تفسير سفر الملوك الثاني ١٩ للقمص أنطونيوس فكري
الآيات 1-7:- فلما سمع الملك حزقيا ذلك مزق ثيابه وتغطى بمسح ودخل بيت الرب.و ارسل الياقيم الذي على البيت وشبنة الكاتب وشيوخ الكهنة متغطين بمسح الى اشعياء النبي ابن اموص.فقالوا له هكذا يقول حزقيا هذا اليوم يوم شدة وتاديب واهانة لان الاجنة قد دنت الى المولد ولا قوة للولادة.لعل الرب الهك يسمع جميع كلام ربشاقى الذي ارسله ملك اشور سيده ليعير الاله الحي فيوبخ على الكلام الذي سمعه الرب الهك فارفع صلاة من اجل البقية الموجودة.فجاء عبيد الملك حزقيا الى اشعياء.فقال لهم اشعياء هكذا تقولون لسيدكم هكذا قال الرب لا تخف بسبب الكلام الذي سمعته الذي جدف علي به غلمان ملك اشور.هانذا اجعل فيه روحا فيسمع خبرا ويرجع الى ارضه واسقطه بالسيف في ارضه.
أى ملك يصل لهُ تهديد كهذا لابد وأن يجمع مجلس الحرب ليقرر ماذا يفعل ولكن حزقيا لهُ إله يلجأ لهُ ونبى يصلى لأجله فأرسل للنبى. ونجد هنا حزقيا متأثراً بالإهانة التى لحقت بإسم الله لذلك مزق ثيابه ولاحظ أن الملك لم يرد على ربشاقى بل ترك الله يرد عليه فماذا نفعل أمام أعدائنا الأقوياء المتكبرين سوى أن نلجأ لله وهو القادر أن يتعامل معهم والرسل الذين أرسلهم الملك لإشعياء هم أعلى درجة فى القصر وهذا يدل على إعتبار الملك لإشعياء وهم الذين سمعوا كلام الربشاقى فهم قادرين على نقل صورة واضحة لإشعياء ونلاحظ أن الرسل لبسوا مسوحاً كملكهم = يوم شدة وتأديب وإهانة لأن الأجنة قد دنت إلى المولد = هذا معناه أن نفوسنا مليئة بالألم للإهانة من كبرياء العدو وقد لحقنا طعنة شديدة بسبب إهانة إلهنا، وحالنا متردى جداً ولا نرى حل مشكلتنا مع أن قضيتنا عادلة وشعبنا مؤمن ولكن هم أقوى منا ونحن فى محنة ولكن نجد هنا مفهوم روحى متقدم فهم فهموا أن هذا الألم هو تأديب فالله لا يسمح لأولاده بألم إلا لو كان لتأديبهم عب 6:12. والآن هى لحظة مناسبة حتى نتخلص من الألم فبعد كل ألم يسمح به الله فمن المؤكد أن وراؤه فرح (يو 21:16) مثال الأم التى تلد) فالآن هو الوقت المناسب طالما سمح الله بالألم فهو يعدنا لخير كبير ونحن منتظرين هذا الجنين. لكن لا قوة للولادة = نحن متعبين من التجربة فصلى لأجلنا حتى يساعدنا الله على إجتياز هذه الساعات المؤلمة. إذاً الصورة التى يصورها الملك لأمتهُ هى صورة لأم ولادتها متعسرة وآلام الولادة هى أصعب آلام ويطلب صلوات معونة حتى تمر هذه الأيام لتولد أمة جديدة مزدهرة فى سلام وكان رد إشعياء رداً مطمئناً لا تخف = فربشاقى يتكلم ويجدف ويملأ الدنيا كلاماً ولكن الله حين يتدخل يرعب كل المتكبرين وها نحن سنسمع حالة الرعب التى إنتابتهم من موت… 185.000 ثم يسمعون خبراً أن ترهاقة سيهاجم أشور نفسها فيرتعبون ثم يرجع ملك أشور لأرضه ويقتله إبناه. عجيب أن يتكبر أى إنسان على الله فحزقيا إتضع أمام الله فتمجد الله ونجح، أما سنحاريب فتكبر فهزم وهلك جيشه ومات بيد إبناه من أجل البقية الموجودة = يقصد يهوذا فإسرائيل (10 أسباط) ذهبوا للسبى وضاعوا وإحترقت السامرة. هم طلبوا شفاعة النبى ومن المهم أن نطلب الشفاعة لكن بدون صلاتنا فلا معنى لذلك فهم طلبوا صلوات النبى ولكننا نجد الملك يصلى ومن المؤكد فصلاة الملك سحبت قلوب شعبه ليصلوا.
ملحوظة:-
ترهامة كان يملك على مصر وغالباً خرج فى هذا الوقت ليحارب أشور (ملك أثيوبى).
الآيات 8-19:- فرجع ربشاقى ووجد ملك اشور يحارب لبنة لانه سمع انه ارتحل عن لخيش.و سمع عن ترهاقة ملك كوش قولا قد خرج ليحاربك فعاد وارسل رسلا الى حزقيا قائلا.هكذا تكلمون حزقيا ملك يهوذا قائلين لا يخدعك الهك الذي انت متكل عليه قائلا لا تدفع اورشليم الى يد ملك اشور.انك قد سمعت ما فعل ملوك اشور بجميع الاراضي لاهلاكها وهل تنجو انت.هل انقذت الهة الامم هؤلاء الذين اهلكهم ابائي جوزان وحاران ورصف وبني عدن الذين في تلاسار.اين ملك حماة وملك ارفاد وملك مدينة سفروايم وهينع وعوا.
فاخذ حزقيا الرسائل من ايدي الرسل وقراها ثم صعد الى بيت الرب ونشرها حزقيا امام الرب.و صلى حزقيا امام الرب وقال ايها الرب اله اسرائيل الجالس فوق الكروبيم انت هو الاله وحدك لكل ممالك الارض انت صنعت السماء والارض.امل يا رب اذنك واسمع وافتح يا رب عينيك وانظر واسمع كلام سنحاريب الذي ارسله ليعير الله الحي.حقا يا رب ان ملوك اشور قد خربوا الامم واراضيهم.و دفعوا الهتهم الى النار ولانهم ليسوا الهة بل صنعة ايدي الناس خشب وحجر فابادوهم.و الان ايها الرب الهنا خلصنا من يده فتعلم ممالك الارض كلها انك انت الرب الاله وحدك.
ترك ربشاقى رسالته لأورشليم ولم يتلقى إجابة فترك جيشه أمام أورشليم وذهب إلى ملكه سنحاريب فوجده يحارب لبنة(ولبنة ولخيش قريبان من بعضهما وعلى جبال يهوذا).
ولبنة هذه هى التى سبق وتمردت على يهوذا وكان سنحاريب قبلاً عند لخيش ثم إرتحل إلى لبنة ولا نعرف السبب، ربما لأنها لا تستحق ولكنه سمع عن خروج ترهاقة ليواجه جيشهم وهذا جعلهُ يتعجل إسقاط أورشليم ليتفرغ للقاء ترهاقة لذلك أعاد تهديداته لحزقيا وهو يعلم أنه شخص يمكن أن يستسلم حينما يهدده فقد فعل ذلك من قبل (4:18). ونلاحظ كذب ربشاقى فهو يصور أنه الأقوى والذى لا مثيل له وهو خائف من أخبار ترهاقة. وهكذا الشيطان هو كذاب وأبو الكذاب ودائماً يضخم من قدرة نفسه.
الايات 20-34:- فارسل اشعياء بن اموص الى حزقيا قائلا هكذا قال الرب اله اسرائيل الذي صليت اليه من جهة سنحاريب ملك اشور قد سمعت هذا هو الكلام الذي تكلم به الرب عليه احتقرتك واستهزات بك العذراء ابنة صهيون ونحوك انغضت ابنة اورشليم راسها. من عيرت وجدفت وعلى من عليت صوتا وقد رفعت الى العلاء عينيك على قدوس اسرائيل.على يد رسلك عيرت السيد وقلت بكثرة مركباتي قد صعدت الى علو الجبال الى عقاب لبنان واقطع ارزه الطويل وافضل سروه وادخل اقصى علوه وعر كرمله.انا قد حفرت وشربت مياها غريبة وانشف باسفل قدمي جميع خلجان مصر.الم تسمع منذ البعيد صنعته منذ الايام القديمة صورته الان اتيت به فتكون لتخريب مدن محصنة حتى تصير روابي خربة.فسكانها قصار الايدي قد ارتاعوا وخجلوا صاروا كعشب الحقل وكالنبات الاخضر كحشيش السطوح وكملفوح قبل نموه.و لكني عالم بجلوسك وخروجك ودخولك وهيجانك علي.لان هيجانك علي وعجرفتك قد صعدا الى اذني اضع خزامتي في انفك ولجامي في شفتيك واردك في الطريق الذي جئت فيه.و هذه لك علامة تاكلون هذه السنة زريعا وفي السنة الثانية خلفة واما السنة الثالثة ففيها تزرعون وتحصدون وتغرسون كروما وتاكلون اثمارها.و يعود الناجون من بيت يهوذا الباقون يتاصلون الى اسفل ويصنعون ثمرا الى ما فوق.لانه من اورشليم تخرج البقية والناجون من جبل صهيون غيرة رب الجنود تصنع هذا.لذلك هكذا قال الرب عن ملك اشور لا يدخل هذه المدينة ولا يرمي هناك سهما ولا يتقدم عليها بترس ولا يقيم عليها مترسة.في الطريق الذي جاء فيه يرجع والى هذه المدينة لا يدخل يقول الرب.واحامي عن هذه المدينة لاخلصها من اجل نفسي ومن اجل داود عبدي.
فى (20) قد سمعت = “إسألوا تعطوا” إذاً الله لابد أن يستجيب للصلاة لذلك لن يجد سنحاريب سوى الخجل والإضطراب والذل والكسر وسيكون سخرية أورشليم = إستهزأت بك العذراء إبنة صهيون = هو ظن نفسه وعبأ لإبنة صهيون وبرعبه سيجعلها تستسلم ولكن هى ستحتقره وتهزأ به. فكل من يعادى الله يصير بائساً ولابد أن تكون هذه الرسالة قد وصلت إلى سنحاريب بطريقةما فهى موجهة لهُ. وفى (24،23). ترديد لكلام الكبرياء الذى كان سنحاريب يردده. أقطع أرزه الطويل = كان الملوك يكسرون الأشجار لتمر مركباتهم الحربية وإشتهر ملوك أشور بهذا بل تفاخروا بقدرتهم عليه. ولكن عبارة الأرز الطويل تستخدم عادة للملوك بمعنى أنه لا ملك إستطاع أن يقاومه. لم يرد فى كلام سنحاريب ورسالته التى رددها ربشاقى ما ورد فى الآيات 24،23 وربما قالها ولم تكتب وربما هى فى قلبه والله هنا يكشف ما فى القلوب فهو وحده القادر على ذلك. وهو يحاسب على تصورات القلب وهنا يكشف الله فكر سنحاريب المتكبر وأنه يتوهم نفسه قادراً على تذليل أى صعاب فإذا قابله جبل صعده وإذا قابله نهر جففه. حفرت وشربت مياها غريبة = هزمت بلاداً غريبة دخلتها مع جيوش وجنيت ثرواتها. أنشف بأسفل قدمى = جيوش جبارة وعديدة وجرارة وهى قادرة على شرب مياه الأنهار كلها فى البلدان التى أحاصرها وأحاربها وتكون الآية (23) موجهة لملوك البلدان وآية (24) موجهة لشعوب البلدان التى نهب ثرواتها. لا أحد يستطيع أن يقف أمامهُ أو يصمد قدام جبروته. وفى الآيات (25-28) رد الله على تصوراته ومعنى الكلام أن كل ما فعلته يا سنحاريب فعلته بمشورتى وخططى الأزلية وبدون سماحى لم تكن قادراً على فعل شىء. ففى آية (11) كان ربشاقى يخيف حزقيا قائلاً ألم تسمع ما فعله ملوك أشور وهنا الله يقول لهُ بل إسمع ما فعلته أنا فأنا الذى نشفت البحر امام شعبى فعلاً وهذا ما حدث منى وليس أوهام كأوهامك وكان هذا لآتى بشعبى وأسكنه كنعان بعد أن إجتازوا مصاعب عديدة فأين ما فعلته أنت بجانب ما فعلته أنا. أما ما فعلته من خراب فى أرض يهوذا فأنت ما كنت سوى ألة فى يدى الله = الآن أتيت به (25) بل كان ما فعلته فى تصورى وإرادتى وتخطيطى منذ الأزل منذ البعيد صنعته = وها أنت تنفذ الآن مشوراتى. وكان هذا لعقاب هذا الشعب المتمرد إسرائيل ويهوذا على شرورهم فهل تفتخر العصا على من يمسكها أو الفأس على الذى يمسكها أش 15،14،13:10 وفى (27) كل ما تفعله أنا أعرفه هيجانك على صعد إلى أذنى ولكنك بكل قوتك تحت سيطرتى وأنا واضع خزامتى فى أنفك = أى مسيطر عليك تمام السيطرة. ووضع الخزامة فى الأنف وهى طريقة أشورية لمعاملة الأسرى فكأن ملك اشور أسير فى يد الرب يفعل إرادته. وفى (25) قوله ألم تسمع = هل لم تسمع عن النبوات التى يتنبأ بها عليك أنبيائى وهل لم تسمع ما عملته مع شعبى عبر السنين.
وإبتداء من (29) كلام الرب لحزقيا. هذه لك علامة = أى علامة صلح الله مع شعبه ليطمأنوا أن الله تصالح معهم. ولاحظ إن نتاج الأرض قد إلتهمه الجيش الأشورى. والله هنا كأب حنون لن يرفع عنهم الجيش الأشورى فقط ثم يتركهم جوعى ولكنه سيدبر لهم طعامهم. إذا هى علامة محبته وصلحه معهم.
فهذه السنة ستأكلون زريعاً = أى ما ينبت من نفسه وهذا سيبارك الله فيه فيكفيهم كلهم فإن كان الأشوريين قد أكلوا ما زرعتموه فستأكلون أنتم ما لم تزرعوه. والسنة التى بعدها ستكون سنة سبتية ومنها ترتاح الأرض فلا يزرعون ولا يفلحون ولكن الله العجيب سيعطيهم فى هذه السنة أيضاً حصاد ما لم يزرعوه = فى السنة الثانية خلفة = وفى السنة الثانية سيذكرون أن الله هو الذى أنبت الأرض أولاً حيث لم يكن من يزرعها (تك 11:1) وفى السنة الثالثة يعودوا للزراعة وتعود الزراعة لعادتها.
وفى آية (30) يتأصلون إلى أسفل = فبعد هذه الحرب تشتتت العائلات ولكن الله سيعيدهم لأماكن سكنهم. فالنبى يشبههم بنبات لهُ جذوره الثابتة فى الأرض ولهُ ثماره أى سيثبتون ثم يزدهرون ويكون لهم ثمار نافعة للآخرين وكل مؤمن يكون لهُ جذوره بإيمانه بالمسيح ثم يصير لهُ ثماره. وهذه هى بركات الآلام التى مروا بها وهذه هى الولادة الجديدة التى تكلم عنها حزقيا الملك.
لأنه من أورشليم تخرج البقية = الذين كانوا محجوزين داخل الأسوار سيخرجون ويكون لهم حرية ولا شىء يعود يخيفهم.
وقد حدث خراب كبير ولكن هناك بقية نجت. ولكن هذه الآيات تنظر للبقية التى ستنجو من إسرائيل فى الأيام الأخيرة (رو 28،27:9) وسيدخلون مجد أولاد الله وهى إشارة لأن الخلاص سيخرج من صهيون.
الآيات 35-37:- وكان في تلك الليلة ان ملاك الرب خرج وضرب من جيش اشور مئة الف وخمسة وثمانين الفا ولما بكروا صباحا اذا هم جميعا جثث ميتة.فانصرف سنحاريب ملك اشور وذهب راجعا واقام في نينوى.و فيما هو ساجد في بيت نسروخ الهه ضربه ادرملك وشراصر ابناه بالسيف ونجوا الى ارض اراراط وملك اسرحدون ابنه عوضا عنه.
فى بعض الأحيان يتاخر تنفيذ النبوات ولكن هذه النبوة تم تنفيذها فى تلك الليلة. فقد تمرد سنحاريب وثار ضد خالقه فكان من العدل أن يثور ويتمرد عليه إبناه ويهلك جيشه. والسجلات المصرية تقول إن جيش ملك أشور هلك بوباء على حدود مصر.