تفسير سفر الملوك الثاني ١٧ للقمص أنطونيوس فكري

 


 

الإصحاح السابع عشر

الآيات 1-6:- في السنة الثانية عشرة لاحاز ملك يهوذا ملك هوشع بن ايلة في السامرة على اسرائيل تسع سنين.و عمل الشر في عيني الرب ولكن ليس كملوك اسرائيل الذين كانوا قبله.و صعد عليه شلمناسر ملك اشور فصار له هوشع عبدا ودفع له جزية.و وجد ملك اشور في هوشع خيانة لانه ارسل رسلا الى سوا ملك مصر ولم يؤد جزية الى ملك اشور حسب كل سنة فقبض عليه ملك اشور واوثقه في السجن.و صعد ملك اشور على كل الارض وصعد الى السامرة وحاصرها ثلاث سنين.في السنة التاسعة لهوشع اخذ ملك اشور السامرة وسبى اسرائيل الى اشور واسكنهم في حلح وخابور نهر جوزان وفي مدن مادي.

هناك إحتمال للمفسرين أن هوشع إغتال فقح فى السنة الرابعة لأحاز ولكنه بدأ الحكم فى السنة الثانية عشرة لأحاز (هو 3:10).وكان هوشع شريرا لكنه كان أحسن ممن قبله ولكن شعبه كان قد إكتمل ذنبهم. وصعد عليه شلمناصر = هو كان متحالفاً مع تغلث فلاسر وبمساعدته قتل فقح وظل هوشع خاضعاً لأشور مدة حياة تغلث فلاسر وبعد موته عصى على خليفته شلمناصر فصعد عليه وأدبه فخضع لهُ ثم إنتهز فرصة إنشغال شلمناصر فى حروب أخرى فعاد وعصى عليه وأراد ان يتحالف مع سوا ملك مصر ضد أشور. وهوشع النبى نهاه عن هذا التحالف (هو 11:7 + 1:12) وفى هذه المدة صعد عليه عليه شلمناصر وحاصر السامرة مدة طويلة مات خلالها شلمناصر وتلاه سرجون وهو الذى أسقط السامرة بعد حصار 3 سنين وفى آية (4) فقبض عليه ملك أشور = غالباً هو قبض عليه قبل سقوط السامرة ولذلك كانت المدينة فى حصارها بلا قائد والتسع سنين محسوبة إلى سقوط السامرة وليست إلى تاريخ سجنه وفى الكتابات الأشورية أنه سبى 27290من إسرائيل + 50 مركبة.

 

الآيات 7-18:- وكان ان بني اسرائيل اخطاوا الى الرب الههم الذي اصعدهم من ارض مصر من تحت يد فرعون ملك صر واتقوا الهة اخرى.و سلكوا حسب فرائض الامم الذين طردهم الرب من امام بني اسرائيل وملوك اسرائيل الذين اقاموهم.و عمل بنو اسرائيل سرا ضد الرب الههم امورا ليست بمستقيمة وبنوا لانفسهم مرتفعات في جميع مدنهم من برج النواطير الى المدينة المحصنة واقاموا لانفسهم انصابا وسواري على كل تل عال وتحت كل شجرة خضراء.و اوقدوا هناك على جميع المرتفعات مثل الامم الذين ساقهم الرب من امامهم وعملوا امورا قبيحة لاغاظة الرب.و عبدوا الاصنام التي قال الرب لهم عنها لا تعملوا هذا الامر.و اشهد الرب على اسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الانبياء وكل راء قائلا ارجعوا عن طرقكم الردية واحفظوا وصاياي فرائضي حسب كل الشريعة التي اوصيت بها اباءكم والتي ارسلتها اليكم عن يد عبيدي الانبياء.فلم يسمعوا بل صلبوا اقفيتهم كاقفية ابائهم الذين لم يؤمنوا بالرب الههم.و رفضوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع ابائهم وشهاداته التي شهد بها عليهم وساروا وراء الباطل وصاروا باطلا ووراء الامم الذين حولهم الذين امرهم الرب ان لا يعملوا مثلهم.و تركوا جميع وصايا الرب الههم وعملوا لانفسهم مسبوكات عجلين وعملوا سواري وسجدوا لجميع جند السماء وعبدوا البعل.و عبروا بنيهم وبناتهم في النار وعرفوا عرافة وتفاءلوا وباعوا انفسهم لعمل الشر في عيني الرب لاغاظته.فغضب الرب جدا على اسرائيل ونحاهم من امامه ولم يبق الا سبط يهوذا وحده.

نجد كاتب سفر الملوك هنا لأنه موحى لهُ من الروح القدس لا يرجع سقوط إسرائيل لأسباب سياسية أو عسكرية أو إقتصادية كما تكتب كتب التاريخ بل يرجعها لأسباب روحية لذلك فهو ليس بسفر تاريخى ولكنه سفر روحى فالله هو الذى يحرك التاريخ وهو الذى أتى بإسرائيل إلى هذه الأرض ليحفظوها أرضاً مقدسة لهُ والان بسبب خطاياهم فهو الذى يطردهم منها وما أشور إلا أداة فى يد الله. لذلك يراجع الكاتب هنا خيانات إسرائيل التى كانت السبب فى السبى بعد أن أدبهم الرب طويلا بدون فائدة. وطبعاً مازاد من بشاعة خطاياهم أن الرب كان قد أحبهم وإختارهم وأخرجهم من أرض مصر وأرسل لهم شريعته وأنبياؤه. وفى (8) ملوك إسرائيل الذين أقاموهم= وملوك إسرائيل أى يربعام بن نباط وكل من جاء بعده من ملوك إستقلوا عن يهوذا والشعب هو الذى حضهم على هذا الإنفصال فصار الشعب مسئولاً مع ملوكه عن محنة تقسيم شعب الله. وفى (9) برج النواطير = أى المزرعة الحقيرة إلى المدينة المحصنة = المدن الكبيرة. وفى (13) وأشهد الرب = لم ينقطع الأنبياء عن أن يحملوا رسائل الله إلى هذا الشعب والرسائل كانت كلها إنذارات ودعوة بالتوبة حتى لا يرفضهم الله والأنبياء كانوا نوعين:

  1. من لم يكتب أو يسجل شيئا بل كانت أعماله (معجزات / تأديب شفوى) إيليا / إليشع.
  2. كتبوا أقوالهم ليسجلوها للتاريخ ولنا أيضا أشعياء لأرمياء..

وفى (14) لم يؤمنوا بالرب = لم يصدقوا مواعيده وذهبوا وراء آلهة أخرى وفى (15) وصاروا باطلاً = من يسجد لباطل يصير باطلاً مثله. وفى (17) عرفوا عرافة = هى سجود لآلهة أخرى ليعرفوا المستقبل وتفاءلوا = هى تشمل التفاؤل والتشاؤم = كانوا يربطون المستقبل ببعض العلامات. باعوا انفسهم= الشىء المباع يفقد البائع كل سلطة لهُ عليه وتصير السلطة كلها لمن إشترى. ولكل هذه الأسباب أسلمهم الله للسبى فذهبوا إلى أرض غريبة مطرودين من الأرض التى أعطاها الله لهم. ولم يبق سوى سبط يهوذا فى الأرض = وكان مع يهوذا بنيامين وشمعون ولاوى وكل من رفض عبادة العجل وظلت يهوذا مدة 135 سنة بعد سقوط إسرائيل ثم ذهبت إلى سبى بابل هى الأخرى.

 

الآيات 19-23:- ويهوذا ايضا لم يحفظوا وصايا الرب الههم بل سلكوا في فرائض اسرائيل التي عملوها. فرذل الرب كل نسل اسرائيل واذلهم ودفعهم ليد ناهبين حتى طرحهم من امامه. لانه شق اسرائيل عن بيت داود فملكوا يربعام بن نباط فابعد يربعام اسرائيل من وراء الرب وجعلهم يخطئون خطية عظيمة.و سلك بنو اسرائيل في جميع خطايا يربعام التي عمل لم يحيدوا عنها.حتى نحى الرب اسرائيل من امامه كما تكلم عن يد جميع عبيده الانبياء فسبي اسرائيل من ارضه الى اشور الى هذا اليوم.

وحتى يهوذا سلكوا فى العبادات الوثنية إلا أنه كان لهم بعض الملوك الصالحين وهذا ما أجَل سقوطهم. ففى آية (19) ذكر أن يهوذا هى أيضا مخطئة حتى لا يظن شعب يهوذا أنهم قديسين ثم عاد إلى سبط إسرائيل ثانية إبتداء من آية (20) يربعام بن نباط = هو أتى بسماح من الله فالله ترك الشعب يعملون حسب إرادتهم تأديبا لهم على خطاياهم. هم تركوا الرب فتركهم الرب رو 28:1.

 

الآيات 24-26:- واتى ملك اشور بقوم من بابل وكوث وعوا وحماة وسفروايم واسكنهم في مدن السامرة عوضا عن بني اسرائيل فامتلكوا السامرة وسكنوا في مدنها.و كان في ابتداء سكنهم هناك انهم لم يتقوا الرب فارسل الرب عليهم السباع فكانت تقتل منهم.فكلموا ملك اشور قائلين ان الامم الذين سبيتهم واسكنتهم في مدن السامرة لا يعرفون قضاء اله الارض فارسل عليهم السباع فهي تقتلهم لانهم لا يعرفون قضاء اله الارض.

وأتى ملك أشور = ربما عدد من ملوك أشور، وكل ملك يصعد بعض سكان إسرائيل ويأتى بغيرهم. كوث = على الفرات. وسفروايم = على فرع من فروع الفرات وكانت هذه السياسة حتى تضعف مشاعرهم الوطنية فيخضعوا لملك أشور. فأرسل عليهم السباع = كان هذا ليعرف السكان الجدد فى أرض الله أن الله صاحب الأرض لهُ قوانينه فيحترموها وأنه قادر أن يجعل السباع تلتهمهم إن خالفوا وكان الله هنا يؤدبهم بالطريقة التى يفهمونها فربما كانت السباع تحمل لهم معنى مخيف فهموا منهُ أن إله الأرض غاضب ومفهوم إله الأرض هو مفهوم وثنى فهم يعتقدون أن هناك إلهاً لكل أرض. وأما شعب الله فيفهم أن الأرض كلها لله بهذا الأسلوب فهم الشعب الجديد أنهم هنا بسماح من الله وليس ضد إرادته لذلك طلبوا من يعلمهم شريعة الله والعجيب أن هؤلاء الأشوريين طلبوا معرفة شريعة الرب التى لم يقبلها الإسرائيليون ورفضوا أن يتعلموها ورفضوا أن يسلكوا فيها. ولكن نجد هذا الشعب الجديد يعبد آلهته التى يحبها لكن تبع شريعة الرب الذى خافوه.

 

الآيات 27-41:- فامر ملك اشور قائلا ابعثوا الى هناك واحدا من الكهنة الذين سبيتموهم من هناك فيذهب ويسكن هناك ويعلمهم قضاء اله الارض.فاتى واحد من الكهنة الذين سبوهم من السامرة وسكن في بيت ايل وعلمهم كيف يتقون الرب.فكانت كل امة تعمل الهتها ووضعوها في بيوت المرتفعات التي عملها السامريون كل امة في مدنها التي سكنت فيها.فعمل اهل بابل سكوث بنوث واهل كوث عملوا نرجل واهل حماة عملوا اشيما.و العويون عملوا نبحز وترتاق والسفروايميون كانوا يحرقون بنيهم بالنار لادرملك وعنملك الهي سفروايم.فكانوا يتقون الرب ويعملون لانفسهم من اطرافهم كهنة مرتفعات كانوا يقربون لاجلهم في بيوت المرتفعات.كانوا يتقون الرب ويعبدون الهتهم كعادة الامم الذين سبوهم من بينهم.الى هذا اليوم يعملون كعاداتهم الاول لا يتقون الرب ولا يعملون حسب فرائضهم وعوائدهم ولا حسب الشريعة والوصية التي امر بها الرب بني يعقوب الذي جعل اسمه اسرائيل.و قطع الرب معهم عهدا وامرهم قائلا لا تتقوا الهة اخرى ولا تسجدوا لها ولا تعبدوها ولا تذبحوا لها.بل انما اتقوا الرب الذي اصعدكم من ارض مصر بقوة عظيمة وذراع ممدودة وله اسجدوا وله اذبحوا.احفظوا الفرائض والاحكام والشريعة والوصية التي كتبها لكم لتعملوا بها كل لايام ولا تتقوا الهة اخرى.و لا تنسوا العهد الذي قطعته معكم ولا تتقوا الهة اخرى. بل انما اتقوا الرب الهكم وهو ينقذكم من ايدي جميع اعدائكم.فلم يسمعوا بل عملوا حسب عادتهم الاولى.فكان هؤلاء الامم يتقون الرب ويعبدون تماثيلهم وايضا بنوهم وبنو بنيهم فكما عمل اباؤهم هم عاملون الى هذا اليوم.

واحد من الكهنة = كهنة العجلين ليعلمهم قضاء إله الأرض كما فرضه يربعام بيوت المرتفعات = الشعوب الجديدة وجدوا معابد مصنوعة حاضرة فإستعملوها. السامريون هذا أول ذكر للسامريين وهم يُذكرون كثيرا فى العهد الجديد وأصل دينهم كان خليطاً من عدة أديان. فأصبحوا لا يعبدون الإله الحقيقى كما ينبغى أن تكون العبادة ولا عبادتهم عبادة وثنية صرف لذلك إحتقرهم اليهود وحتى أيام المسيح (يو 9:4) وكان السامريون 3 أنواع:-

  1. الساجدون للعجلين كما فرض يربعام وهؤلاء قليلون.
  2. الإسرائيليون الذين أضافوا على العجلين بعض العبادات الوثنية.
  3. الوثنيون الذين أضافوا على عبادتهم للأصنام بعض ما أخذوه عن الإسرائيليون.

وفى (32) كانوا يتقون الرب = أى ممارسات خارجية بطريقتهم التى يختلط فيها عبادة الرب الحقيقية مع عبادة الأوثان لذلك عاد وقال فى (34) أنهم لا يتقون الرب = فهم لا يعبدون الله بقلوبهم وكما يريد هو. الموضوع كله أنهم كانوا يحاولون ظاهرياً إتباع طقوس دين الرب خوفاً من السباع وإستمر حالهم هكذا حتى أيام الإسكندر حين تزوج منسى أخو يادوس رئيس كهنة أورشليم بنت سنبلط حاكم السامرة وهذا ذهب إليهم بتصريح من الإسكندر وبنى هيكل فى جرزيم جذب أليه كثير من اليهود وسعي لطرد الأوثان من وسط السامريين حتي يعبدوا الله فقط. ومع هذا إستمرت بعض العادات الوثنية المتأصلة في وسطهم لذلك قال لهم المسيح “أنتم تعبدون ما لستم تعرفون يو22:4. وأما الإسرائيليون الذين ذهبوا للشتات فبعضهم حافظ علي ما إستلمه من ابائه وهؤلاء عادوا بعد العودة من سبى بابل ايام كورش ملك فارس والباقين ضاعوا تماما. ولنلاحظ اسماء بعض الآلهة الوثنية المذكورة هنا. ففي (30) سكوت نبوث = مظال البنات. فهي خيام البنات المكرسات للزنا في الهياكل الوثنيه ورمز هذه العبارة دجاجة مع أفراخها. وهي نفس عبارة فينوس (كلمة فينوس) نبوث كلمة واحدة بتبديل حروف B ,V) ونرجل =عبادة الشمس ورمزه الديك فهو يصيح في الفجر. واشيما هو إله النار. ونبخز نصفه كلب ونصفه إنسان. أدر ملك =إله الشمس. عنملك إله القمر ورمزهم بغل وحصان.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى