تفسير سفر صموئيل الأول ٨ للقمص تادرس يعقوب

الباب الثاني

شاول الملك

[1 صم 8 – 15]

 

  1. طلب ملك                 [8].
  2. اختيار شاول ملكًا        [9-10].
  3. محاربة العمونيين        [11].
  4. تحذير من العصيان       [12].
  5. رفض شاول              [13-15].

بدء عصر الملوك

طلب الشعب من صموئيل إقامة ملك لهم كسائر الأمم، ومع ما حمله هذا الطلب من رفض لمُلك الله ولصموئيل لكن أعطاهم الله سؤل قلبهم، وأقيم شاول ملكًا، الذي نجح إلى حين.

لقد أرادوا التشبه بالأمم، غير أن النظام الملكي هنا له مفهوم فريد. ففي مصر كان يُنظر إلى فرعون كإله يعود إلى دائرة أفقه عند موته. وفي أشور أو بابل ينظر إلى صاحب السلطة على أنه كائن قابل للموت لكنه كمحبوب الآلهة لا يمكن أن يخطئ وهو يمثل رأس الدولة وفي نفس الوقت الرأس الديني؛ كلمته تعتبر قانونًا لا يُراجع فيها. أما بالنسبة لإسرائيل فالملك إنسان يلتزم أن يحكم حسب نعمة الله، يمسحه الكاهن وليس له حق العمل الكهنوتي. الشريعة الإلهية فوق الكل، عليه أن يخضع لها ويحترمها. لهذا عندما قدم شاول ذبيحة، وعندما أخذ داود إمرأة أوريا، وعندما استولى آخاب على كرم نابوت اليزرعيلي صدرت أحكام ضدهم وعوقبوا. ليس عجيبًا أن يُعاقب الملوك المخطئون، فقد عرف داود الملك حق ناثان النبي في اتهامه ليعترف أمامه أنه أخطأ في حق الله.

عاش صموئيل النبي حتى مسح داود ملكًا، لكنه تنيح قبل تجليسه. تمتع داود بالوعد أن يرث نسله المُلك أبديًا، وقد وضع داود النبي الأساسات التي بنى عليها الملوك الصالحون المملكة.

الأصحاح الثامن
طلب ملكك

انشغل الشعب بمظاهر العظمة والأبُهة التي لملوك الأمم المحيطين بهم، وحسبوا ذلك مجدًا وكرامة حُرموا هم منهما، لذا استغلوا شيخوخة صموئيل النبي وعدم سلوك ابنيه في طريق أبيهما ليطلبوا من صموئيل إقامة ملك يقضي لهم كسائر الأمم [5].

طلب ملك                [1-5].

ربما يتساءل البعض: لو لم يطلب الشعب ملكًا، هل كان الله قد أعد لهم إقامة مملكة؟

أ. لا نجد للنظام الملكي موضعًا حقيقيًا في الشريعة الموسوية إلا ما جاء في (تث 17: 14-20). ربما كان هذا نبوة عن إقامة نظام ملكي في أرض الموعد، وربما كانت نصائح تقدم للشعب إن اختار له ملكًا وقواعد يلتزم بها الملك ليعيش كما يليق كعضو في الجماعة المقدسة.

ب. كان الخطأ لا في طلب إقامة ملك إنما في تعجل الأحداث وفي إساءة فهم النظام الملكي. فمن جهة الزمن كان الله يدبر لهم إقامة ملك قلبه مثل قلب الله، فقد سمح بمجيء راعوث من بين الأمم، تلك التي من نسلها يخرج داود النبي والملك. لو انتظروا قليلاً لنالوا أفضل مما طلبوا، ولَمَا أُقيم شاول الجميل الصورة الذي سبب لهم شقاءً  عظيمًا.

أما من جهة فهم النظام الملكي، فقد أرادوا ملكًا يقود الجيش عوض صموئيل النبي رجل الصلاة، وقد حطمهم الملك الذي نالوه حسب قلبهم عوض بنيانهم ونصرتهم. لقد أرادوا أيضًا ملكًا يحكمهم هو ونسله من بعده بينما في ظل نظام القضاة كان يمكنهم اختيار قائد للحرب دون الارتباط بالنظام الملكي وتسليم القيادة في أيدي نسله بالوراثة.

  لقد شاخ صموئيل النبي والقاضي، وأقام ابنيه يوئيل وأبيا قاضيين في بئر سبع، اللذين لم يسلكا في طريق أبيهما إذ مالا وراء المكسب المادي والرشوة وعوَّجا القضاء [1]. كان يليق بصموئيل النبي أن يقيم قضاة مستقيمين عوض ابنيه.

لماذا لم يوبخ الله صموئيل على انحراف ابنيه كما فعل مع عالي؟ ربما لأن عالي كان رئيس كهنة وقد ارتكب ابناه الكاهنان خطايا بشعة ورجاسات تستوجب لا العزل بل القتل حسب الشريعة. وكان الابنان يعملان مع أبيهما وتحت مسئوليته كرئيس كهنة. أما بالنسبة لابني صموئيل، فيحتمل أن يكون انحرافهما قبول الرشوة – جاء مؤخرًا بعدما تسلما العمل بفترة، فابتدأ الاثنان بالاستقامة لكن محبة المال أغوتهما، هذا وكان الاثنان يعملان في بئر سبع وليس مع أبيهما في الرامة، وربما جاء اختيارهما بناء على رغبة الشعب لأنهما لا يرثان المركز (القاضي) بالخلافة.

يتساءل البعض لماذا دُعيَ البكر هنا “يوئيل” بينما في (1 أي 6: 28) قيل (البكر “وشني”)؟ كلمة وشني في العبرية تعني “والثاني”، ولذا يرى الدارسون أن كلمة “يوئيل” حذفت سهوًا في النساخة وأن كلمة وشني قُصد بها (والابن الثاني) وليست اسمًا للبكر.

اعتراض شيوخ إسرائيل على انحراف ابني صموئيل يكشف عن وجود ضمير حيّ فيهم، على خلاف فترة حكم عالي الكاهن إذ لا نجد أحدًا يعترض على تصرفات ابنيه البشعة. هذا وتنصيب الابنين للقضاء في بئر سبع في الجنوب بينما كان صموئيل يقضي في الشمال يكشف أن حكم صموئيل شمل البلاد كلها من الرامة إلى بئر سبع، وأن استقرارًا داخليًا قد حل بالبلاد، وأنهم كانوا مستريحين من حكم الفلسطينيين.

يليق بكل قائد أن يحذر من محبة المال والرشوة فقد أفسد المال قلبي القاضيين وسبب متاعب لهما ولأبيهما كما للشعب.

 

صموئيل يحسب ذلك إهانة له [6].

لقد حسب صموئيل النبي ذلك الطلب رفضًا لعمله القضائي، وحسب الرب ذلك رفضًا له هو شخصيًا كملك على شعبه، إذ قال لصموئيل نبيه: “إسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك؛ لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم” [7]. 

ما أعظم حكمة صموئيل، فإنه كرجل صلاة لم يثر عليهم ولا وبخهم بل طلب أولاً مشورة الله وإرشاده، وقد وهبه الله راحة أن الشعب لم يرفض صموئيل بل رفض الرب نفسه. والعجيب أن الله يطلب من صموئيل: “اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك”. إنه يقدس الحرية الإنسانية، ويستجيب للطلبات الجماعية وإن كان يكشف لهم الحق منذرًا إياهم بسبب سوء رغبتهم. إنه لا يلزمهم ولا يقهرهم على نظام معين بل يطلب منهم أن يتفهموا الحق بكامل حريتهم.

 

الله يقبل الطلبة مع تحذيرهم  [7-9].

استجاب الله لطلبتهم، هذا لا يعني رضاه عن ذلك، إنما كما يقول المزمور: “يعطيك سؤل قلبك” (مز 37: 4). فإن كان سؤل قلبنا سماويًا ننعم بالسماويات كبركة لنا، وإن كان سؤل قلبنا لغير صالحنا أو بنياننا يسمح بتحقيقه لأجل التأديب. وكما يقول المرتل: “فأعطاهم سؤلهم وأرسل هزالاً في أنفسهم” (مز 106: 15).

إن كان الرب قد استجاب طلبتهم، إلا أنه أوضح لهم حقيقتين:

الحقيقة الأولى أن كل رفض لرجاله هو رفض له، إذ يقول: “لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا” [7]. يقول رب المجد لتلاميذه: “الذي يسمع منكم يسمع مني، والذي يرذلكم يرذلني، والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني” (لو 19: 16، مت 8: 4).

v     لكوني كنت جاهلاً بهذه الأمور، فقد هزأت بأبنائك وخدامك القديسين، ولكن لم أربح من وراء هذا سوى ازدرائك بي.

القديس أغسطينوس[80]

v     يليق بكم أن تطيعوا أسقفكم بدون رياء تكريمًا لله الذي يُريد منا ذلك. فمن لا يفعل هذا فهو في الواقع لا يخدع الأسقف المنظور بل يسخر من الله غير المنظور. فهذا العمل لا يخص إنسانًا بل الله العالِم بكل الأسرار.

القديس أغناطيوس الثيؤفورس[81]

الحقيقة الثانية أن اختيارهم للنظام الملكي لم يكن لصالحهم، موضحًا لهم ما سيصيبهم من ظلم الملوك واستغلالهم لكل إمكانياتهم.

 

صموئيل يحذر الشعب      [10-22].

تحدث صموئيل النبي مع الشعب في صراحة ووضوح بجميع كلام الرب، ليكشف لهم عن مساوئ طلبتهم لإقامة ملك، والتي تتلخص في الآتي:

أ. تسخير بنيهم للخدمة العسكرية لا لصالح الشعب إنما بالأكثر لصالحه الشخصي كعبيد له.

ب. يستغل بناتهم كعطارات وطباخات وخبازات لتَرَفِه هو وعائلته ورجاله.

ج. يغتصب أجود حقولهم لحساب خصيانه (كبار موظفيه) وعبيده.

د. استغلال طاقاتهم في زراعة أرضه الخاصة والعمل لحسابه.

هـ. إذ يحل بهم الظالم لا يجدون من يصرخون إليه، فإن الله نفسه لا يسمع لهم لأنهم اختاروا ملكهم حسب هواهم الشخصي.

 لم يسمع الشعب لنصيحته بل أصروا على إقامة ملك [19]، عندئذ فض صموئيل الاجتماع ليذهب كل واحد إلى مدينته [22]، وقد تأكد الجميع أن صموئيل يدبر لهم الأمر.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى