تفسير سفر الأمثال ١٥للقمص أنطونيوس فكري

تفسير الأمثال – الإصحاح الخامس عشر

 

الآيات (1، 2): “الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط. لسان الحكماء يحسن المعرفة وفم الجهال ينبع حماقة.”

الكلمة الرقيقة اللطيفة تكسر حدة أسوأ الناس خلقاً وأشدهم غضباً. راجع (قض1:8-3 جدعون مع إفرايم + 1:12-6 يفتاح مع إفرايم). والعكس فكلمة جارحة قد تفقد أعز الأصدقاء محبتهم وصداقتهم. الكلمة اللطيفة هي كإلقاء ماء على النار أما كلمات الهياج فهي كإلقاء بنزين على النار. ومقابلة هياج الثائر بهدوء هو منتهي الحكمة ويحتاج قوة روحية. أما رد الإهانة بإهانة فهو سهل ولكنه يشير لأن الإنسان لم يتعلم كيف يتحكم في نفسه. والحكيم يعرف متى يتكلم ومتى يسكت، أما الجاهل فهو متحفز دائماً للكلام ولجواب أي سؤال. ونلاحظ أن الكلام العنيف يولد كلاماً عنيفاً.

 

آية (3): “في كل مكان عينا الرب مراقبتين الطالحين والصالحين.”

عينا الرب على كل طرق الإنسان [1] تعطي اطمئنان فهو الأب الراعي [2] تعطي خوفاً من الخطية فهو يرى.

 

آية (4): “هدوء اللسان شجرة حياة واعوجاجه سحق في الروح.”

اللسان الهادئ الحلو يوحد ويربط الناس ويفرحهم والعكس فاللسان المعوج زارع خصومات. اللسان الهادئ يفرح القلوب الحزينة ويعزيها= شجرة حياة. وأما اللسان المعوج سحق في الروح سحق تعنى جرح للسامع. وقد تكون أيضاً جرح لضمير المتكلم إذا شعر بذنبه فيما بعد. كم من قلوب انسحقت بكلمات الأشرار وكم من أرواح انسحقت بعثراتهم.

 

آية (5): “الأحمق يستهين بتأديب أبيه أما مراعي التوبيخ فيذكى.”

الأحمق يظن أنه يعرف أكثر من أبيه.

 

آية (6): “في بيت الصديق كنز عظيم وفي دخل الأشرار كدر.”

نجد هنا البركة للصديق واللعنة للشرير. ومن يملك قليل مع إحساس بالقناعة والرضى فكأنه يملك الكثير وسيفرح بالقليل الذي له. أما بيت الشرير مهما اغتنى فيسوده الحزن.

 

آية (7): “شفاه الحكماء تذر معرفة أما قلب الجهال فليس كذلك.”

الحكيم مصدر معرفة وبركة لكل من يسمعه أما الجاهل فلا يستطيع ولا يملك أن ينشر معرفة.

 

الآيات (8،9): “ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته. مكرهة الرب طريق الشرير وتابع البر يحبه.”

هذه ضد العبادة الظاهرية. فالله لا يطلب عطية أو ذبيحة بل يطلب القلب لذلك فالله يفرح بمجرد صلاة الأبرار وإتصالهم به. والله لا يهتم بثمن العطية بل بعلاقة الإنسان به وتجاوب قلوبنا مع عمل روحه القدوس.

 

الآيات (10-12): “تأديب شر لتارك الطريق مبغض التوبيخ يموت. الهاوية والهلاك أمام الرب كم بالحري قلوب بني آدم. المستهزئ لا يحب موبخه إلى الحكماء لا يذهب.”

الله الذي يعلم كل شئ، وكل شئ مكشوف أمامه حتى الهاوية والهلاك مكاني الانتظار للأبرار والأشرار، هكذا قلوب البشر. ولأن الله يعلم ما في القلوب فهو يؤدب المرتد لتقويمه وتأديبه. والصديق يقبل تأديب الرب. أما المستهزئ فيرفض تأديب الرب بل هو يتجنب الحكماء لكي لا يسمع أي توبيخ على طرقه الشريرة ويكون هذا لهلاكه وموته. الهاوية والهلاك= شيول وأبدون بالعبرية. شيول مكان إنتظار الأبرار (الهاوية) وأبدون مكان إنتظار الأشرار (الهلاك) وهي أماكن غير مرئية للبشر. ولكن هي أماكن للأرواح. وقد أطلق اسم أبدون على إبليس في (رؤ11:9).

 

آية (13): “القلب الفرحان يجعل الوجه طلقا وبحزن القلب تنسحق الروح.”

لماذا نحزن بينما نحن قادرين أن نلقي كل أحمالنا على الله، فلا شئ يسحق الروح مثل الحزن المكتوم.

 

آية (14): “قلب الفهيم يطلب معرفة وفم الجهال يرعى حماقة.”

الحكيم دائماً تجده جائع للحكمة ويريد أن يعرف أكثر. أما الجاهل يرعي حماقة= أي يتغذى بالحماقة أي يتغذى بالكلام البطال والنكات البطالة كمن هو في مرعى للكلام الباطل، فيزداد حماقة.

 

آية (15): “كل أيام الحزين شقية أما طيب القلب فوليمة دائمة.”

مرتبطة بالآية (13) فالإنسان المؤمن بالله ويرمي عليه أحماله في ثقة في صلاته، يعيش حياته فرحاً وتكون النفس كما لو كانت في وليمة دائمة، أما الحزين الذي يحمل هم العالم فيرى أيامه كلها مليئة بكل أسباب الحزن والكآبة فهو لا يثق في الله. وفي الآيات (16،17) يخبرنا كيف نعيش هذا الفرح ويلخصه في كلمتين هما: القداسة والحب.

 

الآيات (16،17): “القليل مع مخافة الرب خير من كنز عظيم مع هم. أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغضة.”

مخافة الرب= القداسة. فمن له القليل مع بركة الرب والقلب الشاكر. ومن يحيا في محبة مع الإخوة (مز1:133-3) ينسكب على هؤلاء الروح القدس ومن ثماره الفرح. وهكذا وجدنا دانيال مع الفتية الثلاثة صحتهم تتحسن مع أكل البقول.

 

آية (18): “الرجل الغضوب يهيج الخصومة وبطيء الغضب يسكن الخصام.”

تكرار للآية (1) لتثبيت المعرفة. والغضوب هو شخص متكبر. والمتواضع بطئ الغضب لا يفكر في ذاته أكثر مما ينبغي ولا يتحفز لرد الإهانات والأخطاء.

 

آية (19): “طريق الكسلان كسياج من شوك وطريق المستقيمين منهج.”

الكسلان يقول أعذاراً كثيرة ليبرر كسله ولكن ما يقوله كله خيالات، فهو يصوِّر أن طريقه مملوء بالأشواك لذلك هو لا يعمل. أما المجتهد فسيجد الطريق سهلاً، فقط عليه أن يعمل بأمانة. والمستقيم يواصل عمله ويرى طريقه ممهداً= منهج.

 

آية (20): “الابن الحكيم يسر أباه والرجل الجاهل يحتقر أمه.”

الحكيم يسر أباه بأن يستمع لنصيحته ويمارس الفضيلة. والجاهل يتصور أنه أكثر معرفة من أمه فيحتقر تعليمها.

 

آية (21): “الحماقة فرح لناقص الفهم أما ذو الفهم فيقوم سلوكه.”

الغبي يفرح بالإثم ويصر على الاستمرار في طريقه الشرير برغم كل إنذار. وهذه علامة على أن الخاطئ صار أحمق، فهو أصبح لا يخجل من خطيته بل صار يفرح بها بل يفتخر بها، وهذه علامة على فقدان النعمة. أما ذو الفهم فهو يجاهد ليعرف أخطاؤه ويتوب عنها.

 

آية (22): “مقاصد بغير مشورة تبطل وبكثرة المشيرين تقوم.”

من يتشاور قبل أن يتخذ قراره لا يخطئ. فعيون كثيرة ترى أكثر مما تراه العين الواحدة ولكن من المهم أ، نعرف مع من نتشاور فلا نضل مثل رحبعام.

 

آية (23): “للإنسان فرح بجواب فمه والكلمة في وقتها ما أحسنها.”

إذا ما كانت الكلمة في وقتها مناسبة تفرح من قالها خصوصاً لو استفاد من سمعها.

 

آية (24): “طريق الحياة للفطن إلى فوق للحيدان عن الهاوية من تحت.”

الهاوية هي مقر الأرواح في العالم غير المنظور. والمعنى أن طريق الحياة يبعد المستقيم عن الموت أي تطول أيامه ويعيش لشيخوخة مكرمة على الأرض (حزقيا كمثال). ولاحظ المقابلة فطريق الحكيم هي لفوق وهي للحياة والعكس فطريق الشرير هي لتحت للهاوية أي للموت. ولذلك نجد الرجل الصالح كنزه في السماء أي لفوق، ففوق تشير للكرامة وللسماويات لذلك يصلي الكاهن “ارفعوا قلوبكم”. وتحت تشير للعالم المضطرب.

 

آية (25): “الرب يقلع بيت المتكبرين ويوطد تخم الأرملة.”

هذه تشبه تسبحة العذراء. فالله ضد المتكبرين ويدافع عن الأرامل والضعفاء.

 

آية (26): “مكرهة الرب أفكار الشرير وللأطهار كلام حسن.”

الله يسر بحديث الأطهار أي صلاتهم. والعكس فهو يكره أفكار الشر حتى قبل أن تتحول إلى كلمات. للأطهار كلام حسن= تترجم وفي أقوال الأطهار مسرته أو كلمات الأطهار أقوال مسرة.

 

آية (27): “المولع بالكسب يكدر بيته والكاره الهدايا يعيش.”

المقصود بالكسب= الكسب الحرام. والهدايا= يقصد بها الرشوة لتعويج القضاء والكسب الحرام قد يعني أيضاً الصراع على المال بشكل غير مقبول. فكل إنسان يجب أن يعمل بلا كسل ولكن لا يستعبد للمال وللعالم وينسى الله في سعيه نحو الثروة.

 

آية (28): “قلب الصديق يتفكر بالجواب وفم الأشرار ينبع شروراً.”

يتفكر بالجواب= يفكر كثيراً قبل أن ينطق ولا يندفع في الرد. أما الشرير فلا يهتم وفمه يطلق أذى على كل الناس.

 

آية (29): “الرب بعيد عن الأشرار ويسمع صلاة الصديقين.”

على الشرير أن لا يتوقع أي إحسان من الرب.

 

آية (30): “نور العينين يفرح القلب الخبر الطيب يسمن العظام.”

جميل أن يكون للإنسان عينان يرى بهما خليقة الله الجميلة فيفرح بها ويسبح الله على عمله. والخبر الطيب الذي يفرح الإنسان يسمن العظام= أي يعطيه فرح سرى داخلي ويعطيه قوة ونشاط غير عادي وروحياً فمن له بصيرة روحية واستنارة بهما يعرف طريق الله فهذا يفرح قلبه. والإنسان الروحي يفرح بتوبة الآخرين وبخبر إنتشار ملكوت الله وكل كلام الإنجيل هو أخبار مفرحة وبشارة خلاص تفرح القلب.

 

آية (31): “الأذن السامعة توبيخ الحياة تستقر بين الحكماء.”

الشخص المتواضع يقبل التوبيخ فيكون له حياة، يسمع وينفذ فيكون حكيماً بين الحكماء.

 

آية (32): “من يرفض التأديب يرذل نفسه ومن يسمع للتوبيخ يقتني فهماً.”

المتكبر الذي يظن نفسه أرفع من الجميع فلا يسمع توبيخهم. يرذل نفسه= يكون كتائه في صحراء يرفض من يقوده فبالتأكيد سيهلك. هو اهتم بشهواته ورذل خلاص نفسه.

 

آية (33): “مخافة الرب أدب حكمة وقبل الكرامة التواضع.”

من يثبت في خوف الرب يكون له حكمة ويتواضع أمام الله معترفاً بخطيته ويقبل التوبيخ والله يرفعه في الوقت المناسب. فمخافة الرب هي بدء الحكمة (7:1)

 

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى