تفسير المزمور 97 للقمص أنطونيوس فكري
بحسب السبعينية، عنوان المزمور “لداود لما ارتدت له الأرض” أي بعد أن أرتاح من الحروب ومقاومة الأعداء، وصارت له المملكة.
والمسيح بصليبه امتلك أرضنا أي جسدنا، فبعد أن كنا متمردين على الله، خضعنا له، وصارت أرضنا ملكه، وأرسل روح قدسه على أرضنا فأثمرت (ثمار الروح) ولذلك نجد هذا المزمور ينقسم إلى قسمين:-
o الأول: الآيات (1-6) يصور هياج العالم الطبيعي ولكنه تحت سيطرة الله.
o الثاني: الآيات (7-12) يصور النتائج الروحية لمجيء المسيح وعمله الخلاصي وخضوع الكل له.
آية (1): “اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ، فَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ، وَلْتَفْرَحِ الْجَزَائِرُ الْكَثِيرَةُ.”
الله هو خالق وملك الأرض كلها. فقوله الرب قد ملك= يشير لملكه الجديد بصليبه. وكل خاطئ يتوب ويرجع إلى الله يملك عليه. لتبتهج الأرض= أي الإنسان الذي حرره الرب، أما الفرح فهو من ثمار الروح. وتفرح الجزائر= إشارة للأمم (تك5:10) الساكنين في الجزائر البعيدة. وروحيًا فالجزيرة تشير للمؤمن الثابت الذي تحيط به الأمواج من كل ناحية.
آية (2): “السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ. الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّهِ.”
السحاب= إشارة لأن الله يحجب نفسه فنحن لا نستطيع أن نعاين مجده (أع9:1). والضباب= إشارة لأن معلوماتنا عن الله ضئيلة جدًا. ولكن نعلم أن العدل قاعدة كرسيه.
آية (3): “قُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ وَتُحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ.”
الله في عدله هو نار آكلة تحرق أعداءه المتمردين عليه (لا1:10، 2 +عد35:16 + تك24:19). وقُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ = فإلهنا نار آكلة، وهي نار دينونة للمضادين (دا7: 9-10 + رؤ20: 9-10). أما بالنسبة لشعبه نجد أن الروح القدس حل على التلاميذ على هيئة ألسنة نار. وإلهنا “سور من نار” حولنا يحفظنا (زك5:2). والروح القدس يشعل نار المحبة في قلوبنا لله (رو12:11 + رو5:5 + مت14:24 + لو32:24 + تث24:4 + عب29:12). وهي نار إحراق وروح إحراق (أش4:4) يحرق خطايانا.
آية (4): “أَضَاءَتْ بُرُوقُهُ الْمَسْكُونَةَ. رَأَتِ الأَرْضُ وَارْتَعَدَتْ.”
أضاءت بروقه المسكونة= تفهم بمعنيين مثل النار: فتفهم أولًا بأن الله يخيف أعداؤه بالبروق التي تحرق وتدمر. وتفهم أن نور الكرازة شمل العالم كله وأناره. وتفهم البروق أيضًا على أنها وعود الله التي يأتي بعدها تحقيق هذه الوعود، كما يأتي المطر بعد البروق. ولكن بمقارنة هذه الآية بالآية السابقة (3) وبالآية اللاحقة (4) نفهم البروق على أنها وعود الله للمؤمنين بنهاية الشر الذي يُدَبَّر ضدهم من الأقوياء. لذلك تكمل الآية بقوله رَأَتِ الأَرْضُ وَارْتَعَدَتْ = الأرض هنا هم الأقوياء المتكبرين الذين ضربهم الله عقابا على ما فعلوه بكنيسته. ورأى الآخرون ما حدث فإرتعدوا.
آية (5): “ذَابَتِ الْجِبَالُ مِثْلَ الشَّمْعِ قُدَّامَ الرَّبِّ، قُدَّامَ سَيِّدِ الأَرْضِ كُلِّهَا.”
ذابت الجبال = أمام الله تذوب الجبال. فالشعوب الوثنية (الرومان) ذابت في الكنيسة. والجبال اتخذت رمزًا للأمم التي قاومت المسيح وكنيسته (رؤ 17: 9) وكلها زالت وسيزول الباقي، ولكن كنيسة المسيح ستبقي للأبد.
آية (6): “أَخْبَرَتِ السَّمَاوَاتُ بِعَدْلِهِ، وَرَأَى جَمِيعُ الشُّعُوبِ مَجْدَهُ.”
يوم عماد المسيح انفتحت السموات وشهد الآب له. ويوم ميلاده سبحت الملائكة ولقد ذاع خبره بالكرازة، ورأي جميع الشعوب مجده = بالإيمان الذي انتشر في كل العالم، والمؤمنين الذين مجدوا الله بأعمالهم.
الآيات (7، 8): “يَخْزَى كُلُّ عَابِدِي تِمْثَال مَنْحُوتٍ، الْمُفْتَخِرِينَ بِالأَصْنَامِ. اسْجُدُوا لَهُ يَا جَمِيعَ الآلِهَةِ. سَمِعَتْ صِهْيَوْنُ فَفَرِحَتْ، وَابْتَهَجَتْ بَنَاتُ يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ.”
هنا نرى إيمان الأمم = يخزي كل عابدي تمثال.. وإيمان اليهود = سمعت صهيون ففرحت. لقد جمع المسيح كرأس للزاوية الأمم واليهود في جسده الواحد (أف 2).
آية (9): “لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ عَلِيٌّ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. عَلَوْتَ جِدًّا عَلَى كُلِّ الآلِهَةِ.”
علوت جدًا= الله عالي دائمًا. ولكنه حينما ارتفع على الصليب مجدته كل الأرض. والمسيح الذي جاء إلينا متواضعًا ظهر أنه هو يهوه العظيم، وصعد المسيح وجلس عن يمين الآب.
آية (10): “يَا مُحِبِّي الرَّبِّ، أَبْغِضُوا الشَّرَّ. هُوَ حَافِظٌ نُفُوسَ أَتْقِيَائِهِ. مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ يُنْقِذُهُمْ.”
آية (11): “نُورٌ قَدْ زُرِعَ لِلصِّدِّيقِ، وَفَرَحٌ لِلْمُسْتَقِيمِي الْقَلْبِ.”
نُورٌ قَدْ زُرِعَ = نور قد أشرق.. هو المسيح نور العالم. نُورٌ قَدْ زُرِعَ لِلصِّدِّيقِ = المسيح نور من نور. هو ظهر كنور في العالم حين تجسد وبدون زرع بشر، إنما بالروح القدس. ولم يعرفه إلاّ الصديقين. وبعد أن صعد زرع حياته في كل معمد مؤمن، فبولس يقول “لي الحياة هي المسيح” (أف21:1)، ويقول “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” (غل20:2). وبعد أن كنا ظلمة زُرِع فينا نور، وبعد أن كنا موتى زُرِعَ فينا حياة. وحسب وعده فهو وسط كنيسته كل الأيام، بل وسط أي اثنين يجتمعان باسمه.
آية (12):- “افْرَحُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِالرَّبِّ، وَاحْمَدُوا ذِكْرَ قُدْسِهِ.”