تفسير سفر نحميا 6 للقمص تادرس يعقوب
الآن وقت للعمل لا للحوار!
يقدم لنا هذا الإصحاح صورة رائعة لخادم الله الذي لا ينحرف فكره قط عن تحقيق غايته التي في المسيح يسوع. حياة الإنسان مقصرة وأيامه قليلة، فلا يليق به أن يفسدها بالخوف من الفشل، أو من فقدان أمورٍ زمنيةٍ، أو من ظلم الغير له إلخ.، بل يحمل روح القوة والحب والاتزان.
للتغلب على الخوف يليق بنا الآتي:
- أن ندرس حيل العدو، الذي لا يكف عن أن يبث روح الخوف والقلق والشعور بالفشل واليأس.
- أن ندرك أن الخوف الحقيقي صادر من ضعفنا البشري الداخلي، فإنه ليس حتى لإبليس سلطان علينا أن يرعبنا.
- أنه ليس من غلبة على الخوف إلا بالالتجاء إلى الله، الذي يشجعنا على العمل، ويهبنا القوة للتنفيذ.
بخصوص بناء سور أورشليم لحقت الهزيمة بالمقاومة، فليس الاستخفاف بالعمل ولا التهديد ولا المشاكل الداخلية أوقفت العمل. لم يعد أمام العدو إلا وضع خطة لقتل نحميا بمكيدة مدبرة. دُعي نحميا إلى مؤتمر لمناقشة الأمور، وكان القصد من الدعوة هو محاولة اغتياله. رفض نحميا أربع مرات أن يلتقي بهم في إحدى القرى على بعد 20 ميلًا شمال أورشليم، على أساس أنه لا يود أن يتوقف عن العمل الذي بين يديه [1-4]. فإنه يوجد وقت للعمل، ووقت للحوار.
حاول سنبلط أن يضغط عليه، فأرسل إليه قطعة من ورق البردي أو الجلد لكي يقرأها [5]، جاء فيها إن نحميا يود أن يقيم نفسه ملكًا، وأنه يتمرد على ملك فارس [6]. لم يكن ممكنًا لمثل هذه الرسالة أن تهز قلب شخصٍ جاد كنحميا.
اتهم أيضًا نحميا بأنه يرشي الأنبياء ليتكلموا حسبما يريد، أي يقيم نفسه شيئًا (ملكًا على أورشليم)، ناسبًا ذلك للرب [7].
لم يكن أمام نحميا إلا أن ينكر هذه الاتهامات، ويعرض الأمر على الله نفسه القادر وحده أن يدافع عنه [8-9].
كلما فشل العدو في مؤامرةٍ أو تهديدٍ، فكرّ في وسيلة أخرى. فقد أرادوا في هذه المرة نعت نحميا بالجُبن. فإن شخصًا يُدعى شمعي أظهر أنه عاجز عن ترك بيته. وحث نحميا أن يلجأ معه في الليل إلى الهيكل ليهربا من محاولة اغتيالهما. مرة أخرى أدرك نحميا الخدعة، ورفض أن يذهب إلى الهيكل، بكونه ليس كاهنًا.
دفع طوبيا وسنبلط رشوة لشمعي، وربما أيضًا لبعض الأنبياء والنبيات، ليتنبأوا لنحميا عن قرب مصيره [10-14].
مع كل هذه المحاولات من عدو الخير، فقد تم بناء السور في وقت مثالي، أي في 52 يومًا [15-16]. ومع هذا لم يكف العدو عن المقاومة، إذ بدأ يبحث عن خونة في الداخل، فاستخدم طوبيا زوجته وابنته لعلهما تقومان بدورٍ بين العائلات في أورشليم. والعجيب أنه كلما قدمت خدمات لطوبيا وأصدقائه كان بالأكثر يتجاهل الكهنة والهيكل [13: 7، 10].
1. مؤامرات ضد نحميا 1-14
هذه هي المرة الرابعة يتآمر فيها الأعداء ضد نحميا لمنع إعادة بناء السور، فقد كاد السور أن ينتهي إعادة بنائه.
وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ وَطُوبِيَّا وَجَشَمٌ الْعَرَبِيُّ وَبَقِيَّةُ أَعْدَائِنَا،
أَنِّي قَدْ بَنَيْتُ السُّورَ،
وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ ثُغْرَةٌ،
(عَلَى أَنِّي لَمْ أَكُنْ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْ أَقَمْتُ مَصَارِيعَ لِلأَبْوَابِ). [1]
أَرْسَلَ سَنْبَلَّطُ وَجَشَمٌ إِلَيَّ قَائِلَيْنِ:
هَلُمَّ نَجْتَمِعُ مَعًا فِي الْقُرَى فِي بُقْعَةِ أُونُو.
وَكَانَا يُفَكِّرَانِ أَنْ يَعْمَلاَ بِي شَرًّا. [2]
أدرك الأعداء أن كل الطرق قد فشلت تمامًا في إحباط نحميا عن العمل، ولم يبقَ أمامهم سوى وسيلة الغدر والخداع، تحت ستار الدخول في حوارٍ معه.
طلب سنبلط وجشم التفاوض مع نحميا. هذه إحدى طرق العدو في مقاومة عمل الله، أن يطلب التفاوض، الأمر الذي يبدو للبعض أنه ليس في هذا الاقتراح أي ضرر، بل من الحكمة الدخول مع العدو في مفاوضات. لكن العدو بمكره يهدف إلى انشغالنا بعيدًا عن العمل.
أونو: كانت تقع على بُعد حوالي سبعة أميال جنوب شرقِ يافا، بالقرب من اللد Lod. وهي مكان خارج أورشليم، يُظن أنه في منطقة بنيامين، بجوار نهر الأردن. كانت مقترحة كمكانٍ محايدٍ، لكن نحميا أدرك أن الدعوة هي مصيدة أو فخ موضوع له. لقد أرادوا استبعاده من وسط أصدقائه ومعضديه حتى يمكنهم خطفه أو قتله.
لم يرد أن يدخل في المفاوضات حتى لا يفسد طاقته في أمور ثانوية بجانب رسالته الخاصة. بإعادة بناء السور. أرادوا مقاومته بإفساد طاقاته، أما هو فأراد مقاومتهم برفض مداهنتهم وتملقهم غير المجدي.
يقول الرسول بولس: “المباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها، عالمًا أنها تولد خصومات” (2 تي 2: 23). “أما المباحثات الغبية والأنساب والخصومات والمنازعات الناموسية فاجتنبها، لأنها غير نافعة وباطلة” (تي 3: 9).
* أما الخصومات فيعني بها المناقشات مع الهراطقة. يود الرسول ألا نتعب فيها بغير جدوى، دون أن نجني منها شيئًا، لأنها تنتهي إلى لا شيء. لأنه إن صمم إنسان جاحد على عدم تغيير رأيه مهما حدث، فلماذا تتعب نفسك وتزرع على الصخر، مع أنه كان يليق بك أن توجه عملك العظيم إلى شعبك متحدثًا معهم عن الفضائل؟
القديس يوحنا الذهبي الفم
فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِمَا رُسُلًا قَائِلًا:
إِنِّي أَنَا عَامِلٌ عَمَلًا عَظِيمًا،
فَلاَ أَقْدُرُ أَنْ أَنْزِلَ.
لِمَاذَا يَبْطُلُ الْعَمَلُ بَيْنَمَا أَتْرُكُهُ وَأَنْزِلُ إِلَيْكُمَا؟ [3]
رفض نحميا الدخول مع العدو في تفاوض، فقد أعلن أنه للعمل وقت وللكلام وقت، فلا يريد أن يفسد وقت العمل بالتوقف عنه والانشغال بالحوار.
مع ما للحوار في الكنيسة من أهمية بين الخدام، كما بين الخدام والشعب، إلا أنه يلزم أن يكون لنا روح التمييز لنعرف وقت العمل ووقت الكلام، لأن الكلام أسهل وأكثر جاذبية من العمل.
يوجد وقت يلزمنا فيه أن نتوقف عن الكلام ونبدأ العمل.
ما أجمل مشاعر نحميا، فإن ما يمارسه قد تسلمه من يد الله، لذلك باعتزاز يقول: “إني أنا عامل عملًا عظيمًا” [3].
عظمة عمل في كنيسة الله أنه من قبل الرب ولحساب مملكة الله. هذا ما يؤكده الرسول بولس حين تحدث عن تنوع الخدم والأعمال والمواهب: “فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد. وأنواع خدم موجودة، ولكن الرب واحد. وأنواع أعمال موجودة، ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل” (1 كو 12: 4-6).
* حتى إن أعطيت لك موهبة أقل من التي أعطيت لآخر، فإن الواهب هو واحد، لذلك فإن لك كرامة مساوية له [1].
* توُجد فوارق في المواهب، إلا أنه لا يوجد فرق في الواهب. فإنكم تسحبون من ذات الينبوع أنتم وهو [2].
* ربما يُصاب من يسمع عن المواهب بحالة إحباط متى وجد آخر لديه موهبة أعظم منه. ولكن إذ نأتي إلى الخدمة يحدث أمر آخر. ففي هذه الحالة فإن التعب والعرق مطلوبان. لماذا تشتكي إن أخذوا خدمة أكثر ليفعلوها لكي يريحوك؟ [3]
القديس يوحنا الذهبي الفم
رفض نحميا أن ينزل إلى سنبلط وجشم، فإنه إذ يعمل عمل الرب، يمارس عملًا عظيمًا، وترتفع أفكاره وكلماته وتصرفاته كما في مصاعد مستمرة، ولا تنحدر قط إلى أسفل.
حياة المؤمن الحقيقي مصاعد دائمة، ينطلق من مجدٍ إلى مجدٍ، وينعم بخبرات جديدة بالجلوس مع السيد المسيح في السماويات.
* لا يستطيع من يسعى في إثر الكمال ويتمسك بالصعود إلى السماء، ويتطلع إلى درب العلو، أن يتوقف في علوٍ واحدٍ، ظانًا أنه اكتمل في عمله، ولم يعد في حاجة إلى الصعود إلى درجة أخرى، لكنه يسرع يوميًا ليرتفع إلى الأعلى، إلى أن يفتح له الموت الباب ليبلغ إلى ميناء القديسين.
أقول لك يا محب الفضائل، يحسن بك أن تفكر وتتأمل أن تتقدم نحو الأمام. ويجدر بك أن تحسب أنه توجد سيرة أعظم من سيرتك. لو فكرت أنك تسلقت بواسطة الفضيلة بقدر ما كان ينبغي أن تتسلق، لكان سعيك باطلًا، وتبدأ في الهبوط بسبب الادعاء الذي يخامر نفسك، فتنحدر من جمال التواضع [4].
القديس مار يعقوب السروجي
وَأَرْسَلاَ إِلَيَّ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلاَمِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ،
وَجَاوَبْتُهُمَا بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ. [4]
فَأَرْسَلَ إِلَيَّ سَنْبَلَّطُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلاَمِ مَرَّةً خَامِسَةً،
مَعَ غُلاَمِهِ بِرِسَالَةٍ مَنْشُورَةٍ بِيَدِهِ مَكْتُوبٌ فِيهَا: [5]
كانت العادة في ذلك الوقت أن تكتب الرسائل على ورق بردي كما كان معروفًا لدى قدماء المصريين وقد تعلم جيرانهم ذلك منهم. أو تُكتب على جلود حيوانات أو سعف النخيل ويُلف ويربط بحبلٍ أو خيط، ثم يختم بخاتم على مادة كالطين، حتى يضمن الراسل والمرسل إليه أن حامل الرسالة لم يفتحها، ولا يعرف ما ورد بها. ولكن سنبلط وجشم بعثا بالرسالة وهي منشورة بيد حاملها دون أن تلف أو تختم. هذا التصرف غايته أن يقرأ حامل الرسالة ما ورد بها، وبالتالي يرتعب ويقصها على كثيرين مما يسبب نوعًا من الرعب بين القادة والشعب، فيهيج الكل على نحميا كشخصٍ يحث على التمرد ضد الملك الفارسي، ويسلك بلا تعقلٍ.
اقترح الأعداء عمل مؤتمرات مع نحميا للحوار 4 مرات، لكنه فضل الاستمرار في العمل، وعدم إفساد الوقت بالمناقشات الغبية.
لأول مرة يُشار إلى الرسائل في الكتاب المقدس الرسالة التي أرسلها داود إلى يوآب (2 صم 11: 14). كذلك نقرأ عن رسائل كتبتها إيزابل باسم أخاب (1 مل 21: 8). وكتب ملك سوريا رسالة إلى ملك إسرائيل (2 مل 5: 5- 7). كتب أيضًا ياهو رسائل (2 مل 10: 1).
كانت العادة في فارس وغيرها من الدول الشرقية عند بعث رسائل إلى أشخاص لهم وزنهم في المجتمع أن تُلف الرسالة كدرجٍ مغلقٍ في حقيبة، ويختم على الدرج بشمع أو طين حتى لا يقوم أحد بفتح الرسالة حتى تصل إلى من هي موجهه إليه (إش 8: 16؛ 29: 11؛ دا 12: 4 ،9؛ رؤ 5: 4، 9؛ 10: 4؛ 22: 10). وضع هذا الختم يحمل أيضًا نوع من التقدير والاحترام لمن تُقدم له الرسالة. أما الرسائل الموجهة إلى أشخاص من طبقة دنيا، فترسل لهم دون ختمها كنوعٍ من الاستخفاف بهم. كأن سنبلط بهذا يتعامل مع نحميا على أنه من مستوى أقل منه [5].
يرى البعض أن سنبلط بعث بالرسالة مفتوحة، لأنه يعتبر أن ما ورد فيها من اتهامات ضد نحميا ليست بالأمر السري أو الخفي. فالكل، سواء كانوا في يهوذا أو ما حولها، من قادة أو شعب يعرفون خطورة تصرفات نحميا وتمرده على ملك فارس.
قَدْ سُمِعَ بَيْنَ الأُمَمِ وَجَشَمٌ يَقُولُ
إِنَّكَ أَنْتَ وَالْيَهُودُ تُفَكِّرُونَ أَنْ تَتَمَرَّدُوا،
لِذَلِكَ أَنْتَ تَبْنِي السُّورَ،
لِتَكُونَ لَهُمْ مَلِكًا حَسَبَ هَذِهِ الأُمُورِ. [6]
يليق بنا حين نمارس عمل الرب أن نتوقع هجوم عدو الخير بكل وسيلة، وافترائه علينا كذبًا.
وَقَدْ أَقَمْتَ أَيْضًا أَنْبِيَاءَ لِيُنَادُوا بِكَ فِي أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ:
فِي يَهُوذَا مَلِكٌ.
وَالآنَ يُخْبَرُ الْمَلِكُ بِهَذَا الْكَلاَمِ.
فَهَلُمَّ الآنَ نَتَشَاوَرُ مَعًا. [7]
في افتراء استغل سنبلط قيام ملاخي النبي وتنبوءه عن مجيء المسيا المنتظر (مل 3: 1- 3)، ليدعي أنه بواعز من نحميا ليقيم من نفسه المسيا.
هذا وحاول سنبلط أن يثير السلطات المحلية بأن نحميا يورطهم أمام ملك فارس، وأن ما يمارسونه من أعمال كإعادة بناء سور أورشليم لا معنى له سوى قيامهم بالتمرد على فارس.
يبدأ الرسالة بتشويه نية نحميا ومن معه، فهو يريد أن يقيم من نفسه ملكًا يواجه ملك فارس ويعصى عليه، وأن الشعب يسانده في ذلك. فالاتهام خطير، ألا وهو عصيان ملك فارس والتمرد عليه، أما نتائجه فلا تقف عند إدانة نحميا، وإنما كل الشعب بتهمة التمرد. ومن جانب آخر، فإن هذا الاتهام ليس موجهًا من سنبلط، إنما من الأمم المحيطة ومن جشم. فالاتهام خطير، ودائرته تضم كل الشعب، وأما الشهود فهم كل الأمم المحيطة بهم.
يدعى سنبلط أنه هو والأمم المحيطة عالمون بنية نحميا ومن معه، ما يعمله ليس لخدمة الله، بل للتمرد على فارس.
إذ يدعى العدو أنه يعلم نيتك الشريرة، إنما يود أن يفقدك سلامك الداخلي، ويدفعك نحو الثورة والسخط على الآخرين.
بهذا يود سنبلط أن يجعل نحميا خاضعًا له، تحت سلطانه.
فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ قَائِلًا:
لاَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا الْكَلاَمِ الَّذِي تَقُولُهُ،
بَلْ إِنَّمَا أَنْتَ مُخْتَلِقُهُ مِنْ قَلْبِكَ. [8]
لم يستخدم نحميا في رده على الرسالة كلمات فيها عجرفة، وإنما دعا ما ورد في الرسالة كذبًا. وأنه ليس لديه الوقت لإضاعته في الرد على اتهامات باطلة. ولعله أرسل رسولًا إلى الملك يبلغه سرًا ولاءه له، مؤكدًا ذلك بطريقة أو أخرى.
من أروع سمات نحميا حرصه الشديد على وقته، فالزمن له تقديره الخاص في حياته. ليس لديه وقت للجدال الفارغ والمناقشات الغبية، وحتى في رده على رسالة سنبلط يكتب باختصارٍ شديدٍ مع حكمةٍ.
* ليتنا نهتم بأنفسنا بعناية، لأنه من يعيد إلينا هذا الوقت إن أضعناه؟ حتمًا إنه سيأتي الوقت الذي فيه نطلب أن نجد هذه الأيام ولا نجدها. لقد اعتاد الأب أرسانيوس أن يكرر قوله لنفسه: “يا أرسانيوس انظر لماذا تركت العالم؟!”
الأب دوروثيؤس
* الوقت ليس ملككم! في الوقت الحاضر أنتم غرباء ورحّل وأجنبيون، فلا تطلبوا الكرامات، ولا تبحثوا عن المجد ولا السلطة أو الانتقام، احتملوا كل شيء”مفتدين الوقت”.
أقول إنني أتصور إنسانًا له بيت عظيم وقد ذهب إليه أناس ليقتلوه، فالتزم بدفع مبلغ كبير ليفدي حياته. هكذا أيضًا أنت لك بيت عظيم وإيمان حقيقي في خزانتك. إنهم يريدون الحضور ليسحبوا هذا كله. أعطهم ما يريدون وإنما احفظ الأمر الرئيسي، أقصد “الإيمان”.
يقول “لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ“…
ما هو شر الجسد؟ المرض!
ما هو شر النفس؟ الشر (الخطية)!
ما هو شر الماء؟ المرارة.
شر كل شيء يناسب طبيعته ويفسده…
بنفس الطريقة كما اعتدنا نقول: “قضيت يومًا رديئًا وشريرًا”. الأحداث الصالحة التي تتم في اليوم هي من عند الله، أما الشريرة فهي من الناس الأشرار. إذن فالشرور التي تحدث في الأزمنة هي من صنع البشر، لذا قيل إن الأيام شريرة، كما يقال إن الأزمنة شريرة [6].
القديس يوحنا الذهبي الفم
لأنَّهُمْ كَانُوا جَمِيعًا يُخِيفُونَنَا قَائِلِينَ:
قَدِ ارْتَخَتْ أَيْدِيهِمْ عَنِ الْعَمَلِ فَلاَ يُعْمَلُ.
فَالآنَ يَا إِلَهِي شَدِّدْ يَدَيَّ. [9]
لم تهز الاتهامات قلب نحميا، ولا حطمت نفسيته، فهو يعلم ما في نيته، وما هو الدافع الداخلي لتصرفاته، ألا وهو الطاعة للوصية الإلهية. لهذا استمر في العمل، طالبًا العون الإلهي ليشدد يديه.
نُسبت لنحميا اتهامات كاذبة، كما نسبت أيضًا لإرميا اتهامات بطريقة أخرى أنه يثبط همم رجال الجيش، إذ قيل عنه للملك: “لُيقفل هذا الرجل، لأنه بذلك يُضعف أيادي رجال الحرب الباقين في هذه المدينة، وأيادي كل الشعب، إذ يكلمهم بمثل هذا الكلام” (إر 38: 4).
اعتاد نحميا في كل المواقف أن يرفع قلبه إلى الله طالبًا تدخله الإلهي. وقد جاء السفر مشحونًا بالصلوات القلبية السريعة والملتهبة بنيران الحب.
يا لها من صلاة رائعة! ليتنا نستخدمها دائمًا أينما وجدنا، وفي كل الظروف: “فالآن يا إلهي شدد يدي” [9].
* إننا بالقلب نسأل، بالقلب نطلب، ولصوت القلب ينفتح الباب [7].
* ليس أحد يعينه الله ما لم يصنع هو شيئًا. إنه سيُعان إن صلي [8].
* الأثر الكامل للإيمان هو هذا: يجعلنا نسأل فنأخذ، نطلب فنجد، نقرع فيُفتح لنا. بينما الإنسان الذي يجادل يغلق باب رحمة الله أمام نفسه [9].
القديس أغسطينوس
وَدَخَلْتُ بَيْتَ شَمَعْيَا بْنِ دَلاَيَا بْنِ مَهِيطَبْئِيلَ وَهُوَ مُغْلَقٌ، فَقَالَ:
لِنَجْتَمِعْ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ إِلَى وَسَطِ الْهَيْكَلِ،
وَنُقْفِلْ أَبْوَابَ الْهَيْكَلِ،
لأَنَّهُمْ يَأْتُونَ لِيَقْتُلُوكَ.
فِي اللَّيْلِ يَأْتُونَ لِيَقْتُلُوكَ. [10]
يبدو أن شمعيا له وسيلة اتصال بالهيكل، فغالبًا ما كان كاهنًا، وربما كان صديقًا لطوبيا العموني. لقد طلب من نحميا أن يجتمع معه في الهيكل في وسط الهيكل، وتُغلق أبواب الهيكل، كأن حياته في خطر مع نحميا، وأنه يفعل هذا من أجل الحفاظ على حياة نحميا.
يرى البعض أنه لا يقصد مبنى الهيكل نفسه، وإنما في حرم الهيكل، حيث يمكن اللجوء إليه، فيكون الشخص في أمان. فقد جاء في الأحكام الإلهية من ضرب إنسانًا فمات يُقتل قتلًا، ولكن الذي لم يتعمد بل أوقع الله في يده فأنا أجعل لك مكانًا يهرب إليه (خر 21: 13؛ راجع 1 مل 1: 50-53؛ 2: 28-34؛ 8: 64؛ 2 مل 16: 14).
أخطر وسيلة يستخدمها العدو في مقاومتنا هو حث الأصدقاء لتثبيط هممنا عن العمل لحساب ملكوت الله.
الخطورة أن الأصدقاء غالبًا ما يكون دافعهم الحب والحنو، ولا يدركون أن الذي يوجههم هو الشيطان. كثيرًا ما يحزن الأصدقاء لعدم قبول مشورتهم من رجال الله المصممين على تنفيذ مشيئة الله.
طلب صديقه منه سرًا أن يجتمعا في بيت الله في وسط الهيكل، في الليل حيث غالبًا ما تساعد ظلمة على تنفيذ عمليات الاغتيال. لم يكن نحميا كاهنًا، ولم يكن من حقه أن يدخل إلى وسط الهيكل. لكن صديقه حسب أنه من حقه من أجل الصالح العام وحماية هذا القائد أن يهرب في وسط الهيكل.
يا له من خداع خطير، فقد عرف شمعيا عن نحميا أنه رجل صلاة، محب للعبادة، فطلب أن يدخل معه في الهيكل ويغلق عليهما. وكأنه يدعوه للقاء مع الله ليدخل في حوار مع الله والتمتع بالصلاة والخلوة معه، لكن وراء هذا كله أراد أن يرعبه ويبث فيه روح الخوف والهروب من العمل مع الجماعة.
حسن جدًا أن نلجأ إلى هيكل الرب ونطلب مشورته وحمايته. لكن الوضع هنا مختلف:
- من جانب لم يكن نحميا كاهنًا ليحق له الدخول في الهيكل والإقامة فيه (عد 18: 22).
- لا يليق بالقائد أن يهرب ويختبئ لينجو بحياته، فإن هذا يبعث روح الخوف والرعب وسط العاملين.
- لم يرفض نحميا هذه المشورة كمن لا يؤمن بأن الله حافظه، إذ هو رجل الصلاة.
- يليق بالكهنة مساندة نحميا بالصلاة في الهيكل ليعمل الله به، هذا لا يغني عن قيام نحميا نفسه والشعب بالصلاة من أجل العمل. يدعونا الرسول بولس للصلاة من أجل أصحاب السلطة (1 تي 2: 2).
فَقُلْتُ: أَرَجُلٌ مِثْلِي يَهْرُبُ؟
وَمَنْ مِثْلِي يَدْخُلُ الْهَيْكَلَ فَيَحْيَا!
لاَ أَدْخُلُ. [11]
جاءت إجابة نحميا هي الرفض لهذه المشورة، أولًا لأنه لا تنقصه الشجاعة فيهرب، ويبث روح الخوف عند القادة والشعب، إذ يصير مثلًا سيئًا لهم. ثانيًا ليس لدى نحميا الاستعداد لكسر الناموس، واقتحام وسط الهيكل الذي لا يجوز أن يبيت فيه.
فَتَحَقَّقْتُ وَهُوَذَا لَمْ يُرْسِلْهُ اللَّهُ،
لأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ عَلَيَّ،
وَطُوبِيَّا وَسَنْبَلَّطُ قَدِ اسْتَأْجَرَاهُ. [12]
تحقق نحميا أن شمعيا لم يُرسل من قبل الله، لأنه قدم مشورة تضاد كلمة الله، ولأنها تدفعه إلى التخلي عن الشجاعة.
لأَجْلِ هَذَا قَدِ اسْتُؤْجِرَ لأَخَافَ وَأَفْعَلَ هَكَذَا وَأُخْطِئَ،
فَيَكُونَ لَهُمَا خَبَرٌ رَدِيءٌ لِيُعَيِّرَانِي. [13]
اذْكُرْ يَا إِلَهِي طُوبِيَّا وَسَنْبَلَّطَ حَسَبَ أَعْمَالِهِمَا هَذِهِ،
وَنُوعَدْيَةَ النَّبِيَّةَ وَبَاقِيَ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُخِيفُونَنِي. [14]
لم يقدم لنا الكتاب المقدس أية معلومات أخرى عن هذه النبية. يرى البعض أنها حتمًا كانت أحدى أعضاء جماعة داخل أورشليم غايتها هدم جهود نحميا. ظهور اسمها يشير إلى أن النساء كن يخدمن في أعمال دينية في فترة الإصلاح، كما وجدت نساء يعملن هكذا في فترة ما قبل السبي (خر 15: 20؛ قض 4: 4؛ إش 8: 3؛ 2 مل 22: 14) [10].
أشار العهد القديم إلى ثلاث نساء أخريات نبيات وهن مريم أخت موسى وهارون (خر 15: 20)، ودبورة (قض 4: 4) وخلدة (2 مل 22: 14؛ 2 أي 34: 22).
2. الانتهاء من أعادة بناء السور وموقف الأعداء 15-19
وَكَمِلَ السُّورُ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ أَيْلُولَ،
فِي اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ يَوْمًا. [15]
شهر أيلول يقابل شهر سبتمبر تقريبًا. يرى البعض أن بناء السور تم في 27 أكتوبر عام 445 ق.م.
تنبأ دانيال النبي الذي أُخذ إلى السبي في أول دفعة عام 605 عن إعادة بناء السور (دا 9: 25)، وها هي نبوته قد تحققت.
لم يكن متوقعًا أن يتم هذا العمل العظيم في هذه المدة القصيرة جدًا، لكن يد الله تعمل المستحيلات، خاصة حينما نعمل معًا بروح جماعية مملوءة حبًا وتعاونًا.
وَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ أَعْدَائِنَا،
وَرَأَى جَمِيعُ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوَالَيْنَا،
سَقَطُوا كَثِيرًا فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِهِمْ،
وَعَلِمُوا أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ إِلَهِنَا عُمِلَ هَذَا الْعَمَلُ. [16]
أخيرًا أكتشف الأعداء أن العمل من قبل الله، وأن ما تحقق لا يمكن أن يتم بهذه الصورة بدون عناية الله الخاصة الفائقة. وقد شعروا بحالة من الإحباط الشديد، ومع هذا لم يتوقفوا عن المقاومة.
وَأَيْضًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَكْثَرَ عُظَمَاءُ يَهُوذَا،
تَوَارُدَ رَسَائِلِهِمْ عَلَى طُوبِيَّا،
وَمِنْ عِنْدِ طُوبِيَّا أَتَتِ الرَّسَائِلُ إِلَيْهِمْ. [17]
لقد تم العمل الذي جاء لأجله نحميا، لكن حتى بعد إتمامه وُجدت المتاعب، فقد وُجد من بين عظماء يهوذا الذين تظاهروا بالصداقة لنحميا لكنهم كانوا خونة غادرين، يعملون خفية لحساب طوبيا العموني المقاوم لما فيه خير لأورشليم.
* إن كان أحد يحبني وأنا أحبه للغاية، وعلمت أنه قد لحقني نقص بسبب محبته فإني أقطعه مني وأنقطع عنه بالكلية.
الأنبا أغاثون
* إن كانت لك صداقة مع أحد الإخوة وانتابك ضرر بسبب مخالطتك إياه، فأسرع واقطع نفسك منه. ولست أقول لك هكذا أيها الحبيب لتبغض الناس، كلا. وإنما لتقطع أسباب الرذيلة.
مار أفرآم السرياني
لأَنَّ كَثِيرِينَ فِي يَهُوذَا كَانُوا أَصْحَابَ حِلْفٍ لَهُ،
لأَنَّهُ صِهْرُ شَكَنْيَا بْنِ آرَحَ وَيَهُوحَانَانُ ابْنُهُ أَخَذَ بِنْتَ مَشُلاَّمَ بْنِ بَرَخْيَا. [18]
هنا صورة عملية واقعية لخطورة الزواج المختلط بين المؤمنين وغير المؤمنين.
وَكَانُوا أَيْضًا يُخْبِرُونَ أَمَامِي بِحَسَنَاتِهِ،
وَكَانُوا يُبَلِّغُونَ كَلاَمِي إِلَيْهِ.
وَأَرْسَلَ طُوبِيَّا رَسَائِلَ لِيُخَوِّفَنِي. [19]
يستخدم العدو أحيانًا العاملين معنا، وأصحاب المراكز لتقديم صورة طيبة عن العدو الخبيث وإظهار أننا نخطئ في حكمنا على تصرفات العدو.
من وحي نح 6
لتقدس كل ثانية من ثواني حياتي!
* إلهي، من يلتصق بك ينعم بالشركة في سمائك.
أنت تعمل وتبقى تعمل لبنيان خليقتك.
هب لي أن أعمل ولا أتوقف قط!
لأعمل بك ومن أجلك لحساب ملكوتك!
* هب لي أن تقدس كل لحظات عمري!
فلا يفسد العدو ثانية من ثواني حياتي!
عوض المناقشات الغبية والجدال الباطل،
يرتفع قلبي للحديث معك!
* تعهد لي أن أعمل لحساب ملكوتك.
لأصرخ مع نحميا قائلًا:
إني أنا عامل عملًا عظيمًا،
فلا أقدر أن أنزل.
لماذا يبطل العمل، بينما أتركه وأنزل إلى حوارٍ باطلٍ.
من يلتصق بك يصعد على الدوام.
يرتفع من مجدٍ إلى مجدٍ.
ولا ينحدر وينزل إلى أسفل!
لتكن حياتي كلها مصاعد لا تتوقف.
تصعد أفكاري وكلماتي وتصرفاتي رائحة بخور قدامك.
* هب لي يا رب الحكمة من عندك.
فعدو الخير لن يكف عن أن يخطط ويخدع.
تحت ستار الصلاة إليك يود أن يبطل عملي معك.
وتحت ستار الاحتماء في بيتك،
يود أن يبث فيَّ روح الخوف والقلق.
هب لي روح الحكمة والتمييز!
* لست أحرص على ثواني عمري،
لأن عمري مقصر فحسب،
وإنما لأن حياتي كلها هي عطيتك.
إن عشت فلك أعيش،
وإن مت فلك أموت.
كل ثواني عمري هي ملكك يا حبيب نفسي!
تفسير سفر نحميا 5 | تفسير سفر نحميا القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير سفر نحميا 7 |
تفسير العهد القديم |