تفسير سفر نحميا 8 للقمص تادرس يعقوب

بناء الشعب

1. الاهتمام بالشريعة   ص 8.

2. صوم وتوبة وتسبيح  ص 9.

3. تجديد العهد   ص 10

4. المتوطنون الجدد في أورشليم   ص 11

5. قوائم الكهنة والاحتفال الختامي  ص 12

6. تكريس وتطهير   ص 13.

بناء الشعب

الآن نبدأ قسمًا جديدًا في هذا السفر، حيث يجتمع الكل لسماع كلمة الله والتمتع بتفسيرها. هنا يظهر عزرا على المسرح. ربما كان غائبًا في الفترة السابقة أثناء القيام بإعادة بناء السور في بابل. ولعله لم يكن له دور في العمل السابق لسببٍ أو آخر، والآن يظهر ليعلن تعاونه مع نحميا بتقديم ما يتناسب مع مواهبه ومسؤولياته.

غالبًا ما بدأ الاجتماع العام باستماع الكل معًا بروح واحدة لكلمة الله. وبعد ذلك تكونت مجموعات، وقام بعض اللاويين الذين تتلمذوا على يدي عزرا على شرح ما سمعوه.

إنه يوم الحزن على الخطايا التي ارتكبها الشعب، وفي نفس الوقت هو يوم تعزيات الله خلال كلمته، حيث تنفتح أبواب الرجاء قدام الجميع. لقد طغى الفرح على الحزن، فقد تحقق عمليًا القول: “طوبي للحزانى، لأنهم يتعزون”.

في اليوم التالي انعقد اجتماع أصغر حضره الولاة، جاءوا ليفهموا الشريعة، ويمارسوها ويحتفلوا بعيد المظال.

اهتم كل من عزرا ونحميا بإعادة بناء أورشليم؛ الأول قام بالأكثر بإصلاح الهيكل والثاني بإعادة بناء السور، وكان كل منهما قائدًا له عمله، ووُجد بينهما فاصل زمني. أما في بناء الشعب، فنراهما يتلاقيان معًا هنا في هذا القسم. فبناء الشعب يحتاج إلى عزرا الكاهن والكاتب، ويحتاج إلى نحميا الحاكم الروحي المملوء غيرة في حبٍ وحزمٍ.

كلاهما، عزرا ونحميا، حاضران، عزرا في الأصحاح الثامن ونحميا في الأصحاحات 11-13. وفي نهاية القائمة الخاصة بأسماء الكهنة، جاء الاسمان معًا: “وفي أيام نحميا الوالي وعزرا الكاهن الكاتب” (12: 26).

في هذا القسم نلمس أن الإصلاحات أو إعادة بناء الشعب نفسه تقوم على المبادئ التالية [1]:

  1. كلمة الله التي كانت سرّ حياة الشعب هي بعينها لا تتغير، ترد الشعب إلى الحياة المقدسة. الشريعة الإلهية هي عماد الإصلاح. كلمة الله بالفهم الروحي اللائق بها هي الأساس للإصلاح في كل الأجيال، لكن ليس في حرفيةٍ جامدةٍ، بل بالروح والحق.
  2. تكشف صلاة الجماعة عن العلاقة مع الله، والتي تستند على معاملات الله مع الشعب في الماضي. فالحاضر لا وجود له بدون الماضي، والماضي لا حياة فيه ما لم يُترجم عمليًا في الحاضر.
  3. لا يخص البناء فئة دون أخرى، إنما يمس القادة والشعب؛ الرجال والنساء والأطفال.
  4. يقوم الإصلاح على العبادة المقدسة التي لها نظامها وطقسها، لكن بروح الفرح والتهليل. “فرح الرب هو قوتكم” (8: 10).
  5. لم يُختم سفر نحميا بإعادة بناء السور، بل بإصلاح الشعب، فالسور ليس هدفًا في ذاته، إنما يحتضن الجماعة لتمارس شركتها مع الله، وتختبر العبادة الروحية.
  6. العبادة الحقيقية ديناميكية، هي تقدم مستمر لا تنحصر في الحجارة، بل في القلوب المتسعة بالحب لإقامة ملكوت الله فيها.
  7. البناء ليس قصة تاريخية مضت مع الزمن، بل هو عمل دائم لا يتوقف.

*   اهتموا في أن تجتمعوا بكثافة أكثر لتقديم الشكر والمجد لله، فعندما تجتمعون مرارًا معًا في الاجتماع الإفخارستي، تضمحلّ قوى الشيطان، وتنحل قوّته أمام اتفاق إيمانكم وتآلفه [2].

*   لا يخدعن أحد نفسه، فإذا كان الإنسان خارج الهيكل يُحرم من خبز الله… ومن لا يأتي إلى الاجتماع معًا يتكبر ويقطع نفسه عن الشركة [3].

*   من كان داخل المذبح فهو نقي، وأما من كان خارج المذبح فهو ليس نقيًا [4].

القدِّيس أغناطيوس الثيوفورس

اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ
الاهتمام بالشريعة
الشعب يطلب القراءة في الكتاب المقدس

لم نسمع عن اجتماع للشعب معًا للاستماع إلى كلمة الله منذ جاء عزرا، فقد تأخر هذا الأمر حوالي 13 عامًا. وقد ظهرت أول ثمرة من ثمار بناء الهيكل، ألا وهي اجتماع الشعب معًا بروحٍ واحدةٍ، واشتياقهم للاستماع إلى كلمة الرب على لسان عزرا الكاتب.

لم يصدر عزرا الكاتب أمرًا بأن يجتمع الشعب للاستماع لكلمة الرب، إنما إذ اجتمع الشعب معًا بروح الوحدة كرجلٍ واحدٍ إلى الساحة طلبوا من عزرا أن يأتي بسفر شريعة موسي!

ما هي الدوافع التي ألهبت قلوب الشعب نحو الاستماع للكلمة:

  1. خبرتهم خلال الاثنين وخمسين يومًا، أن ما تحقق ليس بحكمة بشرية، ولا بتخطيط إنساني مجرد، إنما بنعمة الله القدير الذي وعد وحقق وعده بكل الطرق.
  2. رأوا في نحميا وعزرا وغيرهما أمثلة لقلوب ملتهبة بالحب لله مع مخافة الرب، في شجاعة بلا خوف من المقاومة الخارجية أو الداخلية.

1. اجتماع عام لإعلان الكتاب المقدس 1-13

اجْتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِلَى السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَاءِ،

وَقَالُوا لِعَزْرَا الْكَاتِبِ أَنْ يَأْتِيَ بِسِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى،

الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ. [1]

اجتماع كل الشعب كرجلٍ واحدٍ مماثل لما ورد في عزرا 3: 1، حيث يُشار إلى اجتماع في مستهل الشهر السابع من السنة. يعتبر بدء السنة المدنية، ويسمى “عيد الأبواق”، حيث تُضرب الأبواق ومعها تقدم تعليمات للجماعة (لا 23: 24؛ عد 29: 1).

* أترون القوة العظيمة التي تحل بالاتفاق معًا؟ والضرر العظيم الذي تسببه الخصومات؟ المملكة الثائرة تحطم نفسها. إذ ارتبط أخان معًا واتحدا في وحدة، يصيران أكثر صلابة من أي حائط [5].

* كان لتلاميذ المسيح فكر واحد، مثل إخوة، وكانوا محصنين مثل قصر ملوكي محاط بأسوارٍ كثيرة، إذ كانوا يسندون الواحد الآخر. كانوا ثابتين في اتحادهم، يقدمون عونًا مشتركًا جعلهم أكثر قوة فأكثر قوة [6].

القديس يوحنا الذهبي الفم

كان هدف ذاك الاجتماع هو إصلاح مذبح المحرقات وإقامة العبادة الخاصة بالذبائح. يحتمل أن عزرا أنشأ بعد العودة من السبي إقامة اجتماعات كهذه في بداية السنة المدنية، أي في اليوم الأول من الشهر السابع.

“الساحة التي أمام باب الماء“، ذاك الباب الذي يقود إلى عين جيهون Gihon Spring، ربما يكون مشابهًا للمكان المتسع أمام بيت الرب (عز 10: 9). هذه الساحة (شارع متسع جدًا) يعبر بها شخص من الهيكل مجرى (غدير) قدرون. كانت أكثر اتساعًا من ساحة الهيكل في ذلك الحين.

سبق عزرا نحميا في الذهاب إلى أورشليم بحوالي 13 عامًا (458 ق.م.) كان عزرا معاصرًا لنحميا، غالبًا ما كان يكبره في السن جدًا.

هكذا وإن كان قد جاء فاصل زمني بينهما، لكنهما كانا يعملان بفكرٍ واحدٍ، وغايةٍ واحدةٍ هي مجد الله، وبنيان شعب الله في كل جوانب حياتهم.

كان عزرا القائد الديني كرئيس كهنة، ونحميا القائد السياسي كحاكم يهوذا. تربطهما علاقة حب قوية. كل منهما له دوره، ولا يستغنى عن الآخر، يحترم كل منهما دور الآخر.

كان عزرا الشيخ في حاجة إلى نحميا الشاب، ونحميا الشاب لا يستغني عن عزرا الشيخ.

فَأَتَى عَزْرَا الْكَاتِبُ بِالشَّرِيعَةِ أَمَامَ الْجَمَاعَةِ،

مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكُلِّ فَاهِمٍ،

مَا يُسْمَعُ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ. [2]

اليوم الأول من الشهر السابع” هو بدء السنة الجديدة حسب التقويم المدني (لا 23: 23-25؛ عد 29: 1 6)، يحتفل به أيضًا بكونه عيد الأبواق في اجتماع مهيب مع التوقف عن العمل.

وَقَرَأَ فِيهَا أَمَامَ السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَاءِ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ،

أَمَامَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْفَاهِمِينَ.

وَكَانَتْ آذَانُ كُلِّ الشَّعْبِ نَحْوَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ. [3]

في خشوعٍ وقف عزرا الكاتب على منبر الخشب يحوط به عن يمينه ويساره الكهنة المذكورة أسماؤهم، وكانت قراءة الكلمة تمثل الحضرة الإلهية، وكانت القراءة جزءًا حيًا ورئيسيًا في العبادة التي يشترك فيها الكهنة مع الشعب.

لم تكن النساء يشتركن في الاجتماعات العادية، أما في مثل هذه المناسبات المقدسة فكلهن كن يأتين مع أطفالهن (تث 31: 12؛ يش 8: 35؛ 2 مل 23: 2). كان الشعب يقف قرابة خمس ساعات ينصت إلى شرح الأسفار المقدسة.

*   نعم، بالحري القراءة في الأسفار الإلهية ليست روضة فحسب، بل هي فردوس. فإن الزهور ليس فيها رائحة فقط، وإنما أيضًا ثمار قادرة أن تنعش النفس [7].

*   بعبارات صغيرة يزرع (الكتاب) الحكمة الإلهية في كل من يكون مهتمًا، وفي دفعات كثيرة عبارة واحدة تقدم للذين يقبلونها يمكن أن تكون مصدرًا لمؤونة رحلة الحياة كلها [8].

القديس يوحنا الذهبي الفم

وَوَقَفَ عَزْرَا الْكَاتِبُ عَلَى مِنْبَرِ الْخَشَبِ الَّذِي عَمِلُوهُ لِهَذَا الأَمْرِ،

وَوَقَفَ بِجَانِبِهِ مَتَّثْيَا وَشَمَعُ وَعَنَايَا وَأُورِيَّا وَحِلْقِيَّا،

وَمَعْسِيَّا عَنْ يَمِينِهِ

وَعَنْ يَسَارِهِ فَدَايَا وَمِيشَائِيلُ وَمَلْكِيَّا وَحَاشُومُ وَحَشْبَدَّانَةُ وَزَكَرِيَّا وَمَشُلاَّمُ. [4]

هذه هي المرة الأولى التي فيها يُذكر “المنبر” في الكتاب المقدس، خلفه وقف ستة (غالبًا من الكهنة) على يمينه وسبعة على يساره. يقف عليه عزرا حتى يمكن للشعب أن يراه ويسمعه.

كان المنبر متسعًا ليقف عليه عزرا ومعه ثلاثة عشر شخصًا آخرين [7].

“شمع” اختصار لكلمة شمعيا (عز 8: 13).

“عنايا” تعني “الرب يجيب”، كان أحد الذين وقعوا العهد (10: 22).

ميشائيل”  ومعناها “من هو مثل الله “، هو اسم أحد أصدقاء دانيال (دا 1: 6).

وَفَتَحَ عَزْرَا السِّفْرَ أَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ،

لأَنَّهُ كَانَ فَوْقَ كُلِّ الشَّعْبِ.

وَعِنْدَمَا فَتَحَهُ وَقَفَ كُلُّ الشَّعْبِ. [5]

كان السفر فوق الشعب الذي وقف عند فتحه ليسمع الكل كما من فم الرب نفسه.

كان السفر درجًا، ولم يكن مخطوطة أو كتابًا، الأمر الذي لم يصر سائدًا حتى بداية المسيحية.

يرى الربيونٌ أن الجماعة كانت تلتزم بالوقوف عند فتح السفر وعند سماع التوراة. إلى يومنا هذا يقف كل الشعب والكهنة عند قراءة الأناجيل المقدسة في الليتورجيات، مع تكريم الكتاب المقدس بكونه يمثل الحضرة الإلهية.

وَبَارَكَ عَزْرَا الرَّبَّ الإِلَهَ الْعَظِيمَ.

وَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: آمِينَ، آمِينَ!

رَافِعِينَ أَيْدِيَهُمْ.

وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ. [6]

امتزجت القراءة الجماعية بالعبادة من تسبيح “آمين، آمين”، والسجود للرب على وجوههم إلى الأرض. وكأن صوت الرب يمتزج بصوت قلوب المؤمنين الملتهبين بالحضرة الإلهية والوعود الإلهية الصادقة.

مع عشقنا للجلوس الشخصي مع كلمة الرب في حجرتنا الخاصة، فإن مسرة الله أيضًا أن نجتمع معًا حول كلمة الله بروح العبادة الجماعية.

في المجامع اليهودية تُمنح البركة قبل قراءة كل فصل من الكتاب المقدس.

اعتاد اليهود على رفع الأيادي في العبادة (عز 9: 5؛ مز 28: 2؛ 134: 2؛ 1 تي 2: 8).

تكرار كلمة “آمين” يفيد ضمنًا الشعور القوي بتأكيد ما يُقال (2 مل 11: 14؛ لو 23: 21). وقد عرف استخدام كلمة “آمين” منذ أيام داود (1 أي 16: 36). يستخدم هذا التعبير في المجامع اليهودية كما في الكنائس المسيحية.

السجود أمام الرب للعبادة حتى إلى الأرض يحمل علامة شكر له، كما فعل عبد إبراهيم حين شعر أن الرب أنجح طريقه (تك 24: 52). وعندما يسأل المؤمن الله شيئًا مثل موسى (خر 34: 8)، وأيضًا في العبادة الجماعية (خر 4: 31؛ 12: 27؛ 33: 10)، وعندما يسمعون وعدًا إلهيًا (2 أي 20: 18).

وَيَشُوعُ وَبَانِي وَشَرَبْيَا وَيَامِينُ وَعَقُّوبُ

وَشَبْتَايُ وَهُودِيَّا وَمَعْسِيَّا وَقَلِيطَا وَعَزَرْيَا وَيُوزَابَادُ وَحَنَانُ وَفَلاَيَا،

وَاللاَّوِيُّونَ أَفْهَمُوا الشَّعْبَ الشَّرِيعَةَ،

وَالشَّعْبُ فِي أَمَاكِنِهِمْ. [7]

وَقَرَأُوا فِي السِّفْرِ فِي شَرِيعَةِ اللَّهِ بِبَيَانٍ،

وَفَسَّرُوا الْمَعْنَى وَأَفْهَمُوهُمُ الْقِرَاءَةَ. [8]

كانت القراءة في العالم القديم عادة تتم بصوتٍ عالٍ، حتى إن كان الشخص بمفرده في حجرته الخاصة أو في مركبة كما فعل خصي كنداكة (خر 24: 7؛ تث 17: 19؛ 2 مل 5: 7؛ أع 8: 28).

أفهموهم“: ربما تعني أنهم كانوا يترجمونه للشعب باللغة العامية أو الدارجة.

يظن بعض الدارسين أن عمل اللاويين هو ترجمة الكلمات العبرية للناموس إلى اللسان الآرامي الشعبي. والبعض يرى أن اللاويين يفسرون معنى الناموس.

يرى Kaiser أن الكلمة mporas تعني تفسير المعنى وشرح ترجمة ما يُقرأ بالعبرية إلى الأرامية، لأن الراجعين من بابل بعد مرور 70 عامًا على السبي فقدوا معرفتهم للعبرية، وصاروا يجيدون الأرامية فقط [9].

وَنَحَمْيَا (أَيِ التِّرْشَاثَا) وَعَزْرَا الْكَاهِنُ الْكَاتِبُ،

وَاللاَّوِيُّونَ الْمُفْهِمُونَ الشَّعْبَ قَالُوا لِجَمِيعِ الشَّعْبِ:

هَذَا الْيَوْمُ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكُمْ،

لاَ تَنُوحُوا وَلاَ تَبْكُوا.

لأَنَّ جَمِيعَ الشَّعْبِ بَكُوا حِينَ سَمِعُوا كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ. [9]

هذا الاجتماع الكنسي هو دعوة للمؤمنين للالتقاء معًا حول كلمة الرب بروح الفرح والتهليل، كلٍ عضو يسند الآخر ويشجعه، للشركة في العبادة الشبه سماوية المتهللة.

مع التوبة والشعور بالخطية رفع كل من نحميا وعزرا نفسية الشعب لتجديد روح الفرح بالرب. عمل الكنيسة أن تقيم الساقطين، وتملأ النفوس بالرجاء المفرح في الرب. يقول الجامعة: “للضحك (الروحي) وقت، وللبكاء وقتً (جا 3: 4). مع حزننا على خطايانا وسقوط إخوتنا، لكننا إذ نجتمع معًا ليكن الفرح الروحي السماوي حالًا في قلوبنا، وسلام الله الفائق يملأ عقولنا.

كلمة الله تبكت الضمير على الخطايا، لكن يليق بالتائب مع حزنه وبكائه على خطاياه إلا ينهار ويفقد رجاءه، بل يفرح بغفران خطاياه، وصلاح الله الفائق الذي يدعو إليه الخطاة.

اليوم الوحيد في السنة الذي خصصه الله للبكاء والحزن هو يوم الكفارة، اليوم العاشر من الشهر السابع.

فَقَالَ لَهُمُ:

اذْهَبُوا كُلُوا السَّمِينَ وَاشْرَبُوا الْحُلْوَ،

وَابْعَثُوا أَنْصِبَةً لِمَنْ لَمْ يُعَدَّ لَهُ،

لأَنَّ الْيَوْمَ إِنَّمَا هُوَ مُقَدَّسٌ لِسَيِّدِنَا.

وَلاَ تَحْزَنُوا،

لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ. [10]

إن كان المجتمعون قد ناحوا على خطاياهم، فيليق بهم أن يفرحوا بالرب، ويأكلوا من طعام العيد المُعد في مخافة الرب، ويقدموا طعامًا من أنصبة الذبائح للفقراء والمحتاجين، ليشتركوا معهم في بهجة العيد.

الفرح الصادر من الرب هو قوتنا، هذا الفرح في حقيقته هو حضور الرب نفسه وسط كنيسته وحلوله في قلب المؤمن، فيقيم ملكوته فينا. فالرب نفسه هو قوتنا، إذ هو نصيبنا، وصخرتنا وفرحنا. هو كل شيء بالنسبة لنا، الكل في الكل.

يقدم داود النبي تسبحة رائعة لرئيس المغنين آساف ليلحنها، جاء فيها:

“غنوا له، ترنموا له.

تحادثوا بكل عجائبه.

افتخروا باسم قدسه.

تفرح قلوب الذين يلتمسون الرب، اطلبوا الرب وعزه.

التمسوا وجهه دائمًا… الجلال والبهاء أمامهم، العزة والبهجة في مكانه” (1 أي 16: 9- 11، 27).

يرتل داود النبي قائلًا: “أمامك شبع سروري، في يمينك نِعَمُ (مباهج) إلى الأبد” (مز 16: 11).

الفرح الذي يقدمه العالم إلى حين لا يسند النفس، أما فرح الرب فيحطم الجحيم المحيط بنا، ويحول حياتنا إلى فردوس مفرح. الرب هو قوتنا وفرحنا الأبدي.

الاحتفال بالعيد يتحقق بالفرح بالرب وتبادل الحب الأخوي مع العطاء. يُسر الله بفرحنا به، وباهتمامنا ببعضنا البعض.

بعث الأنصبة: بعث الأنصبة أثناء الاحتفال بالأعياد يحمل معنى إرسال احتياجات الفقراء، لكي يفرحوا ويحتفلوا مع إخوتهم القادرين.

توجد هذه العادة في بعض البلاد، مثل صعيد مصر، حيث يرسل المؤمنون بعض الأطعمة للفقراء، وأيضًا للأقرباء والأصدقاء الحزانى الذين لا يعدون أطعمة العيد. كان طقس عيد الفوريم يشمل إرسال أنصبة لبعضهم البعض (أس 9: 19). أصدر مردخاي أمرًا بحفظ العيد “الشهر الذي تحول عندهم من حزنٍ إلى فرحٍ، ومن نوحٍ إلى يوم طيبٍ، ليجعلوها أيام شربٍ وفرحٍ وإرسال أنصبة من كل واحدٍ إلى صاحبه وعطايا للفقراء” (أس 9: 22).

هنا يميز بين بعث الأنصبة إلى الأصحاب والعطايا المقدمة للفقراء، مما يجعل البعض يرى في بعث الأنصبة تبادل العطايا والهدايا الخاصة بالعيد علامة الحب المتبادل. هذا ما أشار إليه سفر الرؤيا عن الأشرار الذين سيتبادلون العطايا أو الأنصبة عند موت الشاهدين، علامة فرحهم بالتخلص منهما. “ويشمت بهما الساكنون على الأرض ويتهللون، ويرسلون هدايا بعضهم لبعض، لأن هذين النبيين كانا قد عذبا الساكنين على الأرض” (رؤ 11: 10) [10].

يُعلّق القديس يوحنا الذهبي الفم على تفسير كلمة “إنجيل” كأخبار مفرحة بقوله:

[نعم، لأنه عفو عن العقوبة، وغفران للخطايا، وتبرير وتقدّيس وخلاص (1 كو 1: 30)، وتبنّي، وميراث السماوات، ودخول في علاقة مع ابن الله الذي جاء ليُعلن (ذلك) للكل: للأعداء والصالبين وللجالسين في الظلمة.

أي شيء يعادل مثل هذه الأخبار المفرحة؟! فقد صار الله على الأرض، وصار الإنسان في السماء، واختلط الكل معًا.

اختلطت الملائكة مع صفوف البشر، وصار البشر في صحبة الملائكة والقوات العلويّة الأخرى.

هوذا الإنسان يرى الحرب الطويلة قد انتهت، وتحقّقت المصالحة بين الله وطبيعتنا. صار إبليس في خزي، وهربت الشيّاطين، وباد الموت، وانفتح الفردوس، وزالت اللعنة، ونُزعت الخطيّة من الطريق.

زال الخطأ وعاد الحق وبُذرت كلمة التقوى في الموضع وترعرعت، وأقيم نظام السمائيّين (العلويّين) على الأرض، ودخلت هذه القوات معنا في معاملات آمنة، وصارت الملائكة تردّد على الأرض باستمرار، وفاض الرجاء في الأمور العتيدة بغزارة [11].]

إذ يأكلون ما يلذ لهم في مخافة الرب، ويطعمون المحتاجين ليشتركوا معهم، فإن سرّ قوتهم لا في الطعام والشراب، إنما في فرحهم بالرب، وطاعتهم لإرادته ببهجة قلب.

وَكَانَ اللاَّوِيُّونَ يُسَكِّتُونَ كُلَّ الشَّعْبِ قَائِلِينَ:

اسْكُتُوا لأَنَّ الْيَوْمَ مُقَدَّسٌ فَلاَ تَحْزَنُوا. [11]

دور الخدام (اللاويين) أن يسكتوا كل الشعب، فلا ينوحوا بل يفرحوا، لأن “فرح الرب هو قوتكم” [10].

إلى اليوم يحتفل اليهود بعيدٍ في اليوم التالي من عيد المظال Sukkoth يسمى “الفرح بالتوراة Simhat Torah، حيث يصنعون موكبًا على شكل دائرة داخل المجمع يدورون سبع مرات أو أكثر بأشخاص مختلفين، يمسك كل منهم درجًا للتوراة، ويحمل الأطفال أعلامًا مكتوب عليها عبارات تمجد كلمة الله.

فَذَهَبَ كُلُّ الشَّعْبِ لِيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا،

وَيَبْعَثُوا أَنْصِبَةً،

وَيَعْمَلُوا فَرَحًا عَظِيمًا،

لأَنَّهُمْ فَهِمُوا الْكَلاَمَ الَّذِي عَلَّمُوهُمْ إِيَّاهُ. [12]

لقد تحقق هدف التمتع بكلمة الله. لقد سمعوا الكلمة وفهموها وتفاعلوا معها.

*    تحفّظْ من أن تحوط نفسك بطاغية الحزن. يمكنك أن تسيطر على نفسك، فإن العاصفة ليست أعظم من مهارتك.

*    لا تكن قط مكتئبًا، فإنه لا يوجد سوى شيء واحد مخيف وهو الخطية.

*    الفرح الحقيقي هو فرح الحياة الأخرى، حيث لا تتعذب النفس، وتتمزق الشهوة. سعادة المسيحي سعادة حقيقية وليست بلذة محمومة، إنها تعطي الحرية للنفس وهي حربة جذابة وغنية باللذات الحقيقية [12].

*     “أخيرًا يا إخوتي افرحوا في الرب” يقول بحق “في الرب“، وليس “حسب العالم“، فإن هذا ليس بفرحٍ. يقول إن هذه المتاعب التي بحسب المسيح تجلب فرحًا [13].

لماذا يقول: “وأكون أنا أقل حزنًا”؟ يجيب القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يقل إنني بلا حزن، بل “أقل حزنًا“، مظهرًا أن نفسه لم تحرر من الحزن تمامًا، إذ يقول: “من يضعف وأنا لا أضعف؟ ومن يعثر وأنا لا ألتهب؟” (2 كو 29:11). متى يكون مثل هذا متحررًا من الحزن؟ [14]

*     يقول: إنه ليس بشرٍ أن أتألم، بل بالحري أفرح بذهابي إلى المسيح، فهل لا تفرحون؟ “افرحوا معي“. ليتنا نحن أيضًا نفرح عندما نرى إنسانًا بارًا يموت، ونفرح بالأكثر حتى عندما يموت شرير ميئوس منه. فإن الأول يذهب لينال مكافأة أعماله، والآخر يتوقف إلى حد ما عن خطاياه العنيفة [15].

القديس يوحنا الذهبي الفم

وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي اجْتَمَعَ رُؤُوسُ آبَاءِ جَمِيعِ الشَّعْبِ وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيُّونَ إِلَى عَزْرَا الْكَاتِبِ،

لِيُفْهِمَهُمْ كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ. [13]

فترة السبي الطويلة في بابل وخراب أورشليم وهدم الهيكل كان له أثره لا على الشعب وحده، وإنما حتى على رؤساء الآباء والكهنة واللاويين. صار الكل في حاجة إلى من يشرح لهم كلام الشريعة ليفهموه.

فاصل

2. الاحتفال بعيد المظال 14-18

فَوَجَدُوا مَكْتُوبًا فِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى،

أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسْكُنُونَ فِي مَظَالَّ،

فِي الْعِيدِ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ [14]

عيد المظال: أحد الثلاثة أعياد اليهودية العظيمة، مع عيدي الفصح والبنطقستي أو الأسابيع. هو عيد زراعي مفرح بمناسبة إتمام الحصاد (خر 23: 26؛ تث 16: 13؛ عز 3: 4).

نسى القادة الأعياد حتى الكبرى منها مثل عيد المظال. كان اللاويون في حاجة إلى البحث في الشريعة ليحتفلوا بعيد المظال بروح الفرح والتهليل.

يروي لنا ديفيد هوكينج David Hocking في كتابه الذي نشره عام 1991 إحياء الحجارة Reviving the Stones، في شرحه لهذا الأصحاح أنه لمدة 8 سنوات عاش في جيرة لعائلة يهودية أرثوذكسية، وكان يُسر أن يتطلع من خلال السور ما تفعله هذه العائلة التي تضم تسعة أطفال في هذا العيد. كانت العائلة لا تقيم في المسكن لمدة أسبوع، بل تقيم في مظلة يصنعونها في الفناء الخلفي للمسكن. يقول إنه كان يراهم يرقصون ويغنون ويثبون فرحين. كانوا بفرح يرتلون: “تعال أيها المسيا تعال!” وكان الأطفال يصرخون بتهليل: “تعال أيها المسيا، تعال! تعال أيها المسيا، تعال!

تمثل المظال رحلة الشعب في البرية، كما تمثل ترقب تحقيق الوعد الإلهي بمجيء المسيا المخلص، حيث يقيم مملكته، التي ظنها اليهود أنها أرضية، تسود الأرض كلها. عيد المظال كان بالنسبة لليهود موسم للفرح، حيث يأكلون ويفرحون.

في عيد المظال يتذكر الشعب المذلة التي كانت تلحقهم بعبودية فرعون، ويد الله القوية التي أخرجتهم وحررتهم. أيضًا يتذكرون الأربعين سنة التي عاشوها في البرية حيث لم يكن لهم مكان لاستقرارهم، فيقدمون ذبيحة شكر على ما قدمه الله لهم.

وفي هذا العيد يذكرون أنهم غرباء في العالم، يطلبون الاستقرار في كنعان السماوية في الحضن الإلهي.

وَأَنْ يُسْمِعُوا وَيُنَادُوا فِي كُلِّ مُدُنِهِمْ وَفِي أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ:

اخْرُجُوا إِلَى الْجَبَلِ،

وَأْتُوا بِأَغْصَانِ زَيْتُونٍ وَأَغْصَانِ زَيْتُونٍ بَرِّيٍّ وَأَغْصَانِ آسٍ وَأَغْصَانِ نَخْلٍ،

وَأَغْصَانِ أَشْجَارٍ غَبْيَاءَ لِعَمَلِ مَظَالَّ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ. [15]

كان هذا العيد يُدعى أحيانًا “العيد” أو “عيد الرب”. حاليًا يُحتفل به بإقامة أكواخ مغطاة بأغصان شجر ومزينة بالفواكه والخضروات. يستخدم اليهود سعف النخيل وفروع الصفصاف والآس للتلويح بها في كل الاتجاهات.

فَخَرَجَ الشَّعْبُ،

وَجَلَبُوا وَعَمِلُوا لأَنْفُسِهِمْ مَظَالَّ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى سَطْحِهِ،

وَفِي دُورِهِمْ وَدُورِ بَيْتِ اللَّهِ،

وَفِي سَاحَةِ بَابِ الْمَاءِ،

وَفِي سَاحَةِ بَابِ أَفْرَايِمَ. [16]

أسطح المنازل في منطقة الشرق الأوسط غالبًا ما تكون مسطحّة. حين يشتد الحرّ أحيانًا ينام الناس على أسطح البيوت. هذه الأسطح تساعد اليهود على إقامة المظال عليها يسكنوها لمدة أسبوع.

وَعَمِلَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ الرَّاجِعِينَ مِنَ السَّبْيِ مَظَالَّ،

وَسَكَنُوا فِي الْمَظَالِّ،

لأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَكَذَا مِنْ أَيَّامِ يَشُوعَ بْنِ نُونٍ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ.

وَكَانَ فَرَحٌ عَظِيمٌ جِدًّا. [17]

يرى البعض أن النص هنا لا يعني أن هذا العيد لم يُحتفل به منذ أيام يشوع بن نون، وإنما لم يُحتفل به هكذا بدقة وبهذه الصورة المفرحة. فقد اُحتفل به بعد تدشين هيكل سليمان (1 مل 8: 65، 2 أي 7: 9)، وبعد العودة من السبي (عز 3: 4).

كلمة الله والطاعة لها والاحتفال بالأعياد تجلب فرحًا عظيمًا جدًا في الرب. سٌر فرحهم شعورهم بالالتصاق بالرب خلال طاعته لوصيته الإلهية.

وَكَانَ يُقْرَأُ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ اللَّهِ يَوْمًا فَيَوْمًا

مِنَ الْيَوْمِ الأَوَّلِ إِلَى الْيَوْمِ الأَخِيرِ.

وَعَمِلُوا عِيدًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.

وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ اعْتِكَافٌ حَسَبَ الْمَرْسُومِ. [18]

كانوا يقرأون حكمة الله يوميًا، فإن الكلمة تهب النفس فرحًا داخليًا، وقوة للتجديد اليومي للذهن. دراسة كلمة الله هي لقاء عملي مفرح مع الله مصدر الفرح والبهجة.

فاصل

من وحي نح 8

من يبني أسوار نفسي؟

 

*   هب لي أن أجتمع مع إخوتي حول إنجيلك.

أنعم بحضورك الإلهي العامل في الكل!

كلمتك روح وحياة.

كلمتك تقودنا في رحلة هذه الحياة.

تشق أمامنا بحر سوف.

وتتحول المياه إلى سور عن يميننا ويسارنا.

كلمتك تصنع المستحيلات.

تحول الأمور الخطيرة إلى سور يحمينا!

*   كلمتك تهز قلوبنا بالتوبة.

مع دموع الندامة تتفجر فينا ينابيع الفرح بك.

كلمتك تحول حياتنا إلى عيدٍ لا ينقطع.

كلمتك تقدم لنا فرحك السماوي!

نتشدد ونتقوى بفرحك يا أيها القدوس!

فاصل

فاصل

تفسير سفر نحميا 7 تفسير سفر نحميا 
القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير سفر نحميا 9
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى