حول كلمة الصلاة

‏للعلامة أوريجانوس

على قدر ما واتاني البحث والجهـد ، فقد وجدت ان كلمة الصـلاة استخدمت للمرة الأولى ، عندما هرب يعقوب من غضب اخيه عيسو وذهب الى بيت بتوئيل او حاران Mesopotamia ، كما اوصاه أبوه اسحق وامه رفقة ( تك27: 41 وما بعده ) ، ونذر يعقوب للرب نذرا فقال : ان كان الله معى وحفظني في هذا الطريق الذي انا سائر فيه واعطاني خبزا لآكل وثيابا لألبس ورجعت بسلام الى بيت أبي يكون الرب لي الهاً، وهذا الحجر الذي اقمته عموداً يكون بيت الله وكل ما تعطيني فأني اعشره لك ( تك28: 20-21).

وهنا نلاحظ أن كلمة الصلاة تدل على معنى يختلف عن دلالة التضرع والدعاء التي تقترن بالصلاة ، فالصلاة هنا تستعمل للتعبير عن موقف الشخص الذي يتعهد بقسم او بعهد ان يعمل أو يؤدي امورا معينة اذا منحه الله اشياء اخرى او طلبات تمناها ، الا أن هذا التعبير يشير ايضا الى المعنى المألوف . فنجد مثل هذا في سفر الخروج بعد أن وصف ضربة الضفادع – وهي الضربة الثانية من الضربات العشر ـ .. فدعا فرعون موسى وهارون وقال صليا الى الرب ليرفع الضفادع عني وعن شعبى فأطلق الشعب ليذبحوا للرب ( خر8: 8) وإذا بدت هناك صعوبة ما في ادراك مدلول كلمة الصلاة كما استخدمها فرعون، لأنها تجمع في مضمونها بين المعنى المألوف للتضرع فضلاً عن التعهد والنذر. فما علينا إلا ان نقرأ ما يلي هذه الكلمات : فقال موسى لفرعون عين لي متى اصلى لأجلك . لأجل عبيـدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيتك وعن شعبك ولكنها تبقى في النهر (خر8: 9).

 ونلاحظ كذاك في الضربة الثالثة ـ ضربة البعوض- ان فرعون لم يطلب تقديم الصلاة ، وبالتالي لم يرفع موسى عنه صلاة . وفي الضربة الرابعة ضربة الذباب ـ يقول فرعون : صليا لأجلى ( تك8: 28) فيجيبه موسى : ها أنا أخرج من لدنك واصلى الى الرب فيرتفع الذباب عن فرعون وعبيده وشعبه غدا ( تك8: 29) ثم نقرا بعد ذلك بقليل : فخرج موسى من لدن فرعون وصلى الى الرب ( تك8: 30) ثم يعود فرعون ايضا في الضربتين الخامسة و السادسة فلا يطلب الصلاة ، وموسى طبعا لا يصلى من اجله ، بينما في الضربة السابعة : فأرسل فرعون ودعا موسى وهارون وقال لهما أخطات هذه المرة . الرب هو البار ولكني انا وشعبي هم الاشرار . صليا الى الرب حتى تكف رعود الله والبرد والنار ( خر9: 27و 28) ثم نقرا بعد ذلك : فحرج موسى من لدن فرعون وبسط يديه الى الرب فانقطعت الرعود ( خر9: 33 ) ولن نتعرض الآن لمناقشة السبب الذي دعاه الى القول « بسط يديه الى الرب » ولم يقل “صلى” كما حدث في المرات السابقة، ونرجي، هذا البحث الى وقت آخر ولكنه في الضربة الثامنة يكرر قوله السابق ففرعون يقول : صليا الى الرب الهكما ليرفع على هذا الموت فخرج موسى من لدن فرعون وصلى الى الرب ( خر10: 17و18) .

مما سبق نرى أن كلمة الصلاة قد تستخدم في أحيان كثيرة للدلالة على معنى يختلف عما تعارف عليه الناس . كما راينا في قصة يعقوب.

ونجد مثالاً آخر في سفر اللاويين : وكلم الرب موسى قائلا كلم بني اسرائيل وقل لهم الرجل الذي يفرز نفسه ويتعهد بها للرب فليدفع القيمة ، فان كان تقويمك لذكر من ابن عشرين سنة الى ابن ستين سنة يكون تقويمك خمسين شاقل فضة حسب شاقل المقدس ( لا27: 1-3) وفي سفر العدد : وكلم الرب موسى قائلا : كلم بني اسرائيل وقل لهم اى رجل او امراة قدم نذراً مقدساً ان يفرز نفسه للرب فمن الخمر والسكر يمتنع[1] ( عد6: 1-2) وهكذا بالنسبة للمنذورين وبعد قليل يقول : ويقدس راسه في ذلك اليوم ويقدس للرب أيام ندره ( عد6: 11و12) ثم يقول : وهذه شريعة النذير يوم تكمل ايام انتذاره ( عد6: 13 ) وبعد بضع آيات أخرى بقول : وبعد ذلك يشرب النذير خمرا . هذه هي شريعة النذير الذي ينذر شريعة النذير يوم تكمل ايام انتذاره ( عد6: 13 ) وبعد بضع آيات اخر كذلك يعمل حسب شريعة انتذاره ( عد6: 20و21) . وبالقرب من نهاية سفر العدد نقرأ : وكلم موسى رؤساء اسباط بنی اسرائیل قائلا هذا ما أمر به الرب اذا نذر رجل نذرا للرب أو أقسم قسما أو التزم بتعهد فلا ينقض كلامه ، حسب كل ما خرج من فمه يفعل . واما المراة فاذا نذرت نذراً للرب والتزمت بعهد في بيت ابيها في صباها وسمع ابوها نذرها والعهد الذي الزمت نفسها به فان سكت أبوها لها ثبتت كل نذورها وكل عهودها التي الزمت نفسها بها تثبت ( عد30: 1-4) ثم تأتي بعد ذلك عدة توصيات خاصة تقدمها الشريعة في هذا الشأن ، كما جاء في الأمثال : على ذبائح السلامة . اليوم أوفيت نذوری ( أم7: 14 ) .

وهناك كمين قد يسقط في شراكه الانسان . عندما يتسرع في النذر[2] فيقدم للرب شيئا يخصه ويجب أن يحتفظ به ، فمتی قدم نذره فلن يكون أمامه بعد ذلك سوى الندم . ولهذا نقرا في سفر الجامعة : أن لا تنذر خبر من أن تنذر ولا تفی ( جا5: 5 ) . ومما يشير الى الصلاة بمعنى النذر ما جاء في سفر الأعمال : عندنا أربعة رجال عليهم نذر ( أع21: 23) .

‏اذا ، فقد كان من الحق في البداية أن نميز بين المعاني التي تشير اليها كلمة الصلاة ، ويبدو لي الآن ان كلمة الدعاء أو الاسترحام Invocation تحتاج أيضا أن نتعمق مفهومها ، لأن هذه الكلمة فضلا عن استعمالها الشائع. فهي تشير الى الصلاة كما قيل مثلا في قصة حنة في سفر صموئيل الأول : وعالي الكاهن جالس على الكرسي عند قائمة هيكل الرب ، وهي مرة النفس فصلت ( دعت ) الى الرب وبكت بكاء ونذرت نذرا وقالت يارب الجنود اذا نظرت نظرا الى امتك وذكرتني ولم تنس امتك بل اعطيت أمتك زرع بشر فاني اعطيه للرب كل أيام حياته ولا يعلو راسه موسى (1صم1: 9-11)

فاذا أمعنـا النظر في هذه التعبيرات “دعت الرب” و “نذرت” ، و”صلت” نستطيع بلا شك ان نقول عن حنة أنها جمعت في صلاتها بين مدلولیها . فكلمة دعت قد استخدمت بالمعنى الذي تنقله الينا كلمة الصلاة ، وفى نفس الوقت وردت كلمة « صلت » بمعنى تقديم النذر الذي سبق الاشارة اليه في سفر اللاويين والعدد لأن عبارة « فأني اعطيه للرب كل أيام حياته ولا يعلو رأسه موسى » ليست دعاء في واقع الأمر بل هو نذر بلا شك ، شأنه في ذلك شأن النذر الذي قدمه يفتاح : ونذر يفتاح نذرا للرب قائلا : ان دفعت بني عمون ليدى فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب واصعده محرقه ( قض11: 30و31).

فاصل

  1.  المنذورون المشار اليهم في هذا العدد وما بعده هم الأشخاص المكرسون لله . يرتبطون بعهد مقدس فيلتزمون بالامتناع عن بعض الأمور منها الامتناع عن كل المشروبات المسكرة ، وعن قص الشعر وعن لمس اجساد الموتى.
  2. يستمد أوريجانوس هذه الفكرة من أم20: 25 « هو شرك للانسان ان يلغو قائلا مقدس وبعد النذر أن يسأل » . 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى