تفسير سفر اللاويين ٢٦ للقمص أنطونيوس فكري
شرح اللاويين – الإصحاح السادس والعشرون
هناك نص قانونى يقول “العقد شريعة المتعاقدين”. ولقد رأينا فى سفر اللاويين الله يطلب منهم القداسة فهم شعبه وهو له قوانينه كملك يملك عليهم. ثم وجدنا الله يحدد لهم الأعياد فهو يريد فرحهم دائماً. وهنا نجد بنود العقد، إن هم التزموا بوصايا الله، أو قوانين الملك تكون لهم البركات. وإن لم يلتزموا فهناك لعنات (شروط جزائية). ولنلاحظ أن هذه اللعنات ليست إنتقاماً بل
أ- هى ثمرة طبيعية للخطية. فمثلاً حين يعبد الشعب أحداً آخر سوى الله يجلب على نفسه لعنة،فالله وحده حين يملك يحرر، أما الآخرون يذلون من يستعبدوه وحين يطلب الله أن نحب أعدائنا، فإن لم نفعل ونمت الكراهية داخل القلب، فمن سوف يخسر، بالتأكيد من يملأ قلبه الكراهية فيصاب بأمراض نفسية وجسدية.
ب-الله فى هذه الحياة لا يعاقب كدينونة فالدينونة لها يومها ولكن هو يسمح ببعض الألام للتأديب وراجع الأيات (لا 26 : 18، 23، 27، 44)
الأيات 1، 2 :- لا تصنعوا لكم اوثانا و لا تقيموا لكم تمثالا منحوتا او نصبا و لا تجعلوا في ارضكم حجرا مصورا لتسجدوا له لاني انا الرب الهكم. سبوتي تحفظون و مقدسي تهابون انا الرب.
سبب اللعنة والعبودية
الله يسألهم ألا يقيموا تمثالاً منحوتاً ليسجدوا له. ولاحظ أن الأيات الأخيرة من الإصحاح السابق حدثتنا عن عبودية العبرانى للأجنبى وهنا نجد الشرح الروحى فلن يُستَعبد أحد من أولاد الله إن لم يذهب هو بنفسه للعبودية، والتمثال الحجرى قد يكون أى شهوة أو أى خطية. وهذا ما يجلب اللعنات عبوديتنا لسادة سوى الله. ولا يجب فقط أن نمتنع عن عبادة الأوثان بل أن نهتم بالسمويات وهنا يشار لها بحفظ السبت وأن نعيش فى خوف الله ويشار له بمهابة المقدس. أو يشير السبت ومهابة المقدس لتقديس الزمان والمكان.
الأيات 3 – 13 :
اذا سلكتم في فرائضي و حفظتم وصاياي و عملتم بها. اعطي مطركم في حينه و تعطي الارض غلتها و تعطي اشجار الحقل اثمارها. و يلحق دراسكم بالقطاف و يلحق القطاف بالزرع فتاكلون خبزكم للشبع و تسكنون في ارضكم امنين. و اجعل سلاما في الارض فتنامون و ليس من يزعجكم و ابيد الوحوش الرديئة من الارض و لا يعبر سيف في ارضكم. و تطردون اعداءكم فيسقطون امامكم بالسيف. يطرد خمسة منكم مئة و مئة منكم يطردون ربوة و يسقط اعداؤكم امامكم بالسيف. و التفت اليكم و اثمركم و اكثركم و افي ميثاقي معكم. فتاكلون العتيق المعتق و تخرجون العتيق من وجه الجديد. و اجعل مسكني في وسطكم و لا ترذلكم نفسي. و اسير بينكم و اكون لكم الها و انتم تكونون لي شعبا. انا الرب الهكم الذي اخرجكم من ارض مصر من كونكم لهم عبيدا و قطع قيود نيركم و سيركم قياما.
بركات الطاعة
آية 4 :- أعطى مطركم فى حينه = من الناحية المادية يقصد بهذا زيادة الخير. ولكن هناك معنى روحى فالمطر يشير لعطايا الروح القدس فإذ يمطر الروح القدس على القلوب المقفرة تتحول إلى فراديس مثمرة. وتعطى الأرض غلتها = الأرض تشير للجسد فهو من التراب “خرج الزارع ليزرع…. ” وتعطى أشجار الحقل أثمارها = المؤمن كشجرة مغروسة على مجارى المياه (مزمور 1) راجع حز 47
آية 5 :- يقصد بالدراس درس الغلات فيمتد موسم الدرس من كثرة المحصول حتى يأتى وقت قطاف الثمر من الأشجار، ويقطنون ثمار الأشجار حتى يأتى وقت الحصاد، وكأن حياتهم تتحول إلى فيض لا ينتهى، يقضى المؤمن حياته كلها يجنى كل يوم ثمراً جديداً ويتمتع بحصاد لا ينقطع. آمنين = إن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً تعب الحراس. فالله يحفظ من الخارج ويعطى سلام فى القلب من الداخل، فلا معنى لكل التحصينات البشرية من الخارج بدون سلام القلب
آية 6 :- (فى 4 : 7 ) يشير للسلام الداخلى بقوله “سلام الله الذى يفوق كل عقل” وأبيد الوحوش الرديئة = وهذه تعنى روحياً أن الله ينقى من كل شر ودنس. فالحمار مثلاً يشير للحماقة والجمل للحقد والأسد للوحشية والأفعى للمكر. ولا يعبر السيف فى أرضكم = تعنى روحياً أن الله ينزع روح الزنا والغضب وكل شر.
آية 7 :- الأعداء الروحيين هم الشياطين. ومن يحفظ الوصية يعطيه الله سلطان عليهم
آية 8 :- هذا حدث مع جدعون “قض 7” ويوناثان 1صم14 : 6. يطرد خمسة منكم مائه = 5 تشير للحواس فمن يقدس حواسه بنعمة الله يجد قوة لطرد جمهور الشر وجموع الخطية. ومائة منكم يطردون ربوة = قطيع المسيح قادر أن يطرد ربوات الأرواح الشريرة
آية 9 :- التفت إليكم وأثمركم = هذه مثل “أراكم فتفرح قلوبكم”. فسر القوة والفرح أن الله يفتش علينا وينظر إلينا ويعتنى بنا. واكثركم = علامة القوة
آية 10 :- تأكلون العتيق المعتق = سيكون المخزون من الغلة السابقة كثير جداً حتى أنهم يمكن أن يأكلوه لسنين عديدة. وتخرجون العتيق من وجه الجديد = من كثرة الخير تضطرون أن تفرغوا مخازنكم من الغلة القديمة لتخزنوا الغلة الجديدة
الأيات 11، 12 :- هذا هو أعظم وعد أن يسكن فى وسطهم يو 14 : 23 + رؤ 21 : 23 أكون لكم إلهاً = أى يكون لهم كفايتهم ويكون لهم كل شئ
آية 13 :- معناها كما فعلت فى الماضى هكذا سأفعل الأن. وسيركم قياماً = أى ليس فى إنحناء من العبودية. والقيام علامة العزة والكرامة. راجع رو 11 : 10
الأيات 14 – 39 :
لكن ان لم تسمعوا لي و لم تعملوا كل هذه الوصايا. و ان رفضتم فرائضي و كرهت انفسكم احكامي فما عملتم كل وصاياي بل نكثتم ميثاقي. فاني اعمل هذه بكم اسلط عليكم رعبا و سلا و حمى تفني العينين و تتلف النفس و تزرعون باطلا زرعكم فياكله اعداؤكم. و اجعل وجهي ضدكم فتنهزمون امام اعدائكم و يتسلط عليكم مبغضوكم و تهربون و ليس من يطردكم. و ان كنتم مع ذلك لا تسمعون لي ازيد على تاديبكم سبعة اضعاف حسب خطاياكم. فاحطم فخار عزكم و اصير سماءكم كالحديد و ارضكم كالنحاس. فتفرغ باطلا قوتكم و ارضكم لا تعطي غلتها و اشجار الارض لا تعطي اثمارها. و ان سلكتم معي بالخلاف و لم تشاءوا ان تسمعوا لي ازيد عليكم ضربات سبعة اضعاف حسب خطاياكم. اطلق عليكم وحوش البرية فتعدمكم الاولاد و تقرض بهائمكم و تقللكم فتوحش طرقكم. و ان لم تتادبوا مني بذلك بل سلكتم معي بالخلاف. فاني انا اسلك معكم بالخلاف و اضربكم سبعة اضعاف حسب خطاياكم. اجلب عليكم سيفا ينتقم نقمة الميثاق فتجتمعون الى مدنكم و ارسل في وسطكم الوبا فتدفعون بيد العدو. بكسري لكم عصا الخبز تخبز عشر نساء خبزكم في تنور واحد و يرددن خبزكم بالوزن فتاكلون و لا تشبعون. و ان كنتم بذلك لا تسمعون لي بل سلكتم معي بالخلاف. فانا اسلك معكم بالخلاف ساخطا و اؤدبكم سبعة اضعاف حسب خطاياكم. فتاكلون لحم بنيكم و لحم بناتكم تاكلون. و اخرب مرتفعاتكم و اقطع شمساتكم و القي جثثكم على جثث اصنامكم و ترذلكم نفسي. و اصير مدنكم خربة و مقادسكم موحشة و لا اشتم رائحة سروركم. و اوحش الارض فيستوحش منها اعداؤكم الساكنون فيها. و اذريكم بين الامم و اجرد وراءكم السيف فتصير ارضكم موحشة و مدنكم تصير خربة. حينئذ تستوفي الارض سبوتها كل ايام وحشتها و انتم في ارض اعدائكم حينئذ تسبت الارض و تستوفي سبوتها. كل ايام وحشتها تسبت ما لم تسبته من سبوتكم في سكنكم عليها. و الباقون منكم القي الجبانة في قلوبهم في اراضي اعدائهم فيهزمهم صوت ورقة مندفعة فيهربون كالهرب من السيف و يسقطون و ليس طارد. و يعثر بعضهم ببعض كما من امام السيف و ليس طارد و لا يكون لكم قيام امام اعدائكم. فتهلكون بين الشعوب و تاكلكم ارض اعدائكم. و الباقون منكم يفنون بذنوبهم في اراضي اعدائكم و ايضا بذنوب ابائهم معهم يفنون.
اللعنات على العصاة
نجد هنا الثمر الطبيعى لرفض الوصية، إذ يحسب هذا نكثاً للميثاق مع الله ورفضاً لشخصه. وفى (16) سلاً = هو مرض السل الذى يجعل البدن يهزل. وحين يتخلى الله عن الخاطىء يصاب بالرعب فهو سيصير بلا حماية ويصيبه الهزال، وفقدان البصيرة، ويصاب بمرارة وبلا سلام = تتلف النفس. فلا صحة جسدية ولا صحة نفسية. والله يسمح بهذا لعل الخاطئ يتنبه. وتزرعون باطلاً زرعكم فيأكله أعدائكم = هم يعملون لكن ليس لحساب الرب إنما يزرعون زرعهم الذاتى.
آية (17) إذ يفقد الإنسان سلامه الداخلى ويخسر شركته مع الله يصير ضعيفاً أمام الأعداء الروحيين.
آية (18) سبعة أضعاف = رقم 7 يشير للكمال.
الأيات (19، 20) فخار عزكم = المقصود به الهيكل وهذا ما حدث فى سبى بابل ثم مع الرومان بعد المسيح. سمائكم كالحديد = لا تمطر. أرضكم كالنحاس = لا تثمر. فتفرغ باطلاً قوتكم = بدون بركة الرب لا فائدة من المجهود. ولنلاحظ التدرج فى الضربات فلو تنبه الإنسان وقدم توبة لتوقفتالضربات.
آية (21) إذا لم يفهم الإنسان التأديب ويتوب تصير خطيته أعظم ويحتاج لتأديب أشد
آية (22) هذا ما حدث فى موضوع الحيات المحرقة عد 21 : 5، 6 وما حدث مع إليشع النبى حين إفترست دبة 42 شخصاً وراجع أيضاً 2مل 17 : 24، 26 وقد تشير الوحوش للخطايا التى تهاجم الإنسان ويحفظ الله الإنسان منها إذا كان فى حضرته. فإن أعطيناه القفا لا الوجه ترك الوحوش تعدمنا أولادنا أى ثمارنا الداخلية وتقرض بهائمنا أى تفسد الجسد.
آية (25) نقمة الميثاق = أى ينتقم منكم لكسركم ميثاقى أى تعديكم على شريعتى التى جعلت حفظكم إياها ميثاقاً بينى وبينكم. وباقى الآية حدث حرفياً فى سبى بابل.
آية (26) عصا الخبز = الخبز هو عصا الحياة أى الذى تعتمد عليه الحياة. وكسر عصا الخبز أى قطع خبز الحياة. (وروحياً يشير الخبز لكلمة الله)وعلامة القحط سيكون لكل 10 نساء تنور واحد بدلاً من أن يكون هناك تنور لكل واحدة فليس لديهم خبز وليس لديهم وقود. وعلامة أخرى وزن الخبز فلا بركة.
آية (29) هذا حدث فى سبى بابل ومع الرومان وحصار السامرة 2مل 6 : 24 – 30
آية (30) مرتفعاتكم = عبد الشعب الأصنام فى الأماكن المرتفعة. والشمسات = أى التماثيل الخاصة بعبادة الشمس.
آية (31) إذ يرفض الإنسان وصية الله تتحول المدن المحصنة إلى خراب بل والمقادس أيضاً.
آية (32) وأوحش الأرض = أى تخلو من الناس بسبب السبى. فيستوحش فيها أعدائكم أى لن يحتمل أعدائكم أن يروا الشر الذى صار إليكم
آية (34) كأن الأرض تألمت من خطاياهم وها هى تستريح بعد طردهم. وهم فى رفضهم لوصايا الله رفضوا حفظ السنة السبتية ولقد إستوفت الأرض سبوتها 2 أي 21:36
آية (35) أى أن الأرض لا تزرع ولا تحرث مدة سبيهم ومصيبتهم وهذا حدث فعلاً
آية (36) صوت ورقة = يخافون أخفض الأصوات. فمن طرح مخافة الله من قلبه فأى شئ سيخيفه أم 28 : 1
آية (37) من خوفهم سيتخبطون بعضهم ببعض.
آية (38) تهلكون = أى تتألمون وسط الشعوب الوثنية وتفقدون هويتكم ونسبكم وإستقلالكم
الأيات 40 – 46 :- لكن ان اقروا بذنوبهم و ذنوب ابائهم في خيانتهم التي خانوني بها و سلوكهم معي الذي سلكوا بالخلاف. و اني ايضا سلكت معهم بالخلاف و اتيت بهم الى ارض اعدائهم الا ان تخضع حينئذ قلوبهم الغلف و يستوفوا حينئذ عن ذنوبهم. اذكر ميثاقي مع يعقوب و اذكر ايضا ميثاقي مع اسحق و ميثاقي مع ابراهيم و اذكر الارض. و الارض تترك منهم و تستوفي سبوتها في وحشتها منهم و هم يستوفون عن ذنوبهم لانهم قد ابوا احكامي و كرهت انفسهم فرائضي. و لكن مع ذلك ايضا متى كانوا في ارض اعدائهم ما ابيتهم و لا كرهتهم حتى ابيدهم و انكث ميثاقي معهم لاني انا الرب الههم. بل اذكر لهم الميثاق مع الاولين الذين اخرجتهم من ارض مصر امام اعين الشعوب لاكون لهم الها انا الرب. هذه هي الفرائض و الاحكام و الشرائع التي وضعها الرب بينه و بين بني اسرائيل في جبل سيناء بيد موسى
قبول التوبة
آية (41) حين يعترفون بخطيتهم فى تواضع ويسلموا بأنهم عوقبوا بعدل وأنهم إستوفوا ما يستحقون = ويستوفوا عن ذنوبهم
آية (42) نلاحظ هنا ذكر يعقوب قبل إسحق وإسحق قبل إبراهيم فهو يتكلم عنا بخلاف المعتاد لأن سياق الكلام أنه يرحمهم بسبب الأباء. فكأنه يعود للوراء للآباء تدريجياً.
آية (43) مع أن الله ما زال يحبهم إلا أن الخطية لها عقوبتها.
آية (44) هذه الآية دليل كافى أن الله لا يعاقب للإنتقام بل للتأديب فهو مازال يحبهم.