تفسير سفر المكابيين الاول ٢ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الثاني
الآيات (1-14):
“1 في تلك الأيام خرج من أورشليم متتيا بن يوحنا بن سمعان كاهن من بني يوياريب وسكن في مودين. 2 وكان له خمسة بنين يوحنا الملقب بكديس.3 وسمعان المسمى بطسي. 4 ويهوذا الملقب بالمكابي. 5 والعازار الملقب باواران ويوناتان الملقب بافوس. 6 ولما رأى ما يصنع من المنكرات في يهوذا وأورشليم.7 قال ويل لي لم ولدت فانظر حطم شعبي وحطم المدينة المقدسة وامكث ههنا أراها مسلمة إلى أيدي الأعداء. 8 وارى المقدس في أيدي الأجانب وهيكلها كرجل ذليل. 9 وقد أخذت آنية مجدها في السبي وقتل أطفالها في الساحات وفتيانها بسيف العدو. 10 أية أمة لم ترث ملكها ولم تسلب غنائمها. 11 جميع حلاها قد نزعت والتي كانت حرة صارت أمة. 12 ها أن اقداسنا وبهاءنا ومجدنا قد دمرت ودنستها الأمم. 13 فلم حياتنا بعد. 14 ومزق متتيا وبنوه ثيابهم وتحزموا بالمسوح وناحوا مناحة شديدة.”
متتيا= أو متياس= عطية الله. كان يقيم في أورشليم وعاد إلى قريته ليكون له شئ من الحرية في عبادته. مودين= بجانب الله، خارج حدود اليهودية. كانت مكاناً لجيش يهوذا المكابي. وجدوا مكانها خلال بحوث علماء الحفريات. ونلاحظ أن هناك إسم شهرة لكل إبن من أبناء متتيا. في غيرته قال متتيا وأمكث ههنا= أي بلا عمل وجهاد ضد هؤلاء الذين ينجسون الهيكل.
أخذت آنية مجدها في السبي= بيد أبولونيوس (24:1). التي كانت حرة= يقصد الحرية الدينية وهذه كانت أيام الفرس ومع بدايات اليونان وحتى هذا الأنطيوخس. فلم حياتنا بعد= لا جدوى لأن نحيا بدون عبادة الله وفي (آية14) نجدهم يلبسون المسوح علامة الحزن والصلاة والتضرع لله.
الآيات (15-28):
“15 وان الذين أرسلهم الملك ليجبروا الناس على الارتداد قدموا إلى مدينة مودين ليذبحوا. 16 فاقبل عليهم كثيرين من إسرائيل واجتمع متتيا وبنوه. 17 فأجاب رسل الملك وكلموا متتيا قائلين أنت رئيس في هذه المدينة شريف عظيم معزز بالبنين والاخوة. 18 فالآن إبدأ أنت وتقدم لإمضاء أمر الملك كما فعلت الأمم كلها ورجال يهوذا ومن بقي في أورشليم فتكون أنت وأهل بيتك من أصدقاء الملك وتكرم أنت وبنوك بالذهب والفضة والهدايا الكثيرة. 19فأجاب متتيا بصوت عظيم وقال انه وان طاعت للملك كل الأمم التي في دار ملكه وارتد كل أحد عن دين آبائه ورضي بأوامره. 20 فأنا وبني واخوتي نسلك في عهد آبائنا. 21 فحاشا لنا أن نترك الشريعة والأحكام. 22 أنا لن نسمع لكلام الملك فنحيد عن ديننا يمنة أو يسرة. 23 ولما فرغ من هذا الكلام اقبل رجل يهودي على عيون الجميع ليذبح على المذبح الذي في مودين على مقتضى أمر الملك. 24 فلما رأى متتيا ذلك غار وارتعش حقواه واستشاط غضبا وفاقا للشريعة فوثب عليه وقتله على المذبح. 25 وفي ذلك الوقت قتل أيضا رجل الملك الذي كان يجبر على الذبح وهدم المذبح. 26 وغار للشريعة كما فعل فنحاس بزمري بن سالو. 27 وصاح متتيا في المدينة بصوت عظيم قائلا كل من غار للشريعة وحافظ على العهد فليخرج ورائي. 28 وهرب هو وبنوه إلى الجبال وتركوا كل ما لهم في المدينة.”
محاولة رسول الملك مع متتيا كانت لمركزه ولأنه كاهن، فلو قدم ذبائح للأوثان لتبعه الجميع. من أصدقاء الملك= هؤلاء لهم إمتيازات خاصة وملابس خاصة. إرتعش حقواه= تعبير عن شدة الغيظ والإنفعال. ومن هنا إندلعت شرارة الثورة المكابية.
الآيات (29-48):
“29 حينئذ نزل كثيرون إلى البرية ممن يبتغون العدل والحكم. 30ليسكنوا هناك هم وبنوهم ونساؤهم ومواشيهم لأن الشرور كثرت عليهم. 31فاخبر رجال الملك والجند الذين كانوا في أورشليم في مدينة داود بان رجالا من الناقضين لأمر الملك قد نزلوا وأختبأوا في البرية فجرى كثيرون في أعقابهم. 32 فأدركوهم وجيشوا حولهم وناصبوهم القتال في يوم السبت. 33وقالوا لهم حسبكم ما فعلتم فاخرجوا وافعلوا كما أمر الملك فتحيوا. 34 فقالوا لا نخرج ولا نفعل كما أمر الملك لئلا ندنس يوم السبت. 35فأثاروا عليهم القتال. 36 فلم يردوا عليهم ولا رموهم بحجر ولا سدوا مختبأتهم. 37قائلين لنمت جميعا في استقامتنا والسماء والأرض شاهدتان لنا بأنكم تهلكوننا ظلما. 38 فهجموا عليهم وقاتلوهم في السبت فهلكوا هم ونساؤهم وبنوهم ومواشيهم وكانوا ألف نفس من الناس. 39 واخبر متتيا وأصحابه فناحوا عليهم نوحا شديدا. 40 وقال بعضهم لبعض أن فعلنا كلنا كما فعل اخوتنا ولم نقاتل الأمم عن نفوسنا وأحكامنا لم يلبثوا أن يبيدونا عن الأرض. 41وأتمروا في ذلك اليوم قائلين كل رجل أتانا مقاتلا يوم السبت نقاتله ولا نموت جميعا كما مات اخوتنا في المختبأت. 42 حينئذ اجتمعت إليهم جماعة الحسيديين ذوي البأس في إسرائيل وكل من انتدب للشريعة. 43 وانضم إليهم جميع الذين فروا من الشر فازدادوا بهم تعزيزا. 44 وألفوا جيشا أوقعوا بالخطاة في غضبهم وبرجال النفاق في حنقهم وفر الباقون إلى الأمم طالبين النجاة. 45 ثم جال متتيا وأصحابه وهدموا المذابح. 46 وختنوا كل من وجدوه في تخوم إسرائيل من الأولاد الغلف وتشددوا. 47 وتتبعوا ذوي التجبر ونجحوا في عمل أيديهم. 48 وأنقذوا الشريعة من أيدي الأمم وأيدي الملوك ولم يجعلوا للخاطئ قرنا.”
حين هجم اليونانيين على جيش المكابيين يوم سبت، ظن هؤلاء أن الشريعة تحرم الحرب يوم السبت فلم يحاربوا، فقتل منهم اليونانيون 1000نفس. وتوصل المكابيون لقرار أن يحاربوا يوم السبت حتى لا يفنيهم اليونانيون. وهذا ما علَّم به رب المجد بعد ذلك أن لا نتعامل مع السبت بحرفية جماعة الحسيديين= هؤلاء يعيشون في تقوى رافضين شرور الحزب اليوناني وإنضموا هنا للمكابيين. والإسم ربما يكون منسوباً إلى “حسديا” ومعناه “قد كان الرب منعماً” وتكونت هذه الطائفة لمقاومة الحزب اليوناني والحضارة اليونانية التي بدأت تتغلغل وسط اليهود. وهؤلاء فضلوا الموت على كسر الوصية. وخرج منهم بعد ذلك الفريسيين. وكانوا هم أول من أيد المكابيين. ولقد رفضوا رؤساء الكهنة الذين تم تعيينهم بالرشوة (منلاوس وياسون). ورفضوا أن يكون حق تعيين رئيس الكهنة للملك. وقد تكون الصدوقيون من الطبقة الأرستقراطية من اليهود وناصروا الحزب اليوناني. ومن هان كان الخلاف واضحاً بين الفريسيين والصدوقيين قبل المسيح بكثير.
ذوى التجبر= السلوكيين (آية47). رجال النفاق= الحزب اليوناني الذين إنضموا للسلوكيين (آية44).
الآيات (49-70):
“49 وقاربت أيام متتيا ان يموت فقال لبنيه لقد اشتد التجبر والعقاب وزمان الأنقلاب ووغر الحنق. 50 فالآن أيها البنون غاروا للشريعة وابذلوا نفوسكم دون عهد آبائنا. 51اذكروا أعمال آبائنا التي صنعوها في أجيالهم فتنالوا مجدا عظيما واسما مخلدا. 52الم يكن إبراهيم في التجربة وجد مؤمنا فحسب له ذلك برا. 53 ويوسف في أوان ضيقه حفظ الوصية فصار سيدا على مصر. 54 وفنحاس أبونا غار غيرة فاخذ عهد كهنوت ابدي. 55ويشوع إذ أتم ما أمر به صار قاضيا في إسرائيل. 56 وكالب بشهادته في الجماعة نال ميراثا في الأرض. 57 وداود برحمته ورث عرش الملك إلى ابد الآباد. 58 وايليا بغيرته للشريعة رفع إلى السماء. 59 وحننيا وعزريا وميشائيل بإيمانهم خلصوا من اللهيب. 60 ودانيال باستقامته أنقذ من أفواه الأسود. 61 وهكذا اعتبروا في جيل فجيل أن جميع المتوكلين عليه لا يزلون.62 ولا تخشوا من كلام الرجل الخاطئ لأن مجده يأول إلى قذر ودود. 63اليوم يرتفع وغدا لا وجود له لأنه يعود إلى ترابه وتضمحل أفكاره. 64 فانتم أيها البنون تشددوا وكونوا رجالا في الشريعة فإنكم بها ستمجدون. 65وهوذا سمعان أخوكم أني اعلم انه رجل مشورة فاسمعوا منه كل الأيام وليكن لكم أبا. 66 ويهوذا المكابي الشديد البأس منذ صباه هو يكون لكم رئيس الجيش ويتولى قتال الشعوب. 67 واجمعوا إليكم جميع العاملين بالشريعة وانتقموا لشعبكم انتقاما. 68 كافئوا الأمم مكافأة وواظبوا على وصايا الشريعة. 69 ثم باركهم وانضم إلى آبائه. 70 وكانت وفاته في السنة المئة والسادسة والأربعين فدفنه بنوه في قبور آبائهم بمودين وبكى عليه جميع إسرائيل بكاء شديدا.”
قبل أن يموت متتيا يوصي أولاده ويشجعهم ليتمثلوا بأبطال الإيمان. وهذا ما عمله بعد ذلك بولس الرسول (عب11). لا تخشوا كلام الرجل الخاطئ= يقصد أنطيوخس أبيفانيوس. مجده يؤول إلى قذر ودود= حين يموت.