلس في ظلّ الله ونتواجد في محاله في الوسط الإلهي. وقوله «يَرْوَوْنَ من دسم بيتك ومن نهر نعمك تسقيهم» جاء في الترجمة السبعينية: «يسكرون من شراب بيتك ومن نهر لذتِك تسقيهم».
هذا هو نعيم التواجد في الجسد الإلهي الذي نظر إليه أبرار العهد القديم من بعيد كما في لغز، كما في مرآة، وأمَّا نحن فننال ملءَ حقيقته بتواجدنا كأعضاء في الجسد الإلهي. لا ندخل فقط إلى بيت الله بل نكون نحن أنفسنا هذا البيت. وهناك آيات كثيرة في العهد الجديد تفيد أننا نحن من بيت الله أو نفس هذا البيت:
«وبيته نحن» (عب 3: 6) . فنحن بيت الله. لم يعد بيت الله من حجارة «لكن العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي» (أع 7: 48)، ولكنه سكن فينا نحن «الكلمة صار جسدًا وحل فينا» (يو 1: 14). فنحن أصبحنا بيت الله. الكنيسة أصبحت بيت الله :
+ «كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حيَّة، بيتًا روحيًّا، كهنوتًا مقدسًا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح» (1بط 2: 5).
+ «مبنيين على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه رأس الزاوية، الذي فيه كل البناء مُركَّبًا معًا ينمو هيكلاً مُقدَّسًا في الرب. الذي فيه أنتم أيضًا مبنيون معًا مسكنا الله في الروح» (أف 2: 20-22).
فنحن إذن مبنيون بعضنا مع بعض معًا مسكنا الله في الروح، كحجارة في هذا المسكن أو هذا الهيكل. إذن «أدخلني الملك إلى حجاله» تعني في العهد الجديد: جعلني أنا مسكنا له جعلنا نحن جميعًا معًا مسكنا له، جعلنا بيته وصار هو يسكن فينا. لم نعد في العهد الجديد نشتاق فقط للدخول إلى بيت الله، بل أصبحنا نحن أنفسنا حجارة هذا البيت (1بط 2: 5) ، أو أعضاء هذا الجسد (أف 5: 30) جسد الرب يسوع المسيح، أو أغصانًا حيَّةً في الكرمة الحقيقية (يو 15: 5).
في العهد الجديد، قد استبدل الهيكل بالجسد الإلهي. في المزامير التي ذكرناها يظهر اشتياق أبرار العهد القديم للدخول إلى هيكل الله. هيكل العهد الجديد أصبح هو جسد الرب يسوع المسيح. هذه الحقيقة يُشير إليها .ق. يوحنا مرَّةً في إنجيله ومرة أخرى بأكثر صراحةً في سفر الرؤيا. ففي الإنجيل يُعلق على قول الرب لليهود: «انقضوا هذا الهيكل وأنا في ثلاثة أيام أُقيمه»، فيقول: «أما هو فكان يقول عن هيكل جسده» (يو 2: 21)، وفي هذا إشارة سرِّيَّة إلى أن جسد يسوع قد حل في العهد الجديد موضع الهيكل في العهد القديم. فكل اشتياق الأبرار للدخول إلى هيكل الله قد تحوّل لنا الآن إلى اشتياق للدخول في جسد الرب يسوع كأعضاء حيَّة في هذا الجسد الإلهي. ومرة ثانية يقول ق. يوحنا في سفر الرؤيا عن أورشليم السمائية: «ولم أرَ فيها هيكلاً، لأن الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلها» (رؤ 21: 22) لا يوجد فيها هيكل، ولكن الله نفسه هو الهيكل. جسد الرب يسوع هو هيكل العهد الجديد.
إذن فالآية «أدخلني الملك إلى حجاله» معناها الآن في العهد الجديد أن الرب يسوع أدخلنا في صميم جسده الإلهي كأعضاء في هذا الجسد، أو كحجارة حيَّة في هذا الهيكل أو كأغصان في الكرمة الحقيقية.