تفسير سفر يهوديت ٨ للأنبا مكاريوس اسقف المنيا
القسم الثالث
استعدادات يهوديت
ص 8: 1 إلى ص 10: 10
الإصحاح الثامن
يهوديت الأرملة التقية تغير غيرة الرب وتوبخ الشعب على ضعف إيمانه وتطمئنهم بأن الله سوف يعمل في ضعفها ويخلصهم
1وفي تِلكَ الأَيَّام بَلَغ الخبَرُ يَهوديت، بِنتَ مَرارِيَ بنِ أَخْسَ بن يوسفَ بنِ عُزِّيئيلَ بنِ حِلْقِيَّا بنِ حَنَنْيا بن جِدعَونَ بنِ رافائيمَ بنِ أَحيطوبَ بنِ إِيليَّا بنِ حِلْقِيَّا بنِ أَليآبَ بنِ نَتَنائيلَ بنِ شَلوميئيلِ بنِ صورِشَدَّايَ بنِ إِسْرائيل.2 وكان مَنَسَّى زَوجُها مِن سِبْطِها وعَشيرتها، وقد ماتَ في أَيَّامِ حِصادِ الشَّعير،3 فإِنَّه كانَ يُراقِبُ رابِطي الحُزَمِ في السَّهْل، فَوقَعَ الحَرُّ الحارِقُعلى رأسِه فلازمَ الفِراشَ وماتَ في بَيتَ فَلْوى مَدينتِه. فدَفَنوه مع آبائِه في الحَقْلِ الَّذي بَينَ دوتائينَ وبَلَمون.
مَرارِيَ: اسم عبري معناه (مر)
أَخْسَ: ox / oks وربما كان الأسم صيغة للإسم عوص المذكور في (تك 22: 21) وورد في الفولجاتا أبدوس.
يوسفَ: (عبري = زيادة)
عُزِّيئيلَ: من عزيا ozil ومعناه (يهوه قوة)
حِلْقِيَّا: (عبري = يهوه قسمى) وفي الفولجاتا جاء في صيغة آلاى.
حَنَنْيا: (عبري = يهوه حنان) وفي الفولجاتا جاء في صيغة يمنور.
جِدعَونَ: (عبري = حطاب ومصارع).
رافائيمَ: صيغة للأسم العبري رافائيل ومعناه (الله شفى وشفاء الله).
أَحيطوبَ: (عبري = أخى الصلاح والأخ الطيب).
إِيليَّا: (عبري = إلهي يهوه).
أَليآبَ: (عبري = الله أب).
نَتَنائيلَ: من الاسم نثنئيل (عبري = قد أعطى الله).
شَلوميئيلِ: (عبري = الله سلام). ويكتب أحيانًا في صيغة شألتيئيل.
صورِشَدَّايَ: (عبري = القادر على كل شيء صخرة).
و قد ورد في الترجمة اللاتينية للسفر، انتساب يهوديت إلى سبط شمعون ولكن ذلك ورد هنا في (9: 2) وقد اهتم كاتب السفر بأن يورد سلسلة نسب يهوديت لخمسة عشر جيلًا فهي يهودية مثل كل اليهود الذين يحرصون على هذه الأنساب، وكانوا يلقونها لأطفالهم، فما أن تسأل طفل يهودي عن اسمه حتى يسرد قائمة طويلة من الآباء والأجداد ينتسب إليهم.
و أما زوجها منسى (اسم عبري معناه: الرب رايتى) فقد كان غنيًا موسرًا، كما يتضح مع الثروة التي تركها لها (8: 7) وقد أصيب بضربة شمس بينما كان يحفز العمال الحصادين في شهر مايو (موعد حصاد الشعير) وكانت الإصابة لضربة الشمس كثيرًا ما تحدث في مثل هذه الظروف في فلسطين (راجع، 2 مل 4: 18 – 20).
4 وكانت يَهوديتُ مُتَرمِّلةً في بَيتِها مُنذُثَلاثِ سَنواتٍ وأَربَعةِ أَشهُر.5 وكانَت قدهَيَّأَت لِنَفسِها عُلِّيَّةً على سَطحِ بَيتها، وكانَت تَضَعُ مِسْحًا على وَسْطِها وتَرتَدي ثِيابَ تَرَمُّلِها.6 وكانَت تَصومُ جَميعَ أَيَّامِ تَرَمُّلِها، ما خَلا السُّبوتَ وعَشِيَّتَها ورُؤُوسَ الشهورِ وعَشِيَّتَها وأَعيادَ بَيتِ إِسْرائيلَ وأَفْراحَهم.7 وكانَت جَميلةَالطَّلعَةِ ظَريفَةَ الهَيئَةِ جِدًّا، وقد تَرَكَ لَها مَنَسَّى زَوجُها ذَهَبًا وفِضَّةً وخُدَّامًا وجَواريَ وقُطْعانًا وحُقولًا، وكانَت تُقيمُ في أَمْلاكِها.8 ولم يكُنْ هُناكَ أَحَدٌ يَقولُ علَيها كلِمةَ سُوء، لأَنَّها كانت تتَّقي اللهَكَثيرًا.
أحاط الله من خلال كلمته المقدسة، الأرملة بكثير من الاهتمام، وحث شعبه على العطف عليها والقضاء في احتياجاتها وعدم ظلمها (تث 10: 18، 27: 19، أي 24: 21، 29: 13) وارتبط اسم الأرملة في العهد القديم كثيرًا باليتيم، وكان ترتيب أولئك المحتاجين ئإلى الشفقة والاهتمام في العهد القديم كالتالي (اليتيم والأرملة والغريب والضيف) في حين تغير هذا الترتيب في العهد الجديد ليصبح – كما ورد في القداس الإلهي (الأرملة واليتيم والغريب والضيف) مقدمًا بذلك الأرملة على اليتيم، ولعل أشهر الأرامل المذكورات في الكتاب المقدس هما راعوث الموآبية (سفر راعوث) وأرملة صرفة صيدا (1 مل 17) وفي العهد الجديد حنة النبية (لو 2: 36: 37).
و قد ترملت يهوديت وهي ما تزال صبية، حيث لم يرد لها ذكر ولد وبنت، ومع ذلك لم تتزوج مرة أخرى رغم أن ذلك مباح وطبيعي لا سيما إذا تزوجت شقيق زوجها لتقيم له نسلًا، ولكنها كمن كانت ترغب في حياة البتولية، انقطعت للعبادة فيما يشبه القلاية، مرتدية ملابس الترمل وهي ثياب تخلو من الزينة وتميل إلى الأزرق والأسود (راجع تك 38 ك: 14). ومع أن الترمل بالنسبة للمرأة اليهودية لا يلزمها بالصوم فإنها قد صامت طوال الثلاث سنوات والثلث
و لم تطبق على يهوديت شريعة اليبوم (شريعة الزوج المتوفى) حيث لم تلزم بأن تتزوج زوج أخيها لتقيم له نسلًا (حيث لم يذكر السفر أنه كلن لها أولاد) مثلما الحال مع حنة البنية، وقد إهتمت بأن تؤدى واجبها نحو الهيكل من جهة التقدمات (و تسمى في العبري تروماه) وعاشت تبحث عن الإلهيات، وكانت متحدثة لبقة ومتعلمة ويندر أن توجد امرأة بمثل هذه المواصفات مجتمع في نساء العهد القديم.
و يرد في تعاليم الرسل الاثني عشر، الكتاب الخامس، ما يلي:
(و بواسطة الصوم هرب كل من راعوث وإستير ومردخاي ويهوديت من تنفيذ حكم الموت وكما يوقل داود ركبتاي ضعفتا من الصوم ولحمى هزل عن الزيت (مز 109: 24) 1.
و مما يزيد عن قدرها هو تلك الثروة التي تركها لها زوجها والتي لم تجعل قلبها يتشامخ، بل تحلت بكثير من الفضائل جعلتها أهلًا لتقدير أهالي المدينة، فقد كانت سبب بركة ومجدت الله بحياتها، فإن كانت يهوديت كأي إمراه يهودية ومسيحية لها ضعفاتها، قد آثرت الحياة مترملة عابدة، فكيف ينكرون على كلية الطهر السيدة العذراء أنها بقيت عذراء لم تتزوج وينكرون عليها لقب دائمة البتولية.!
9 وسَمِعَت كَلِماتِ الشَّعبِ السَّيِّئَةَ علىالرَّئيس، لأِنَّ عَزيمَتَهم خارَت بِسَبَبِ قِلَّةِ المِياه، وسَمِعَت أَيضًا يَهوديتُ جَميعَ الكلامِ الَّذي كَلَّمَهم بِه عُزَيَّا، إِذ أَقسَمَ لَهم بِتَسْليم المَدينةِ بَعدَ خَمسةِ أَيَّامٍ إِليالأَشُّوريِّين. 10 فأرسَلَت وَصيفَتَها القَيِّمةَ على جَميعِ أَمْوالِها ودَعَت شُيوخَ مَدينتِها عُزَيَّا وكَرْبي وكَرْمي، 11 فأَتَوا إلَيها فقالَت لَهم: ((اِسمَعوا لي، يا رُؤَوساءَ السُّكَّانِ في بَيتَ فَلْوى، لَيسَ صائبًا كَلامُكمُ الذي تَكلَّمتُم بِه أَمامَ الشَّعبِ في هذا إلىَوم، فأَقسَمتُم ذلك إلىَمينَ الَّذي أَدَّيتُموه بَينَ اللهِ وبَينَكم، فوَعَدتُم بِتَسْليمِ المَدينةِ إِلي أَعدائِنا، إِن لم يُغِثْنا الرَّبُّ في الأَيَّامِ الخَمْسة. 12والآن فمَن أَنتُم حتَّى جَرَّبتُمُ اللهَ في هذا إلىَوم وأَقَمتُم أَنفُسَكم فَوقَ اللهِ في وَسْطِ البَشَر؟ 13 والآن فإِنَّكم تَمتَحِنونَ الرَّبَّ القَدير، فلَن تَفهَموا شيَئًا لِلأَبَد، 14 لِأَنَّكم لن تَكتَشِفوا أَعْماقَ قَلبِ الإِنسان ولن تُدكوا أَفكارَ ذِهنِه. فكَيفَ تَهتَدونَ إِلي اللهِ الَّذي صَنَعَ كُلَّ ذلك وتَفهَمونَ فِكرَه وتُدركونَ تَدبيرَه؟ لا، يا إِخْوَتي، لا تُثيروا غَضَبَ الرَّبِّ إِلهِنا. 15 فإِن لم يَشَأْ أَن يُغيثَنا في الأَيَّام الخَمسَة، فلَه سُلْطانٌ به يَحمِينا في الأَيَّامِ الَّتي يَشاء ويُبيدُنا أَمامَ أَعدائِنا. 16 أَمَّا أَنتُم فَلا تَرتَهِنوا تَدابيرَ الرَّبِّ إِلهِنا، فإِنَّ اللهَ لَيسَ كالإِنْسانِ فيُهَدَّد ولا كآبنِ الإِنسانِ فيُحتَكَم. 17ولذلك فَلْنَنتَظِرْ مِن لَدُنِه الخَلاصولنستَغثْ به فيُصغِيَ إِلي صَوتِنا، إِن حَسُنَ لَدَيه.
بروح المحبة والغيرة المقدسة، ومثل نبية أرسلت لرؤساء الشعب فحضروا إليها لكي تناقش معهم هذه القضية، مما يعكس مكانتها الكبيرة حتى لدى الرؤساء، فلم تكن مجرد واحدة من الأراخنة في المدينة.
و إنما كإنسانة لها ثقل روحي كبيرة.. فعاتبتهم بروح المحبة، فاليد العليا هنا والكلمة الأخيرة، هي:
للحق الإلهي.
إن تحديد موعد لتدخل الله هو نوع من الشك ومن ممارسة الضغط وتجربة الله، فعلى مدار تاريخ اليهود مع الله، لم يسر الله بمحاولاتهم تجربته (راجع خر 17: 2 – 7، عد 14: 22، تث 6: 16، أي 28: 2، 40: 20، 42: 3، مز 78: 18، 95: 9، 106: 11، أش 7: 12، مت 4: 7، أع 15: 10، 1 كو 10: 9).
لقد أشارت يهوديت إلى أن ذلك من شأنه أن يهيج سخط الله، فقد لا يستجيب الله في هذه الفترة وقد يأتي في الهزيع الرابع، على أنه من المؤكد أنه لن يتخلى عنهم، بل يسرع إلى نجدتهم، لا بسبب إلحاحهم فحسب وإنما لأنهم أولاده ولن يسلمهم لأيدي مضطهديهم، إلا إذا كان في ذلك منفعة لهم وبالتالي فقد طلبت يهوديت منهم الاعتذار لله والتماس المغفرة.
فكر الله وإدراك تدبيره:
إن كان الإنسان لا يستطيع إدراك أعماق إنسان أخرً، فكيف يدرك مشيئة الله ويتعامل معه كإنه إنسان يمكن أن يخضع للضغط والمساومة!، أما في اللجاجة التي تصاحب الصلاة فما هي إلا تعبير عن تمسكنا بالله دون غيره، وأننا لن نلجأ إلى الذراع البشرية والطرق العالمية لحل مشاكلنا، ومن هنا فقد كان معنى اللجاجة في الأصل اليوناني هو الاستمرار الذي لا يخجل.!
إن علينا إلا نشطرب بسبب كبرياء الأعداء واحتقارهم لنا وتلويحهم بذراع القوة، وإنما علينا أن نتمسك بتواضعنا الذي سيجلب لنا رأفة إلهنا.
18 فإنَّه لم يَقُمْ في أَجْيالِنا ولا في أَيَّامِناسِبطٌ وعَشيرةٌ وأَرضٌ ومَدينةٌ مِن عِندِنا تَسجُدُ لِآلِهَةٍ مِن صُنعَ الأَيدي، كما جَرى في الأَيَّامِ القَديمة، 19 فأُسلِمَ آباؤنا إِلي السَّيفِ والنَّهْب وسَقَطوا سُقوطًا عَظيمًا أَمامَ أَعدائِنا. 20 أَمَّا نحنُ فلم نَعرِفْ إِلهًا غيرَه. ولذلك فإِنَّنا نَرْجو أَنَّه لن يَزْدَرِيَنا ولَن يُعرِضَ عن نَسْلِنا. ” 21 فإِن قُبِضَ علَينا قُبِضَ كذلك على إلىَهودِيَّةِ كُلِّها ونُهِبَ مَكانُنا المُقَدَّس وطالَبَ اللهُ دَمَنا بِتَدنيسِه 22 وأَوقَعَ علىُ رُؤُوسِنا بَينَ الأُمَم حَيثُ نَصيرُ عَبيدًا مَقتَلَ إِخوَتِنا وجَلاءَ الأَرضِ ودَمارَ ميراثِنا، وأَصبَحْنا مَعثَرةً وعارًا أَمامَ مُمتَلِكينا. 23 فإنَّ عُبودِيَّتَنا لن تؤُولَ إِلي الحُظْوَة، بل إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا يُحوِّلُها إِلي هَوان. 24 والآن، يا إِخوَتي، لِنُظهِرْ إِلي إِخوَتِنا أَنَّ نُفوسَهم مَنوطةٌ بِنا وأَنَّ المكانَ المُقَدَّسَ والمَقدِسَ والمَذبَحَ مُعتَمِدَةٌ علَيكم. 25 وما عدا ذلك كلَّه، فلْنَشكُرِ الرَّبَّ إِلهَنا الَّذي يَمتَحِنُنا كَما آمتَحَنَ آباءَنا. 26 اُذكُروا كُلَّ ما صَنَعَه إِلي إِبْراهيم وكمِ آمتَحَنَ إِسحق وكُلَّ ما جَرى لِيَعْقوبَ في ما بَينَ النَّهرَين في سورِية، حينَ كانَ يَرْعى خِرافَ لابانَ أَخي أُمِّه. 27 فكَما أَنَّه آمتَحَنَهم بِالنّار لِيَسبِرَ قُلوبَهم؟ كذلك لن يَنتَقِمَ مِنَّا، بلَ الرَّبُّ يُؤَدِّبُ الَّذينَ يَقتَرِبونَ مِنه إِنْذارًا لَهم.
عزاء اليهود هنا فيما قالته يهوديت، من أنهم لم يشتركوا في خطايا آبائهم الذين تركوا الله وعبدوا آلهة غريبة، حيث غضب الله منهم، فقد استوعبوا الدرس ويرجونه كإله واحد لا يعرفون غيره، أن يؤدبهم دون أن يسلمهم لأعدائهم فلنسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط في يد إنسان 2 صم 24: 14
و قد طلبت يهوديت من الشيوخ باعتبارهم مسئولين عن الشعب، أن يطمئنوا السكان ويشددوا عزائمهم، لأن الله إنما يمتحنهم فقط كما امتحن آبائهم (مثل إبراهيم تك 22: 1 – 19) على أن يعرف الشعب أن الأمر لا يخصهم وحدهم فقط وإنما هي قضية وطنية تخص اليهود بأجمعهم، وأن الله لن يسلك ميراثه وهيكله وأقداسه للغرباء فيصبح اليهود عارًا بين الأمم، ولهم في أبائنا الأول مثالًا وخبرة كيف أن الله امتحنهم لتزكيتهم وصقلهم، وقد وردت تجربة اسحق في (تك 25: 21، 27: 1 – 4) وأما تجربة يعقوب فقد وردت في (تك 29: 31).
و نقرأ في سفر المكابيين الأول، أنه عندما جتء سارون القائد السلوقى ليحارب اليهود، كان على رأس جيش كبير جدًا ومسلح جيدًا، مقابل جيش اليهود المتواضع عددًا، فلما أبصلا الجنود اليهود ذلك خارت عزائمهم واستولى عليهم الخوف، وهنا حل روح الرب على يهوذا المكابى فقال: (ما اسهل أن يقفل على الكثيرين في ايدي القليلين وسواء عند السماء أن تخلص بالكثيرين وبالقليلين فانه ليس الظفر في الحرب بكثرة الجنود وانما القوة من السماء. اولئك ياتوننا بفيض من التعجرف والأثم ليبيدونا نحن ونساءنا وأولادنا ويسلبونا. واما نحن فنحارب عن نفوسنا وسنننا. وهو يكسرهم أمام وجوهنا فلا تخافوهم (1 مكا 3: 18 – 22).
كذلك فإن يهوديت هنا تقوم بدور النبية فكل ما قالته تحقق حيث تمجد الله معهم.
28 فقالَ لَها عُزَيَّا: ((كُلُّ ما قُلْتِه تَكَلَّمتِ بِه بقَلْبٍ طَيِّب، وما مِن أَحَدٍ يُعارِضُ كَلامَكِ،29 لِأَنَّ حِكمَتَكِ لم تَظْهَرْ في هذا إلىَوم فَقَط، بل مُنذُ أَوَّلِ أَيَّامِكِ عَرَفَ الشَّعبُ كُلُّه ذَكاءَكِ وحُسنَ ما يَتصَوَّرُه قَلبُكِ. 30 لكِنَّ الشَّعبَ عَطِشَ عَطَشًا شَديدًا وأَرغَمَنا على العَمَلِ بِمَا وَعَدْنا به وعلى إلْزامِأَنْفُسِنا بِقَسَمٍ لن نَنقُضَه. 31 والآن فصَلِّي لِأَجلِنا، فإِنَّكِ آمرَأَةٌ تَقِيَّة، فيُرسِلَ الرَّبُّمَطَرًا يَملأُ آبارَنا، فلا تَخورَ عَزائِمُنا بَعدَ إلىَوم)). 32 فقالَت لَهم يَهوديت: ((اِسمَعوا لي، سأَصنعُ عَمَلًا يَبلغٌ ذِكرُه بَني نَسلِنا مِن جيلٍ إِلي جيل. 33 في هذه اللَّيلَة، أَنتُم تَقِفونَ على الباب وأَنا أَخرُجُ مع وَصيفَتي، وقَبلَ الأَيَّامِ الَّتي وَعَدتُم فيها بِتَسْليمِ المَدينةِ إِلي أَعْدائِنا، يَفتَقدُ الرَّبُّ إِسْرائيلَ عن يَدي. 34 لا تَفحَصوا أَنتُم عن تَصَرُّفي، لِأَنِّي لن أَقولَ لَكم شَيئًا قَبلَ أَن يَيمَّ ما أَنا فاعِلَتُه)). 35 فقالَ لَها عُزَيَّا والشَّيخان: ((اِذْهَبي بِسَلام والرَّبُّ الإلهُ يَتقدَّمُكِ في الِانتِقامِ مِن أَعدائِنا)). 36 ثُمًّ غادَروا العُلِّيَّةوآنصَرَفوا إِلي مَرا كِزِهم.
مسحة الروح القدس التي كانت في أقوال يهوديت، أعطت الاقتناع والراحة للشيوخ، وأشاعت السلام في قلوبهم، لقد وضع الله في قلبها مسبقًا مشورته الصالحة ووضع في قلبها أيضًا ماذا تصنع لأجل هذا الشعب، لقد طلب منها الشيوخ أن تصلى عنهم إذ سوف يسمع الله لصلاتها لأنها تقية وقديسة.
و قد إتضح لرؤساء بيت فلوى، أن يهوديت قد أرسلت من قبل الله ليتم على يدها خلاص هذا الشعب من البلية التي أحدقت بهم، وتبادر إلى أذهانهم خلدة النبية، ودبورة واستير وياعيل، هاته النسوة اللائى كان لهن دور في قيادة بني إسرائيل في مثل تلك الحالات الحرجة.
و قد طلبت يهوديت من الشيوخ ألا يفصحوا عما ستفعله، فإن السرية هامة جدًا في مثل تلك الخطط وتلك الظروف، ونلاحظ أن يهوديت لم تطلع عامة الشعب على دورها الريادى هذا، ولكنها أوقفت شيوخ الشعب على عزمها فقط على تحقيق خطة الله لخلاصهم، وقد باركها الشيوخ هنا لتبدأ في عملها، ويرد في الترجمة اللاتينية أنها طلبت منهم الصلاة عنها (8: 31) وهو اتضاع منها وتقدير منها لدور الكهنوت، فهي تعمل هنا أيضًا من خلال الكنيسة وتحت مظلتها.. إن كل عنل خارج مظلة الكنيسة وترتيبها مشكوك فيه.
تهللوا أيها الامم شعبه لأنه ينتقم بدم عبيده ويرد نقمة على اضداده ويصفح عن ارضه عن شعبه. (تث 32: 43).
من هنا وفي هذا الإصحاح يبزغ النور الإلهي، ويظهر المخلص، وهوذا تدبير الله الهادئ وسط ثورة الشيطان وأعوانه.