اشتياقنا إلى وطننا الأصلي
للقديس أغسطينوس
“بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ».” (1كو2 :9).
يا إخوتي، مادمنا في هذه الحياة نحن نزلاء، ونتوق بإيمان إلى وطننا الذي لا نعرفه. كيف أقول إننا لا نعرف الوطن إن كنا مواطنين فيه؟ لولا أننا في ترحالنا بعيداً قد نسيناه لما قلنا أن وطننا غير معروف لنا. بهذا النسيان نكون قد نزعنا الرب يسوع المسيح عن قلوبنا. وهو ملك وطننا الذي نزل إلينا.
أخذ جسدنا ليتحد بطبيعته الإلهية حتى أننا باتحادنا في ناسوته نستوطن في هذه الطبيعة الفائقة. ما هو إذًا يا إخوتي سر “ما لم تره عين وما لم تسمع به أُذن وما لم يخطر علي قلب إنسان” (1كو2 :9)؟ أية كلمات تشرح لكم هذا؟ بأي أعين تشاهدونها؟ كثيراً ما نعرف شيء لا نستطيع أن نعبر عنه، وأيضاً نستطيع أن نعبر عن أمرٍ لا نعرفه.
لذلك إن كنتُ أعجز عن تفسير ما أعرفه لكم، كم بالأكثر يا إخوتي يصعب علي أن أتكلم عنه الآن، كلما تقدمت معكم في الإيمان وليس بالعيان. لكن أليس الرسول هو الذي يعطينا مثالاً في الإيمان بقوله: ” أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ،أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.” (في3 : 13، 14)، يوضح لنا أنه مازال في الطريق. وفي موضع آخر يقول: “عَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِي الْجَسَدِ، فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ الرَّبِّ. لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعِيَانِ.” (٢ كو 5: 6، 7). ثم “ لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟ وَلكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ.” (رو 8: 24، 25).
+++
من كتاب لقاء يومي مع إلهي للقمص تادرس يعقوب ملطي