كنيسة البيت أو المذبح العائلي

“سلّم على الكنيسة التي في بيتك” (انظر فل 1: 2)

كنيسة البيت المقصود بها اجتماع الأسرة حول كلمة الله والترتيل والصلاة، وهي قد أصبحت الآن ضرورة حتمية لا غنى عنها، وإلا فتماسك الأسرة معرض للانهيار، والأبناء معرضون للانجراف في تيار العالم الشديد بما فيه من إباحية وانحلال وتجرد من كل القيم الروحية، وازدراء بالمباديء المقدسة. وفي هذه الحالة، ماذا ستكون النتيجة الأخيرة؟

ستكون النتيجة خراب البيوت والنفوس وتأهيلها للهلاك الأبدي؛ لأن غياب روح التقوى والعبادة من البيت وانقطاع العلاقة القوية بالرب يجعل خلاص الأسرة مستحيلا. فكيف يخلص الله أناساً أعطوه القفا دون الوجه حسب قوله: “حولوا نحوي القفا لا الوجه، وفي وقت بليتهم يقولون قم وخلصنا” (إر 2: 27)

كيف يأتي الخلاص من عند الرب ونحن ساهون ولاهون عنه مستهترون بوصيته؟! نحن الآن نمر بحالة الارتداد العام، التي أنبأ عنها الكتاب المقدس، وعبادة الله في البيت تضاءلت جدا أمام عبادة الأصنام العصرية أو وسائل الإعلام التي تبث كثيراً من البرامج الهابطة التي تفسد الجو المقدس في البيوت، ولا تبني النفوس بل تهدمها، لأن ملاهي الدنيا وأدناسها تدنس الروح والنفس والجسد، ومادام الإنسان منساقاً وراءها فلابد أن ينحدر معها إلى حضيض بؤسها.

إننا نقدر أن نقول بسهولة: إن كثيراً من الناس اليوم ارتدَّت عن عبادة الله، حيث لــم يبق للمسيح موضع في البيت وسط الأسرة، إذ حل محله أفلام العالم وأغانيه ومسرحياته وطبله وزمره ورقصه وأدناسه.

وهل يمكن للمسيح أن يوجد في مثل هذا الجو المشحون بروح العالم وانحلاله؟! لم يعد الله هو الأول في حياتهم، وكل ما يأخذ مكان الله في حياة الإنسان هو إله كاذب إذن، هم يخدعون نفوسهم عندما يقولون نحن نعبد الله فقط: الذين يراعون أباطيل كاذبة (أي آلهة زائفة يتركون نعمتهم (يون 2: 8).

ومن العجيب أنه في الوقت الذي يشكو الجميع من عدم وجود وقت للصلاة أو قراءة كلمة الله، نظراً لمشاغل الحياة الكثيرة، نجدهم يقضون الساعات الطويلة أمام وسائل الإعلام الحديثة والفضائيات، وكأنها أوثان العصر الحديث التي تسرق كل يوم، وقتهم وحياتهم.. وكما لو كان الناس يتعبدون أمامها مقدمين لها فروض الطاعة والولاء، ولا يبخلون عليها بأي وقت حتى لو طالت السهرة إلى منتصف الليل أو إلى قرب طلوع الفجر.

توجد اليوم عائلات وأسر وزيجات محطمة وبيوت خربة تفشى فيها روح العداوة والبغضة والانقسام وعدم الغفران لأن مناخ البيوت قد فسد بسبب كثرة الجلوس وتضييع الوقت أمام ملاهي العالم والأغاني والرقص والمسرحيات، وقد تركوا الصلاة والاجتماع حول كلمة الله.. وبات المذبح العائلي في البيت مهدوماً.

ونلاحظ الآن، أنه بعدما تشبعت عقول الأبناء والبنات بأفكار غريبة عن روح الإنجيل، ظهرت موجات جديدة من الأفكار الدنيوية التي تغزو العقول وتؤثر في سلوكهم وتهدم كل القيم الروحية والأخلاقية عندهم، حتى صارت حياتهم من الداخل مدائن خربة.. ويُعتبر هذا نوعاً من استلاب العقول لحساب مملكة الظلمة ومعروف أن نوع الانشغال الذهني هو الذي يحدد طريقة التفكير وتكوين العقلية واتجاه السلوك. لذا، فالسلوك قد تدنى للغاية، وصرنا نجد في بيوت كثيرة أن حرارة المحبة بين أفراد الأسرة غائبة وشبه معدومة، والسبب هو غياب مصدر الحب ونبع الود والألفة أي الرب يسوع المسيح.

هذا هو واقع الحال. وماذا بعد ؟ هل نقعد ونبكي على حالنا؟

لا، فالعلاج موجود وما هو ؟ إنه كنيسة البيت أو المذبح العائلي.

فالتفاف الأسرة حول كلمة الله وسير القديسين والترتيل ثم النهوض للصلاة، يقدّس جو البيت كما يقدس سكانه. وتكون هناك مظلة حماية إلهية على كل فرد من أفراد الأسرة، فلا تقدر الوحوش البشرية على افتراس أحد منها، لأن الجميع يكونون محفوظين في يد الرب القدير حسب وعده الصادق الأمين: “خرافي تسمع صوتي وتتبعني. وأنا أعطيهـا حياة أبدية، ولا تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي (يو 10: 27، 28).

كما يجب الا يغيب عن بالنا، أن المسيح له المجد هو ملك السلام ونبع المحبة، إذا حل في البيت فهو يملأ البيت من سلامه ومحبته، حتى لو حدثت مشكلة لأي سبب، فيكون حلها أيضاً في هدوء وسلام ويبقى الحب هو السائد. 

المسيح أيضاً هو نبع الغفران، عندما يتواجد في البيت، يتم الغفران وتُنسى الأخطاء، لأن روح المغفرة لا يحرك الرواسب القديمة، ولا ينبش قبور الماضي، بل يتذكر فقط النقاط المضيئة كل فرد للآخر.

عندما يكون للرب يسوع مكان في المنزل، فهو يهيئ الجو لسيادة روح الغفران والحب وسط الأسرة، ويصلح أي خلل، ويسد الثغرات، ويستر على الضعفات، ويجبر الكسور، ويرمم الشروخ، ويساعد على نمو البنين روحيا، ويحمي عقولهم ونفوسهم من تیار العالم الزاحف وموجه الطاغي الذي جرف ملايين الشباب.

روح المسيح هو روح الوحدانية والانجماع، هو الذي يوحد القلوب ويجمعها على بعضها البعض، وبدون وجوده في البيت يكون من الصعب التقارب والاندماج بين أفراد الأسرة. وهذا هو السبب الحقيقي الذي يؤدي إلى تفكك الأسرة وتصدعها. ولكن مع عودة المذبح العائلي يعود الروح يلم شمل الأسرة ويجمع أشتاتها.

إذا، الله هو الذي يحمي تماسك الأسرة في وحدة واحدة، وبهذه الوحدانية تتواصل القلوب، وتتلاحم النفوس مع بعضها البعض داخل الأسرة كنسيج واحد. يتضح من ذلك، قيمة المذبح العائلي، الذي أصبح الآن من ضروريات الحياة للمعيشة بحسب حق الإنجيل، والذي يقودنا لضرورة الالتزام المتواصل بالرب، حتى يتنسم المؤمنون نسائم الجو النقي المقدَّس في بيوتهم بدلا من رائحة العالم الكريهة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى