تفسير سفر يشوع ١٠ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح العاشر

ربما مر بعض الوقت بعد أن ضرب يشوع أريحا بأمر من الله وضرب عاي بخطة عسكرية واستسلم له الجبعونيون. والآن نجد خمسة ملوك يحاربون جبعون بسبب تسليمهم أنفسهم لإسرائيل وإله إسرائيل. وطلبت جبعون الحماية من يشوع ولهم كل الحق فهم الآن بحسب ما حكم يشوع عبيداً للشعب ويجب على السادة أن يحموا ويدافعوا عن عبيدهم. والأهم فهم صاروا الآن عبيداً لله. فهم قبلوا أن يخدموا بيت الله ومذبحه المقدس وهم أسموا أنفسهم عبيداً ليشوع. إذاً فالهجوم عليهم يعتبره الله هجوم على الله نفسه. والآن هم يستنجدون بيشوع فكأنهم يحتمون بإله إسرائيل. وكان يشوع قد توقف بعد حرب عاي عن الحرب حتى حدث هذا التجمع لملوك كنعان وكان تجمعهم هذا لحرب جبعون إشارة إلى يشوع ليبدأ الحرب من جديد بل هذا سهل له الحرب فهو ضربهم كلهم في ضربة واحدة.

ونلاحظ أنها حرب 5 ملوك ضد شعب الله وبالمعنى الرمزي فرقم (5) يشير للحواس التي يأتي منها هجوم عدو الخير ولكن في الوقت نفسه يشير لنعمة الله القادرة على مساندة ابن الله المؤمن ولو استعان بهذه النعمة يغلب كما غلب يشوع.

 

آية (1): “فلما سمع أدوني صادق ملك أورشليم أمروهم يشوع قد أخذ عاي وحرمها كما فعل بأريحا وملكها فعل بعاي وملكها وأمروهم سكان جبعون قد صالحوا إسرائيل وكانوا في وسطهم.”

أدوني صادق ملك أورشليم= هنا نجد أول ذكر لأورشليم في الكتاب المقدس. ولاحظ أن ملكي صادق كان ملك ساليم فيبدو أن صادق وهي تعني البر هو لقب لملوك أورشليم وأدوني صادق تعني رب البر أما أورشليم فلها عدة تفسيرات.

أورشليم=

يرو    (أساس)

أور    (نور)

رأاه    (رأى)

شليم (السلام) = أساس السلام

شليم (السلام) = نور السلام

شليم (السلام) = سوف يرى السلام

 

الآيات (2-8): “ خاف جدا لان جبعون مدينة عظيمة كاحدى المدن الملكية و هي اعظم من عاي و كل رجالها جبابرة. فارسل ادوني صادق ملك اورشليم الى هوهام ملك حبرون و فرام ملك يرموت و يافيع ملك لخيش و دبير ملك عجلون يقول. أصعدوا إلىّ وأعينوني فنضرب جبعون لأنكم صالحت يشوع وبني إسرائيل. فاجتمع ملوك الاموريين الخمسة ملك اورشليم و ملك حبرون و ملك يرموت و ملك لخيش و ملك عجلون و صعدوا هم و كل جيوشهم و نزلوا على جبعون و حاربوها. فارسل اهل جبعون الى يشوع الى المحلة في الجلجال يقولون لا ترخ يديك عن عبيدك اصعد الينا عاجلا و خلصنا و اعنا لانه قد اجتمع علينا جميع ملوك الاموريين الساكنين في الجبل. فصعد يشوع من الجلجال هو و جميع رجال الحرب معه و كل جبابرة الباس. فقال الرب ليشوع لا تخفهم لاني بيدك قد اسلمتهم لا يقف رجل منهم بوجهك.”

هؤلاء الملوك طلبوا أن يحاربوا جبعون لأنها صالحت يشوع وبنى إسرائيل. وأي نفس تصطلح مع المسيح وترجع لكنيسته تتعرض لحروب إبليس. وهم خمسة إشارة للحواس الثائرة فإبليس يستخدم حواسنا ولكن لا يهزم إبليس في هذه الحرب سوى يشوعنا الحقيقي أي المسيح فهو الذي يقدس حواسنا إذا استغثنا به.

 

آية (9): “فأتى إليهم يشوع بغتة صعد الليل كله من الجلجال.”

صعد يشوع ليلاً حتى لا يضيع الوقت وتضرب جبعون.

 

الآيات (10-14): “فأزعجهم الرب أمام إسرائيل وضربهم ضربة عظيمة في جبعون وطردهم في طريق عقبة بيت حورون وضربهم إلى عزيقة وإلى مقيدة. وبينما هم هاربون من أمام إسرائيل وهم في منحدر بيت حورون رماهم الرب بحجارة عظيمة من السماء إلى عزيقة فماتوا والذين ماتوا بحجارة البرد هم أكثر من الذين قتلهم بنو إسرائيل بالسيف. حينئذ كلم يشوع الرب يوم أسلم الرب الأموريين أمام بني إسرائيل وقال أمام عيون إسرائيل يا شمس دومي على جبعون ويا قمر على وادي أيلون. فدامت الشمس ووقف القمر حتى أنتقم الشعب من أعدائه أليس هذا مكتوباً في سفر ياشر فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل. ولم يكن مثل ذلك اليوم قبله ولا بعده سمع فيه الرب صوت إنسان لأن الرب حارب عن إسرائيل.”

الله يساعد يشوع ضد ملوك كنعان بثلاث طرق عجيبة إعجازية:-

  1. إزعجهم= بطريقة عجيبة فخافوا وهربوا من أمام يشوع.
  2. رماهم الله بحجارة عظيمة من السماء= بعد أن هربوا سقطت الحجارة عليهم.
  3. وقوف الشمس والقمر= ليعطي الله الفرصة ليشوع ليضربهم ضربة نهائية.

ولنلاحظ:

‌أ.        الكنعانيين عبدوا السماء والنجوم وها ضربتم تأتي من السماء (حجارة البرد) بينما من عبد إله السماء (يشوع) جعل الشمس والقمر يقفان بحسب طلبه. فالله يسخر الطبيعة لخدمة أولاده، فالشمس والقمر يقفان والسماء تسقط حجارة.

‌ب.    حدث موضوع حجارة البرد قبل ذلك مع موسى ضد فرعون (خر18:9-26) وسوف يحدث ثانية (خر22:38 + رؤ21:16). وهي معجزة أن يصيب البرد أعداء شعب الله ولا يصيب الشعب. والبرد هو كرات عظيمة من الثلج تهبط بسرعة من السماء فتقتل بأوزانها الرهيبة، وهناك من فسرها بأنها تنشأ عن مرور نيزك في الغلاف الجوي ويتفتت إلى أحجار ضخمة تسقط بسرعات عظيمة وقد حدث هذا في أماكن متعددة من العالم. لكن كونه يسقط على أعداء شعب الله ولا يسقط على شعب الله فهذه هي المعجزة وهذه يد الله.

‌ج.     لنلاحظ أن الله وعد يشوع بالنصر (آية 8) لكن هذا الوعد لم يجعل يشوع ينام ويتراخي بل سار الليل كله (آية 9) حتى لا يضيع الوقت فليس معنى وعد الله أن نتراخى. ولنلاحظ أن هناك معجزة أخرى فإن يشوع سار مع جيشه الليل كله ثم حاربوا كل اليوم بل طلب أن يزداد اليوم طولاً، وقد طال اليوم حوالي يوم آخر وكل هذا بلا راحة فمن أين أتت هذه الطاقة ليشوع وللشعب، هذه هي نعمة الله التي تنسكب على كل من يجاهد ولا يتراخى.

‌د.       هذه المعجزة لفتت أنظار العالم لهذا الشعب الذي يسانده الله ليصير هذا الشعب نوراً للعالم، وليفهم من يعبد الشمس والقمر من هو الله إله هذا الشعب وخالق هذه الكواكب. إذاً هذه المعجزة كما كانت مساندة من الله لشعبه كانت لدعوة الوثنيين للإيمان.

‌ه.       تطلع يشوع للسماء فرأى الشمس ورأى القمر في وقت واحد، رأى الشمس في كبد السماء فوقه تماماً ورأى القمر على الجانب الآخر وهو تصور أنه فوق وادي إيلون أي وادي الإيائل (وهي مدينة غرب أورشليم بحوالي 14ميل) والقمر يمكن أحياناً رؤيته بالنهار ولكنه يتحرك من الشرق للغرب. وكان طلب يشوع أن يتوقف كلاهما عن الحركة ويبقي الوضع كما هو حتى تنتهي الحرب وتكمل الضربة.

‌و.      الله عمل الشمس لتكون لآيات (تك14:1). أي لمعجزات وهذه إحدى المعجزات وهناك معجزات أخرى [1] رجوع الظل أيام حزقيا الملك [2] كسوف الشمس يوم صلب رب المجد.

‌ز.      يقول هيرودوت أن كهنة المصريين أطلعوه على وثائق تتحدث عن يوم أطول من المعتاد. وتفيد الكتابات الصينية أنه كان هناك يوم مماثل لهذا في عهد إمبراطورهم “يو” وهو معاصر ليشوع. وفي المكسيك وثائق تثبت أن يوماً طويلاً حدث في إحدى السنين.

‌ح.     سفر ياشر= هو كتاب عبراني به أناشيد مديح لأبطال إسرائيل. وغالباً هو كتاب سجله رجل علماني أحب الشعر والأدب، فيه سجل بعض الأحداث الهامة الدينية والزمنية، وبه قصيدة عن هذا اليوم العجيب الذي توقفت فيه الشمس.

‌ط.     الشعب حارب وغلب أعدائه لأن الشمس لم تغيب. والآن شمس برنا المسيح قد أشرق وهو لن يغيب فلنا إمكانية أن نغلب أعدائنا دائماً، فالمسيح نور كنيسته. وهو يقول “ها أنا معكم كل الأيام” (مت20:28) بينما نحارب ضد أعدائنا (اف12:6)

 

الآيات (15،16): “ ثم رجع يشوع و جميع اسرائيل معه الى المحلة في الجلجال. فهرب أولئك الخمسة الملوك وأختباوا في مغارة في مقيدة.”

إذا فهمنا أن الملوك الخمسة يشيروا للحواس الخمسة التي بها يشعل الشيطان شهواتنا. فنفهم أن من يستجيب لحرب الحواس يكون مصيره الدفن في مغارة.

 

الآيات (17،18): “ فاخبر يشوع و قيل له قد وجد الملوك الخمسة مختبئين في مغارة في مقيدة. فقال يشوع دحرجوا حجارة عظيمة على فم المغارة وأقيموا عليها رجالاً لأجل حفظهم.”

نجد يشوع قد حبسهم في المغارة. فإن كان دنس الحواس يحبسنا في الأرضيات ويخنق نفوسنا كما في مغارة. فإنه يليق بنا ونحن تحت قيادة يشوعنا أن نعتبر أن أهوائنا وشهواتنا مصلوبة ومحبوسة في مغارة وندحرج عليها حجر كبير.

 

الآيات (19-21): “وأما أنتم فلا تقفوا بل أسعوا وراء أعدائكم واضربوا مؤخرهم لا تدعوهم يدخلون مدنهم لأن الرب إلهكم قد أسلمهم بيدكم. و لما انتهى يشوع و بنو اسرائيل من ضربهم ضربة عظيمة جدا حتى فنوا و الشرد الذين شردوا منهم دخلوا المدن المحصنة. رجع جميع الشعب الى المحلة الى يشوع في مقيدة بسلام لم يسن احد لسانه على بني اسرائيل.”

لا نكتفي بحبس الشهوات وإلا تحول هذا إلى كبت في داخلنا. ولكن لنهتم بالدور الإيجابي فلا نكف عن الجهاد = لا تقفوا بل اسعوا وراء أعدائكم. هذا يشير لدور المؤمن في جهاده في صلواته وعلاقته بالله، عينه مرفوعه للسماء في صلاته وفي انتظاره لمجيء الرب الثاني وأذنه مفتوحة لسماع صوت الروح القدس، مجاهداً أن يتلامس مع المسيح فيحصل على قوة وبهذا تتقدس حواسه ولا يعود هناك مجال لأن يقال “هناك كبت” بل حينما تتقدس الحواس لا يعود هناك خوف من حرب الحواس.

 

الآيات (22،23): “فقال يشوع أفتحوا فم المغارة وأخرجوا إلى هؤلاء الخمسة الملوك من المغارة. ففعلوا كذلك و اخرجوا اليه اولئك الملوك الخمسة من المغارة ملك اورشليم و ملك حبرون و ملك يرموت و ملك لخيش و ملك عجلون.”

أفتحوا فم المغارة= بعد أن صلبنا أهوائنا وشهواتنا (وضع الملوك في المغارة) وبعد أن جاهدنا وراء أعدائنا وجاهدنا في صلواتنا (حرب ضد الأعداء) لا ينتهي العمل إلا بعد أن يقتل يشوعنا الملوك الذين يحاربوننا. وقتها نجد حواسنا وقد ملك عليها المسيح تماماً.

 

الآيات (24-26): “وكان لما اخرجوا أولئك الملوك إلى يشوع أمروهم يشوع دعا كل رجال إسرائيل وقال لقواد رجال الحرب الذين ساروا معه تقدموا وضعوا أرجلكم على أعناق هؤلاء الملوك فتقدموا ووضعوا أرجلهم على أعناقهم. فقال لهم يشوع لا تخافوا و لا ترتعبوا تشددوا و تشجعوا لانه هكذا يفعل الرب بجميع اعدائكم الذين تحاربونهم. و ضربهم يشوع بعد ذلك و قتلهم و علقهم على خمس خشب و بقوا معلقين على الخشب حتى المساء. “

وضع الأرجل على أعناق الملوك يعني:

  1. رمز لأن الله فوق آلهة هؤلاء الملوك وأوثانهم.
  2. من يقاوم الله يسحقه الله.
  3. من يحاول أن يؤذي أولاد الله يسحقه الله.
  4. تشجيع للشعب في معاركه القادمة، وتحذير للشعب بأن هذه هى نهاية الأشرار فلا يخطئوا مثلهم.
  5. رمز لما قال وحققه المسيح بعد ذلك “أعطانا سلطاناً أن ندوس على الحيات والعقارب” (لو19:10) أي قدم لنا إمكانية النصرة على سلاطين الشر لنحارب بلا خوف.

 

آية (27): “وكان عند غروب الشمس أمروهم يشوع أمر فأنزلوهم عن الخشب وطرحوهم في المغارة التي أختباوا فيها ووضعوا حجارة كبيرة على فم المغارة حتى إلى هذا اليوم عينه.”

كانت المغارة التي اختبأوا فيها هي قبرهم النهائي. دخلوها بإرادتهم وها هم يسقطون كجثث فيها بغير إرادتهم. فالخطية تحمل ثمرتها فيها. فالهلاك الأبدي هو إمتداد طبيعي لما يمارسه الإنسان على الأرض. فمن اختار بإرادته المغارة الأرضية (قبر الشهوات) ينزل إلى الإعماق (الهاوية والهلاك) بغير إرادته.

 

آية (28-43): “وأخذ يشوع مقيدة في ذلك اليوم وضربها بحد السيف وحرم ملكها هو وكل نفس بها لم يبق شارداً وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا. ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكل إسرائيل معه إلى لبنة وحارب لبنة. فدفعها الرب هي أيضا بيد إسرائيل مع ملكها فضربها بحد السيف وكل نفس بها لم يبق بها شاردا وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا. ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لبنة إلى لخيش ونزل عليها وحاربها. فدفع الرب لخيش بيد إسرائيل فأخذها في اليوم الثاني وضربها بحد السيف وكل نفس بها حسب كل ما فعل بلبنة. حينئذ صعد هورام ملك جازر لإعانة لخيش وضربه يشوع مع شعبه حتى لم يبق له شارداً. ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لخيش إلى عجلون فنزلوا عليها وحاربوها. وأخذوها في ذلك اليوم وضربوها بحد السيف وحرم كل نفس بها في ذلك اليوم حسب كل ما فعل بلخيش. ثم صعد يشوع وجميع إسرائيل معه من عجلون إلى حبرون وحاربوها. وأخذوها وضربوها بحد السيف مع ملكها وكل مدنها وكل نفس بها لم يبق شارداً حسب كل ما فعل بعجلون فحرمها وكل نفس بها. ثم رجع يشوع وكل إسرائيل معه إلى دبير وحاربها. وأخذها مع ملكها وكل مدنها وضربوها بحد السيف وحرموا كل نفس بها لم يبق شارداً كما فعل بحبرون كذلك فعل بدبير وملكها وكما فعل بلبنة وملكها. فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح وكل ملوكها لم يبق شارداً بل حرم كل نسمة كما أمر الرب إله إسرائيل. فضربهم يشوع من قادش برنيع إلى غزة وجميع أرض جوشن إلى جبعون. وأخذ يشوع جميع أولئك الملوك وأرضهم دفعة واحدة لأن الرب إله إسرائيل حارب عن إسرائيل. ثم رجع يشوع وجميع إسرائيل معه إلى المحلة إلى الجلجال.

ليس معنى الانتصار في معركة أن الحرب انتهت، بل الحرب مستمرة والانتصار مستمر ودائماً هناك غنائم لشعب الله. فيسوع يقودنا دائماً لمعارك نكسب فيها الكثير. ورموز الأسماء.

مقيدة= اسم كنعاني= موضع الرعاة، امتلكها أولاً ملوك ورعاة أشرار (ذئاب) دنسوا الحواس والآن يملكها يشوع فيقدسها. لبنة= بياض كانت سابقاً بياض البرص فصارت بياض النور.

ملحوظة: في آية (37): يقول أنهم قتلوا ملك حبرون. وفي آية (23) قبل ذلك قال أنهم قتلوه. وهناك رأيين [1] بعد قتل الملك الأول أقاموا ملكاً آخر وهذا قتل أيضاً [2] أن ما ذكر في آية 37 راجع لما ذكر في آية 23 والرأي الأول أرجح.

فاصل

سفر يشوع – أصحاح 10

تفاسير أخرى لسفر يشوع أصحاح 10 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى