تفسير سفر المكابيين الأول 14 للأنبا مكاريوس أسقف المنيا
تكريم المكابيين في شخص سمعان المكابي
محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب المكابيين الأول: تفاسير أسفار الكتاب المقدس 1- تفاسير سفر التكوين 2- تفاسير سفر الخروج 3- تفاسير سفر اللاويين 4- تفاسير سفر العدد 5- تفاسير سفر التثنية 6- تفاسير سفر يشوع 7- تفاسير سفر القضاة 8- تفاسير سفر راعوث 9- تفاسير سفر صموئيل الأول 10- تفاسير سفر صموئيل الثاني 11- تفاسير سفر الملوك الأول 12- تفاسير سفر الملوك الثاني 13- تفاسير سفر أخبار الأيام الأول 14- تفاسير سفر أخبار الأيام الثاني 15- تفاسير سفر عزرا 16- تفاسير سفر نحميا 17- تفاسير سفر طوبيا 18- تفاسير سفر يهوديت 19- تفاسير سفر أستير + التتمة 20- تفاسير سفر أيوب 21- تفاسير سفر المزامير + مز 151 22- تفاسير سفر الأمثال 23- تفاسير سفر الجامعة 24- تفاسير سفر نشيد الأناشيد 25- تفاسير سفر الحكمة 26- تفاسير سفر يشوع بن سيراخ 27- تفاسير سفر إشعياء 28- تفاسير سفر إرميا 29- تفاسير سفر مراثي إرميا 30- تفاسير سفر نبوة باروخ 31- تفاسير سفر حزقيال 32- تفاسير سفر دانيال + التتمة 33- تفاسير سفر هوشع 34- تفاسير سفر يوئيل 35- تفاسير سفر عاموس 36- تفاسير سفر عوبديا 37- تفاسير سفر يونان 38- تفاسير سفر ميخا 39- تفاسير سفر ناحوم 40- تفاسير سفر حبقوق 41- تفاسير سفر صفنيا 42- تفاسير سفر حجي 43- تفاسير سفر زكريا 44- تفاسير سفر ملاخي 45- تفاسير سفر المكابيين الأول 46- تفاسير سفر المكابيين الثاني 1- تفاسير إنجيل متى 2- تفاسير إنجيل مرقس 3- تفاسير إنجيل لوقا 4- تفاسير إنجيل يوحنا 5- تفاسير سفر أعمال الرسل 6- تفاسير الرسالة إلى رومية 7- تفاسير رسالة كورنثوس الأولى 8- تفاسير كورنثوس الثانية 9- تفاسير الرسالة إلى أهل غلاطية 10- تفاسير الرسالة إلى أفسس 11- تفاسير الرسالة إلى فيلبي 12- تفاسير الرسالة إلى كولوسي 13- تفاسير تسالونيكي الأولى 14- تفاسير تسالونيكي الثانية 15- تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى 16- تفاسير تيموثاوس الثانية 17- تفاسير الرسالة إلى تيطس 18- تفاسير الرسالة إلى فيلمون 19- تفاسير رسالة العبرانيين 20- تفاسير رسالة يعقوب 21- تفاسير رسالة بطرس الأولى 22- تفاسير رسالة بطرس الثانية 23- تفاسير رسالة يوحنا الأولى 24- تفاسير رسالة يوحنا الثانية 25- تفاسير رسالة يوحنا الثالثة 26- تفاسير رسالة يهوذا 27- تفاسير سفر الرؤيا |
بعد صراع طويل مع الأعداء في الداخل والخارج، ما بين مخالفى الشريعة المتأغرقين وبين الملوك السلوقيين، هدأت الأرض، فقد منح الملوك لليهود مزيدًا من الحريات، كما أخضع سمعان الأمم المجاورة من الوثنيين أعداء اليهود التقليديين والذين كانوا قد ثاروا من جديد عقب موت يهوذا المكابى، ولقد كانت سياسة سمعان تجاههم أكثر تشددًا من اخوته. وساس سمعان الشعب بالحكمة وسلك هو ذاته بالفضيلة، ساعيًا في تطوير شئون أمته والعناية بالبلاد والنهوض بها.
ديمتريوس الثاني يقع أسيرًا
1وفي السنة المئة والثانية والسبعين، جمع ديمتريوس الملك جيوشه وسار إلى ميديا يطلب نجدة لمحاربة تريفون. 2وبلغ أرساكيس، ملك فارس وميديا، أن ديمتريوس قد دخل أراضيه، فأرسل بعض قواده ليقبض عليه حيا. 3فذهب وكسر جيش ديمتريوس وقبض عليه وأتى به أرساكيس، فوضعه في السجن.
كانت ميديا وفارس تابعة أولًا للسلوقيين، ولكن أرساكيس انتزعها منهم ليضمّها إلى ” الإمبراطورية البرثية” كما ضم إليها البلاد الواقعة بين الهند والفرات، فلّما أراد ديمتريوس محاولة استرداد العرش من تريفون لجأ إلى ميديا وفارس للحصول على مرتزقة من الجنود من بين أتباعه هناك، ويقال أيضا أن بعض من أتباعه أولئك أرسلوا يستنجدون به من ظلم أرساكيس، ويرى بعض الكتاب أنه بينما خرج ديمتريوس الثانى من سلوكية: خرج أنطيوخس الصغير من سوريا وتقابل الاثنان في المعركة، حيث انتصر ديمتريوس واستحوذ على المملكة في العام الأول، وفي العام التالي كون جيشًا وسار لملاقاة أرساكيس. انظر خريطة رقم (15).
وأيا كان الدافع فإن أرساكيس أساءه دخول ديمتريوس إلى أراضيه دون إذن، فأرسل إليه قوة عسكرية بقيادة أحد قواده، وقد تغلب ديمتريوس في بادىء الأمر على هذه القوة ولكنه ما لبث أن وقع أسيرًا، حيث عامله أتباع أرساكيس في البداية بخشونة، فطافوا به البلاد في مواكب النصر إذلالًا له وتحذيرًا للرعايا من الخيانة. ثم أُرسل إلى الملك في هركانيا فأحسن معاملته كملك وزوّجه من ابنته “رودوكون” شريطة ألاّ يغادر البلاد إلى سوريا، فأقام أسيرًا في هركانيا (جنوب بحر قزوين). حدث ذلك خلال الفترة من يونيو 141 حتى سبتمبر 140 ق.م(1) وقد بقى مأسورًا من سنة 138 إلى 129 ق.م. حين أعاده ” فراتس” ابن ارساكيس ليحكم سوريا من جديد عدة سنوات قبل موته سنة 125 ق.م.
وحتى ذلك الوقت كان الاقليم لتابع لديمتريوس يقع في غرب الإمبراطورية السلوقية محتشدًا بالقرب من الساحل للبحر المتوسط بما فيها كيليكية وشرائط من سلوكية الساحلية عبر صور(2)، بينما سيطر تريفون على أراضي سورية الداخلية متضمنة أنطاكية وأباميا، وكان له بالتأكيد ممر يصل إلى اليهودية وبطلمايس على الساحل، راجع (12: 40 – 13: 24).
وقد رأى بعض اليهود أن سقوط ديمتريوس ملك أشور وبابل، في يد أرساكيس ملك ميديا، يشير إلى التحرر الكامل لإسرائيل، تبعا لنبؤات إشعياء النبي (10: 24 – 27 وص 13 و14) وإرميا النبي (ص50 و 51). ولكن سمعان المكابى لم يتسرّع في اعتبار ذلك تحقيقًا لتلك النبوت، بل ظلّ متيقظًا إذ كانت الحرب مستمرة.
وعند خروج ديمتريوس كان يغامِر بلا شك بترك الفرصة لتريفون للاستيلاء على اراضيه هو، وأن كان يأمل في عون أتباعه وكذلك في الجيوش التي لدى ” كليوباترا ثيا” زوجته، وكذلك موالاة سمعان له، كما كان تريفون في الواقع قد أصبح ضعيفًا في ذلك الوقت. ولما سمعت كليوباترا زوجته أنه قد تزوج ابنة أرساكيس، تزوجت هي أنطيوخس السابع أخيه لتعينه على استعادة العرش، إذ كان أولادها حتى ذلك الوقت صغارًا لا يمكنهم القيام بذلك.
أرساكيس Arsaces: اسم فارسى معناه “بطل” وهو لقب الملوك البرثيين نسبة إلى أرساكيس الأول مؤسس الإمبراطورية البرثية سنة 250 ق.م. والذي كان قد عصى على أنطيوخس ثيؤس وقتل الوالي السورى منشئا مملكة فارسية مستقلة، أما أرساكيس المذكور هنا فهو أرساكيس السادس والذي في عهده أصبحت مملكة فارس تهدد المملكة السلوقية، إذ قام بضم كل من بكتيريا وميديا وأرمينيا وعيلام وبابل، بل أصبحت إمبراطوريته منافسًا خطيرًا لروما نفسها، أما العلم الشخصي لأرساكيس السادس هذا فهو “ميتريداتس الأول ملك البرثيين” (171 – 138 ق.م.)
جاء الاسم أرساكيس في العبرية ” أرشكّا “: وهو اللقب البابلي المناظر للإسم اليوناني ” أرساكيس” (3)، وهو لقب عام يطلق على ملوك منطقة بابل وفارس في هذه الفترة كلقب فرعون للملوك المصريين.
وتشير رسالة الرومانيين له في (1 مكا 15: 22) لإعلان تحالفهم مع اليهود على الاعتراف بمملكته من ناحية، وتحذيره من معاداة اليهود من ناحية أخرى.
مآثر سمعان المكابي
4فهدأت أرض يهوذا كل أيام سمعان وسعى إلى خير أمته، فطاب لهم سلطانه ومجده كل الأيام. 5وفضلا عن ذلك المجد كله إتخذ يافا مرسى وفتح مجازا لجزر البحر. 6ووسع أراضي أمته وقبض بيده على البلاد 7وجمع أسرى كثيرين. استولى على جازر وبيت صور والقلعة وأخرج منها النجاسات ولم يكن من يقاومه.8كان الناس يفلحون أرضهم بسلام والأرض تعطى غلاتها وأشجار الحقول ثمارها. 9وكان الشيوخ يجلسون في الساحات يتحدثون جميعا عن الازدهار والشبان يتسربلون بالبهاء وبحلل الحرب.10أمد المدن بالميرة وعززها بالتحصينات. فذاع ذكر مجده إلى أقاصى الأرض. 11احل السلم في أرضه وسر إسرائيل سرورًا عظيما. 12جلس كل واحد تحت كرمته وتينته ولم يكن من يفزعهم.13لم يبق في الأرض من يحاربهم وقد سحق الملوك في تلك الأيام. 14كان نصرة لكل وضيع في شعبه وغار على الشريعة. واستأصل كل أثيم وشرير. 15عظم الأقداس وأكثر من الآنية المقدسة.
لم يستمر الهدوء المشار إليه هنا طوال مدة حكم سمعان، بل ما لبث بعد أربعة سنوات أن عادت المتاعب من جديد لُتفضى إلى حرب (15: 39) ولكن البلاد بشكل عام كانت قد أصبحت أكثر استقرارا من ذي قبل، قارن (ملوك أول 5: 5) إذ سعى سمعان إلى تطهير البلاد من بقايا الأغرقة، ثم تطوير مرافق البلاد ونشر الأمن بين ربوعها، وبدا كحاكم عادل محب لرعيته محبوب منها، فقد كان في اتخاذه “يافا” مرسى له، الأثر الكبير في التحكّم في مداخل اليهودية، وذلك من خلال (جازر وبيت صور ويافا) كما وفّر هذا الميناء في يافا منفذا ذا قيمة للبحر (مجازا “معبرا” لجزر البحر/ آية 5) فأنعش التجارة ووطّد العلاقات ما بين اليهودية والدول الأخرى، وهو ما يمثل ازدهارا تجاريًا بشكل خاص واقتصاديا بشكل عام، وربما كان في ذلك تفسير “للمظاهر البحرية” التي كنت تزين قبر العائلة المكابية في مودين (أي نقوش السفن) وبدءا من ذلك الوقت ستتحكم صور وصيدا الفينيقية في الممر إلى البحر (حزقيال 27: 3) كما صار سكن اليهود في يافا تحقيقًا للنبؤة الواردة في (حزقيال 28: 25، صفنيا 2: 5 – 7).
وقد أضاف سمعان إلى بلاده بعض المقاطعات والتي وهبها له السلوقيون، أو وافقوا على ضم اليهود لها، وقد كان في ذلك تحقيق لوعد الرب لشعبه متى حفظوا ما أوصاهم به: ” فإني أطرد الأمم من قدامك وأوسع تخومك ولا يشتهى أحد أرضك. حين تصعد لتظهر أمام الرب إلهك ثلاث مرات في السنة” (خروج 34: 24). ويلاحظ أنه مع استقرار الأمور في البلاد وازدهارها، انتظمت الخدمة في الهيكل واتخذت الليتورجية مكانتها، حيث يؤكد ذلك في (آية 15) إذ أن تعظيم الأقداس المشار إليه هو التأكيد على احترام وتقدير الجانب الليتورجي، هذا من جهة الجانب الاحتفالي، وأما من جهة تقدير هذه الأقداس فقد ظهر في الهدايا والأواني التي أُغدقت على الموضع.
كما يعدّ استيلاء سمعان على جازر وبيت صور والقلعة (12: 32 و13: 11 و14: 34) وهي الحصون السلوقية الثلاثة، تأكيدًا (لحرية إسرائيل) إذ كان الوجود السلوقى فيها يمثل سلبًا للحرية والاستقلال، كما كان وجود الأصنام فيها يشكّل تدنيسًا للبلاد.
وينتقل الثناء على سمعان بعد ذلك (آية 8) إلى التأكيد على الاستقرار الداخلي للبلاد، فقد كان ” نتاج الأرض وثمار الأشجار” علامة سلام وفرح ورضى من الرب بل زرع لسلام الكرم يعطى ثمره والأرض تعطى غلتها والسموات تعطى نداها. وأملّك بقية هذا الشعب هذه كلها” (لاويين 26: 4 وحزقيال 34:27 وزكريا 8: 12).
كما يجيء في هذا الإطار تعبير (جلس كل واحد تحت كرمته وتينته/ الآية 12) وهو تعبير شائع في أزمنة العهد القديم. يعكس حالة الرخاء والرفاهية التي يرفل فيها الشعب ” بل يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته ولا يكون من يُرعب لأن فم رب الجنود تكلّم” (ميخا 4: 4) وأيضا “في ذلك اليوم يقول رب الجنود: ينادى كل إنسان قريبه تحت الكرمة وتحت التينة” (زكريا 3: 10).
وأما عن “جلوس الشيوخ” فهو يعكس حالة الراحة والاستجمام، مثلما يعكس ازدهار الفن في بلد ما: استقرارها ورفاهيتها، كما كان تواجد الشيوخ في الساحات ومداخل المدن والقرى، عبارة عن مجالس للاستشارة والاستفتاء. بينما يظهر الشبان والفتيان والأطفال في مشاهد المرح مطمئنين “هكذا قال رب الجنود سيجلس بعد الشيوخ والشيخات في أسواق أورشليم. كل إنسان منهم عصاه بيده من كثرة الأيام وتمتلئ أسواق المدينة من الصبيان والبنات لاعبين في أسواقها” (زكريا 8: 4، 5) وكذلك (إشعياء 52: 1)(4).
وفي (الآية 11) نجد لأنفسنا (نحن القراء الآن) استراحة ولو قصيرة، بعد أن أُرهقنا كثيرًا ونحن نتابع – لاهثين- أخبار الحملات العسكرية وانباء الدمار والقتل والأسر وقصص الخيانة المؤلمة، والتحولات السريعة التي غيرت خريطة المنطقة كثيرًا خلال فترات وجيزة، وبعد أن اشمئزت نفوسنا من أنهار الدماء وتناثر الجثث وقعقعة السلاح وطرقات المجانق المرعبة… الآن يحل السلام وتصفو السماء وتهدأ الأرض. راجع (إشعياء 27: 5 – 26 ومزمور 37: 11).
وعن انسحاق الملوك وخمود الحروب، ربما كان في ذلك إشارة إلى (مزمور 8: 3 و46: 10 وإشعياء 14: 4) فالملوك هم حكام الإمبراطوريات الأجنبية التي كان اليهود رعايا لها، راجع أيضا (1 مكا 8: 4). كما حقق سمعان من جهة أخرى نبوءة (إشعياء 11: 4) وكذلك حقق ما حققه سليمان (مزمور 72: 4) من حيث الاهتمام بالبؤساء والدفاع عنهم. وربما كان القصد من تعبير “غار للشريعة” (آية 14) هو سعى إلى الرب أو طلب الرب، وذلك تجنبا لذكر اسم الله صراحة كما مر بنا، راجع (أخبار الأيام الثاني 19: 3 و22: 9 و30: 19). وفي النهاية تشبه عطايا سمعان للهيكل: عطايا سليمان للهيكل الأول (راجع: ملوك أول 6،7).
وفي النهاية توجد إشارة هامة إلى حسم موضوع الحزب الهيللينى في أورشليم، ففي (الآية 14) إشارة إلى الغيرة على الشريعة واستئصال الأشرار، ثم الانتصار بالتالي للشريعة والطقوس ومحو آثار الأغرقة والتي كان أنطيوخس إبيفانس قبل خمسة عشر عامًا من ذلك التاريخ. وهكذا بدأت تبعث روح تقوية في البلاد من جديد تعلى معها كلمة الشريعة. راجع (13: 3 و14: 29 و2 مكا 13: 10، 14).
تأكيد التحالف مع أسبرطة وروما من جديد
16وبلغ خبر وفاة يوناتان إلى روما وإسبرطة، فأسفوا أسفًا شديدًا. 17وبلغهم أن سمعان أخاه قد تقلد الكهنوت الأعظم مكانه وأن البلاد وما بها من المدن قد صارت تحت سلطانه، 18فكتبوا إليه في ألواح من نحاس، يجددون معه ما كانوا قد عقدوه مع يهوذا ويوناتان أخويه من المصادقة والتحالف. 19فقرئت الألواح أمام الجماعة في أورشليم 20وهذه صورة الكتب
التي بعث بها الإسبرطيون. “من حكام الإسبرطيين ومن مدينتهم إلى سمعان عظيم الكهنة وإلى الشيوخ والكهنة وسائر شعب يهوذا إخوتنا سلام. 21لقد أخبرنا الرسل الذين أنفذتموهم إلى شعبنا بما أنتم عليه من المجد والكرامة، فسررنا بقدومهم. 22ودونّا ما قالوه في قرارات الشعب على الوجه التالي: قدم علينا نومانيوس بن أنطيوخس وأنتيباتير بن ياسون، رسولا اليهود، ليجددا ما بيننا من الصداقة. 23فحسن لدى الشعب أن يستقبل الرجلين بإكرام ويضع صورة كلامهما في سجلات الشعب العامة، لتكون تذكارا عند شعب الإسبرطيين. وقد كتبت نسخة منها إلى سمعان عظيم الكهنة”.24وبعد ذلك، أرسل سمعان نومانيوس إلى روما، ومعه ترس كبير من الذهب قيمته ألف منا، ليقر التحالف بينه وبينهم.
تأتى أخبار هذا التحالف في هذا المكان من الأصحاح، كإضافة إلى أمجاد سمعان والبواعث التي تحمل شعبه على تكريمه بالطريقة اللائقة كما سيجىء (في الآية 25) إذ أنه بعد وصول صورة وثيقة التحالف من أسبرطة إلى اليهود، قُرّت أعين اليهود بها متساءلين عما عساهم يفعلون مكافأة لقائدهم.
وكانت الاتصالات الدبلوماسية قد استمرت لمدة عام، في رحلات مكوكية بدأ السفراء منذ أيام يوناتان، وواصلها سمعان أخيه وأكملها هركانوس بن سمعان (كما سيجيء) ولربما كان تأسَف الرومانيين والأسبرطيين بسبب فقدانهم يوناتان كصديق مخلص وحليف واعد، وربما أيضا بسبب مقتله غدرا، وسواء أكان سمعان هو الذي التمس تجديد المعاهدة في ذلك الوقت، أم بادر حكام تلك البلاد بها، فقد كانت الاتصالات مستمرة لم تتوقف.
ولكننا نلاحظ أن حلقة من حلقات هذا النشاط الدبلوماسى جاءت عقب موت يوناتان المكابى، إذا سعى سمعان لتأكيد تحالف روما واسبرطة معه، على غرار ما فعل يوحنا هركانوس نفسه بعد موت سمعان أبيه غيلة، وقد رحل رسل سمعان إلى روما على متن أول سفينة بعد نهاية عواصف الشتاء.
وهناك عدة ملاحظات بخصوص الوثائق في هذا التحالف، فلم يرد هنا نص الرسالة التي أرسلها سمعان، مثلما حدث في المرة الأولى مع يوناتان (12: 5) مما يعنى أن السفيران ” نومانيوس وانتيباتر” كانا هناك في واحدة من “الرحلات المكوكية” الكثيرة التي تمت خلال العام الدبلوماسى، فمن المرجح أن سمعان لم يرسل لهم رسالة ولكن السفارة كانت سفارة يوناتان، ولم يكن من المنطقي أن يراسلوا سمعان قبل أن يعرفوا بموت يوناتان، الأمر الذي ربما قام به مسافر يهودي عادي وليس سفير رسمي من قبل سمعان، مما جعلهم يتأسفون على موته ويبدأون عندئذ في مخاطبة سمعان.
ويقول الاسبرطيون في رسالتهم إلى اليهود، أنهم دونوا ما قالوه (أي السفراء)، وُوضعت هذه الوثيقة التي دونوها في دار الوثائق الاسبرطية (قرارات الشعب/آية 22) و(سجلات الشعب العامة/آية 23) وأرسل نسخة منها لليهود. وهكذا تسلم سمعان المكابى وثيقتين الأولى: ما دونه الأسبرطيون عندهم عن أحوال اليهود والثانية: إقرار التحالف بين الشعبين. أمّا عن إرسال سمعان إلى روما هدية بمناسبة اقرار التحالف، فقد يُظن أن موضع الخبر هنا جاء متأخرا إذا كان يجب أن يذكر قبل أخبار الاسبرطيين، ولكنه يلاحظ في (الآية 16) أن الرسولان مرّا بالبلدين في ذات الرحلة، ولكن ذُكرت أسبرطة أولًا نظرًا لوجود وثيقة تحالف أوردت أولًا.
ترس الذهب Golden shield: ترس توربينى الشكل يصنع من الذهب ويعطى كهدايا (مثل السعفة والتاج)، لا سيما للمعابد أما عندما يُقدّم للملوك والحكام فإنه يكون في شكل الترس الحربى المعروف، والذي يستخدم كواقى ضد السهام، وفي هذه الحالة لم يكن يستخدم في الحروب وانما يحفظ بين الهدايا في القصور وأن كان كل من سليمان ورحبعام قد امتلكا تروسًا حربية من الذهب. وعندما استولى شيشق ملك مصر على تروس رحبعام الذهبية صنع الأخير غيرها من النحاس لنفسه. وكان الترس ينقش عليه اسمى الواهب والمقدم له ومناسبة ذلك. وعندما أرسل تريفون ترس ذهب إلى روما، أملًا في أن يقرّوه في الملك، كتب الرومانيون على الترس أنه هدية!! أي أنه لا يعنى موافقتهم على سلبه للعرش.
وكان وزن الترس الذي قدمه اليهود هنا إلى الرومان ألف منا (ألف رطل) أي ما يوازى نصف طن من الذهب. أما رد الرومان فقد جاء بعد ذلك وتجد نصه في (15: 16 – 24).
تكريم سمعان
25فلما سمع الشعب ذلك قال: “بماذا نكافيء سمعان وبنيه؟ 26فلقد ثبت هو وإخوته وبيت أبيه، ورد عن إسرائيل أعداءه بالقتال، وأعاد إليه حريته”. فكتبوا في ألواح من نحاس جعلوها على أنصاب في جبل صهيون. 27وهذه صورة الكتابة: “في اليوم الثامن عشر من شهر أيلول، في السنة المئة والثانية والسبعين” وهي السنة الثالثة لسمعان عظيم الكهنة السامى في حصرمئيل، 28في مجمع عظيم من الكهنة والشعب ورؤساء الأمة وشيوخ اليلاد، ثبت عندنا هذا: 29 “وقد وقعت حروب كثيرة في البلاد، فألقى سمعان بن متتيا من بنى ياريب وإخوته بأنفسهم في المخاطر، وقاوموا أعداء أمتهم، صيانة لأقداسهم والشريعة، وأولوا أمتهم مجدا كبيرا. 30وجمع يوناتان شمل أمته وتقلد فيهم الكهنوت الأعظم، ثم انضم إلى قومه. 31فهمّ أعداء اليهود بالغارة على أرضهم ليدمروا بلادهم ويلقوا أيديهم على أقداسهم. 32حينئذ نهض سمعان وقاتل عن أمته، وأنفق كثيرا من أمواله، وسلح رجال البأس من أمته ودفع لهم الرواتب. 33وحصن مدن اليهودية وبيت صور التي عند حدود اليهودية، حيث كانت أسلحة الأعداء من قبل، وجعل هناك حرسا من رجال اليهود. 34وحصن يافا التي على البحر وجازر التي عند حدود أشدود، حيث كان الأعداء مقيمين من قبل، وأسكن هناك يهودا، وجعل فيهما كل ما يلزم لمعيشتهم. 35فلما رأى الشعب وفاء سمعان والمجد الذي شرع في إنشائه لأمته، أقاموه قائدا لهم وعظيم كهنة، لما صنعه من ذلك كله، ولأجل عدله والوفاء الذي حفظه لأمته وسعيه إلى رفع شأن شعبه بجميع الوجوه. 36وفي أيامه تم النجاح عن يده بإجلاء الأمم عن البلاد وطرد الذين في مدينة داود بأورشليم، وكانوا قد بنوا لأنفسهم قلعة يخرجون منها وينسجون ما حول الأقداس ويمسون الطهارة مسا بالغا. 37وأسكن فيها جنودا من اليهود وحصنها لصيانة البلاد والمدينة ورفع أسوار أورشليم.
38وأقره الملك ديمتريوس في الكهنوت الأعظم، 39وجعله من أصدقائه وعظمه جدًا، 40فقد بلغ الملك أن الرومانيين يسمون اليهود اصدقاء وحلفاء لهم وإخوة، وقد استقبلوا رسل سمعان بإكرام، 41وأن اليهود وكهنتهم قد حسن لديهم أن يكون سمعان قائدا، وعظيم كهنة للأبد، إلى أن يقوم نبي أمين، 42ويكون قائدا لهم ويهتم بالأقداس ويقيم منهم أناسا على الأعمال والبلاد والأسلحة والحصون 43(ويهتم بالأقداس)، وأن يطيعه الجميع وتكتب باسمه جميع الصكوك في البلاد، ويلبس الأرجوان والذهب. 44ولا يحل لأحد من الشعب والكهنة أن ينقض شيئًا من ذلك، أو يخالف شيئًا مما يأمر به، أو يعقد اجتماعًا بدون علمه في البلاد، أو يلبس الأرجوان وعروة الذهب. 45ومن فعل خلاف ذلك ونقض شيئًا منه فهو يستوجب العقاب. 46وقد رضى الشعب كله بأن يولى سمعان حق العمل بكل هذا الكلام. 47وقبل سمعان ورضى أن يكون عظيم كهنة وقائدا ورئيسا لأمة اليهود وللكهنة. ويكون على رأس الجميع. 48ورسموا أن تدون هذه الكتابة في ألواح من نحاس توضع في رواق الأقداس في موضع منظور، 49وتوضع صورها في الخزانة حتى تبقى في تصرف سمعان وبنيه”.
كان سمعان هو آخر الاخوة المكابيين الخمسة، وآخر الجيل الأول بالتالي من الحشمونيين، وبالتالي فإن تكريم سمعان هو في الواقع تكريم للعائلة المكابية، التي أخذت على عاتقها تحرير البلاد وتطهيرها وإعادة الكرامة للأمة بعد كل ما لحقها من الخزي والعار والدمار، حيث بدأ هذا الجهاد من أيام أنطيوخس إبيفانس الذي أساء إلى الأمة ممارسًا شتى وسائل القمع.
وقد كتب الشعب في وثيقة التكريم ما يشبه العرض المختصر لمسيرة كفاح المكابيين، وذلك على ألواح من نحاس (إما منقوشة بالحفر وإمّا بارزة من خلال قوالب صُبت فيها من النحاس، وقد صنع منها عدة نسخ لُتوضع في أماكن متفرقة من جبل صهيون. جبل الهيكل) وحدث ذلك في الثالث عشر من شهر أيلول/سبتمبر سنة 140ق.م.(والذي يوافق 18 أيلول من عام 172 سلوقية) ومازال اليهود هنا مستمرون في التأريخ بسنة تولّى سمعان قيادة الأمة (السنة الثالثة لسمعان).
حصرمئيل Asaramel: وفي العبرية “سرمال” أو ” سر – عم – إيل ” وتعني “رئيس شعب الله تمامًا”، وبالآرامية: ” سر – يسرائيل” أي “رئيس إسرائيل” وبينما يظن البعض أنها تعني “قائد شعب الله” كلقب مُنح لسمعان، فإن البعض الآخر رأى أنه إذا كان: “حصر” هو “رواق” أو “فِناء” في حين أن “مائيل” تعني “شعب الله” فإن المقصود سيكون “فِناء شعب الله” أو “الفناء الخارجي للهيكل” وهو الذي قيل عنه (رواق القدس/ آية 48) حيث المكان المفتوح الذي وضع فيها نصب تكريم سمعان، وكان الحائط المتوسط بالتالي هو ذاك الحائط الذي أمر ألكيمس رئيس الكهنة بهدمه بإيعاذ من بكيديس القائد السلوقى، والذي يعد (أي الحائط) الحدّ الفاصل مع رواق الأمم (9: 54) ولكن آخرين يشيرون إلى أن حصرئيل أو سرمال تعني “تملك الله على شعبه” فيكون المعنى في الآية (27) هو السنه الثالثة لعودة الحكم لله (الانتصار للشريعة أو الحكم الثيؤقراطى).
وكان الاحتفال شعبيًا مهيبًا على المستويين المدني والديني، ليس فقط لأن سمعان هو رئيس الكهنة، وإنما لأن اليهود كانوا في ذلك الوقت دولة شبه ثيؤقراطية، لا يمكن الفصل بين الدين والكهنوت فيها عن السياسة والدبلوماسية والجيش.
هذا وقد شمل هذا التجمع العظيم مواطنين عاديين قوميين، قادة محليين، شيوخ اليهودية خارج أورشليم، كهنة، راجع في ذلك (حزقيال 19: 1 – 9 و24: 1 – 9 وملوك أول 20: 7، 8 وعزرا 10: 9 – 14 ونحميا 9: 1) قارن مع (نحميا 10: 1 – 29).
الوثيقة:
شملت الوثيقة تكريم الحشمونيين بوجه عام (آيات 29 – 31) ثم سمعان بوجه خاص (الآيات 33 – 35) ثم مديحهم لسمعان (آية 35) وتعليل ذلك بخدماته الأخرى (آية 36، 37) وإشارة إلى تثبيت ديمتريوس الثاني الملك السلوقى له في كهنوته ومنصبه (آية 38).
فلقد قام الحشمونيون بالفعل بدور تاريخى لا يمكن إغفاله، فلقد غيروا وجه التاريخ اليهودي وأثروه، وبينما يجيء يهوذا المكابى في شجاعته وبسالته كمحارب في التاريخ بعد داود النبي، فإن المكابيين قد حققوا أكثر مما حققه داود إذا وضعنا في الاعتبار الظروف القاسية التي مرت بها البلاد في عصر المكابيين، وقد استمرت هذه الروح الثورية المتقدة بالروح الدينية، في نسل متتيا حتى هركانوس وابنه، وحتى هيرودس الكبير نفسه والذي كان خليط ما بين يهودي وأدومى كانت ما تزال باقية فيه بعض من سمات الحشمونيين.
هذا وتشير (الآية 29) من جهة الشريعة والأقداس إلى الاخطار التي تعرض لها الهيكل والشريعة، لا سيما من قبل تعضيد ديمتريوس الأول:ل “ألكيمس” رئيس الكهنة الممقوت، وكذلك من جهة أعداء اليهود الوثنيين، ولكن الاخوة المكابيين قاموا بجهود جبارة في سبيل الانتصار للشريعة واكرام
وقد تميّز المكابيون على كافة المستويات: العسكري والسياسي والدبلوماسى والديني والتقوى، حيث لم تقف الاتجاهات الدينية عند مستوى التعصب والقبلية، وانما تخطتها إلى السلوك التقوى، والذي وصل إلى ذروته إلى حد الاستشهاد من أجل الوصية، حتى أن الكنيسة اعتبرت الشهداء المكابيين شهداء مسيحيين قبل المسيحية! وإليهم أشار معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين (عبرانيين 11). وعنهم تكلم العديد من القديسين مثل يوحنا ذهبي الفم وغريغوريوس أسقف نيصص وغيرهم. وتعيد لهم الكنيسة القبطية في الحادي عشر من شهر بشنس، بينما تعيد لهم الكنيسة اليونانية في أغسطس من كل عام.
سمعان يواصل المسيرة:
ولم يكن سمعان أقل جرأة من أبيه واخوته، رغم ميله إلى السياسة والبناء الداخلي أكثر من العمليات العسكرية، إلاّ أن جميع القادة المكابيين كانوا يجدون أنفسهم في ساحة القتال أكثر مما يجدونها في ثياب الأرجوان وعروش السلطة، وقد حلّ الجيش النظامى الدائم في أيامه محلّ التجنيد العام (التعبئة العامة) والذي يحدث كلما تعرضت البلاد لخطر خارجي، ويفسر لنا ذلك كيف أنفق سمعان من أمواله (آية 32) حيث كان مصدر ثراءه: الغنائم التي حصل عليها من الحروب التي خاضها، وُيعرف نفس الشيء عن أغسطس قيصر، وكانت اسهامات الملوك في ذلك الوقت من مالهم الخاص هذا مبعث رضى وفرح عند الرعايا، وهكذا خصّص سمعان قسمًا كبيرًا من أمواله للجيوش، وهو تطّور استراتيجى في حد ذاته جعله أيضا يؤمّن حدود دولته ويجعل منها حصونًا لصدّ الأعداء، بعد أن كانت حصونًا يحتلها الأعداء، ويضايقون البلاد من خلال حامياتهم العسكرية فيها.
وفي تعيين اليهود لسمعان قائدًا ورئيسًا للكهنة، ينتقل الكهنوت بهدوء وقوة إلى العائلة المكابية، ويعنى ذلك توريث الكهنوت للعائلة، راجع (مزمور 32: 13 و صموئيل الثاني 7: 12، 13) كما أن امتيازات الشعب لسمعان وورثته ستكون نهائية (11: 36) وكذلك تشريعاته الآتية سيصبح لها قوة القانون (آيات 41، 44)، فهو أول من تقلد هذا المنصب بإرادة الشعب أجمع، ولم يقف عند حد تعيين الحكام السلوقيين له، ولربما كان هتافهم بمبايعته عقب أسر يوناتان، جاء وليد اللحظة والحاجة، أمّا هنا فهم يقرّرون ذلك عن طيب خاطر، بعد أن أكد لهم – عمليا – أنه جدير بهذه الثقة. وتعود وثيقة التكريم لتنسب إلى سمعان المآثر التي من أجلها كان لزامًا على الأمة تقليده هذه الكرامة، ولعل أعظم المآثر له في نظرهم هي نهاية الاحتلال السلوقى والوجود السلوقى في أورشليم من خلال قلعة (عكرة) هناك.
أمّا النجاسات التي رفعها سمعان من تلك القلعة (آية 26) فهي تدنيس جنودها الموضع بارتكابهم أعمالًا مشينة وكذلك النجاسة الناتجة عن جثث قتلاهم من اليهود هناك، وأما عن
الأعداء الذين تخلص منهم سمعان: فهم ديمتريوس الأول ثم ديمتريوس الثاني ثم تريفون ثم أنطيوخس إلخامس وليس المقصود هنا بالطبع أنه قتلهم، بل سعى في انقاذ بلاده من شرورهم، وبالتالي فالانتصارات المشار إليها هنا (آية 31، 36) هي التي تمت بداية من الأصحاح التاسع. ومع أن الكثير من اليهود الأتقياء لم يروا في سمعان عهد تحقيق النبوة الواردة في (زكريا 9: 8) إلاّ أن جميع اليهود كانوا متفقين على أن سمعان قد مجّد إسرائيل بنزع عار الاحتلال السلوقى المتمثل في قلعة “عكرة” وكذلك مجدها بتحصين أورشليم (7: 13 و13: 49 – 52).
ديمتريوس وسمعان:
كان ديمتريوس قد أقر سمعان بالفعل في رئاسة الكهنوت (13: 36 – 40) ومنحه هو وبلاده العديد من المزايا، ولعّل المقصود في الآية (40) هو كل من الرومانيين والإسبرطيين معا، كما يلاحظ ذلك في (الآية 16 وما بعدها) ويتساءل البعض إن كان ديمتريوس قد سمع بالتطورات في اليهودية في عهد سمعان، وهو مأسور في برثية، فإنه لم يكن لديه أية صلاحيات ليقيم رئيس كهنة أو منح أية امتيازات، ولكن الامتيازات التي منحها ديمتريوس لسمعان هي المذكورة في (الآيات 38 – 40) وأما الامتيازات التالية لذلك فلربما سمع بها وهو في الأسر، حيث بقى هناك حتى سنة 129 ق.م. ومن ثم فلم يكن بإمكانه القيام بأية تحركات إزاء ذلك.
قيام النبي:
ما زال المكابيين حتى ذلك الحين، ينتظرون النبي الأمين، والذي سيأخذ على عاتقه سؤال الله والسماع منه لتبليغ الأمة، في حين يقوم الكهنوت برفع التقدمات والذبائح والصلوات والاعترافات لله، وبهذا تكمل الدائرة، فيأخذ النبي من الله إلى الشعب ثم يقوم الكاهن بالأخذ من الشعب إلى الله، والنبى الذي ينتظرونه هنا هو أيضًا الذي يجب أن يسألونه فيما يتعلق بالحجارة التي تدنست بذبائح أنطيوخس إبيفانس الوثنية، فعند تطهير الهيكل هدم مذبح المحرقة، ووضعت حجارته في مكان خاص حتى يأتي النبي ويشير بما يجب أن يتم بخصوصها.
ولكن الحديث عن قيام نبي هنا، فيه إشارة إلى تسوية بين جماعة الحشمونيين والأحزاب اليهودية الأخرى، والتي كانت تتوقع ظهورًا معجزيًا ثانيًا لسلالة داود، بحسب نبؤات الأنبياء، وربما نبوءة دانيال ” ابن الإنسان” وفي تلك الأيام وما قبلها كان مؤسس السلالة الملكية الإسرائيلية يجب أن يكون معيّنًا (ممسوحًا) من نبي حقيقي، مثلما حدث مع داود، في حين أنه لم يكن في زمن سمعان نبي حقيقي معروف ما يزال على قيد الحياة. العجيب أن يوحنا هركانوس لاحقًا قد زعم أنه نبي حقيقي!(5).
ولكن الانتظار سوف يستمر إلى أن يأتي السيد المسيح وهو النبي والكاهن معًا، هو الذبيح وهو الذبيحة، وهو الله، ولكنه سينهى الكهنوت الللاوي بكامله وإلى عنده تتوقف النبوة ليحل محلها التعليم.(6)
وأما عن تكرار تعبير “يهتم بالأقداس” في كل من الآيتين (42، 43) فيجب ملاحظة أن المقصود في الأول هو “الخدمة الكهنوتية” بينما يُقصد في الثانية “صيانة الأقداس” وتأتى في ترجمة الفولجاتا عبارة يهتم بالأقداس: يتولى الأقداس، وفي الترجمة الحديثة للأسفار والتي نشرها دار الكتاب المقدس في القاهرة تأتى: “صيانة الأقداس”.(7)
التأكيد على مبايعة “المؤسسة الكهنوتية” لسمعان:
يلاحظ في وثيقة التكريم هذه، الإشارة أكثر من مرة إلى الكهنة، ففي (الآية 28) يرد “في مجمع عظيم من الكهنة” وفي (الآية 44) يرد “لا يحلّ لأحد من الشعب والكهنة أن ينقض شيئًا من ذلك” أمّا (آية 47) فقد ورد فيها: رضي سمعان أن يكون رئيسًا لأمة اليهود و”الكهنة” ويكون على رأس الجميع. كما يلاحظ ذلك أيضًا في المكاتبات التي صدرت عن قادة اليهود مع الأمم الأخرى.
ويشير ذلك إلى أن انتقال الكهنوت من عائلة أونيا إلى عائلة الحشمونيين، ولم يكن سهلًا، ولربما بقى الكثير من الكهنة أتباع أونيا ممتعضين من تحول الكهنوت عن بيت أونيا، مستمرين في ولائهم له، ولذلك فإن القرار التكريمى هنا يؤكد حسم هذه القضية، وانما بشكل غير مباشر بل يهددّ بالعقوبة لكل من يناوىء ذلك (آية 45).
وأخيرا تشير النسخة التي وُضعت في الخزانة إلى أن الأخيرة كانت مستودعًا لجميع الوثائق الداخلية والخارجية، والتي عليها اعتمد كاتب السفر، كما كانت مستودعًا لجميع كنوز الهيكل وهداياه وأمواله وكانت خزينة الهيكل هي المرجع الأساسي فيما يختص بالأسفار التاريخية في الكتاب المقدس مثل سفرى صموئيل وسفرى الملوك وأخبار الأيام وغيرها راجع (2 مكا 3: 6). كما تم عمل نسخ من ألواح النحاس هذه لتثبت على أنصاب (أعمدة/ شواهد) في أكثر من موضع على جبل صهيون كلوحات تذكارية.
_____
(1) يرى البعض أن ديمتريوس فام برحلته هذه إلى الشرق في فصل الربيع، لأنه موسم خروج خروج الملوك لحملاتهم الدعائية، راجع (2 صم 11: 1).
(2) كان ديمتريوس الأول قد استعاد مادي للمملكة السلوقية سنة 161 سلوقية حين سحق المتمرد “تيماركوس”، وكان الفارسيون يجتاحون مادي ولهذا كان ديمتريوس الثاني يصدهم، وكان هناك ولاء للبعض تجاه المملكة السلوقية مستجيرين من وحشية الفارسيين، حيث حث المقدونيين واليونان هناك ديمتريوس الثاني على قتال أرساكيس.
(3) kugler340
(4) وعن الرخاء ووفرة المؤن والميرة، راجع (حزقيال 36: 33 – 35، ملوك ثان 11: 5 – 12).
(5) راجع الفقرة الأخيرة في الأصحاح السابق.
(6) كلمة أو اصطلاح نبوة في أسفار العهد الجديد يعني التعليم.
(7) ظن بعض الشراح أن التكرار في الآيتين 42، 43 هو خطأ من النساخ. إلاّ أنه اعتقاد في غير محله.