تفسير سفر زكريا ٥ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الخامس

بعد أن أعلن الله عمله المفرح في الخلاص يعود فيحذرنا من التهاون مع الخطية.

 

الآيات (1-4): “فعدت ورفعت عينيّ ونظرت وإذا بدرج طائر. فقال لي ماذا ترى. فقلت أني أرى درجا طائرا طوله عشرون ذراعا وعرضه عشر اذرع.فقال لي هذه هي اللعنة الخارجة على وجه كل الأرض.لان كل سارق يباد من هنا بحسبها وكل حالف يباد من هناك بحسبها. أني أخرجها يقول رب الجنود فتدخل بيت السارق وبيت الحالف باسمي زورا وتبيت في وسط بيته وتفنيه مع خشبه وحجارته.”

هذه هي الرؤيا السادسة الدرج الطائر= الدرج أي الكتاب المخطوط. وهو يعلن هنا القضاء على الأشرار أي مكتوب فيه عقوبات من يتهاون مع الخطية. وهو طائر= ليراه كل إنسان، ويلفت نظر كل أحد فيهتم أن يقرأ ليعرف ما فيه. وهو طائر لأن الشر الذي نرتكبه يصعد أمام الله كرائحة فاسدة عكس الصلوات النقية فتصعد كرائحة البخور العطرة أمام الله. وهو طائر فالكل يراه فليس خفي إلا ويعلن. وهو طائر أيضاً لأن لعنة الخطية تطير فوق رؤوسنا وسيحل غضب الله علينا إذا لم نقدم توبة عنها. وفي (2) أبعاد الدرج 20ذراعاً × 10أذرع= وهذه هي أبعاد القدس في خيمة الاجتماع. والقدس يشير للكنيسة جسد المسيح، وهذه قدسها الله وملأها من الروح القدس (المنارة) وأعطاها جسده تأكله لتتحد به (مائدة خبز الوجوه) وهو يشفع فيها (مذبح البخور). ولكننا أفسدنا أنفسنا. والمعنى أن ما يرتكبه الإنسان يفسد مقدسات الله، ولأن الهيكل كان في طريقه للبناء كان عليهم أن لا يفرحوا بذلك بل يخافوا أن يدنسوه فتنصب عليهم اللعنات بالزيادة “فمن يفسد هيكل الله يفسده الله” (1كو17:3) وفي (3) اللعنة ضد الخطية تحلق في الهواء وتهدد سكان الأرض لمن يخون العهد. هي إنذار بغضب الله العادل. والخطايا المذكورة هي السرقة والحلف الباطل، هي خطايا التجار عادة. واليهود اشتهروا بالتجارة. وفي (4) هذه اللعنة تفسد كل شئ كما يفسد النمل الأبيض الأثاث. وستبيد هذه اللعنة كل ما حاولوا أن يقتنوه بالسرقة. عموماً فالخطية تفسد كل شئ صالح في حياتنا وتتحول البركة إلى لعنة.

 

الآيات (5-11): “ثم خرج الملاك الذي كلمني وقال لي.ارفع عينيك وانظر ما هذا الخارج. فقلت ما هو.فقال هذه هي الإيفة الخارجة.وقال هذه عينهم في كل الأرض. وإذا بوزنة رصاص رفعت.وكانت امرأة جالسة في وسط أليفة. فقال هذه هي الشر.فطرحها إلى وسط أليفة وطرح ثقل الرصاص على فمها. ورفعت عينيّ ونظرت وإذا بامرأتين خرجتا والريح في أجنحتهما.ولهما أجنحة كأجنحة اللقلق فرفعتا أليفة بين الأرض والسماء. فقلت للملاك الذي كلمني إلى أين هما ذاهبتان بالإيفة. فقال لي لتبنيا لها بيتا في ارض شنعار.وإذا تهيّأ تقرّ هناك على قاعدتها.”

هذه هي الرؤيا السابعة. الإيفة الخارجة= الإيفة هي وحدة للمكاييل عند اليهود، ومعنى أنها خارجة أنها مغشوشة وغير مضبوطة، وهكذا كل معاييرهم ومقاييسهم، واليهود مشهورين بالتجارة، ويبدو أنهم متهمين هنا بخطية الغش في التجارة. ولكن يبدو واضحاً أن هذه الرؤيا تنظر إلى أبعد من ذلك، وهي تشير لأن اليهود يغشون في تفسير كتابهم المقدس الذي يشهد للمسيح، لأنهم لا يريدوا أن يعترفوا بالمسيح حتى الآن. فتجارتهم الروحية مغشوشة مثل تجارتهم المادية. إذن هذه النبوة تتكلم عن رفض اليهود للمسيح مع أنه هو الذي تنبأ عنه كتابهم، وهذا سيؤدي إلى خراب أمتهم وتشتتهم عندما يكملون مكيال إثمهم بصلب المسيح واضطهاد شعبه وإنجيله. وقد جاءت عبارات هذه النبوة غامضة عن قصد، فهم الآن يقومون ببناء الهيكل والمدينة والسور، فلو كانت كلمات هذه النبوة واضحة وفهموا أن كل شئ يقومون ببنائه الآن مصيره الخراب لما كانوا قد بنوا شيئاً، ولكانت هذه النبوة مثبطة لهمتهم. ولاحظ أن النبي في الرؤيا السابقة كان يتأمل في لعنة تصيب الغشاشين واللصوص، عندما طلب منه أن يرفع عينيه وينظر خراباً أعم وأشد يصيب الأمة كلها بسبب غشها ورفضها للمسيح. هذه هي عينهم في كل الأرض= عينهم جاءت في ترجمات أخرى RESEMBLANCE أي شبه أو صورة. أي أن اليهود صاروا يشبهون هذه الإيفة المغشوشة. وفي (7،8) يشبه الشر هنا بامرأة (قارن مع أم1:5-5 +7:7-27) ومعنى التشبيه امرأة زانية تصطاد الأبرياء بكلامها المعسول وتغويهم على الرذيلة. وهي أي الشر المشبه بالمرأة التي تلد أولاداً أشراراً مثلها فالخطية تلد خطايا كثيرة. المرأة هنا هي شر الشعب كله، لذلك فالعقوبة عامة على الكل. وتشبيه الشر بالمرأة ليس ضد المرأة، فالفضائل أيضاً تشبه بالمرأة، فالحكيم يقول عن الحكمة “أحببت جمالها وأخذتها لتعيش معي” (حك2:8) إذاًَ المرأة الجالسة وسط الإيفة تمثل الأمة اليهودية الخاطئة في حالتها الأخيرة الفاسدة تماماً، وقال عنها هذه هي الشر. وإذا بوزنة رصاص رفعت= الإيفة تشبه سلة وكان لهذه السلة غطاء من الرصاص، ومقداره وزنة أي حوالي 47كيلو جرام أي ثقيل جداً. والرصاص عموماً ثقيل جداً. وهكذا الخطية على الخاطئ تشبه ثقل الرصاص الذي يجعل الخاطئ ملتصقاً بالأرضيات غير قادر على التحليق في السماويات وهذا الثقل يشير لأحكام الله الثقيلة بسبب الخطايا، وأحكام الله تتمثل في آلام وضيقات شديدة هنا على الأرض، وعذاب في الجحيم، وهذا الثقل من الرصاص يهبط بالخاطئ إلى أسفل الجحيم. “قد أخفى الآن عن عينيك ما هو لسلامك” وحينما رفع هذا الغطاء ظهرت المرأة. طرح ثقل الرصاص على فمها= الخطية تجعل فم الخاطئ ثقيلاً لا يستطيع أن يخرج أي صلاح أو تسبيح، وبلسانهم العاجز هذا لا يستطيعوا أن يعترفوا بالمسيح. قارن هذا الثقل الرصاص كتشبيه للخطاة مع تشبيه القديسين بالسحاب (أش1:19 + عب1:12). أما هؤلاء اليهود فشرهم في صلب المسيح أغلق أفواههم فما عادوا يسبحون ولا هيكل لهم وهم ملتصقين بالأرضيات ومنتظرين مسيحاً يعطيهم ملكاً أرضياً.

آية (9) اللقلق= حسب الشريعة هو طائر نجس يعيش على الجيف والقذارة، وله أجنحة واسعة وعريضة تحمله بسهولة من أورشليم (مكان أولاد الله) إلى بابل (مكان الشيطان). وهكذا كل نجاسة تحمل صاحبها إلى عبودية إبليس، وإلى الخراب. ومن له أجنحة اللقلق ينجذب للجيف أما من له أجنحة الحمام (الروح القدس) فهو ينطلق بهما للسماء. وإذا بامرأتين.. فرفعتا الإيفة= قد تكون المرأتين هما رذيلتين وربما هما السرقة والقسم الباطل (3:5) أي خديعة الإخوة وخديعة الله أو الاستهتار به. وهما عموماً يشيران لأن خطاياهم ستحملهم ثانية إلى خارج أرضهم. وقد يقصد بالمرأتين (وحش البحر ووحش الأرض) أي ضد المسيح وتابعه اللذن سيقبلهما اليهود في نهاية الأيام (رؤ1:13،11) وبسببها سيخربون نهائياً والريح في أجنحتهم= كلمة ريح في العبرية تعني روح، أي هما نفس الكلمة، وعلى هذا خروج النجاسة والخطية تحملهم. وهاتين المرأتين يناظران إبنا الزيت في الرؤيا السابقة، فهما في خدمة الشر تنفذان مقاصده. بين الأرض والسماء كأنها لا تستحق هذه ولا تلك، فهم غير مرضيين عند الله ولا عند الناس، وقد تعني أن اليهود برفضهم المسيح والمسيحية ديانة السماء، أصبحوا بديانتهم لا هم في السماء لأنهم لم يؤمنوا بالمسيح ولا هم في الأرض لأن كتابهم موحى به من الله. وفي (11) أرض شنعار= هي أرض بابل أي أرض السبي، وهذا يشير لخرابهم تماماً كما خربتهم بابل وهدمت هيكلهم وأخذتهم للسبي. وهذا ما فعله بهم الرومان تماماً بعد أن رفضوا المسيح وصلبوه. وبابل هي الأرض التي إتفق فيها البشر على الثورة ضد الله، واليهود مازالوا ثائرين على المسيح، لذلك فهم مازالوا في عبودية فالمسيح وحده هو الذي يحرر. وهناك أي في أرض العبودية تقر الإيفة على قاعدتها= أي أن بقائهم في هذه النكبة سيطول من جيل إلى جيل وليس لسبعين سنة فقط أيام بابل. وهذا ما حدث مع الرومان إذ شردوا اليهود في العالم واستمر ذلك لمدة 2000سنة وبقبولهم ضد المسيح ستخرب أورشليم ثانية وهم سيذهبون للجحيم حيث يستقروا هناك للأبد. فالنبوة هنا بخراب أيام الرومان ثم خراب نهائي في نهاية العالم.

فاصل

فاصل

تفسير زكريا 4 تفسير سفر زكريا
القمص أنطونيوس فكري
تفسير زكريا 6
تفسير العهد القديم

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى