تفسير سفر العدد ٣٥ للقمص تادرس يعقوب


الأصحاح الخامس والثلاثون

مدن اللاويّين ومدن الملجأ

بعد أن حدَّد الأرض المقدسة وعيّن هيئة التقسيم أعلن اهتمامه بخدامه الذين لا يرثون أرضًا لكنهم يسكنون في مدن معينة خصّص بعضها كملجأ للذين يقتلون إنسانًا سهوًا (راجع تث 19).

  1. مدن اللاويّين                                   1-5.
  2. مدن الملجأ                                     6-8.
  3. شريعة مدن الملجأ                              9-28.
  4. التشديد ضد القتل                               29-34.
  5. مدن اللاويّين:

أ. سيأتي التفصيل عن مدن اللاويّين ومواقعها في سفر يشوع (ص 21)، لكن ما نودّ الآن توضيحه أن الله الذي يريد أن ينطلق بأفكار خدامه نحو السمويات لا ينسى احتياجاتهم الزمنيّة، إذ وعدنا “اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم” (مت 6: 33). لم يقبل أن يشترك خدامه مع الشعب في ميراث أرضي، لكنه لا يتركهم بلا مدن بل حدَّد لهم 48 مدينة منها 6 مدن كملجأ، 42 مدينة لهم. أما رقم 42 فكما سبق فرأينا يشير إلى الاثنين وأربعين محطة التي توقف فيها الشعب في البريّة في رحلتهم نحو أورشليم، وإلى الاثنين وأربعين جيلاً من إبراهيم إلى ميلاد السيد المسيح (الأصحاح 33). وكأن مدن الملجأ أيضًا تشير إلى عمل اللاويّين… إنها مجرد محطات مؤقتة تدخل بالنفس البشريّة من مجد إلى مجد، أو من قوة إلى قوة، حتى تدفعه إلى أورشليم العُليا في حضن الآب السماوي. هذا هو عمل الخدام، إنهم ليسوا إلاَّ خدام الكلمة، عملهم الدخول بكل نفس إلى حياة الشركة مع الله في ابنه بالروح القدس، خلال رحلتها في هذه الحياة. لقد رفض التلاميذ إلاَّ أن يتفرغوا لكلمة الله مع الصلاة (أع 6: 4).

ب. لقد حدَّد الله أيضًا مسارح المدن أي ساحاتها “تكون من سور المدينة إلى جهة الخارج ألف ذراع حواليها” [4]، في جميع الاتجاهات تكون الساحة على بعد ألف ذراع من السور، وكما سبق فكرَّرنا أن رقم 1000 يشير للحياة السماويّة، وكأن كل ما للاويّين ينبي أن يحمل السمة السماويّة.

  1. مدن الملجأ:

من بين الثمانية وأربعين مدينة اُختير ست مدن الملجأ، منتشرة في الأرض شرق الأردن وكنعان لها شريعتها الخاصة (تث 19).

الله هو ملجأ النفس، إذ يقول المرتل “لأن الله ملجأي” (مز 59: 9، 17)، “لأنك كنت ملجأ لي” (59: 16، 61: 3)، “أما أنت فملجأي القوي” (مز 71: 7). لهذا أقيمت ست مدن، ثلاث مدن شرق الأردن وثلاث مدن في كنعان. إن كان شرق الأردن يشير إلى كنيسة العهد القديم التي تعبر مياه المعموديّة المقدسة، وأرض كنعان تشير إلى كنيسة العهد الجديد، فإن ملجأ الإنسان سواء في العهد القديم أو الجديد هو الثالوث القدوس، الله الواحد للجميع. أيضًا رقم 6 يشير إلى أيام العمل الكاملة للإنسان، وكأن الإنسان معرّض في عمله أن يخطيء لهذا يجد كل أيام غربته في الله ملجأ له! أذرع الله مفتوحة له كل أيامه، لا يغلقهما مطلقًا.

  1. شريعة مدن الملجأ:

أ. مدن الملجأ من نصيب مدن رجال الكهنوت، وكأن الله أراد أن يُعرِّف الشعب أن غاية الكهنة هو إرشادهم إلى السيد المسيح “الملجأ” الحقيقي، فيه يختفي المؤمنون من الشرّ.

ب. على القاتل سهوًا أن يلجأ بسرعة إلى أقرب مدينة ملجأ، إذ اشترط في (تث 19: 3) أن تكون الطرق المؤدية إلى مدن الملجأ صالحة، ويقال أن عرضها كان يبلغ حوالي عشرين ذراعًا، تقام الجسور حين تعترضها المياه، كما توضع لافتات موضوع عليها “ملجأ… ملجأ”. وكانت المدن موزعة في كل الأرض حتى يسهل على كل من يرغب في اللجوء أن يهرب إليها. هذه الطرق تشير إلى الكتاب المقدس المفتوح للجميع، يقود كل راغب في الالتجاء إلى الله نحو رب المجد يسوع ليجد ذراعيه مبسوطتين للجميع.

ج. بعد الالتجاء إلى المدينة يعود فيعرض دعواه أمام شيوخ المدينة فيضمونهم إليه إن رأوه قد اعترف أنه قتل وتحققوا أن القتل قد تم سهوًا، وليس عن عمد أو بقصد الإضرار به. حينئذٍ يعود إلى مدينة الملجأ ويبقى داخل أسوارها فلا يحق للولي أي أقرب من هو للقتيل أن ينتقم لدم القتيل. يبقى هكذا حتى يموت رئيس الكهنة فيحق له الخروج من المدينة ولا يحق للولي أن يقترب إليه. إن كانت المدينة تشير للسيد المسيح فإن الإنسان التائب يبقى في أمان مادام في داخل السيد، أما إن هرب منه فيتعرّض للموت. أما موت رئيس الكهنة فيشير إلى موت السيد المسيح، الذي به عتقنا من أجرة الخطيّة ووهبنا الحريّة الكاملة فيه.

  1. التشديد ضد القتل:

لئلا يظن أحد أن شريعة مدن الملجأ تعني التهاون مع جريمة القتل، فأوضح جريمة القتل وخطورتها.

أ. إن جريمة القتل لا تثبت بشهادة إنسان واحد، بل أكثر من شاهد، عقوبتها الإعدام.

ب. لا يمكن قبول فدية عن نفس القاتل المذنب للموت، حتى لا يظن الغني بأمواله أنه قادر أن يقتل ويدفع فدية…. إنما من يَقتل يُقتل.

ج. التهاون في عقاب القاتل يُحسب تدنيسًا للأرض التي يقيمون فيها، والرب نفسه ساكن في وسطها.

كأنه أراد أن يؤكد أن مدينة الملجأ لا تعني الاستهتار بحياة الآخرين، فإن الخلاص لا يعني تهاوننا مع الخطيّة واستخفافنا بارتكابها.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى