المعمودية والاتحاد بجسد المسيح

 من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية 
للأب متى المسكين

الفصل الأول
الجزء النظري
9 – المعمودية والاتحاد بجسد المسيح

في اللاهوت الخلاصي معروف أن المسيح مات وهو حامل خطايانا في جسده على الخشبة بحسب ق. بطرس، ولمَّا مات مُتنا معه، لأن جسده الذي تجسَّد به هو جسدنا، والموت الذي ماته ماته لأنه حمل خطايانا وحُوكم بمقتضاه راضياً وقَبِلَ حكم الموت صلباً، فهو مات من أجلنا ونحن متنا معه بالتالي، وبعد الصلب دُفن في باطن الأرض ثلاثة أيام وكنَّا معه أمواتاً بجسد الخطية، فلمَّا قام، قام بجسدنا بقوة لاهوته وبإرادته وبقوة الآب والروح القدس، فقُمنا معه. قام بقداسته الأزلية التي له بلا أي خطية، فنلنا نحن من قداسته، ونلنا من طهارته وحياته الأبدية بحكم الاتحاد الذي تمَّ في التجسُّد والموت والقيامة.

وكان المسيح قد ألمح أن موته على الصليب وصبغته بالدم هي في الحقيقة معموديته التي سيجوزها حتماً من أجلنا، فما معنى هذا؟ معناه أننا قبلنا مع معمودية أو صبغة المسيح معموديتنا بالضرورة، بمعنى أننا اعتمدنا مع المسيح في موته وقيامته، ذلك بلا عمل من جهتنا ولا إيمان ولا صلاحية من أي نوع، لأنه أتمَّ ذلك ونحن كنَّا لا نعرفه:

+ » ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح. «(أف 5:2)

+ » هكذا أحبَّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. «(يو 16:3)

+ » الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. «(رو 8:5)

إنه عمل مجَّاني من طرف واحد. والآن ما قيمة عمل المعمودية في الكنيسة؟ (سنرد على هذا السؤال بعد قليل). على أن معمودية المسيح التي اعتمدها بصبغة دم الصليب هي المفهوم الأصيل واللاهوتي والوحيد لاسم ومعنى وعمل المعمودية باسم المسيح.

ومروراً في طريق فهمنا وبحثنا عن المعمودية يُسأل هنا: هل اعتمد المسيح وانصبغ بالدم ومات وقام من أجل الأطفال أيضاً أم لا؟

نعود إلى تعبير ق. بولس في رسالته لأهل رومية: » أم تجهلون أننا كل مَنْ اعتمد ليسوع المسيح
اعتمدنا لموته، فدُفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أُقيم المسيح من الأموات، بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة. لأنه إن كنّا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته «(رو 6: 3-5). فإذا أضفنا إليه ما كتبه ق. بولس أيضاً في رسالته لأهل كورنثوس: » لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد، يهوداً كنَّا أم يونانيين، عبيداً أم أحراراً، وجميعنا سُقينا روحاً واحداً. «(1كو 12: 13)

فذلك يشرح أن شركتنا في موت المسيح وقيامته في المعمودية تكون: » بروح واحد « » إلى جسد واحد « واضح أنه جسد المسيح بمعنى كنسي، أي جماعة المؤمنين أي الكنيسة.

فلكي نحدِّد جوهر ومعنى المعمودية من هاتين الآيتين: نجد أن الآية الأُولى تعطي إجابة واضحة لسؤال: ماذا يكون معنى فعل المعمودية في الكنيسة الأُولى إن كنَّا قد اعتمدنا جميعاً بعماد المسيح على الصليب؟

والمعنى الذي نستخلصه من الآيتين معاً هو الرباط السرِّي الذي يربط بينهما، بمعنى أن جسد المسيح هو هو الجسد المذبوح على الصليب، الأمر الذي توضِّحه الآيات الآتية:

+ » الذي الآن أفرح في آلامي لأجلكم، وأكمِّل نقائص شدائد (جسد) المسيح في جسمي، لأجل جسده، الذي هو الكنيسة. «(كو 24:1)

+ » لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضاً. «(2كو 5:1)

+ » بل كما اشتركتم في آلام المسيح، افرحوا، لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضاً مبتهجين. «(1بط 13:4)

وحتى في جسده المقام:

+ » ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين. فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضاً قيامة الأموات. لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيُحيا الجميع. «(1كو 15: 20-22)

وهكذا على قاعدة العلاقة بالمسيح في الموت والقيامة معه من ناحية، ومن ناحية أخرى على قاعدة بناء جماعة المؤمنين في المسيح، يكتب ق. بولس لأهل غلاطية هذا النص (الثمين جدًّا للمعمودية):

+ » لأن كُلَّكُم الذين اعتمدتُم بالمسيح قد لبستُم المسيح. ليس يهوديٌّ ولا يونانيٌّ، ليس عبدٌ ولا
حرٌّ، ليس ذكرٌ وأُنثى، لأنكم جميعاً واحدٌ في المسيح يسوع. فإن كنتم للمسيح، فأنتم إذاً نسلُ إبراهيمَ، وحسب الموعدِ ورثَةٌ. «(غل 3: 27-29)

في هذه الآيات جميعها نحن لا نقرأ عن كيف يفهم المعمَّد علاقته بموت المسيح وقيامته، وعلاقته بالجسد الميت والمُقام، بل يتقبَّل ويستلم ويأخذ بعقله وقلبه وفكره وروحه وإيمانه وكل كيانه علاقة حيَّة واتصالاً والتصاقاً واتحاداً في موت المسيح وقيامته، وبالتالي في جسده، ليصير جزءاً حيًّا من هذا الجسد، بالموت، فتُرفع عنه خطاياه في الحال، وبالقيامة يستلم إنسانه الجديد، خليقة جديدة حيَّة لها صورة المسيح المقام.

وباختصار لغوي يكون الإنسان المعمَّد في حالة انفتاح لتقبُّل فعل إلهي، ويكون المسيح في حالة قبول أعضاء جُدد لجسده الذي يملأ الكون كله؛ والذي يضم الأعضاء الجدد إلى جسد المسيح بسرّ المعمودية هو الله!

+ » وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون. «(أع 47:2)

+ » فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضمَّ في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس. «(أع 41:2)

انظر أيها القارئ كيف يبني الله كنيسته؟

وطبعاً على الكنيسة أن تُعلن وتُهلِّل وتُبشِّر بذلك في تعاليمها. ولكن هل تعليم الكنيسة يُعلن عن كيفية بنائها؟ أم أن الذي يبنيها هو الله سرًّا بفعل الإيمان وسر العماد؟ وهل على الكنيسة أن تُعلن هذا؟ وهل في إعلانها فرح ومسرَّة؟

اسمع الكنيسة وهي تفتخر:

+ » ولكن الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا، فبالأولى كثيراً ونحن متبرِّرون الآن بدمه نخلص به من الغضب – لأنه إن كنَّا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأَولى كثيراً ونحن مُصالحون نخلص بحياته. «(رو 5: 8-10)

+ » في هذا هي المحبةُ: ليس أننا نحن أحببنا الله، بل أنه هو أحبنا، وأرسل ابنه كفَّارة لخطايانا … نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً. «(1يو 4: 10و19)

+ » ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم. لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي. «(يو 16:15)

كل هذا بسبب ما عملته المعمودية فينا ولنا، إذ جمعتنا ووحَّدتنا في جسد المسيح. فنعمة المعمودية
ليست صورة نتأمَّل فيها ونتكلَّم عنها، بل حقيقة حيَّة نابضة تأخذ نبضاتها من الجلجثة التي تمَّت مرَّة وإلى الأبد. وهي تمتد بالمعمودية في عمق الزمن حتى الأبدية. وسيبقى حدث الجلجثة وحدث المعمودية واحداً كما هو واحد في الإفخارستيا. هذا ليس معناه أن المعمودية ولا الإفخارستيا هما تكرار للجلجثة، لأن الجلجثة ستبقى حدثاً جديداً ما بقي الزمن وإلى الأبد، والذين يعتمدون يجدِّدونها في فكرنا وفكر الكنيسة.

فاصل

قيام المعمودية على أساس موت المسيح وقيامته كتب الأب متى المسكين المعمودية والإيمان
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية
المكتبة المسيحية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى