كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية - القمص متى المسكين

تنقية القلب

+ « فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة.» ( أم 4: 23)

+ «من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة …» (مر7: 21)

+ «أما الشهوات الشبابية فاهرب منها واتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي.» ( 2تی 2: 22)

القلب في المفهوم الإنجيلي، هو القاعدة التي تصدر عنها كل مفاعيل الحياة الروحية والجسدية: «فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة» (أم 4: 23)، ليس الصالح منها فقط بل والشرير أيضاً : «لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف.» (مت 15: 19)

لذلك أصبح القلب هو المعبر عن حالة الإنسان النهائية إن كان صالحاً أو شريراً : «الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يُخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يُخرج الشر» ( لو 6: 45) ، وذلك يعني أن حركة القلب الداخلي تصبغ الإنسان كله أي تصبغ تفكيره وأقواله وأعماله. فيستحيل أن يتكلم الإنسان دون أن يكشف عن قلبه شاء أو أبى : «فإنه من فضلة القلب يتكلم فمه » ( لو 6: 45) . لذلك أصبحت كلمة الإنسان شهادة طبق الأصل تعبر عن حقيقة قلبه و بالتالي يمكن أن تبرر الإنسان أو تدينه : «بكلامك تتبرر و و بكلامك تُدان.» (مت 12: 37) 

وعلاقة القلب بالفم يحددها القديس بولس الرسول : «إن القلب يؤمن به للبر والفم يُعترف به للخلاص» (رو 10: 10) ، فالقلب حينما يؤمن ، لا بد للفم أن يعترف بنوع الإيمان.

ولكن الإنجيل يحدثنا عن إمكانية وجود قلبين للإنسان، واحد يعبر عن حالة الإنسان تماماً ، والآخر مزيف تصدر عنه أفكار وأقوال وأعمال كاذبة لا تعبر عن حالة الإنسان الحقيقية، فيتكلم و يعمل بالصالحات ليوهم الناس أنه صالح مع أنه شرير: «يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار، فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم.» (مت 12: 34)

ومن كلام الرب نفهم أنه يستحيل على الإنسان أن يتكلم من نفسه بالصالحات، وهو شرير، إلا إذا كانت فيه قوة إضافية أو قلب آخر من الشيطان لتزييف الصالحات. وهذا نلمحه من وصف الرب لهؤلاء المزيفين للصلاح أنهم أولاد الأفاعي، فالأفعى تعبير رمزي عن الشيطان، حيث يكون القصد من إظهار الصلاح هو الإبقاء على الشر وتأمين استمرار مفعوله ، وهذا هو من صميم عمل الشيطان.

أما عمل الله بالنسبة للقلب فهو انتزاع القلب الشرير جملةً وخلق قلب جديد يغرسه الله في الإنسان، وعندما يصبح القلب قلباً آخر يصبح الإنسان بالضرورة إنساناً آخر!! « فيحل عـلـيـك روح الرب فتتنبأ معهم وتتحول إلى رجل آخر، … وكان عندما أدار كتفه لكي يذهب من عند صموئيل أن الله أعطاه قلباً آخر.» ( 1صم 10: 6و9)

أي أن عمل الشيطان بالنسبة للقلب لا يكتفي بتلويثه بالشرور والشهوات فيصبح كنز القلب شريراً ينضح بالشرور، بل ويضيف الشيطان إلى ذلك إمكانية إعطاء قلب ثان للإنسان يتكلم بالصالحات حتى يخفي بها الشرور و يؤمن عملها وسريانها.

وحقيقة خلق قلب جديد للإنسان تأتى في الكتاب المقدس مترادفة مع ثلاث عمليات أساسية الأولى : إنسحاق قلب الإنسان الخاطىء، والثانية: غسل الإنسان وتطهيره كله من الداخل، والثالثة : حلول الروح القدس.

وهذه العمليات نجدها واضحة أشد الوضوح في المزمور الحادي والخمسين لداود النبي : «إرحمني يا الله مثل عظيم رحمتك ومثل كثرة رأفتك امحُ معاصي.
إغسلني كثيراً من إثمي ومن خطيتي طهرني
طهرني بالزوفا فأطهر، إغسلني فأبيضُ أكثر من الثلج…
قلباً نقياً اخلق في يا الله وروحاً مستقيماً جدد في أحشائي، لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني …. القلب المنكسر والمنسحق لا ترذله يا الله…».

ولكن كان خلق قلب جديد للإنسان في العهد القديم عملاً استثنائياً وفردياً . أما في العهد الجديد فأصبح عملاً معمماً ، لا بالنسبة لخلق قلب جديد فقط بل بالنسبة لخلق إنسان جديد جملة.

أما العمليات الثلاث فنجدها متضمنة جميعها في سر المعمودية أساساً، حيث يجري صورة الغسل والتطهير القلبي بالإيمان : « إذ طهَّر بالإيمان قلوهم » (أع 15: 9) ، وذلك أثناء الدفن في الماء باسم المسيح ، ولكن لا يتم الغسل والتطهير إلا بالإنسحاق القلبي بالتوبة والرجوع عن الخطيئة حيث يتم الغفران: «توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس» (أع 2: 38)، أي أنه بتكميل الغسل والتطهير بالإيمان والتوبة يحل الروح القدس.

وهكذا أصبح ممكناً لكل إنسان أن تتم له الخلقة الجديدة للقلب الجديد من الماء والروح، وذلك من خلال الإيمان والتوبة . ولكن هناك فارقاً هاماً جداً وخطيراً بين تنقية القلب بالإيمان والتوبة وبين قبول خلقة قلب جديد نقي بالروح القدس !

فتنقية القلب عمل حتمي وضروري بالنسبة لنا ، أما خلقة قلب جديد نقي فهذا عمل فائق على الطبيعة يختص بالله وحده . ولكن عمل الله مرتبط بعملنا، لأنه بقدر ما ننقي قلبنا من الشرور بالإيمان والتوبة بقدر ما نصبح قادرين على استيعاب القلب الجديد المخلوق فينا بشبه الله ، بمعنى أنه بقدر ما نكره الشرور ونجزع من الأفكار والشهوات الشريرة ونرتعب من أعمال الخطيئة، بقدر ما نصبح قادرين على استيعاب قوة القداسة لتسكن فينا كطبيعة جديدة مع فاعلية المحبة الإلهية وإيحاءات البر، وبقدر اجتهادنا في تنقية القلب من ظلمة الخطيئة التي تعمي البصر الروحي نصبح قادرين على احتمال سكنى الحق فينا وتغلغله في أعماق كياننا. أو بمعنى آخر، أنه بقدر ما نخلع الإنسان العتيق بشروره وقبائحه نستطيع أن نظهر في قوة الإنسان الجديد الإلهي: «إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه.» (کو 3: 9 و 10)

وبهذا ندخل في مجال اللاهوت النسكي، الذي يجعل من عمل الإنسان واجتهاده المؤازر بالنعمة قاعدة أساسية لهبات الله الفائقة على عمل الإنسان وطبيعته!

والآباء النساك عموماً جعلوا تنقية القلب أساساً حتمياً للخلاص الذي يؤهل لإستعلان الإنسان الجديد، حتى يمكن أن يعيش الإنسان في جدة الحياة الروحية كإنسان روحي في المسيح .

والقلب في المفهوم الآبائي مطابق لمفهوم الإنجيل، إذ يعتبرونه مركزاً للكيان البشري عموماً . فالقلب، بالمعنى الروحي عند الآباء، يطابق في وصفه وعمله المخ عند الأطباء، بل وربما أشمل من ذلك ، فهو مركز للقدرات والطاقات والذكاء والبصيرة والإرادة والحكمة والرؤيا تنبعث كلها منه وتنصب كلها فيه :

457 ـ كذلك القلب، يوجد فيه العقل كمدبر، وتوجد فيه النية كمؤنب، وتوجد فيه الأفكار تشكو وتعفو.

أبا مكاريوس الكبير (العظة 15)

ويصفه القديس مكاريوس الكبير أيضاً في نفس هذه العظة أنه: (معمل للعدل والظلم والبر والإثم).

فيقول ، ولو أن القلب قد يصبح ملتقى كل الشرور إلا أنه قد يكون أيضاً :

458 – ملتقى الله والملائكة والحياة والملكوت والنور والرسل حيث توجد فيه كلها مع كل كنوز النعمة.

أبا مكاريوس الكبير ( عظة 43)

459- فإذا ملكت النعمة على مراعي القلب أصبحت مطلقة في تدبيرها لجميع الأعضاء والأفكار، لأن من القلب يستمد العقل قوته مع كل أفكار النفس وأملها . ولذلك إذا ملكت النعمة على القلب تغلغلت في كافة أعضاء الجسد.

أبا مكاريوس الكبير (العظة 15)

نفهم من هذا أن النعمة في نظر الآباء يمكن أن تتغلغل إلى الفكر والإرادة والضمير والأعضاء كلها إذا ما ملكت على القلب، بمعنى أن طبيعة الإنسان، الذي تملك النعمة على قلبه ، تصبح بالتالي طبيعة روحانية جديدة . ومن هنا تظهر قيمة تنقية القلب تمهيداً لسكنى النعمة .

والقديس مكاريوس الكبير يتمسك بأن القلب الشرير يلوث الإرادة والمشيئة، وينجس الميول والغرائز الطبيعية، ويصير كل شيء غير طاهر في عيني ذلك الإنسان وفي يديه دون أن يدري !!!

460- جميع الذين هم بنو الظلمة تتسلط الخطيئة على قلوبهم فتنفذ في الأعضاء كلها «لأن من القلب تخرج الأفكار الشريرة» . فإذا انتشرت في الأعضاء تظلم طبيعة الإنسان كلها … لأن الخطيئة تسري من داخل القلب إلى الأعضاء كما يسري الماء داخل القناة … وكل الذين ينكرون هذا فهم مختلون حقاً ويظهرون أنهم مثقلون بالخطيئة التي تكون قد ظفرت بهم دون أن يدروا لأن الشر الذي فينا يجتهد أن يختبىء ويختفي بالكلية…

أبا مكاريوس الكبير (العظة 15)

لذلك أصبح أول جهاد الإنسان وأول همه للتغلب على انحرافات الإرادة وإصلاح الميول والغرائز التي تكون قد خضعت لسلطان الشر، هو تنقية القلب بالدرجة الأولى، أي مواجهة حركة الشر داخل القلب وضبطها ومقاومتها والقضاء عليها.

والقديس مكاريوس الكبير يصف القلب في العظة 15 بأنه : [ قصر المسيح الذي يستريح فيه ]، كما يصفه أيضاً بأنه : [ مدبّر السفينة الذي يأمر و ينهي و يدبر كل شيء ] وأنه : [ قائد العربة الذي يقبض على أعنّة الخيل … متى شاء تحمله المركبة بأسرع ما يمكن ومتى شاء أوقفها وأي طريق يريد الميل إليها تميل معه ، فالمركبة كلها في قبضة ماسك الأعنة ، كذلك القلب].

وهكذا يعبر القديس مكار يوس عن خطورة عمل القلب وأهميته العظمى كمدير لسفينة حياتنا وكقائد للمركبة التي تجرها أجسادنا ، فإذا كان المدبّر جاهلاً أحمقاً فماذا يكون مصير السفينة ؟ وإذا كان القائد أرعناً مجنوناً فماذا تكون نهاية المركبة وخيلها؟
وإذا كان البيت نجساً فكيف يحل فيه الملك أو يستريح؟

461ـ كم بالحري يحتاج بيت النفس، الذي هو القلب لزينات كثيرة ونقاوة حتى يمكن أن يدخله الله النقي من كل عيب ! هذا هو القلب الذي فيه يحل الله وكل الكنيسة السماوية.

أبا مكاريوس الكبير (العظة 15)

والقديس مكار يوس يرى أنه كما تبدأ إعادة بناء المدينة بهدم الخرب ، وكما تبدأ زراعة الأرض بحرق الأشواك، كذلك تبدأ سيرة الحياة بتنقية القلب!

462 – وكما أن المدينة الخربة إذا أرادوا أن يبنوها من جديد، فأول عمل هو هدم الخرابات القائمة المتساقطة … وكما أن من أراد أن ينشيء بستاناً في مكان قفر رديء، يشرع أولاً في التنظيف وقلع الأشواك … كذلك الإنسان فبعد السقوط يصير قلبه قفراً خرباً … فلا بد من كثرة التعب والكد للإنسان، إذن لكي يضع الأساسات و يطهر القلب لتدخله النار.

العظة 15

ولكن لماذا اختار الله قلب الإنسان ليكون مكاناً مخصصاً له دون سواه ؟ يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي» (أم 23: 26)!! وأول وصية : تحب الرب إلهك من كل قلبك » (تث 6: 5)!!

في الحقيقة، لا يملك الإنسان ما هو أعمق من القلب، شعوراً وحناناً ولطفاً ورحمةً و وداداً. فالقلب هو تعبير عن مركز عواطف الإنسان أرقها وأصدقها ، ولكن ليس من أجل ذلك يطلب الله قلب الإنسان!!

إذ يوجد للقلب صفة فائقة على اللطف والحنان والرحمة والوداد، وهي أنه يُعتبر القاعدة التي تنبثق منها الشخصية بكل مكوناتها ومميزاتها ، فالقلب هو بمثابة قدس أقداس الإنسان . وهذه هي الصفة الوحيدة التي تجعله مناسباً لله . فالإنسان إذا أحب الله من كل قلبه ، فهذا يعني أنه أحبه من كل كيانه، بل و يعني أنه قد وهبه كل نفسه!

وحينما يقول القديس مكاريوس أن القلب يشمل العقل والضمير والأفكار ضمن مكوناته ، يكون قد وضع يده على العلة الأساسية التي جعلت الله يطلب قلب الإنسان ويهتم بحبه!!

فالله لا يهتم بحب العواطف مهما كان عنيفاً وجارفاً ، لأنه – حب ينطفىء حتماً في الطريق حينما تنجرح العواطف أو تهان.

ولكن الله يه يهمه حب القلب، لأن ذلك معناه أن الإنسان يكون قد فرط في ذاته وكل كيانه، وهذا هو الحب الذي تزيده الجروح اشتعالاً والآلام اكتمالاً والموت كمالاً !!

لذلك أصبحت تنقية القلب بالنسبة للمحبين الله أمراً بالغ الأهمية والخطورة لأن الله لا يطلب ولا يرضى بالحب النصفي أو الجزئي ، فلا بد أن يكون كل القلب الله !! فمعنى «كل القلب هو تصفيته تماماً من كل شوائب العواطف البشرية القائمة على روابط اللحم والدم أو الميول والعواطف الحسية، كما يعني تطهيره تماماً من كل الأوثان والمعبودات السرية. فقدس الأقداس ينبغي أ أن يُقدَّس و يُزيَّن الله فقط .

أقوال الآباء في تنقية القلب :

463 ـ «فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة » ( أم 4: 23). هذا يعني أن لا نفقد التفكير في الرب لأي . سبب كان، ولا أن أفكار العالم الزائل تحجب ذكر عجائبه عنا ، فنحمل فكر الله المقدس أينما سرنا ، كختم ثابت لا يُمحى مطبوع في قلوبنا بتذكار دائم. هكذا نستطيع أن نقتني حب الله على الدوام الذي يدفعنا لتكميل وصاياه بالفرح ، فتلذ لنا الوصايا و يدوم لنا الحب.

باسيليوس الكبير

464 – لقد حبتنا الطبيعة الطاهرة حب ما هو طاهر وجميل . أما بخصوص جمال الله الفائق فنحن لا نستطيع تذوق جماله العجيب إلا إذا تطهر القلب من كل ما هو باطل، وحينئذ تشتعل فينا هذه اللذة الروحية لأنها باقية حية غير محصورة ، كشهوة طاهرة مغروسة فينا تصبو على الدوام في حنين نحو منبعها ، وتشتاق إلى صاحب ذلك الجمال الفائق: «إني مريضة حباً.» (نش 2: 5)

باسيليوس الكبير

465 – «من الأعماق صرخت إليك يا رب.» (مز 130: 1)

ما معنى «من الأعماق» ؟ إنها ليست هي صلاة الشفتين أو مجرد تحريك اللسان، التي تخرج دون أن يكون للفكر أو القلب نصيب فيها ! إنها صلاة عمق القلب ومن أساسات النفس بحرارة شديدة وغيرة متقدة. مثل هذه الصلاة تستقيم صاعدة أمام الله بشدة وبأس ولا يمكن أن تتزعزع أو تطيش، حتى ولو هاجمها الشيطان بكل ما أوتى من جرأة وتوقح . ولكن تلك الصلاة الهزيلة التي تخرج من الفم فقط، التي يكون مبدأها اللسان ونهايتها الشفتين، هذه لن تصل إلى الله لأن القلب لم يشترك فيها . وكل من يصلي هكذا فهو الذي تتحرك شفتاه وقلبه فارغ وعقله بليد متكاسل.

يوحنا ذهبي الفم

466 – الرب لا يطلب تنسيق الكلام ومهارة تركيب الألفاظ ، بل يطلب حرارة النفس وغيرتها. وكل من يتقدم بهذه الغيرة والحرارة ويتكلم أمامه بما يشعر به وهو راض عما يقدمه ، يخرج من لدن الرب وقد نال كل شيء.

467 ـ ليتنا نعرف ما هي الأشياء التي تدنس الإنسان، وحينما نعرفها نهرب ونفر منها.

نرى الذين يأتون إلى الكنيسة يعتنون جيداً كيف يأتون بثياب بهية نظيفة، مغتسلي الأيدي والوجوه، ولكن كيف يقدمون نفوساً نقية طاهرة أمام الله ، هذا لا يعنون به لا في كثير ولا في قليل.

لست أقول هذا لأمنعهم عن غسيل اليد أو الفم ، ولكن أريدهم أن يغتسلوا كما يجب من الداخل والخارج، ليس بالماء فقط بل بالفضائل أيضاً !!! لأن قذارة الفم الحقيقية هي الكلام الخبيث والخداع والشتيمة وكلام الغضب وكلام السفاهة والضحك والمزاح. فإذا تيقظنا لأنفسنا وتنقينا من هذه الأدناس ــ التي منبعها القلب – حينئذ نستطيع أن نقترب إلى الصلاة في ثقة!

أما إذا كنت قد اتسخت بهذه الأمور فلماذا إذن هذا الجهد والعناء باطلاً ! تغسل فمك بالماء وتجهد نفسك مراراً كثيرة، وبعد ذلك تملأه بكل قذارة الألفاظ ووسخ الحديث المميت!

أخبرني : إذا حملت زِيلاً على يديك أو طيناً ، أتجرؤ أن تقف وتصلي ؟ كلا بلا شك، مع أن ذلك لا يدنسك بقدر الأعمال والأقوال التي تأتيها والتي فيها كل الضرر والهلاك !

ما هذا ، ألا نصلي إذن؟ كلا، بل نصلي ولكن ليس ونحن ملوثون بهذا الطين والوسخ الداخلي !

وماذا أعمل وقد لحقني هذا الأمر؟ إغتسل وطهر ذاتك …

كيف وما هي الوسيلة ؟ إبكِ ، تأؤه ، قم اعتذر لمن أهنت وصالحه، قدم الصدقة، إغسل لسانك ونظفه جيداً من كل ما يُغضب الله ، لئلا بصلاتك تهين الله وتغيظه بالأكثر…

لأن من ملأ يديه زبلاً وطيناً وأراد أن يمسك بقدميك ليتوسل إليك ، فإنك تطرده طبعاً دون أن تسمع إليه . فكيف تجرؤ إذن وأنت بمثل هذه الحالة أن تقترب من الله ؟ فلسانك هو اليد التي تمدها في الصلاة فلا تدنسه لئلا يقول لك : « يا صاحب كيف دخلت إلى هنا ؟ … خذوه اطرحوه في الظلمة الخارجية!» (مت 22: 12 و 13) ، وإذ ذاك «إن كثرتم الصلاة لا أسمع» (إش 1: 15) ، لأن «الموت والحياة في يد اللسان» (أم 18: 21). «وبكلامك تتبرر و بكلامك تُدان!» (مت 12: 37)

468 – لذا أنا آمرك ( من قبل الرب) أن تحفظ لسانك أكثر من حدقة عينك ! فاللسان هو الحصان الملكي، فإذا أسرَجْتَه حسناً ودرَّبته أن يخطو بانتظام وترتيب فالملك سيجد فيه راحته و يأخذ مكانه عليه ؛ أما إذا تركته يجمع بلا ترتيب هنا وهناك ويندفع ويقفز بجهالة وبلا مبالاة فسيصير وحشاً مهيأ لمطية الشيطان والأرواح النجسة.

469 ـ ولا تهن لسانك! وإلا فكيف يتوسل من أجلك وقد فقد ثقته وشجاعته الأدبية؟ زينه يا أخي بالاتضاع واجعله أهلاً للوقوف أمام الله. إملأه بالنعمة وكلام الرحمة والسلام. زينه بالتبريك من أجل كل شيء. وكل أيام حياتك جمله بحلاوة ترديد وصايا الله : « إن كان أحد فيكم يظن أنه دين وهو ليس يلجم لسانه بل يخدع قلبه فديانة هذا باطلة.» (يع 1: 26)

470 ـ ونحن إذ قد زيَّنا أنفسنا هكذا نأتى إلى إلهنا ونخر عند قدميه ليس بالجسد فقط ولكن أيضاً بالعقل، ليتنا نعتبر من هو الذي نقترب إليه وإلى من نتوب . فنحن نقترب كثيراً من الله ، الذي يتطلع إليه الساروفيم فيديرون وجوههم غير مستطيعين التفرس في بهائه، والذي من منظره يرتعب الشاروبيم . نحن نقترب كثيراً من الله « الساكن في نور لا يُدنى منه » ( 1تى 6: 16). باقترابنا إليه تعتق من الجحيم وننال غفران الخطايا وننجو من العذابات غير المحتملة ونرتفع إلى السماء وتمنح أشياء سماوية . أقول ليتنا نخراً أمامه بالجسد والعقل كليهما حتى يرفعنا عندما يرى انخفاضنا . وإذا تحدثنا إليه ليتنا نتحدث بكل خشوع ولطف و وداعة.

يوحنا ذهبي الفم

471 ـ يجب أن نصلي ليس فقط باللسان ولكن بالقلب، بأن تخرج الصلاة أولاً من القلب، لأننا في الصلاة نقدم ما في قلوبنا من رغبات وأشواق ومشاعر.

لهذا يجب أن نفكر بالعقل ونشعر بالقلب في كل كلمة ورغبة يقدمها اللسان أو تتلفظها الشفتان، وإلا أصبحت صلاتنا كلاماً فقط.

الأسقف تيخون ز.

472 ـ أعمال جسدية دون طهارة عقل، كرّحم عاقر وثدي ناشف. لأن بأعمال الجسد وحدها لا يتقدم الإنسان أي خطوة نحو الله فهي إجهاد للجسد بلا نفع وهي لا تقوى حتى على استئصال أهوية القلب المنحرفة ونزعاته المريضة ولهذا فهي غير نافعة لشيء قط.

مار إسحق السرياني 

473 – إذا سأل إنسان في الصلاة من أجل النجاة من تجارب أو الراحة من أتعاب أو قتال أو طلب النصرة على البلايا والمحن أو حتى نوال الفضائل وغبطة النعمة وحرارة وفرح الروح، ويطلب بغرض مستقيم وقلب حزين، فالله يتنازل ليكمل إرادة ذلك الإنسان ويمنحه رغباته.

أما بخصوص الأسرار التي للروح ومواهب و بركات الصلاة الروحية ودخول العقل خلف حجاب قدس الأقداس ، وإدراك كنه الميراث الذي لا يضمحل ، فإذا لم يدفع الإنسان ثمنها وما هو مستحق عليها، فالله لن يعطيها حتى ولو قامت الخليقة كلها تتوسل نيابةً عنه ! أما استحقاقاتها فهي طهارة (نقاوة) النفس!

مار إسحق السرياني

474 ـ ما هي نقاوة النفس؟
– هي قلب مملوء رحمة نحو الخليقة.
– وما هو القلب الرحيم ؟
– هو القلب الذي يتحرك بالرحمة فتئن أحشاؤه بإشفاق وحُنُوِّ بالغ نحو كل الخليقة ، بما فيها من إنسان وحيوان و وحوش ودبيب وكل ما هو كائن حي، حتى أنه من مجرد التفكير في ضعفها يذرف الدمع ويبكي، ويصيرا ر القلب رقيق الإحساس إلى درجة لا يقوى فيها على سماع أو رؤية أذية تلحق إحدى هذه الخلائق ! وهو يتقدم نائباً عنها مقدماً صلوات بدموع على الدوام من أجلها ، سواء كانت هذه المخلوقات عاقلة أو غير عاقلة، لكي الرب يحرسها و يشددها.

مار إسحق السرياني

 475 ـ إذا كنت نقي القلب فحينئذ تكون السماء داخلك. وترى في نفسك الملائكة ورب الملائكة أيضاً.

ما ر إسحق السرياني

476 – الله ناريضرم القلب كلهيب، فإذا شعرنا بالبرودة في قلو بنا فهذا يعني أن العدو اقترب منا لأن الشيطان برودة، وعلينا حينئذ أن نصلي إلى الرب حتى يأتى ويلقي ناره في قلبنا للمحبة نحوه ونحو القريب. لأن إزاء وجه الله الكلي الدفء، يهرب الشيطان وتنقشع برودته من القلب.

الأب سيرافيم

477 – كلما تنقى القلب وتطهر، اتسع وكبر واستطاع أن يجد مكاناً أوفر لأحباء أكثر. بيد أنه كلما تلوث بالإثم ضاق واستضاق فلا يستطيع أن يحمل إلا ذاته إذ يكون مشغولاً بحب نفسه. نحن نحب ذواتنا في أشياء لا تتناسب قط. أنفسنا الخالدة: مع ذهب وفضة وطعام وشراب وسكر وزنى وما من شابه.

الأب يوحنا (ك.)

478 – يجب علينا كمسيحيين أن نكون ذوي قلوب نقية، حتى نستطيع بما وهب لنا من إنارة عـيـونـنـا القلبية أن نتمتع بحب الله وكمالاته وجمال الملائكة ومجد العذراء وبهاء نفسها كأم الله الكلمة، وحسن أنفس القديسين وحبهم لنا ؛ كذلك حتى نستطيع أن نتنعم بحقائق الإيمان المسيحي وندرك عظمة أسراره، و بنقاوة قلبنا ندرك كل ما في أنفسنا من عيوب أو جمال . أما القلب غير النقي والمشغول بشهوات هذا العالم فلا يتمتع إلا بشهوة العيون الجسدية وتعظم هذا العالم، فلا یری شيئاً مما ذكرناه.

الأب يوحنا (ك.)

479 – إنه مدهش و يستحق العجب، كون الذي لا تستطيع الملائكة أن تنظر إليه ولا ينطق به البشر أو يدركه عقل ما يتنازل بدخوله قلب الإنسان و يسكن فيه ! هو مخفى عن الأعين النارية التي للساروفيم و يُرى ساكناً في مخادع القلب ! الأرض لا تقوى على حمل خطواته والقلب النقي يحمله داخله ! السماء أصغر من أن تستقر على كفه ويجد في القلب متسعاً لسكناه كل الخليقة لا تستطيع أن تحتويه بأقصى حدود اتساعها وإذا طلبه قلب صغير فهو يسعه ويحتويه ! لقد اختار الله مكاناً صغيراً في الإنسان لسكناه ، فإذا حل فيه صار الإنسان كله هيكلا الله !

النفس هي هيكل الله والقلب هو المذبح المقدس الذي عليه تُقدَّم ذبائح التسبيح والحب الطاهر، والعقل هو الكاهن الذي يقوم بشرف الخدمة هناك.

مار أفرام السرياني

480 – كيف استطاع آباؤنا النساك والحكماء أن يشعلوا في ذواتهم روح الصلاة ويثبتوا مقيمين فيها ؟ كان الشيء الأول الذي فتشوا عليه وطلبوه هو أن يبقى القلب ملتهباً دائماً نحو الله بلا انقطاع ! والله يحتاج إلى القلب لأن منه منبع الحياة، وحيث يكون القلب بنبضاته الحية يكون الصحو والإنتباه والعقل وكل الحواس. فحينما يكون القلب مع الله تكون النفس فيه أيضاً ويقف الإنسان أمامه كعابد حقيقي بالروح والحق.

الأسقف ثيوفان الناسك

481 – وكما أن كل قوة الأحكام والوصايا التي وضعها الله الجنس البشر تحدها نقاوة القلب، هكذا أيضاً كل أنواع الصلاة التي يصلي بها بنو البشر تحدها الصلاة النقية.

مار إسحق السرياني

482 – بمداومة حفظ القلب تتولد فيه النقاوة التي بها يرى الله ، حسب شهادة الرب: «طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله.» (مت 5: 8)

الأب سيرافيم س.

483 – يجب أن تتحلى نفسك بثوب مشرق البياض ليس فيه أثر للانقسام والتعقيد، خال من أفكار الشر أو النفاق والتظاهر لإرضاء الناس أو تشامخ الفكر أو إخفاء الشهوة في القلب، هذه لطخ. سوداء تلوث ثوب النفس وتعطيه رائحة العبادة الفريسية. 

الأسقف إغناطيوس ب.

484 ـ ما هي العلامة التي تدل على أن الإنسان قد وصل إلى نقاوة القلب؟
حينما يرى كل الناس في نور جميل، دون أن يتراءى له أي إنسان أنه دنس أو نجس. مثل هذا
الإنسان يكون قد وصل إلى النقاوة. هذا تحققه كلمة الرسول : «حتى تفتكروا فكراً واحداً بنفس واحدة مفتكرين شيئاً واحداً. لا شيئاً بتحزب أو بعجب ، بل فليحسب بتواضع كل منكم صاحبه أفضل منه » ( في 2: 2و 3 ) . وقول بطرس الرسول : « وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما أنه دنس أو نجس.» (أع 10: 28)

فما هي النقاوة إذن وما هو حدها ؟
النقاوة هي تجاهل كل أنواع المعرفة التي ليست في الأصل من طبيعة النفس النقية بل أوجدتها طبيعة العالم وحكمته الغاشة . أما حدها فهو أن نتحرر من هذه المعرفة الغريبة عن الطبع الروحاني إلى درجة نصل فيها إلى البساطة الأولى وكمال الطبيعة التي للطفل.

مار إسحق السرياني

485 – لذلك يجب على المسيحيين أن يجتهدوا دائماً أن لا يفرط منهم حكم على أحد، لا على الزانية التي على قارعة الطريق، ولا على الخطاة الظاهرين بأعمالهم ، بل يرى كل الناس على وجه العموم بنية طاهرة وعين نقية، حتى يصير كناموس ثابت طبيعي في النفس أن لا تحتقر أي أحد أو تزدري بأحد، أو تميز بين واحد وآخر.

فإذا رأيت إنساناً فقد إحدى عينيه ، أنظر إليه كمن هو سليم . أو إذا كان مبتور الذراع أو الرجل فلا تتفرس فيه كمن به عيب بل أنظر إليه كأنه صحيح معافى. كذلك المفلوج والأخرس والأصم وكل من به نقص. هذه هي نقاوة القلب، حينما ترى خطاة أو مرضى فلتكن فيك شفقة عليهم وليكن لك معهم حنان ورأفة.

أبا مكاريوس الكبير

486 – فيلزم أن تطلب مصباحاً تنيره لتصل إلى حقيقة نفسك الطاهرة وأفكارك النقية بطبعها الأول.

أبا مكاريوس الكبير

487 – صل :
يارب امنحني قلباً بسيطاً، رحيماً ، طاهراً، مؤمناً ، محباً ، كريماً يستحق أن يكون مكاناً لسكناك أيها المنعم العظيم.

الأب يوحنا ك .

488 – النفس النقية ترى الله في كل نفس أخرى، كما أعلم الله بطرس حين كان في يافا واقفاً على السطح يصلي ، لأنه ليس من أجل البهائم والوحوش صار له الصوت والرؤيا أن «ما طهره الله لا تنجسه أنت»، بل لينظر إلى كل الناس كأنهم أطهار. لذلك قال بطرس بعد أن تلقن وتعلم من الروح القدس: «وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما أنه دنس أو نجس.» (أع 10: 28)

كذلك أنت يا محب الإله، قم صلّ لتتعلم نقاوة النفس لترى كل الناس أطهاراً. قم اصعد على سلم النفس وارتفع إلى الطابق الأول منها الذي هو أعمال الجسد وصنع الفضائل، وحينئذ يمكنك الإرتفاع إلى الطابق الثاني من نفسك الذي هو ضبط العقل والتسلط على الأفكار. فإذا ضبطت فكرك بالطهارة وصار هذيذك في الله فقط، حينئذ ترتفع إلى الطابق الثالث الذي هو نقاوة النفس فترى وأنت قائم تصلي كمثل بطرس على السطح أن كل شيء طاهر للطاهر !!

فإذا نظرت أناساً أشراراً وفسقة أو نمامين وشتامين أو متوانين ومتكاسلين ، فلا تظن أنهم من طبع البهائم خُلقوا بل اعلم أنهم من الله أتوا إلى الوجود وحينئذ يصيرون أطهاراً في عينيك ! وإذا نظرت أناساً جهلة وزناة وعبدة أوثان، فلا تقل في نفسك أنهم مثل الكلاب والخنازير، بل اعلم أنهم على شبه الله خُلقوا ، وهم له إن قاموا أو سقطوا .

والمسيح لما علمك أن تزور المسجونين أرادك أن تفهم أن الذين في الحبس هم المسيح بالحقيقة : كنت محبوساً فأتيتم إليَّ ، لأنه «بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتى هؤلاء الأصاغر في فعلتم» (مت 25: 36 و 40) ، ونحن نعلم أنه لا يكون في الحبس، غالباً ، إلا عاملو الشر والسارقون والزناة والسحرة والقتلة. إذن، فالمسيح أراد أن يعرفك أن تنظر إلى فاعلي الشر كالأبرار، وأن لا تحكم على أحد بأنه دنس أو نجس أو شرير … فهو يطلب نقاوة قلبك مع نقاوة عينك.

وإذا نظرت قوماً مسيحيين وقوماً يهوداً وقوماً وثنيين، فبعين المحبة أنظر للجميع كأنهم واحد، لأن المسيح قدمات من أجل الجميع.

وهكذا إذا نظرت جميع الخليقة بفكر طاهر ونفس نقية ورأيت أن الكل طاهر أمام عينيك، فاعلم أن المسيح حقاً ساكن فيك.

الأسقف أندريانوس

489 – إن كنت قد ولدت بالمسيح حقاً ، فكل مولود من المسيح هو أخوك. فإن أحببت نفسك أكثر من أخيك فهذه الزيادة التي لك ليست من المسيح.

الشيخ الروحاني

490 – الصدّيق يلقي همه على الرب، من أجل هذا – بغير شفقة على نفسه ـ قسم وفرق وأعطى المساكين. لأن يد الرب مفتوحة أمامه وهي مملوءة على الدوام فيأخذ ويعطي بسذاجة وبغيرهم.

الشيخ الروحاني

491 – إحذر من أن تكون جالساً وتفكر في إدانة أخيك، فهذا يستأصل جميع أعمال الفضيلة ولو كنت قد ارتفعت إلى حد الكمال.

ما ر إسحق السرياني

492 – نقاوة الفكر شيء ونقاوة القلب شيء آخر، والفرق بينهما كالفرق بين عضو واحد من الجسد وجميع الجسد. فالفكر هو أحد حواس النفس والقلب هو ضابط كل الحواس الداخلية، وهو أصل كل الحواس ، فإذا كان الأصل مقدساً فكل الأغصان مقدسة أيضاً.

493ـ إذا ما تنقى القلب، دامت نقاوته دون أن تتسخ سريعاً . لأنه يقتنيها بصعوبة وضيقات كثيرة.

مار إسحق السرياني

494ـ القلب الغاش لا يتنق أبداً.

495 ـ كل شهوة خاطئة انضبط القلب بحبها وشغف بها ، بألف حيلة وجهاد أعمال كثيرة وربوات صلوات ودموع ينعتق منها.

496 ـ الذي اقتنى الفضائل العظيمة مثل الصوم والسهر والنسك وما اقتنى حراسة القلب واللسان، فهو يعمل في الباطل ويتعب للريح . لأنك إذا وضعت كل أعمال التوبة في كفة والتدقيق وحفظ القلب وتنقيته في الأخرى لرجحت الأخيرة.

497 ـ إذا حفظت عينيك وأذنيك ولسانك لكي لا يدخل إلى قلبك شيء باطل، يتنقى قلبك سريعاً.

498 – النفس التي ابتدأت تحمل الثمار البهجة هي التي تحررت من الضيق والكآبة والضجر، واتسعت لتحمل السلام والفرح بالله وفتحت القلب رحباً لمحبة سائر الناس، وجلست على بابه تطرد كلام الفكر « هذا صالح وذاك شرير» ، «هذا باروذاك خاطىء» ، ثم قامت لتجلس على عرش القلب لترتب فكر الضمير مع التمييز وتصلح حواسها بالنقاوة، لئلا يفلت واحد منها فيشتعل خلسة بالغضب أو الغيرة أو الحسد فتظلم بقية الحواس.

499 – اذا كنت مشتاقاً لسلامة القلب النقي وهدوء الضمير اقلع من قلبك شجرة معرفة الجيد والرديء التي أمر الله أول جنسنا أن لا يأكل منها لئلا يموت !!

500 – إذا جلست تفرز بين أخلاق الإخوة وتدابير سيرهم ، فإنك بالضرورة سوف تخسر كثيراً، لأنك ستدين الناس ، و بدون أن تشعر تلوم مدير الخليقة ، وتبرر نفسك ، فتسقط في الكبرياء. أنظر كم من الخطايا ولدتهم هذه الشجرة القاتلة!

مار إسحق السرياني

501 ـ إحذر أن تنتقد أعمال الناس. إحذر من الظنون والعظمة والجدال في البدع وفي أقوال الناس المنحرفين .

502 ـ بعد جهد تجد قليلين من الأفراد استطاعوا أن يرذلوا وفرة العلم الذي اقتنوه ، ويختاروا عليه البساطة وسذاجة القلب، هؤلاء هم أكاليل في تاج الملك .

503 – إن مسرة الله هي أن نكون أنقياء مثلما خُلقنا . فنحن نحزنه حينما نغير الشيء الذي خلقنا عليه، فالنفس على صورة الله النقية خُلقت، إلا أننا أبدلنا هذه النقاوة بما يخالفها ، لأنها يوم . خُلقت كانت فيها استطاعة أن تنظر الله بدالة . ونحن ضللنا بعيداً عنه وتعبدنا لآلام العالم والجسد !

504 ـ بارك دائماً بفمك ولا تذم أحداً ، فلا تُذمّ أنت من أحد قط ، لأن المذمة تولّد مذمة، والبركة تجلب بركة.

505- لا شيء يستطيع أن ينقي القلب ويقربه إلى الله مثل الرحمة ! والأفضل لك أن يدعوك الناس إنساناً عامياً من أجل بساطة يدك في العطاء بغرض مخافة الله وليس لطلب المديح، ولا يدعونك حكيماً رزين العقل لأجل عدم اضطرابك مع كل أحد !

مار إسحق السرياني

506 ـ أحب المساكين، فإنهم بتوسطهم لك تحظى برحمة الله !

507- لا تكره روائح المرضى لأنك أنت أيضاً ذو جسد !

508 ـ لا ترذل المنسحقين، موسرين كانوا أو معسرين، لئلا تُضرب بالعصى التي بها ضُرِبوا وتطلب معزياً فلا تجد !

509 ـ لا تشمئز من المقطوعين وذوي العاهات، لأن ذلك لا يحدرهم إلى الجحيم !

510 ـــ أحب الخطاة وامقت أعمالهم ولا ترذلهم من أجل زلاتهم ، لئلا تمتحن بما امتحنوا به !

511 ـ أذكر أنك من الطبيعة الآدمية وشريك للخطاة في نتن الخطية.

512 – إتبع البساطة كتعليم الصيادين المستقيم الخالي من الغش.

513 ـ إن كنت نقي القلب رحيماً بالحق ، فإذا ما انتزع منك مالك ظلماً فلا تحزن من داخل ولا تشرح خسارتك لآخرين، بل لتكن خسارتك بمشيئتك مغتفرة برحمتك مستورة بصدقتك ! فينغلب ظالمك كما تنغلب جمرة النار في وسط مياه كثيرة !

514- أظهر أنت علامة نقاوة قلبك بمقابلتك الشر بالخير والبشاشة .

515ـ إقبل مثلبة الكلام والظلم الواقع عليك كأنه حق ، ولا تهتم كيف تقنع الناس أنك ستمت أو ظلمت، بل اسأل واطلب العفو!

516ـ إبسط جناحك على المذنب. وإذا كنت لا تستطيع أن تحمل أوزاره عليك فبالأقل استره. 

517ـ إن كنت لا تقدر أن تسد فم المتكلم على إنسان بالشر، فلا أقل من أن تحفظ فمك من مشاركته في هذا الأمر!

518 – إذا قيل فيك رديئاً وتعب ضميرك وتألم ، فهما قدمت من صلاة ودموع لا ينعتق ضميرك من التحرك بالغضب، وتنعصر نفسك بالهم ، إلى أن تعتقد تماماً أنك أنت المخطىء والمسيء سواء أخطأت أو لم تخطىء!

ما ر إسحق السرياني

519 – الذين يتراءون أمام الرب في الصلاة ولا يتقدمون بكل قلوبهم ، بل يكونون ذوي رأيين، وجميع ما يصنعونه إنما يصنعونه حتى ينالوا المجد من الناس، فهؤلاء لا يستمع الله لهم في شيء ما من طلباتهم، بل بالأكثر يغضب عليهم .

أبا أنطونيوس الكبير

520 ـ طولى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله ، لأنه بغير طهارة الجسد ونقاوة القلب لا يستطيع أحد أن يكون كاملاً. فاحرصوا يا أولادي أن تنقوا قلوبكم من الحقد والغضب بعضكم على بعض لئلا يفاجئكم الموت فتُعَدُّوا مع القتلة: «لأن من يبغض أخاه فهو قاتل نفس» . ومن ظلم منكم فليقبل ذلك بفرح ويعطي الحكم للحاكم العادل . ومن ظلم رفيقه فليسرع إليه و يتضرع أن يغفر له، ولا تدعوا الشمس تغرب على غيظكم.

أبا أنطونيوس الكبير

521 – إن الشرط الأساسي لنجاح الصلاة هو تنقية القلب من الشهوات عموماً ومن التعلق بأي شيء : محسوس أياً كان بدون هذا تظل الصلاة في درجتها الأولى أي درجة التلاوة . وبقدر ما تنقي قلبك بقدر ما تنتقل من صلاة التلاوة إلى الصلاة العقلية المتحدة بالقلب، حتى إذا ما أصبح القلب نقياً تماماً فحينئذ ترى أنه هين عليك أن تدوم في الصلاة بلا انقطاع ! … وكيف تبدأ العمل ؟ :

في الكنيسة تابع الخدمة بانتباه واربط أفكارك ومشاعرك بأفكار ومشاعر الخدمة ذاتها . في البيت أيقظ في نفسك مشاعر الصلاة وحاول أن تداوم على إنماء روح الوجود في حضرة الله.

الأسقف ثيوفان الناسك

***

ملخص المبادىء الهامة :

(1) وسيلة الوصول إلى نقاوة القلب هو تذكار الله الدائم في القلب بحيث لا يحجب ذكره أي اهتمام آخر. فإذا ما وصلنا إلى هذا الإختبار نكون قد وصلنا إلى نقاوة القلب.

(2) لا نستطيع أن نتذوق جمال الله وحلاوة العشرة مع أرواح القديسين والملائكة إلا بعد أن نصل إلى نقاوة القلب.

(3) لن يكون لصلاتنا قوة أو مفعولية إلا بعد الوصول إلى نقاوة القلب، وتكون علامتها حرارة شديدة متصلة وشعور بالإستجابة في الحال.

(4) من علامات نقاوة القلب شدة الرحمة على كل الخليقة دون تمييز بينها على الإطلاق.

(5) القلب النقي يستطيع أن يحب الأعداء كالأصدقاء. و يعطف على الحيوانات المؤذية كالمستأنسة و ينظر إلى الشرير كالبار.

(6) القلب النقي لا يستطيع أن يحكم على أحد ما أنه نجس أو دنس أو شرير، لأن نظرته العميقة لا ترى الشر – لأنه عمل عارض – وإنما ترى نفس الإنسان على حقيقتها التي خُلقت عليها كشبه الله وصورته. 

(7) القلب النقي لا يشمئز من عيوب الآخرين الجسدية أو أمراضهم أو آثامهم وإنما يتحرك عليهم بالشفقة ويحنو عليهم جداً.

(8) القلب النقي لا يحزن لخسارة مادية تلحق به أو تجربة أو ضيقة لأنه يرى كل شيء يُعمل بتدبير الله وحسب قصده .

 

(9) القلب النقي يلوم ذاته و يضع الخطأ على نفسه في كل ما يعرض عليه من اضطهاد أو ظلم أو مذمة.

(10) طـلـب مجـد الـنـاس ومديحهم ، أو التكلم بكلام السفاهة والمزاح، أو استعمال المكر والخداع أو الحسد والغيرة ؛ كل ذلك يقف سداً منيعاً دون التقدم في نقاوة القلب.

(11) بمجرد أن يتنق القلب من الشرور ومن التعلق بالعالم فإنه ينطلق في الصلاة و يتذوق بركاتها.

( 12 ) نقاوة القلب هي ثمن الملكوت .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى