تفسير المزمور ٧٠ للقس أنطونيوس فكري

المزمور السبعون
(التاسع والستون في الأجبية)

هذه الأعداد الخمسة في هذا المزمور هي الآيات الختامية لمزمور (13:40-17). وأخذت هنا لاستعمالها للتسبيح في خدمات الهيكل تذكاراً لخلاص الرب لداود. ونجد فيه إلحاح على دينونة أعداء الله. والالتجاء لله والاحتماء به في الضيقات. وربما قوله للتذكير في بداية المزمور أنه يذكر ما صلي به قبلاً. ونحن نصلي بهذا المزمور في صلاة باكر طالبين معونة الله ومساندته لنا في كل ضيقة تواجهنا. ويا حبذا لو نردده دائماً فهناك أعداء غير منظورين بالإضافة إلى المنظورين منهم (ونفهم بقولنا الأعداء الشياطين والخطايا).

 

آية (1): “اللهم إلى تنجيتي يا رب إلى معونتي أسرع.”

وهل لنا أن نلجأ لسواه في كل ضيقة فيعطينا عزاء وثبات على احتمالها عوضاً عن أن نرتعب. بل يتحول الإتكال على الله إلى رجاء يحيي النفس.

 

الآيات (2،3): “ليخز ويخجل طالبو نفسي. ليرتد إلى خلف ويخجل المشتهون لي شراً. ليرجع من أجل خزيهم القائلون هه هه.”

الشياطين يثيروا ضدنا حروب كثيرة عندما نريد أن نسير في طريق الله. وهم يسخرون منا في ضيقتنا قائلين هه هه = نعماً نعماً (سبعينية). هم يقفوا في سخرية منتظرين سقوطنا ليشمتوا فينا. وهناك كثيرين حينما تواجههم بعض الضيقات يخاصمون الله قائلين لماذا سمحت بهذا وهنا يسخر الشياطين منهم. وداود هنا يصلي حتى لا يسقط هذه السقطة بل تكون مؤامرة أعدائه لخزيهم إذ ينصره عليهم الله المتكل عليه.

 

آية (4): “وليبتهج ويفرح بك كل طالبيك وليقل دائماً محبو خلاصك ليتعظم الرب.”

الذين يطلبون الله عوضاً عن مخاصمته لا يخزيهم بل يعطيهم رجاء ويعطيهم نصرة في الوقت الذي يحدده هو. وهؤلاء يعظمون الرب على خلاصه. وهكذا على كل منا حين يتأمل في الخلاص الذي صنعه المسيح بصليبه أن يعظمه ويسبحه.

 

آية (5): “أما أنا فمسكين وفقير اللهم أسرع إلىّ. معيني ومنقذي أنت يا رب لا تبطؤ.”

من يقول هذا؟ داود الملك العظيم!! ولكنه يتضع أمام الله. فماذا يجب أن نفعل نحن؟


 

المزمور المئة والثالث عشر (المائة والثاني عشر في الأجبية)

المزامير (113-118) تسمى مزامير التهليل وكانوا يرنمون بها في الأعياد الثلاثة الكبرى (الفصح/ الخمسين/ المظال). ثم ارتبطت بعد ذلك بعيد التجديد (نشأ سنة 165 ق.م. قارن مع (يو22:10) وهذا العيد مذكور في الأسفار القانونية الثانية).

 

الآيات (1،2): “هللويا. سبحوا يا عبيد الرب. سبحوا اسم الرب. ليكن اسم الرب مباركاً من الآن وإلى الأبد.”

على كل عبيد الرب أن يتقدموا لله ذبيحة التسبيح (عب15:13 + مز30:69،31). يا عبيد الرب= كان الرسل حتى من هو قريب بالجسد للسيد المسيح يلذ لهم أن يسموا أنفسهم عبيد له (يه1 + يع1:1) فهم يعرفون أن العبودية لله تحرر أما العبودية لأي شئ آخر تستعبد الإنسان وتذله. ومن صار عبداً لله فهو قد تحرر، ومن تحرر فهذا يمكنه أن يسبح (مز4:137). ليكن اسم الرب مباركاً= اسم الرب مبارك بدوننا ولكن بأفواهنا وبنعمته علينا يباركه معنا من يسمع. هذا يعني أنه لو رأى الناس أعمالنا الصالحة يمجدوا إلهنا الذي في السموات إذا شهدنا لله. وفي السبعينية يقول سبحو الرب أيها الفتيان= الفتيان إشارة للأقوياء (1يو14:2) وليس الذين شاخوا روحياً.

 

آية (3): “من مشرق الشمس إلى مغربها اسم الرب مسبح.”

قال سابقاً في آية (2) من الآن وإلى الأبد (في كل زمان) وهنا يقول من مشرق الشمس إلى مغربها= أي في كل مكان ليكن اسم الرب مباركاً مسبحاً. ولكن قوله من مشرق الشمس إلى مغربها قد أدخل الأمم في التسبيح وهذا لم يحدث قبل تجسد المسيح.

 

آية (4): “الرب عال فوق كل الأمم. فوق السموات مجده.”

فوق السموات مجده= أي مجده فوق إدراك البشر.

 

الآيات (5-9): “من مثل الرب إلهنا الساكن في الأعالي. الناظر الأسافل في السموات وفي الأرض. المقيم المسكين من التراب. الرافع البائس من المزبلة. ليجلسه مع أشراف مع أشراف شعبه. المسكن العاقر في بيت أم أولاد فرحانة. هللويا.”

الرب عالٍ فوق كل الأمم. وهو ليس مثله= من مثل الرب إلهنا. ليس مثله في محبته وتواضعه. فهو الناظر الأسافل= فهو رأي البشر في ذلهم بعد سقوطهم وحالهم الذليل في الأرض. فجاء وتجسد ليفدي البشر. فهو بذلك صار المقيم المسكين من التراب والرافع البائس من المزبلة. بل صار لمن يغلب أن يجلس في عرشه (رؤ21:3) وجعل الأمم، كنيسة الأمم التي كانت عاقراً أم أولاد فرحانة. لقد انتشل المسيح آدم وبنيه من ذلهم ولذلك سبحت العذراء مريم بهذه الكلمات (لو46:1-55) إشارة لبركات التجسد، وعمل المتجسد الذي كان في بطنها، عمله الفدائي والخلاصي. ومازال إلهنا بعد صعوده وجلوسه عن يمين الآب ينظر للمتواضعين والصديقين وكل شعبه لينجيهم حتى تكمل كنيسته وتنتهي صورة هذا العالم الحاضر، فهذا هو موضوع تسبيحنا أن الله عالٍ لا يُدرك وأنه دبَّر لنا الخلاص ومازال يعتني بنا ناظراً إلى آلامنا. وفي الترجمة السبعينية يترجم الناظر الأسافل في السموات وفي الأرض= الناظر إلى المتواضعين في السماء وعلى الأرض. ولاحظ الصفة التي تبهج قلب الله فينظر لصاحبها وهي صفة التواضع التي نسبها المرتل هنا للسمائيين، بل المسيح نسبها لنفسه إذ قال عن نفسه “وديع ومتواضع القلب”. ولقد رفع المسيح العالم الوثني من دنس خطاياه ووثنيته وجعل له مكاناً في السماء. (أف6:2) أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات. (راجع مت28:19). والأمم الذين كانوا بسبب وثنيتهم عاقراً بدون أعمال صالحة ولا ثمر. صار لهم ثمار وأولاد روحيين وكل نفس كانت بلا ثمر عاقراً يقبلها المسيح بالتوبة فتسكن في كنيسته فرحانة.

ونصلي به في باكر لنذكر بركات القيامة، فبعد أن كنا بائسين رفعنا المسيح وصرنا في فرح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى