تفسير المزمور 94 للقمص أنطونيوس فكري
هذا المزمور تنسبه الترجمة السبعينية لداود. ومرنم المزمور يعبر عن حالة من الأسى والألم لأن الأشرار قد تعالوا بوقاحة على الأبرار، ويطلب من الله أن ينتقم وسريعًا.
هو صوت شعب العهد القديم يصرخ للمسيح ليأتي وينتقم من إبليس الذي أذل بني آدم.
هو صوت الكنيسة المتألمة في العالم تصرخ للمسيح ليتدخل وينقذها وينتقم لها (رؤ10:6) ونفهم أن الله يسمح بهذه الضيقات ولكنه لا يترك أولاده بلا تعزيات (19) وحين يأتي ملء الزمان سيأتي ليخلص عبيده خلاصًا أبديًا، كما جاء في مجيئه الأول في ملء الزمان ليخلص عبيده بفدائه.. “لكل شيء تحت السموات له وقت” (جا1:3).
آية (1): “يَا إِلهَ النَّقَمَاتِ يَا رَبُّ، يَا إِلهَ النَّقَمَاتِ، أَشْرِقِ.”
يَا إِلهَ النَّقَمَاتِ، أَشْرِقِ = هو شمس البر الذي اشتهى شعب العهد القديم أن يتجسد ليخلصه، ونشتهي الآن ظهوره الثاني لنحيا في الأبدية (رؤ20:22). وهو إله النقمات ولاحظ تكرارها. فمجيئه الأول دان فيه إبليس وضربه وقيده. وفي مجيئه الثاني يلقيه في البحيرة المتقدة بالنار هو ومن يتبعه (رؤ10:20) لينتقم لكل المظلومين.
آية (2): “ارْتَفِعْ يَا دَيَّانَ الأَرْضِ. جَازِ صَنِيعَ الْمُسْتَكْبِرِينَ.”
ارتفع= اظهر يا رب سيادتك ليعرف الظالمين الأقوياء أنك فوق الجميع، ولكن هي نبوة عن صلبه الذي بدأ به دينونة إبليس (يو32:12 + كو15:2).
الآيات (3-7): “حَتَّى مَتَى الْخُطَاةُ يَا رَبُّ، حَتَّى مَتَى الْخُطَاةُ يَشْمَتُونَ؟ يُبِقُّونَ، يَتَكَلَّمُونَ بِوَقَاحَةٍ. كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ يَفْتَخِرُونَ. يَسْحَقُونَ شَعْبَكَ يَا رَبُّ، وَيُذِلُّونَ مِيرَاثَكَ. يَقْتُلُونَ الأَرْمَلَةَ وَالْغَرِيبَ، وَيُمِيتُونَ الْيَتِيمَ. وَيَقُولُونَ: «الرَّبُّ لاَ يُبْصِرُ، وَإِلهُ يَعْقُوبَ لاَ يُلاَحِظُ».”
وصف لشر الأشرار وكبريائهم. يُبِقُّونَ = يتكلمون بوقاحة كلامًا كثيرًا. وأصل الكلمة يعني يخرج هواء كثيرًا من فمه بصوت عالٍ، فكلامهم ليس أكثر من هواء بلا قيمة.
الآيات (8-11): “اِفْهَمُوا أَيُّهَا الْبُلَدَاءُ فِي الشَّعْبِ، وَيَا جُهَلاَءُ مَتَى تَعْقِلُونَ؟ الْغَارِسُ الأُذُنِ أَلاَ يَسْمَعُ؟ الصَّانِعُ الْعَيْنَ أَلاَ يُبْصِرُ؟ الْمُؤَدِّبُ الأُمَمَ أَلاَ يُبَكِّتُ؟ الْمُعَلِّمُ الإِنْسَانَ مَعْرِفَةً. الرَّبُّ يَعْرِفُ أَفْكَارَ الإِنْسَانِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ.”
المرنم يعطي نصيحة للأشرار أن يفهموا أن الله يعلم بكل ما يفعلوه. ولكنه يطيل أناته عليهم لعلهم يتوبون وهو يتركهم كعصا تأديب لينقي أولاده.
الآيات (12-15): “طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي تُؤَدِّبُهُ يَا رَبُّ، وَتُعَلِّمُهُ مِنْ شَرِيعَتِكَ لِتُرِيحَهُ مِنْ أَيَّامِ الشَّرِّ، حَتَّى تُحْفَرَ لِلشِّرِّيرِ حُفْرَةٌ. لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يَرْفُضُ شَعْبَهُ، وَلاَ يَتْرُكُ مِيرَاثَهُ. لأَنَّهُ إِلَى الْعَدْلِ يَرْجعُ الْقَضَاءُ، وَعَلَى أَثَرِهِ كُلُّ مُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ.”
هناك من يحسد الأشرار على قوتهم، ويرثى للمساكين المظلومين. لكن المرنم هنا يطوب المسكين المتألم، لأن الرب يؤدبه ويعلمه ليرِيحَهُ مِنْ أَيَّامِ الشَّرِّ . ويلقي الأشرار في حُفْرَةٌ = بحيرة النار (رؤ10:20) فألام البار ليست علامة أن الرب تركه = لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يَرْفُضُ شَعْبَهُ. بل هو يؤدب فقط كما قال بولس الرسول “من يحبه الرب يؤدبه” (عب12: 5 ، 6). وفي الزمان المحدد يأتي العدل ويتحقق، ويصير القضاء بحسب عدل الله= لأَنَّهُ إِلَى الْعَدْلِ يَرْجعُ الْقَضَاءُ، وَعَلَى أَثَرِهِ كُلُّ مُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ = كل مَنْ كان مستقيم القلب سيسبح الله على أحكام عدله، وسيرضى الجميع باقتناع بأحكام الله. الآن قد يبدو أن أحكام الله وقضائه ليسا بحسب العدل، وذلك راجع لقصر نظرنا، ولكن في اليوم الأخير سنرى أن الله قد صنع كل شيء بحكمة. ولثقة الأبرار أن أحكام الله العادلة هي التي ستسود فهم يسيرون على أثر عدل الله ووصاياه.
الآيات (16، 17): “مَنْ يَقُومُ لِي عَلَى الْمُسِيئِينَ؟ مَنْ يَقِفُ لِي ضِدَّ فَعَلَةِ الإِثْمِ؟ لَوْلاَ أَنَّ الرَّبَّ مُعِينِي، لَسَكَنَتْ نَفْسِي سَرِيعًا أَرْضَ السُّكُوتِ.”
هنا تصوير لقوة الأعداء، والمرنم لم يجد من يقف بجانبه ضدهم ليخلصه = مَنْ يَقُومُ لِي عَلَى الْمُسِيئِينَ… ولكن الله معنا ينصرنا. ولذلك تجسد المسيح ليخلصنا فنحن كنا أضعف جدًا جدًا بل كنا في حالة عجز كامل عن أن نخلص أنفسنا.
آية (18): “إِذْ قُلْتُ: «قَدْ زَلَّتْ قَدَمِي» فَرَحْمَتُكَ يَا رَبُّ تَعْضُدُنِي.”
زلت قدمي= بالخطايا والميول المنحرفة. ولكن كل من يتوب ويعترف تدركه مراحم الله.
آية (19): “عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي.”
في وسط التجارب والأحزان لا تتركنا تعزيات الله (المسيح صاحب الثلاثة فتية في الأتون).
آية (20): “هَلْ يُعَاهِدُكَ كُرْسِيُّ الْمَفَاسِدِ، الْمُخْتَلِقُ إِثْمًا عَلَى فَرِيضَةٍ؟”
الأشرار يظلمون الأبرياء، وهم لهم قوة وسلطان= كُرْسِي. ولكنه بسبب شرورهم يسمى كرسي المفاسد. وبسلطانهم يحمون أحكامهم الظالمة ويسندونها، ويسببون رعبًا لأولاد الله. بل هم يصورون بقوانينهم الظالمة أن مظالمهم لها صورة القانون، هم غشاشون، وقحون، أقوياء. المختلق إثمًا على فريضة= يضعون قوانين لها صورة الفريضة والقانون وفي داخلها حماية لشرورهم،بل هي تقنين لشرورهم. كما حدث مع المسيح فهم حاكموه كمخالف للناموس، وهكذا حاكموا كل الرسل. وهناك في أيام دانيال لفق أعداؤه قانونًا ليمسكوا به ويرموه في جب الأسود. هل يعاهدك كرسي المفاسد= هل يدخل الله في معاهدة مع هؤلاء الأشرار أي هل هو متفق معهم فيما يعملونه أو هو يحميهم؟ قطعًا لن يحدث، وطالما لن يحدث فهم محكوم عليهم بالنهاية الأليمة مهما كانت قوتهم.
آية (21): “يَزْدَحِمُونَ عَلَى نَفْسِ الصِّدِّيقِ، وَيَحْكُمُونَ عَلَى دَمٍ زَكِيٍّ.”
هذا ما كان يحدث مع الشهداء والقديسين وأوضح صورة لهذا حدثت للمسيح نفسه.
الآيات (22-23):- “فَكَانَ الرَّبُّ لِي صَرْحًا، وَإِلهِي صَخْرَةَ مَلْجَإِي. وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِثْمَهُمْ، وَبِشَرِّهِمْ يُفْنِيهِمْ. يُفْنِيهِمُ الرَّبُّ إِلهُنَا.”