تفسير سفر العدد ١٥ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح الخامس عشر

وصايا للتقديس

إذ انكسر الشعب أمام الملائكة والكنعانيون إلى حرمة أي إلى “الموضع المقدَّس”، قدم الله لهم وصايا للتقديس، وكأنه أراد أن ينسيهم السقوط لا في استهتار أو استهانة وإنما خلال “الحياة المقدَّسة” التي تهبهم الغلبة الروحيّة، فحدثهم عن:

  1. تقديم ذبائح ومحرقات                          1-21.
  2. محرقة خطيّة السهو العام                       22-26.
  3. ذبيحة خطيّة السهو الخاص                     27-31.
  4. تقديس السبت                                   32-36.
  5. العصابة الأسمانجونيّة                          37-41.
  6. تقديم ذبائح ومحرقات:

نترك الحديث عن الذبائح والمحرقات والتقدمات في تفاصيلها ورموزها لسفر اللاويّين، لكننا نلاحظ في حديثه هنا:

أولاً: يبدأ حديثه مع موسى النبي بقوله: “قل لهم متى جئتم إلى أرض مسكنكم التي أنا أعطيكم وعملتم وقودًا للرب…” مكررًا هذه العبارة مرة أخرى بكلمات أخرى (ع 1، 17). كأن الله بعد أن أعلن تأديبهم بعدم الدخول إلى أرض الموعد أراد أن يؤكد لهم أن ما يهبه لأولادهم إنما يعطيه لهم، فيرفع من حياتهم المعنوية ويبعث فيهم الرجاء من جديد، فلا يكملوا الطريق في البريّة بنفس محطمة! لقد أراد لهم ألاَّ يفكروا كثيرًا في سقطات الماضي ومرارته بقدر ما يستعدوا للمكاسب الروحيّة المقبلة والتمتع بوعود الله الأمينة. فإن عصيانهم هو سرّ انكسارهم الحالي والماضي، فإن عبادتهم الروحيّة هي العلاج، لهذا حدَّثهم عن الذبائح والتقدمات.

ثانيًا: أوضح لهم هنا قبوله الأمم معهم كأعضاء في الكنيسة المقدَّسة تشاركهم عبادتهم وشريعتهم، إذ يقول: “أيتها الجماعة لكم وللغريب النازل عندكم فريضة واحدة دهرية في أجيالكم. مثلكم يكون مثل الغريب أمام الرب. شريعة واحدة وحكم واحد يكون لكم وللغريب النازل عندكم” [15-16].

  1. محرقة خطيّة السهو العام:

تقدم ذبيحة عن السهو الذي تسقط فيه الجماعة…

مع أن ما حدث كان سهوًا لكن الجماعة تلتزم بتقديم الذبيحة أولاً للكشف بطريقة ملموسة عن أهمية الحياة المقدَّسة في الرب وبشاعة الخطيئة حتى وإن ارتكبت سهوًا. ثانيًا السهو يكشف عن عدم مبالاة الإنسان وعدم اهتمامه بالوصيّة، فلو أنه مستغرق فيها ويحبها لانشغل بها ولا ينساها.

  1. ذبيحة خطيّة السهو الخاص:

ميّز الرب بين الخطيئة التي تُرتكب سهوًا بسبب النسيان والتي تُرتكب عمدًا، الأولى مع خطورتها إذ تكشف عن عدم الاهتمام بالوصيّة لكن الله يتراءف ويطلب تقديم ذبيحة خطيّة عنها فيغفر، وبهذا لا يعود الإنسان ينسى الوصيّة الإلهيّة. أما الخطيّة التي تُرتكب عمدًا فأجرتها: “تُقطع تلك النفس من بين شعبها، لأنها احتقرت كلام الرب ونقضت وصيته. قطعًا تُقطع تلك النفس، ذنبها عليها” [30-31].

  1. كسر وصيّة السبت:

بعد أن سحب قلب الشعب إلى الحياة المقدَّسة خلال ذبيحة الصليب موضحًا لهم خطورة الخطيئة حتى وإن كانت سهوًا، على المستوى الجماعي أو الفردي، أراد أن يكشف لهم بمثال عملي كراهيته للخطيئة وخاصة “كسر يوم السبت”. لقد وجدوا في البريّة رجلاً يحتطب حطبًا في يوم السبت، فوضعوه في المحرس حتى يعلن الرب حكمه عليه، فجاء هكذا: “قتلاً يُقتل الرجل، يرجمه بحجارة كل الجماعة خارج المَحَلَّة” [35].

يرى القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أن رجم المحتطب كان مثالاً للآخرين، كما حدث في أمر حنانيا وسفيرة، حتى لا يتكرر الأمر[106]. إنه يقول: [لماذا عوقب الذي كان يجمع الحطب؟ لأنه لو حدث استخفاف بالشرائع في البداية فإنه يصعب مراعاتها بعد ذلك. حقًا كان لحفظ السبت مزايا كثيرة وعظيمة: يجعلهم لطفاء مع أهل البيت وكرماء (إذ لا يعمل الخدم ولا العبيد)، ويعلمهم عناية الله والخليقة كما يقول حزقيال (20: 12)، مدربًا إياهم بالتدريج على الامتناع عن الشر والاهتمام بأمور الروح[107]].

  1. العصابة الأسمانجونيّة:

يقول الرب لموسى: “قل لهم أن يصنعوا لهم أهدابًا في أذيال ثيابهم في أجيالهم، ويجعلون على هُدب الذيل عصابة من أسمانجوني” [38]. إن كان هُدب الذيل يصل إلى التراب، فإنه بوضع عصابة من أسمانجوني (لون سماوي) يجعل أفكارنا سماويّة حتى وإن كنا نعيش بالجسد (الثوب) على الأرض!

 

زر الذهاب إلى الأعلى