تفسير سفر المكابيين الاول ٣ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الثالث
الآيات (1-9):
“1 فقام مكانه يهوذا ابنه المسمى بالمكابي. 2 وكان كل اخوته وجميع الذين انضموا إلى أبيه أنصارا له يحاربون حرب إسرائيل بفرح. 3 فزاد شعبه بسطة في العز ولبس لامته كجبار وتقلد سلاحه للقتال وباشر الحروب وبسيفه حمى الجيش. 4 وكان كالأسد في حركاته وكالشبل الزائر على الفريسة. 5 فتعقب أهل النفاق مستقصيا آثارهم واحرق الذين يفتنون شعبه بالنار. 6 فنكص المنافقون خوفا منه واضطرب جميع فاعلي الإثم ونجح الخلاص على يده. 7 واحنق ملوكا كثيرين وفرح يعقوب بأعماله فصار ذكره مباركا مدى الدهر. 8 وجال في مدن يهوذا واهلك الكفرة منها وصرف الغضب عن إسرائيل. 9 فاشتهر إلى أقاصي الأرض وجمع المشرفين على الهلاك.”
قام مكانه يهوذا= هذا قاد جيش المكابيين بقوة لإنتصارات متتالية وإسترد الإستقلال الديني وطهر الهيكل. يُحاربون.. بفرح= الفرح سمة لمن يجاهد، وهكذا من يحارب حروب روحية في المسيحية. فزاد شعبه بسطة في العز= بسط مجد وعز شعبه أي جعله يمتد. ولبس لأمته كجبار= ليس درعه كجبار. هكذا كل من يجاهد يعطيه الله قوة في الحروب الروحية. وأحرق الذين يفتنون شعبه= أي الذين يضللون الشعب ويغوونهم على الخطأ ويقنعوا الشعب بأن يتبع الثقافة اليونانية. فاعلي الإثم= الذين يتعاونون مع الحكام اليونان. صار ذكره مباركاً= اليهود حتى الآن يستخدمون إسمه بالفخر. وصرف الغضب عن إسرائيل= حين توقفت الخطايا.
الآيات (10-12):
“10 وحشد ابلونيوس الأمم وجاء بجيش عظيم من السامرة ليحارب إسرائيل. 11 فلما علم يهوذا خرج للقائه فأوقع به وقتله وسقط قتلى كثيرون وانهزم الباقون. 12 فسلب غنائمهم واخذ يهوذا سيف ابلونيوس فكان يقاتل به كل الأيام.”
أول معركة ينتصر فيها يهوذا المكابي. وأبلونيوس هذا كان حاكم السامرة وقائد للمرتزقة ومسئول الجزية (1مك30:1). وكان جيشه أقل عدداً ولكن الله كان معه.
الآيات (13-26):
“13 وسمع سارون قائد جيش سورية أن يهوذا قد عصب عصابة وجماعة من المؤمنين يسيرون معه إلى القتال. 14 فقال أقيم لنفسي اسما وأتمجد في المملكة وأقاتل يهوذا والذين معه من المستهينين بأمر الملك. 15 ثم تجهز للخروج وخرج معه جيش قوي من الكفرة يظاهرونه وينتقمون من بني إسرائيل. 16 فدنوا إلى عقبة بيت حورون فخرج يهوذا للقائهم في نفر يسير.17 فلما رأوا الجيش مقبلا إلى لقائهم قالوا ليهوذا كيف نطيق قتال مثل هذا الجمع القوي ونحن نفر يسير وقد استرخينا اليوم من الصوم. 18 فقال يهوذا ما اسهل أن يدفع الكثيرون إلى أيدي القليلين وسواء عند اله السماء أن يخلص بالكثيرين وبالقليلين. 19 فانه ليس الظفر في الحرب بكثرة الجنود وإنما القوة من السماء. 20 أولئك يأتوننا بجمع من ذوي الشتائم والنفاق ليبيدونا نحن ونساءنا وأولادنا ويسلبونا. 21 وأما نحن فنحارب عن نفوسنا وسنننا. 22 وهو يكسرهم أمام وجوهنا فلا تخافوهم. 23 ولما فرغ من كلامه هجم عليهم بغتة فانكسر سارون وجيشه أمامه. 24 فتتبعه في عقبة بيت حورون إلى السهل فسقط منهم ثماني مئة رجل وانهزم الباقون إلى ارض فلسطين. 25 فوقع خوف يهوذا واخوته ورعبهم على الأمم الذين حولهم. 26وبلغ ذكره إلى الملك وتحدثت الأمم كلها بوقائع يهوذا.”
سارون قائد جيش سوريا= أراد أن يثأر لأبولونيوس ليحصل على شهرة ومجد. بيت حورون= تبعد 21كم شمال غرب أورشليم. وكان جنود يهوذا صائمين في ذلك اليوم وليس فيهم قوة ولكن الله يعمل مع الضعفاء “قوتي في الضعف تكمل” (2كو9:12). ولاحظ أنهم صاموا خصيصاً لأجل الحرب والله إستجاب. بلغ ذكره إلى الملك= أي أنطيوخس أبيفانيوس.
الآيات (27-37):
“27 فلما سمع انطيوكس الملك بهذا الكلام استشاط غضبا وأرسل وجمع كل جيوش مملكته عسكرا شديدا جدا. 28 وفتح خزانته ودفع إلى جيوشه وظائف سنة وأمرهم بان يكونوا متأهبين لكل شيء. 29 ثم رأى أن الفضة قد نفدت من الخزائن وقد قل جباة ضرائب البلاد لسبب الفتنة والضربة التي أحدثها في الأرض لينسخ السنن التي كانت لها منذ أيام القدم. 30 وخشي انه لا يملك ما يقوم بنفقاته وعطاياه التي طال ما كان يجود بها جودا واسعا فاق به الملوك الذين كانوا من قبله. 31 فتحير في نفسه حيرة شديدة وأزمع أن يذهب إلي بلاد فارس ويأخذ جزية البلاد ويجبي مالا جزيلا. 32فاستخلف ليسياس على أمور الملك من نهر الفرات إلى حدود مصر وهو رجل شريف من النسل الملكي. 33 وان يتولى تربية انطيوكس ابنه إلى ان يعود. 34 وفوض إليه شطر الجيش والفيلة وأمره بكل ما كان في نفسه وبأمر سكان اليهودية وأورشليم. 35ان يوجه إليهم جيشا يكسر ويستأصل شوكة إسرائيل وبقية أورشليم ويمحوذكرهم من المكان. 36 وينزل في جميع تخومهم أبناء الأجانب ويقسم الأرض بينهم. 37 واخذ الملك الشطر الباقي من الجيش وسار من إنطاكية عاصمة ملكه في السنة المئة والسابعة والأربعين وعبر نهر الفرات وجال في الأقاليم العليا.”
إستشاط غضباً= الملك شعر بأنها ليست مناوشات ثوار لكنها حرب حقيقية بجيوش منظمة. وكان أنطيوخس قد ورث خزانة شبه فارغة نتيجة حروب أبيه، وإضطر لدفع رواتب للجيش المتجه للحرب في اليهودية. لذلك إتجه إلى فارس لنهب هياكلها وجمع جزية وخلف ليسياس وراءه بأوامر أن يضرب اليهودية. وهو إتجه إلى فارس بالذات لشعوره بأنها في طريقها للتمرد. وفي (29) السنن التي كانت لها= هي التسامح الديني الذي أعطاه والده أنطيوخس الثالث لليهود وجاء أنطيوخس أبيفانيوس وألغاه، وبسبب الثورة عليه قلت الضرائب التي يجمعها من اليهودية. ليسياس= من أكفأ ضباط أنطيوخس وكان له درجة عالية وهو قريب للملك ودرجته وكيل الملك (2مك1:11). وأولاه الملك على الجزء الغربي من نهر الفرات إلى حدود مصر وترك له جيشاً كبيراً. ولكن ليسياس كان وصياً على إبنه لكن الملك هو إبنه أنطيوكس. وكانت خطة ليسياس هي تقسيم أرض اليهودية على الأجانب (آية36) لينهي تماماً أي مقاومة يهودية، بل ويبيع اليهود كعبيد (آية41).
الآيات (38-45):
“38 فاختار ليسياس بطلماوس بن دوريمانس ونكانور وجرجياس رجالا ذوي باس من أصحاب الملك. 39 ووجه منهم أربعين ألف راجل وسبعة آلاف فارس ليأتوا ارض يهوذا ويدمروها على حسب أمر الملك. 40 فساروا بالجيش كله حتى بلغوا إلى قرب عماوس ونزلوا هناك في ارض السهل. 41 وسمع بخبرهم تجار البلاد فاخذوا من الفضة والذهب شيئا كثيرا وعبيدهم وجاءوا المحلة حتى يشتروا بني إسرائيل عبيدا لهم وانضمت إليهم جيوش سورية وارض الغرباء. 42 ورأى يهوذا واخوته تفاقم الشر وان الجيوش حالة في تخومهم وبلغهم كلام الملك انه أمر بإهلاك الشعب واستئصاله. 43 فقال كل واحد لصاحبه هلم ننهض شعبنا من مذلته ونقاتل عن شعبنا واقداسنا.44فاحتشدت الجماعة لتتأهب للقتال وتصلي وتسال الرافة والمراحم. 45وكانت أورشليم مهجورة كالقفر لا يدخلها ولا يخرج منها أحد من بنيها وكان المقدس مدوسا وأبناء الأجانب في القلعة التي كانت مسكنا للأمم وقد زال الطرب عن يعقوب وبطل المزمار والكنارة.”
كلف ليسياس ثلاث قادة ليحاربوا يهوذا.
الآيات (46-60):
“46 فاجتمعوا وساروا إلى المصفاة قبالة أورشليم لأن المصفاة كانت من قبل هي موضع الصلاة لإسرائيل. 47 وصاموا في ذلك اليوم وتحزموا بالمسوح وحثوا الرماد على رؤوسهم ومزقوا ثيابهم. 48 ونشروا كتاب الشريعة الذي كانت الأمم تبحث فيه عن مثال لأصنامها. 49 وأتوا بثياب الكهنوت وبالبواكير والعشور ثم دعوا النذراء الذين قد استوفوا أيامهم. 50ورفعوا أصواتهم إلى السماء قائلين ما نصنع بهؤلاء وإلى أين ننطلق بهم.51 فان اقداسك قد ديست ودنست وكهنتك في النحيب والمذلة. 52 وها أن الأمم قد اجتمعوا علينا ليبيدونا وأنت عليم بما يأتمرون علينا. 53 فكيف نستطيع الثبات أمامهم أن لم تكن أنت في نصرتنا. 54 ثم نفخوا في الأبواق وصرخوا بصوت عظيم. 55وبعد ذلك رتب يهوذا قواد الشعب رؤساء الألف والمئة والخمسين والعشرة. 56 وأمر من اخذ في بناء بيت أو خطب امرأة أو غرس كرما أو كان خائفا بان يرجع إلى بيته بحسب الشريعة. 57 ثم سار الجيش ونزلوا بجنوب عماوس. 58 فقال يهوذا تنطقوا وكونوا ذوي باس وتأهبوا للغد لمقاتلة هذه الأمم المجتمعة علينا لتبيدنا نحن واقداسنا. 59 فانه خير لنا أن نموت في القتال ولا نعاين الشر في قومنا واقداسنا. 60 وكما تكون مشيئته في السماء فليصنع بنا.”
المصفاة= على بعد 10كم شمال غرب أورشليم. ومنها يمكن رؤية أورشليم. ونشروا كتاب الشريعة الذي كانت الأمم تبحث فيه عن مثال لأصنامها= ترجمة أسهل “نشروا كتاب الشريعة ليطلعوا على ما كانت الأمم تستطلع في شأنه صور أصنامها”. الأمم الوثنيون حين يحتاجون لمشورة يذهبون لأصنامهم ويتساءلون هل تضحك لهم أو تعبس لهم، أما شعب الله فيذهب ليستمد قوته من الكتاب المقدس الذي يذكره بأن الله لابد وينصر شعبه، ثم يصلون ولابد أن تكون النصرة من عند الرب. دعوا النذراء الذين قد إستوفوا أيامهم النذير له أيام ينذرها يكون فيها نذيراً للرب، وهم دعوا هؤلاء ليوفوا ذبائحهم، وأكملوا عشورهم وكل ما كان عليهم أن يوفوه للرب. وأتوا بثياب الكهنوت= ليقدموا ذبائح فالهيكل مغلق. ونجد يهوذا يتبع التعاليم الكتابية في إعفاء من كان له بيتاً جديداً أو خطب إمرأته من الذهاب للحرب (تث5:20-9) وذلك لأنه يخشى أن يضعف قلبه في الحرب لتعلقه بما تركه.
وكما تكون مشيئته في السماء فليصنع= هي نفس كلمات الصلاة الربية “كما في السماء كذلك على الأرض. لتكن مشيئتك”.