تفسير إنجيل لوقا ٧ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح السابع

الآيات (1-10):               في كتاب إنجيل متى (مت5:8-13)

الآيات (11-17):              (إقامة إبن أرملة نايين)

 

الآيات (11-17): “وفي اليوم التالي ذهب إلى مدينة تدعى نايين وذهب معه كثيرون من تلاميذه وجمع كثير. فلما اقترب إلى باب المدينة إذا ميت محمول ابن وحيد لأمه وهي أرملة ومعها جمع كثير من المدينة. فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبكي. ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون فقال أيها الشاب لك أقول قم. فجلس الميت وأبتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه. فاخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه. وخرج هذا الخبر عنه في كل اليهودية وفي جميع الكورة المحيطة.”

1)  لا تبكي= قبل أن يلمس الرب النعش لمس قلب الأم قائلاً لها لا تبكي. ولا تبكي هذه لو قالها أي إنسان لأم فقدت وحيدها فهي لن تعزيها، أمّا لو سمعتها من المسيح نفسه لدخل العزاء إلى قلبها. فالناس معزون متعبون غير قادرين على تعزية أحد. لكن الله وحده هو الذي يحول النار التي في القلب إلى برودة.

2)  هذه المعجزة تختلف عن إقامة إبنة يايرس وإقامة لعازر، فهنا نجد أن المسيح هو الذي يبادر بصنع المعجزة دون أن يسأله أحد ليعلن أنه أتى ليعطي حياة للبشر، فهو ليس قادر على أن يقيم من الموت الجسدي فقط، بل هو قادر أن يقيمنا من موت الخطية (يو25:5). ومن يقوم من موت الخطية تكون له حياة أبدية. هذه المعجزة تشير تماماً لما عمله المسيح، فهو أتى ليعطي للبشرية حياة دون أن يسأله أحد. فمن كان يتصور من البشر أن هناك حل لمشكلة الموت.

3)    إيليا وإليشع وغيرهم ممن أقاموا أموات، أقاموهم بالصلاة لله أما المسيح فكان يعطي أمراً دون أن يصلي.

4)  الأرملة تشير للبشرية التي صارت كأرملة بفقدها نعمة الله ولذة العشرة مع الله. أما الشاب الميت فيشير لكل نفس وقد أفقدتها الخطية حياتها فصارت ميتة.

5)  هناك أموات كثيرين ماتوا أيام السيد المسيح ولم يقمهم، فالسيد لا يهتم بأن يقيم الأجساد لتموت ثانية، بل هو يريد أن يعلن أنه يريد قيامتنا من موت الخطية لحياة أبدية، وإقامته لهذا الشاب خير دليل على إمكانية حدوث هذه القيامة الأبدية.

6)  الثلاث معجزات التي أقام فيها السيد أموات، تشير لثلاث درجات الخطية (راجع معجزة إقامة إبنة يايرس في كتاب إنجيل متى)

7)  لمس السيد للنعش يظهر أن جسد المسيح المتحد بلاهوته قادر أن يعطي حياة لمن يتلامس معه، فهو له سلطان على محو الموت والفساد “من يأكلني يحيا بي” (يو57:6). وبنفس المفهوم حين تفل المسيح ولمس لسان الأصم فهو كان ينقل له حياة، وحين تفل ليلمس عين الأعمى (مر33:7+ مر23:8+ يو6:9). من هنا نفهم أن جسد المسيح كان له تأثير في خلاص الإنسان، وهذا لإتحاده باللاهوت. ونرى تطبيقاً لهذا قول السيد المسيح عن سر الإفخارستيا “من يأكلني يحيا بي” ففي جسده حياة.

8)    كان مع السيد المسيح كثيرون رأوا هذه المعجزة. والسيد قصد هذا لتثبيت إيمانهم.

الآيات (18-23):              في كتاب إنجيل متى (مت1:11-6)

الآيات (24-28)               في كتاب إنجيل متى (مت7:11-11)

الآيات (29-35)               في كتاب إنجيل متى (مت16:11-19)

الآيات (36-50)               (المرأة الخاطئة)

 

الآيات (36-50): “و سأله واحد من الفريسيين أن يأكل معه فدخل بيت الفريسي واتكأ. وإذا امرأة في المدينة كانت خاطئة إذ علمت انه متكئ في بيت الفريسي جاءت بقارورة طيب. ووقفت عند قدميه من ورائه باكية وابتدأت تبل قدميه بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب. فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك تكلم في نفسه قائلاً لو كان هذا نبيا لعلم من هذه الإمرأة التي تلمسه وما هي أنها خاطئة. فأجاب يسوع وقال له يا سمعان عندي شيء أقوله لك فقال قل يا معلم. كان لمداين مديونان على الواحد خمس مئة دينار وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا فقل أيهما يكون اكثر حبا له. فأجاب سمعان وقال أظن الذي سامحه بالأكثر فقال له بالصواب حكمت. ثم التفت إلى المرأة وقال لسمعان أتنظر هذه المرأة أني دخلت بيتك وماء لأجل رجلي لم تعط وأما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها. قبلة لم تقبلني وأما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلي. بزيت لم تدهن رأسي وأما هي فقد دهنت بالطيب رجلي. من أجل ذلك أقول لك قد غفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً والذي يغفر له قليل يحب قليلاً. ثم قال لها مغفورة لك خطاياك. فابتدأ المتكئون معه يقولون في أنفسهم من هذا الذي يغفر خطايا أيضاً. فقال للمرأة إيمانك قد خلصك اذهبي بسلام.”

1)  الآية السابقة مباشرة الحكمة تبررت من جميع بنيها، نجد تطبيقها المباشر في هذه القصة، فها هي المرأة الخاطئة ولكنها كانت حكيمة، فهي أتت للمسيح معترفة بخطاياها في إنكسار نفس، دون إعتراض أو كبرياء أو عجرفة، فحصلت على الخلاص.

2)    هناك من يخلط بين هذه القصة وبين ساكبة الطيب في (مت6:26-13). ولكن هناك فروق.

 

 

مـــت26

لـــو7

المضيف:
المرأة:
اعتراض الحاضرون:
الزمن:
المكان:

 

سمعان الأبرص

مريم القديسة

ثمن الطيب أولى به الفقراء

في نهاية حياة المسيح

بيت عنيا قرب أورشليم

سمعان الفريسي

امرأة خاطئة

اقتراب الخاطئة من المسيح

في بداية خدمة المسيح

في الجليل

وبالتالي نستنتج أنهما قصتان مختلفتان تماماً ولاحظ أن إسم سمعان كان منتشراً وفي متى26 سكبت مريم القديسة أخت لعازر التي إختارت النصيب الصالح الطيب حباً في يسوع. وفي (لو7) تسكب هذه المرأة الطيب طلباً للغفران وإعترافاً بخطاياها. وهي إمرأة سيرتها سيئة في المدينة.

3)  كانت أبواب اليهود مفتوحة بداعي الكرم، وخصوصاً في مناسبة كهذه. لذلك دخلت هذه المرأة، هي كانت قد سمعت أن المسيح يقبل الخطاة ويغفر لهم فأتت وكلها أمل في الغفران وبدء حياة جديدة بلا إثم. ووقفت هذه المرأة وراء السيد وسكبت الطيب على رجليه ولما لم يمنعها أو يرفض ما عملته، وربما نظر لها نظرة قبول، وهي تعرف عدم استحقاقها بكت عند قدميه فبلت قدميه وهو متكئ، ولما سقطت دموعها على قدميه خجلت فمسحتهما بشعرها (ولاحظ أن شعر المرأة مجدها 1كو15:11) فهي بهذا تضع كل مجدها وكرامتها تحت قدمي المسيح. (ملحوظة: هم كانوا يخلعون النعال إذا إتكأوا للطعام).

4)  وماء لرجلي لم تعطي= كان من عادة اليهود أن المضيف ليظهر إحترامه لضيفه، وتقديره له، أن يغسل قدميه ويمسح رأسه بالدهن الطيب الرائحة (زيت مضاف له روائح طيبة). فسمعان تكلف مالاً كثيراً في الوليمة ولكنه لم يعط لضيفه من مشاعره، ربما خوفاً من بقية الفريسيين لئلا ينتقدوه وربما شعر أنه يكفي أن يقيم وليمة للمسيح المرفوض من الجميع. هو بهذا شعر أنه صاحب فضل على المسيح، والمسيح يكفيه هذا. ومن يشعر بهذا سريعاً ما يُدين المسيح، وهذا ما حدث “لو كان هذا نبياً، لعلم من هذه..).. (من يداين المسيح سريعاً ما يدينه). وهذا ما حدث لنا فنحن إذا شعرنا أننا أصحاب فضل على الله حينما نصلي ونصوم، فسريعاً ما ندينه إذا حدثت لنا أي تجربة قائلين.. لماذا يا رب تفعل ذلك.. كأن الله قد أخطأ. لذلك ينبه المسيح “لا تعرف شمالك ما تعمله يمينك” فاليمين هو عمل البر من صلاة وصوم..الخ. والشمال هو الافتخار بهذا والشعور بأننا أصحاب فضل. وتعليم رب المجد “إن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالون، فمن يشعر أنه عبد بطال غير مستحق لشئ، إذا جاءته تجربة يقول. هذا بسبب خطيتي، لكنه لا يدين الله.

5)  لقد إقتحمت هذه المرأة مجلس السيد المسيح ولكنه قبلها، إذا قد أتت بتوبة صادقة. وهو يقبل كل من يأتي بتوبة صادقة غافراً له. لقد صارت هذه المرأة نموذجاً لكثيرين، تعلموا منها وأتوا للسيد المسيح فغفر لهم.

6)  هذه المرأة تعطي درساً لكل منَّا وهو.. أن الطريق الشرعي المقبول لكي نقترب من المسيح ونكون مقبولين.. هو أن نأتي معترفين بخطايانا معترفين بعدم إستحقاقنا (راجع قصة الفريسي والعشار). بل أن المسيح في إشتياق لمثل هذه النفوس التائبة المعترفة الباكية، التي تشعر بإحتياجها إليه كرب غافر. ومهما كانت خطايانا فرحمة الله أعظم. فهذه المرأة بحسب الناموس تستحق الرجم لكن مراحم الله خلصتها.

7)  هذا الفريسي دعا المسيح إلى بيته، لا إلى قلبه، ولكن المرأة الخاطئة إقتحمت البيت بدالة المحبة. الفريسي يمثل النفس التي تتخفى وراء المظاهر الخارجية دون الأعماق، أما المرأة فتمثل النفس الجادة في خلاصها فتهتم باللقاء الخفي مع العريس السماوي. وربما كان هذا الفريسي يريد أن يرى آية من آيات الرب التي سمع عنها أو هو رأي أن مستقبل هذا المعلم مشرق وأراد أن يستفيد منه، عموماً فإرتباطنا بالمسيح بسبب أغراض ومطامع مادية يضيع منّا الخلاص. أمّا لو أتينا له كخطاة مثل هذه المرأة سننال الخلاص.

8)  طريقة الجلوس أثناء الطعام: كانوا يجلسون حول موائد ذات أرجل قصيرة، وكانوا يجلسون على أرائك أي مقاعد أرضية مستندين على المائدة، وأرجلهم إلى خلف، وخالعين نعالهم، لذلك أتت تلك المرأة من خلف السيد وسكبت الطيب عند قدميه، وطالما مسحت قدميه بشعرها، فمن المقصود أنها كانت في وضع أقرب للسجود.

9)  قول الكتاب “وإذا امرأة في المدينة كانت خاطئة” هذا القول يشير لأن سمعتها كانت سيئة ومنتشرة في كل المدينة. ولكن واضح أنها تابت، ودموعها خير شاهد لذلك، ودموعها، دموع التوبة عند المسيح هي أثمن من أي قارورة طيب.

10)  شك الفريسي في أن المسيح ليس بنبي لأن من يلمس زانية يتنجس، ولكن من يلمس المسيح يتقدس والسيد أظهر له أنه أعظم من نبي، فالنبي لا يعلم ما في القلوب، لكن السيد المسيح أجاب علناً على تساؤلات سمعان التي في قلبه. والسيد المسيح أظهر للفريسي أن هذه المرأة أعظم منه حباً. فالفريسي [1] لم يقم بواجبات المضيف من غسل الأرجل فكانوا يلبسون صنادل فتتسخ أرجلهم من التراب. [2] الدهن بالزيت لإنعاش الضيف. [3] التقبيل (أي إبداء مشاعر المحبة). (ملحوظة: الزيت يحتوي على عطور للإنعاش).

 والمرأة [1] غسلت قدمي السيد ومسحتهما بشعرها [2] دهنت قدميه بالطيب [3] قبلت قدميه. وما سبب هذا العطاء؟ الحب الذي ملأ قلبها. وما سبب هذا الحب؟ شعورها بغفران السيد لها، ولاحظ أنها ما كانت ستشعر بحب السيد وغفرانه إلاّ لو كانت قد إنفتحت عيناها على خطاياها، بل وعلى محبته وغفرانه لها. والسؤال كيف أدركت هذا الحب؟ لا نعرف. فالله له طرقه الخاصة التي تختلف من إنسان لإنسان. وهو أعطى لها من محبته (ربما في هذا اليوم أو قبل هذا اليوم فصارت تسير وراءه) ما جعلها تفهم أنه غفر لها فأحبته. أما الفريسي المعجب بنفسه، فهو يرى أنه كامل بلا خطية وبالتالي فهو لا يحتاج لغفران، ولذلك فمحبته محدودة. ولاحظ أن محبة المرأة كانت أيضاً لإيمانها بأن المسيح غفر، وله سلطان أن يغفر= إيمانك قد خلصك.

11)  إننا نحتاج لقضاء أوقات طويلة في الصلاة ودراسة الكتاب المقدس فهذا يفتح أعيننا [1] لنعرف شخص المسيح [2] لنعرف نجاسة قلوبنا وكم غفر المسيح لنا، وكيف قبلنا ونحن هكذا. وإذا إنفتحت أعيننا ورأيناه وعرفنا ما فعله لأجلنا سيمتلئ القلب حباً له. ولكن هذا الفريسي كانت عينه مغلقة، فهو شعر أنه أعطى المسيح ولم يأخذ شيئاً من المسح، فلم يحب المسيح.

12)      لم يكن لهما ما يوفيان= هذا يعني عجز البشر عن إيفاء الله ما عليهم من دين الخطية، زادت خطاياه أم قلت.

13)      إذهبي بسلام= هذه ليست مثل “مع السلامة” ولكن المسيح يهبها سلاماً عجيباً.

14)  لأهمية هذا الجزء تصليه الكنيسة يومياً في صلاة نصف الليل، لأننا نرى فيه الطريق الصحيح للإقتراب من المسيح لننال الغفران والسلام وننعم بمحبته، ألا وهو الإنسحاق أمام الله طالبين الرحمة والغفران.

فاصل

إنجيل القديس لوقا: 1234567891011 12131415161718192021222324 

تفسير إنجيل القديس لوقا: مقدمة123456789 101112131415161718192021222324 

زر الذهاب إلى الأعلى