تفسير سفر صموئيل الثاني أصحاح 24 للقمص أنطونيوس فكري

 

يختم السفر حياة داود بخطأ خطير ارتكبه داود وهو إحصاء الشعب لمعرفة عدد رجال الحرب دون استشارة الرب، فحّل على الشعب تأديب قاسي هزّ أعماق نفس داود وذكر هذه القصة هنا مهم جدًا فهذا التأديب القاسي انتهى بتقديم ذبيحة في مكان الهيكل الذي بناه سليمان. وهذه القصة تعتبر مدخل لحياة سليمان الذي يظهر في الكتاب المقدس كأن عملهُ الأساسي هو بناء الهيكل وحتى أن الهيكل منسوب لهُ ويسمى هيكل سليمان. حتى بعد أن تم تدميره على يد نبوخذ نصّر وبناه زربابل بعد أن عاد الشعب من السبي استمر اسمه هيكل سليمان. وكان هذا رمزًا لما عملهُ المسيح. فالهيكل يشير لجسد المسيح (يو21:2) الذي أخذهُ من العذراء مريم ويشير للكنيسة التي هي جَسَدَهُ. والمسيح عَمِلَ هذا لرفع اللعنة عن شعبه كما أن بتقديم الذبيحة في أرض الهيكل هذا رَفَعَ الله اللعنة عن الشعب. (فسليمان يرمز للمسيح كمؤسس للهيكل وفي أنه ابن داود).

 

آية (1):- “وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلًا: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا».”

لماذا غضب الله حينما قام داود بعمل هذا الإحصاء:-

1- هو لم يستشر الرب كعادته.

2- بدأ داود يشعر أن سر قوته هو في عدد رجالهُ وإمكانياته فبدأ يعتمد على هذا. ولو إفتكر داود كيف كانت بداية حياته وكيف أنه تحوّل من راعٍ للغنم إلى ملك جبار لفهم أن هذا قد تم بقوة ذراع الله وليس بذراع بشر.

3- يبدو أن الدافع الرئيسي، هو الإعلان عن عظمته وقدراته وإمكانياته، كما كان يفعل ملوك الأمم حوله ليرعب الأمم المجاورة، ولقد شاركه الشعب هذه الروح لذلك كانت الخطية على الجميع وليس على داود وحدهُ. ولقد حاول داود في محبته أن ينسبها لنفسه ولبيت أبيه لكي يُصَّب التأديب كله عليه دون الشعب.

4- كان الشعب محتاجًا إلى تأديب وإلاّ لأدَّب الله داود وحدهُ. ففي موضوع أوريا لم نسمع أن الله أدَّب الشعب على خطأ داود بل التأديب إنصب على من يستحق. لكن الآن نسمع أن الضربة موجهة للشعب إذًا فهو المستحق. ولقد سمح الله بخطأ الراعي لتأديب الرعية، فهي مستحقة للتأديب. الله عادل في أحكامه ولا يعاقب أحد بذنب آخر. وهذه بديهية. فالله لا يحابى أحد ولا يظلم أحد، فهو غير محتاج لأحد، ولا يخشَى أحد. وحينما تساءل اليهود لماذا نُعاقَب نحن بينما أن أباؤنا هم الذين أخطأوا. وقال اليهود هذا المثل “أباؤنا أكلوا الحصرم (أي أخطأوا) وأسنان الأبناء ضرست (أي نحن الذين نعاقب)”. أجاب الله على فم حزقيال النبي بأن هذا ليس صحيحا وأن الله لا يعاقب أحد بذنب آخر (وراجع حزقيال 18) قائلا النفس التي تخطئ هي تموت. وإن جاز لي التصور أن السبب في عقوبة الشعب:- أ) البداية انتفاخ داود بانتصاراته ومملكته الكبيرة التي كونها. ب) وهناك سبب آخر لانتفاخه وهذا واضح من فصله يهوذا عن إسرائيل في التعداد، فهو يشعر بقوة سبطه وتفوقه على باقي الأسباط. وهذا ما إتضح من التعداد، أن عدد رجال يهوذا يقارب عدد رجال إسرائيل. وهذه السقطة تكررت وكانت سببا في تكون بذرة الانفصال. ج) وشعب يهوذا اشترك في هذا حينما قالوا لشيوخ إسرائيل كلاما قاسيا بدأت به بذور الانشقاق “وإذا بجميع رجال إسرائيل جاءون إلى الملك وقالوا للملك لماذا سرقك اخوتنا رجال يهوذا وعبروا الاردن بالملك وبيته وكل رجال داود معه. فأجاب كل رجال يهوذا رجال إسرائيل لأن الملك قريب إليَّ ولماذا تغتاظ من هذا الامر. هل أكلنا شيئا من الملك أو وهبنا هبة. فأجاب رجال إسرائيل رجال يهوذا وقالوا. لي عشرة أسهم في الملك وأنا أحق منك بداود. فلماذا إستخففت بي ولم يكن كلامي أولًا في إرجاع ملكي. وكان كلام رجال يهوذا أقسى من كلام رجال إسرائيل” (2صم19: 41 – 43). فرجال يهوذا أيضًا دخلهم الكبرياء وأنهم أقوى من باقي إخوتهم أسباط إسرائيل. وأنهم سبط الملك، وبهذا لهم الحق أن يسودوا على إخوتهم أسباط إسرائيل فهم الأقوى. د) وأستطيع القول أيضًا أن أسباط إسرائيل أيضًا قد أخطأوا. ففي بعدهم عن أورشليم بدأت بذور إختلاطهم بالشعوب الوثنية المحيطة بهم. وبدأت علاقتهم بمذبح الله في أورشليم تضعف، وربما تكاسلوا في الذهاب لأورشليم سنويا كما طلب منهم الرب. وهذا ما إتضح بعد ذلك في انحراف مملكة إسرائيل الشمالية إلى الوثنية. ه) لذلك إرتبطت القصة كلها بأن الله يحدد مكان الهيكل الذي ستقدم فيه الذبائح وتقام فيه العبادة المقبولة أمام الله. وبعد أن قدمت الذبيحة في هذا المكان توقف الوبأ. وفهم الجميع أن هذا المذبح وليست المذابح الوثنية سر قوتهم. والذبيحة التي تقدم على مذبح الله هي سر القوة وليس تعداد الرجال، وهذا معنى أن الله طلب منهم وضع قرون على المذابح (المحرقة والبخور) إعلانا عن قوة الذبيحة وقدرتها على الغفران وَرِضَى الله عليهم. ورضَى الله عليهم هو قوتهم. ملحوظة: القرون في المجتمعات الرعوية رمز للقوة، ولاحظ قول داود “الرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلهِي صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي. تُرْسِي وَقَرْنُ خَلاَصِي وَمَلْجَإِي” (مز18: 2). وعلينا أن نفهم أن ضربات الله لا يمكن أبدًا أن تكون عشوائية (وبأ على الجميع ويموت البار مع الخاطئ). ورأينا عمارة تسقط ويخرجون منها رجلًا حيًّا بعد 10 أيام – كيف؟ الله لا يريد له الموت، بل مجرد درس له وتأديب ويأخذ فرصة حياة ثانية. قنابل الكنائس هذه الأيام، اثنين يستشهدان ومن بينهما لا يصيبه حتى جرح بسيط. فمن إستشهد هو المستعد للسماء. والباقي فقد أخذ الدرس ويعطيه الله فرصة حياة جديدة. أو أن من إستشهد قد أنهى عمله الذي خلقه الله ليتممه فسمح الله له بالاستشهاد. أم من عاش فلأن له عمل ما زال ينتظره. فلا أحد له سلطان على حياتنا إن لم يسمح الله بذلك، وهذا يكون بعد أن ننهى عملنا الذي خُلِقنا لأجله (أف2: 10). أنهى يعقوب عمله فسمح الله لهيرودس أن يقتله، وحاول قتل بطرس لأن له عمل ما زال ينتظره (أع12). ويرسل ملكا ليخرجه من السجن بإعجاز. فلا أحد له سلطان على أولاد الله.

عمومًا نستطيع أن نقول أن سقطة داود هنا ومعهُ الشعب هي نفس سقطة إبليس وآدم، هي الأكل من الشجرة المحرمة. فإبليس خلقه الله جميلًا قويًا فرأى جماله وقوته ونسبها لنفسه فانفصل عن الله ومات وهلك، وهكذا فعل آدم وأكل من نفس الشجرة فمات وهلك وحلّت اللعنات بالأرض وبالإنسان. وكان لا بُد أن يأتي المسيح بجسده ليرفع هذه اللعنة ويؤسس هيكله بتقديم نفسه ذبيحة. وتصير ذبيحة الصليب هي سبب رضَى الله علينا وسر قوتنا على أعدائنا الشياطين وشهوة الجسد.

5- ربما قصد داود بهذا الإحصاء إثارة حروب جديدة لم يأمر بها الله لتوسيع مملكته ولزيادة مجده.

6- وربما أراد تسخير الشعب بوضع جزية مالية ثقيلة لحسابه الخاص أو حساب الخزانة وليس لحساب خيمة الاجتماع.

7- كان التعداد الذي يسمح بِهِ الله مرتبطًا بتحصيل نصف شاقل عن كل إنسان. (وهذا رمزًا للفداء… راجع سفر الخروج) وداود لم يحصل النصف الشاقل بمعنى رمزي، أنه يريد العدد فقط، يريد شعبًا غير مفدى بالدم وغير المفديين تستمر عليهم اللعنة فهم ليسوا من جسد المسيح وليسوا من أحجار الهيكل.

8- لقد أدرك يوآب بالرغم من دمويته خطأ داود وحاول تنبيهه لكن داود أصّر على خطأه والله يستخدم مَنْ حولنا كثيرًا ليصل صوته إلينا. لذلك فمن المهم أن نسمع المشورة حتى لو جاءت ممن هم أصغر منّا بل لو حتى من أعدائنا فلربما نسمع عن طريقهم صوت الله على أنه من الواجب أن نسمع ونميز الأرواح ونمتحن الأرواح (1يو1:4) فإن تأكدنا من أن الصوت من الله علينا أن نخضع لهُ.

9- نسى داود أن الشعب هو شعب الرب وليس شعبه هو وإن الرب قادر أن يزيد الشعب كما حدث في مصر، إن أراد. وهو قادر أن ينقصه كما حدث هنا. والله قادر أن يجعل النصرة بأقل عدد كما حدث في أيام جدعون. وعلينا أن نعرف هذا لحياتنا فلا نضع قلوبنا على ما نمتلك فالله قادر أن يزيد ويبارك فيما نملك وقادر أن يأخذ كل شيء وقادر أن يبارك في القليل. المهم أن ننظر إلى الله وليس لما نمتلك.

10- الخطأ كما قلنا هنا هو خطأ مزدوج فهو خطأ داود وخطأ الشعب فكلاهما شَعَر بأنه قوي وبدأ الشعور بالغرور والانتفاخ وبالتالي الشعور بعدم الاحتياج لله والابتعاد عنهُ، بدأ يتسلل للشعب وهذا الإحساس سريعًا ما يؤدي للسقوط في خطايا كثيرة والله سمح لداود بأن يقوم بالتعداد حتى بعد أن يرى غضب الله يعرف خطأهُ وهذا ما حدث مع بلعام. فكثيرًا ما ينبهنا الله لخطأٍ ما مرة وأكثر فنصر على الخطأ فيتركنا الله لنسقط ونرى مرارة عملنا ويكون هذا هو التأديب.

امضِ وأحصِ إسرائيل= هنا الذي قال هو الرب ثم في (1أى1:21) ووقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصى إسرائيل= وتفسير هذا فالله سمح للشيطان أن يغوى داود حتى تظهر الخطيئة المستترة في قلبه وفي قلوب شعبه وهي انتفاخهم أي حبهم لقوتهم وإعجابهم بأنفسهم وافتخارهم بذواتهم. وهي خطية مستترة أي لا تراها عيونهم فهي ليست مستترة عن الله فالله فاحص القلوب والكلى. لكنها مستترة ومخفية عن عيونهم بدليل أن يوآب نبّه داود أن هذا خطأ لكن داود مع هذا لم يستطع أن يرى الخطأ. ولو ترك الله المرض الخبيث (الكبرياء) داخل داود لهلك بِهِ فسمح الله بهذا أن الشيطان يغوى داود فيعمل داود الإحصاء فيضرب الله الشعب، كل هذا لينقذ الله داود وشعبه من الكبرياء فيشفى ارتدادهم (هو4:14). وعلامة أن هذه الدعوة للتعداد كانت ضد رغبة الله أن داود لم يشعر بالفرح من عَمَلَهُ ولا هو سبّح الله كما هي عادته بل نسمع أن قلبهُ ضربهُ على هذا العمل (آية 10). فلو كان العمل حسب إرادة الله لفرح به وسبح الله عليه، علامة رضا الله أن يفرح الإنسان قلبيًا فيسبح اللهأحصِ إسرائيل ويهوذا= يذكر يهوذا هنا مميزة عن إسرائيل وهذا راجع إمّا لأن السفر قد كتب بعد انفصال المملكتين أو لأن يهوذا سبط الملك. أو لأن داود ملك على يهوذًا أولًا.

 

آية (2):- “فَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوآبَ رَئِيسِ الْجَيْشِ الَّذِي عِنْدَهُ: «طُفْ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ وَعُدُّوا الشَّعْبَ، فَأَعْلَمَ عَدَدَ الشَّعْبِ».”

من دان إلى بئر سبع= دان إلى أقصى الشمال وبئر سبع أقصى الجنوب وهذا تعبير كتابي عن كل إسرائيل.

 

آية (3):- “فَقَالَ يُوآبُ لِلْمَلِكِ: «لِيَزِدِ الرَّبُّ إِلهُكَ الشَّعْبَ أَمْثَالَهُمْ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَعَيْنَا سَيِّدِي الْمَلِكِ نَاظِرَتَانِ. وَلكِنْ لِمَاذَا يُسَرُّ سَيِّدِي الْمَلِكُ بِهذَا الأَمْرِ؟»”

رد يوآب يُظهر أنه صوت الله أراد أن ينبه داود أن التعداد خطأ ومعنى الكلام روحي أن الله قادر أن يزيد عدد الشعب 100 مرة أمامك. فلما يُسّر الملك بأن ينتفخ بكثرة شعبه.

 

آية (4):- “فَاشْتَدَّ كَلاَمُ الْمَلِكِ عَلَى يُوآبَ وَعَلَى رُؤَسَاءِ الْجَيْشِ، فَخَرَجَ يُوآبُ وَرُؤَسَاءُ الْجَيْشِ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ لِيَعُدُّوا الْشَعْبَ، أَيْ إِسْرَائِيلَ.”

 

آية (5):- “فَعَبَرُوا الأُرْدُنَّ وَنَزَلُوا فِي عَرُوعِيرَ عَنْ يَمِينِ الْمَدِينَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ وَادِي جَادَ وَتُجَاهَ يَعْزِيرَ.”

عروعير= مدينة أمام ربة أي إلى جهة شرق إسرائيل. فهم بدأوا من الشرق.

 

الآيات (6-8):- “وَأَتَوْا إِلَى جِلْعَادَ وَإِلَى أَرْضِ تَحْتِيمَ إِلَى حُدْشِي، ثُمَّ أَتَوْا إِلَى دَانِ يَعَنَ، وَاسْتَدَارُوا إِلَى صِيْدُونَ. ثُمَّ أَتَوْا إِلَى حِصْنِ صُورٍ وَجَمِيعِ مُدُنِ الْحِوِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى جَنُوبِيِّ يَهُوذَا، إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ. وَطَافُوا كُلَّ الأَرْضِ، وَجَاءُوا فِي نِهَايَةِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا إِلَى أُورُشَلِيمَ.”

 

آية (9):- “فَدَفَعَ يُوآبُ جُمْلَةَ عَدَدِ الشَّعْبِ إِلَى الْمَلِكِ، فَكَانَ إِسْرَائِيلُ ثَمَانَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل ذِي بَأْسٍ مُسْتَلِّ السَّيْفِ، وَرِجَالُ يَهُوذَا خَمْسَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل.”

التعداد كان 800000 لإسرائيل، 500000 ليهوذا

وفي (1أى5:21) يذكر 1,100000، 470000 ليهوذا وهناك حلول لهذا:-

1- كان لداود جيش منتخب مكون من 30000 (2صم1:6) هؤلاء لم يدخلوا في حسابات كاتب سفر الأيّام بالنسبة ليهوذا. فيكون يهوذا 470000+30000=500000.

2- نلاحظ أن يوآب كان كارهًا للإحصاء شاعرًا بخطورة الموقف (1أى24:27) ويوآب نتيجة كراهيته للإحصاء لم يقم *بإحصاء لاوي وبنيامين (1أى6:21) وعمومًا فاللاويين لا يعدّون كرجال حرب فالحرب ليست عملهم وربما كان سبط بنيامين 30000 وبنيامين يُعّد مع يهوذا فيكون العدد 470000+30000=50000.

3- بالنسبة لإسرائيل نلاحظ أن سفر صموئيل يقول فكان إسرائيل 800000 أمّا سفر الأيّام فيقول كل إسرائيل 1100000 فكلمة كل لم تقال في سفر صموئيل والفرق بين الرقمين يمكن تعديله كما يلي:- أن الـ800000 هم تعداد من يمكن أن يتم تجنيدهم لكن يوجد هناك مجندين فعلًا 288000 في كل إسرائيل (24000×12=288000) راجع (1أى27: 1-15). بالإضافة إلى أن داود أقام 12 واليًا وكل والٍ يتبعه 1000 مجند فيصبح العدد الكلى 800000+288000+12000= 1100000 وأسماء الـ12 والٍ موجودة في (1أى27: 16-22). ملحوظة* بالنسبة لتعداد بنيامين فغالبًا يوآب قام بتعداد بنيامين لكن لم يسجل الرقم رسميًا (1أى6:21، 24:27).

4- هناك من يحل الإشكال بطريقة لطيفة إذ لاحظ أن كاتب صموئيل حين ذكر تعداد إسرائيل قال إن عدد 800000 الخاص بإسرائيل هم ذي بأسٍ وهذه العبارة لم ترد مع كاتب الأيّام ويَفْهَمْ من هذا أن هناك فرق في الكفاءة ما بين الـ800000، الـ 300000. عمومًا نفهم أن هناك سجلات مختلفة وكل كاتب سجل الأعداد بطريقة مختلفة ولكن الأعداد كلها صحيحة. بل أن هذا الخلاف دليل صحة وليس دليل خطأ فحينما تتطابق القصتان تمامًا فيما عدا عدة أرقام نفهم أن المصادر مختلفة ولكنها كلها صحيحة فهم لم ينقلوا من بعضهم إنما هم شاهدين مختلفين رووا نفس القصة بفروق غير مهمة بل تفسر بأنها ترجع إلى أن كل كاتب ينظر من وجهة نظره للتعداد. فهناك من أخذ رقم بنيامين الذي لم يسجل في سجلات الدولة الرسمية وهناك من لم يأخذه لأنه لم يسجل وكلاهما صحيح.

 

آية (10):- “وَضَرَبَ دَاوُدَ قَلْبُهُ بَعْدَمَا عَدَّ الشَّعْبَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّبِّ: «لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدًّا فِي مَا فَعَلْتُ، وَالآنَ يَا رَبُّ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لأَنِّي انْحَمَقْتُ جِدًّا».”

هذا هو سر عظمة داود النبي فهو متى عَرِف أنه أخطأ يعترف ولا يقدم مبررات.

 

الآيات (11-14):- “وَلَمَّا قَامَ دَاوُدُ صَبَاحًا، كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى جَادٍ النَّبِيِّ رَائِي دَاوُدَ قَائِلًا: «اِذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِدًا مِنْهَا فَأَفْعَلَهُ بِكَ». فَأَتَى جَادُ إِلَى دَاوُدَ وَأَخبَرهُ وَقَالَ لَهُ: «أَتَأْتِي عَلَيْكَ سَبْعُ سِنِي جُوعٍ فِي أَرْضِكَ، أَمْ تَهْرُبُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ أَمَامَ أَعْدَائِكَ وَهُمْ يَتْبَعُونَكَ، أَمْ يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَبَأٌ فِي أَرْضِكَ؟ فَالآنَ اعْرِفْ وَانْظُرْ مَاذَا أَرُدُّ جَوَابًا عَلَى مُرْسِلِي». فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: «قَدْ ضَاقَ بِيَ الأَمْرُ جِدًّا. فَلْنَسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أَسْقُطْ فِي يَدِ إِنْسَانٍ».”

لقد ضرب داود قلبه أي بدأ يشعر بالندم وظل طوال الليل في مرارة يترقب ثمار الخطأ الذي ارتكبه. وأتى لداود النبي، جاد النبي حاملًا لهُ 3 خيارات ليختار أحدها كعقوبة. ولاحظ أن الضربات والتأديب تتفق مع الخطية. فداود كان سبب كبريائه هو تعداد شعبه، والله يأخذ منهُ أسباب كبريائه ويحرمه منها. فما تكبر به داود كان سبب ضربته. وكانت الخيارات الثلاثة:- 1- حرب: وهذه ستكون على الجنود فداود لا يخرج للحرب. 2- مجاعة: وهذه لن تصيب داود بأذى فهو يأخذ من الضرائب ما يشبعه. 3- وباء: وهذا قد يصيبه كما يصيب الشعب. ومن نبل داود اختار الوباء ليشارك الشعب. أتأتي عليك سبع سني جوع= وفي (1أى12:21) يقول ثلاث سنوات. وحل هذا الإشكال بسيط جدًا فأحدهم ينظر للفترة التي تفرغ فيها المخازن تمامًا (3 سنين) وهذه يسبقها فترة قحط وندرة مياه وتبدأ المحصولات تقل إلى أن تنفذ وقد تكون هذه الفترة سنتان وبعد أن تعود المياه وينتهي الجفاف تمتلئ المخازن ثانية في سنتين. فلنسقط في يد الرب .. ولا نسقط في يد إنسان: فالحرب تجعلنا نسقط في يد أعدائنا. والمجاعة ستجعلنا نتذلل لهم ليعطونا ما نأكلهُ. أمّا الوباء فنحن فيه في يد الرب ومراحم الرب كثيرة.

 

الآيات (15-17):- “فَجَعَلَ الرَّبُّ وَبَأً فِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمِيعَادِ، فَمَاتَ مِنَ الشَّعْبِ مِنْ دَانٍ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ سَبْعُونَ أَلْفَ رَجُل. وَبَسَطَ الْمَلاَكُ يَدَهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِيُهْلِكَهَا، فَنَدِمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ، وَقَالَ لِلْمَلاَكِ الْمُهْلِكِ الشَّعْبَ: «كَفَى! الآنَ رُدَّ يَدَكَ». وَكَانَ مَلاَكُ الرَّبِّ عِنْدَ بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ. فَكَلَّمَ دَاوُدُ الرَّبَّ عِنْدَمَا رَأَى الْمَلاَكَ الضَّارِبَ الشَّعْبَ وَقَالَ: «هَا أَنَا أَخْطَأْتُ، وَأَنَا أَذْنَبْتُ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ الْخِرَافُ فَمَاذَا فَعَلُوا؟ فَلْتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي».”

إلى الميعاد= غالبًا يشير هذا إلى وقت تقدمة ذبيحة المساء فارتباط الذبيحة واضح مع رفع الضربات. ومعنى هذا أن الله هدّد بوباء يستمر 3 أيام ثم من مراحمه توقفت الضربة بعد يوم واحد. أو تعني بعد انقضاء الثلاثة أيام وأيضًا في ميعاد تقدمة المساء في اليوم الثالث. ويقول المفسرون أن الملاك كان على ذات جبل المريا الذي قدم فيه إبراهيم إسحق ذبيحة. وكأن المعنى أنه لا سبيل لوقف الوباء الذي يحصد البشر إلاّ ذبيحة الابن الوحيد الجنس (الوباء الذي يحصد البشر هو الموت). أرونة اليبوسي= أرونة رجل أجنبي يبوسي. وهو رأى الملاك (1أى20:21) فإختبأ هو وأولاده ثم رأى الملك قادمًا فارتبك وتحير وسجد أمام الملك وسألهُ عن سر مجيئه. ونرى في صرخات داود حبه الفائق لشعبه، فهو إذ رأى شعبه تحت الضيق صرخ طالبًا أن تحل الضيقة به وببيت أبيه لا بالشعب، فهو مستعد مثل المسيح أن يتقدم الرعية ليحتمل المخاطر عنهم. وفي صرخاته معنى أن كانوا هم أخطأوا فأنا الراعي وأنا المسئول أدبني أنا وبيت أبي. أنها خطيتي أنا لذا أستوجب العقوبة.

 

الآيات (18-25):- “فَجَاءَ جَادُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «اصْعَدْ وَأَقِمْ لِلرَّبِّ مَذْبَحًا فِي بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ». فَصَعِدَ دَاوُدُ حَسَبَ كَلاَمِ جَادَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ. فَتَطَلَّعَ أَرُونَةُ وَرَأَى الْمَلِكَ وَعَبِيدَهُ يُقْبِلُونَ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ أَرُونَةُ وَسَجَدَ لِلْمَلِكِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. وَقَالَ أَرُونَةُ: «لِمَاذَا جَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ إِلَى عَبْدِهِ؟» فَقَالَ دَاوُدُ: «لأَشْتَرِيَ مِنْكَ الْبَيْدَرَ لِكَيْ أَبْنِيَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ فَتَكُفَّ الضَّرْبَةُ عَنِ الشَّعْبِ». فَقَالَ أَرُونَةُ لِدَاوُدَ: «فَلْيَأْخُذْهُ سَيِّدِي الْمَلِكُ وَيُصْعِدْ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. اُنْظُرْ. اَلْبَقَرُ لِلْمُحْرَقَةِ، وَالنَّوَارِجُ وَأَدَوَاتُ الْبَقَرِ حَطَبًا». اَلْكُلُّ دَفَعَهُ أَرُونَةُ الْمَالِكُ إِلَى الْمَلِكِ. وَقَالَ أَرُونَةُ لِلْمَلِكِ: «الرَّبُّ إِلهُكَ يَرْضَى عَنْكَ». فَقَالَ الْمَلِكُ لأَرُونَةَ: «لاَ، بَلْ أَشْتَرِي مِنْكَ بِثَمَنٍ، وَلاَ أُصْعِدُ لِلرَّبِّ إِلهِي مُحْرَقَاتٍ مَجَّانِيَّةً». فَاشْتَرَى دَاوُدُ الْبَيْدَرَ وَالْبَقَرَ بِخَمْسِينَ شَاقِلًا مِنَ الْفِضَّةِ. وَبَنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، وَاسْتَجَابَ الرَّبُّ مِنْ أَجْلِ الأَرْضِ، فَكَفَّتِ الضَّرْبَةُ عَنْ إِسْرَائِيلَ.”

سمع الله لصرخات داود المملوءة حبًا وطلب أن يبنى مذبحًا في هذا المكان فلا مصالحة بدون ذبيحة. وإقامة مذبح وتقديم ذبيحة وقبولها من جانب الله يعني تحقيق المصالحة. ولاحظ استجابة الله السريعة لصلاة داود إذ جاءَهُ جاد النبي مباشرة. وأرونة عرض المكان مجانًا وداود أصّر أن يدفع فلو أخذه مجانًا لكان أرونة هو الذي قدّم لله وليس داود. وكون داود يدفع فهذا علامة توبته الحقيقية.

50 شاقلًا= هذا ثمن البيدر والبقر حسب أية (24) فداود دفع فورًا هذا الثمن وبنوا مذبحًا قدموا عليه البقر حالًا في نفس المكان حتى تقف الضربة ودعا داود الرب فاستجابه بنار من السماء وأمر الملاك فرّد سيفه إلى غمده (1أى21: 26، 27). ولأن الرب استجاب داود في هذا المكان خاف أن يذهب إلى خيمة موسى التي في جبعون بعد ذلك. وعَرِف أن هذا المكان هو الذي اختارهُ الله لتقديم ذبائح فيه وليكون مكان الهيكل الذي سيبنيه ابنه فاشترى المكان كلّه بـ600 شاقل ذهب (1أى25:21).

وكان الله قد سبق وقال لموسى النبي أن الهيكل الذي سيقام لتقديم الذبائح فيه أنه هو أي الله بنفسه الذي سيحدد المكان (تث12: 5، 11، 13، 14). وها هو الآن يحدد المكان.

ملخص حياة داود:

داود يرمز للمسيح المتألم على الأرض وهو في الجسد بينما سليمان ابنه في حكمته وغناه والسلام الذي عم مملكته يرمز للمسيح في مجده. فداود كان الابن الصغير المهمل في بيت أبيه يسى وترك له رعاية الغنم بينما إخوته ضباط كبار في الجيش وكان مطاردًا من شاول وبعد هذا دخل حروب كثيرة ثم طورد من إبشالوم. لكن لماذا يسمح الله لعبده المحبوب بكل هذا؟

كان الله يُدخل داود في مدارس إعداد إلهية:-

1- مدرسة الرعاية ليعده ملكًا والله عمل هذا مع كثير من القادة إذ بدأوا كرعاة غنم ليرعوا شعبه بعد ذلك مثل موسى.

2- مدرسة الإيمان يبدأ بصراع مع دب وأسد فيزداد إيمانه فيصارع جليات فيزداد إيمانه ويصبح قادرًا على تحمل أعباء الملك بل تأسيس مملكة وسط أعداء أقوياء. لذلك نجد أن مزاميره تبدأ بالشكوى وتنتهي بالشكر على استجابة الله دون أن تكون الاستجابة قد حدثت وذلك بسبب إيمانه القوي.

3- مدرسة الألم حيث اختبر تعزيات الله (2كو 4:1، 5).

4- مدرسة التأديب الإلهي بعد الخطية لانتزاع كل ميوله الشريرة من داخله وإعداده لميراثه السماوي.

زر الذهاب إلى الأعلى