تفسير سفر أستير ١ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الأول
آية1
:- وحدث في ايام احشويروش هو احشويروش الذي ملك من الهند الى كوش على مئة وسبع وعشرين كورة.
أحشويروش = زركسيس ملك فارس (486-465) إبن داريوس هستاسب من زوجته أتوسا، إبنه كورش، سحق ثورة جامحة فى مصر فتعاظمت مملكة مادى وفارس فى أيامه فإمتدت من الهند إلى كوش أى إلى النوبة وكردفان جنوب مصر بل حتى إلى شمال إثيوبيا ومصر نفسها. وإشتملت مملكته على 127 ولاية. والمملكة تم تقسيمها إلى ولايات لسهولة حكمها وإدارتها. وكان دانيال قد ذكر أنها 120 ولاية يحكمها 120 مرزباناً، فنفهم أن المملكة قد إتسعت من أيام كورش حتى أيام الملك أحشويرش قام أحشويرش. بحملة على اليونان سنة 481 وفى السنة التالية دُمر اسطوله الكبير فى موقعة سلاميس، وتكبد جيشه هزائم فادحة. وعاد إلى فارس سنة 478.
ولم يتميز باقى عهده بشىء سوى الفجور وإراقة الدماء. وقد قتل هو فى سنة 465 وإسم أحشويرش هو نطق رومانى وباليونانية زركسيس. أما بالفارسية فهو أردشير.
الآيات 2-10:-
انه في تلك الايام حين جلس الملك احشويروش على كرسي ملكه الذي في شوشن القصر. في السنة الثالثة من ملكه عمل وليمة لجميع رؤسائه وعبيده جيش فارس ومادي وامامه شرفاء البلدان ورؤساؤها.حين اظهر غنى مجد ملكه ووقار جلال عظمته اياما كثيرة مئة وثمانين يوما.و عند انقضاء هذه الايام عمل الملك لجميع الشعب الموجودين في شوشن القصر من الكبير الى الصغير وليمة سبعة ايام في دار جنة قصر الملك.بانسجة بيضاء وخضراء واسمانجونية معلقة بحبال من بز وارجوان في حلقات من فضة واعمدة من رخام واسرة من ذهب وفضة على مجزع من بهت ومرمر ودر ورخام اسود.و كان السقاء من ذهب والانية مختلفة الاشكال والخمر الملكي بكثرة حسب كرم الملك.و كان الشرب حسب الامر لم يكن غاصب لانه هكذا رسم الملك على كل عظيم في بيته ان يعملوا حسب رضا كل واحد.و وشتي الملكة عملت ايضا وليمة للنساء في بيت الملك الذي للملك احشويروش.في اليوم السابع لما طاب قلب الملك بالخمر قال لمهومان وبزثا وحربونا وبغثا وابغثا وزيثار وكركس الخصيان السبعة الذين كانوا يخدمون بين يدي الملك احشويروش.
أراد الملك إظهار غنى مجد ملكه ووقار جلال عظمته، فصنع وليمتين عظيمتين:
الأولى إمتدت 180 يوماً خاصة بالرؤساء. والثانية 7 أيام خاصة بكل الشعب من الكبير إلى الصغير. ويقال أن الفرس إعتادوا أن يتخذوا قراراتهم الهامة فى مثل هذه الولائم. وربما كانت هذه الولائم لإعداد خطة الحرب ضد اليونان. والوليمة الأولى للرؤساء إقيمت فى شوشن القصر عاصمة عيلام وهى العاصمة الشتوية لملوك فارس. وأقيمت هذه الوليمة على ما يبدو داخل القصر.أما الثانية فأقيمت فى حديقة القصر، حيث أقيمت سرادقات ” مظال ” بأنسجة بيضاء وخضراء وإسمانجونية وهى الألوان الملكية فى فارس. ووصف روعة القصر تدل على أن الكاتب رأى ما يصفه رؤى العين. بهت = حجر أبيض يتلألأ وفى الوقت الذى أقام فيه الملك هذه الوليمة، أقامت أيضاً الملكة وليمة للنساء. وكانت هناك عادة فارسية بأن يلزم كل إنسان بشرب مقدار معين من الخمر فى هذه الولائم، ولكن تميزت ولائم أحشويرش هذه بأنه لم يكن غاصب = أى أنه تركت الحرية لكل إنسان أن يشرب ما يريد. دارجنة قصر الملك = الحدائق المحيطة بالقصر.
الآيات 12، 11:-
ان ياتوا بوشتي الملكة الى امام الملك بتاج الملك ليري الشعوب والرؤساء جمالها لانها كانت حسنة المنظر.فابت الملكة وشتي ان تاتي حسب امر الملك عن يد الخصيان فاغتاظ الملك جدا واشتعل غضبه فيه.
نلاحظ هنا ذكر الأسماء وهذا يشير إلى أن الكاتب مطلع على ما يحدث فى القصر أو مطالع لسجلات الحكومة. ونجد هنا أن الملك قد طاب قلبه بالخمر “ففقد إتزانه وفى حماقة سُكره طلب من خصيانه السبعة أن يأتوا بالملكة ليظهر جمالها للرؤساء وللشعب. ولنرى ماذا تصنع الخمر فهذا الملك الذى خضعت لهُ 127 ولاية يحكمها لم يستطع ان يحكم شهواته وخضع عقله لشهواته وإرادته لأهوائه فطلب أن تأتى زوجته بين السكارى ليروا جمالها. وهذه هى نتيجة أفراح العالم أى الإستغراق فى السكر والشهوات، أن تتحول الأفراح إلى غم، وهذا عكس الفرح الروحى الذى يعطيه الله فهو قادر أن يسود القلب بينما تحيط بالإنسان الخارج أحزان العالم، هو فرح لا يمكن نزعه مهما كانت الآلام من خارج ” يو 21، 20:16″ والذى حدث أن الملكة أبت = فهى فضلت أن تصون كرامتها فما طلبه الملك فى سكره لا يصح، وهى عرضت نفسها للقتل لأنها إهتمت بكرامتها. وما فعلته وشتى درس لبناتنا حتى لا يعرض جمالهن أمام الناس. فإغتاظ الملك جداً = لقد تحولت أفراحه لغيظ شديد وحزن وهذا الملك الخاضع لشهواته، خضع أيضاً لشهوته فى الإنتقام من زوجته وهو ندم بعد ذلك على تصرفه ولكن بعد فوات الأوان لذلك نسمع فى 1:2 أنه ذكر وشتى وذكر أنه فقد سعادته العائلية. ولنتأمل أنه حقاً كان لا يليق بكرامة وشتى أن تأتى ليراها السكارى ولكن من المؤكد أن كرامتها ما كانت لتهتز بل كرامة الملك. ولكن لنرى كيف يُخرج الله من الجافى حلاوة. فمن وسط هذه الحفلات الماجنة وملك لا تحكمه سوى شهواته ورفض الزوجة أوامر زوجها وغيظ الزوج وطلبه الإنتقام إذا بيد الله تحول كل هذا لخير شعبه ويحول كل هذا للخير ولتحل إستير محل وشتى فيتحول كل هذا ليكون لخير شعب الله حتى يخلص الله شعبه من شر هامان.
تأمل:-
وشتى زوجة الملك الجميلة الموجودة بالداخل فى بيت النساء لا يصح عرضها أمام الناس تمثل فضائل الإنسان وأعمال بره لا يجب أن يكشفها الإنسان للآخرين بل هى تخص عريس النفس يسوع” لا تعرف شمالك ما تفعله يمينك مت 4:6″.
الآيات 13-22
و قال الملك للحكماء والعارفين بالازمنة لانه هكذا كان امر الملك نحو جميع العارفين بالسنة والقضاء.و كان المقربون اليه كرشنا وشيثار وادماثا وترشيش ومرس ومرسنا ومموكان سبعة رؤساء فارس ومادي الذين يرون وجه الملك ويجلسون اولا في الملك.حسب السنة ماذا يعمل بالملكة وشتي لانها لم تعمل كقول الملك احشويروش عن يد الخصيان.فقال مموكان امام الملك والرؤساء ليس الى الملك وحده اذنبت وشتي الملكة بل الى جميع الرؤساء وجميع الشعوب الذين في كل بلدان الملك احشويروش. لانه سوف يبلغ خبر الملكة الى جميع النساء حتى يحتقر ازواجهن في اعينهن عندما يقال ان الملك احشويروش امر ان يؤتى بوشتي الملكة الى امامه فلم تات.و في هذا اليوم تقول رئيسات فارس ومادي اللواتي سمعن خبر الملكة لجميع رؤساء الملك ومثل ذلك احتقار وغضب.فاذا حسن عند الملك فليخرج امر ملكي من عنده وليكتب في سنن فارس ومادي فلا يتغير ان لا تات وشتي امام الملك احشويروش وليعط الملك ملكها لمن هي احسن منها.فيسمع امر الملك الذي يخرجه في كل مملكته لانها عظيمة فتعطي جميع النساء الوقار لازواجهن من الكبير الى الصغير.فحسن الكلام في اعين الملك والرؤساء وعمل الملك حسب قول مموكان. وارسل كتبا الى كل بلدان الملك والى كل بلاد حسب كتابتها والى كل شعب حسب لسانه ليكون كل رجل متسلطا في بيته ويتكلم بذلك بلسان شعبه
الحكماء والعارفين بالأزمنة= غالباً هم السحرة وأصحاب العرافة ومن يعرف السنة والقضاء. ونجد هنا أن مموكان مشير الملك يعطى المشورة التى تحتمل معنيين:-
أولاً:-
قد يكون هناك خلاف بين الملكة وبين ممو كان لذلك بالغ ممو كان فى الأمر وحسب ما فعلته وشتى إساءة لا للملك والرؤساء بل هو إساءة لكل رجال المملكة، إذ تسمع النساء بما حدث فيحتقرن رجالهن، وهنا نجد أن مموكان يتصور أن القوانين هى التى تسند الرجل وتعطيه مهابة فى عينى زوجته، بينما أن الحب والبذل وحدهما يعطيان للرجل المهابة فى عينى زوجته فتطيعه وتحبه “أف 33، 25:5. ” ولكن نرى مشورة ممو كان الفاسدة أن ينزع الملك من المملكة ويعطى لمن هى أحسن منها. لأنه رأى أن فى تصرفات وشتى كسر لقانون الطبيعة وقانون الأسرة. وهى مشورة فاسدة راجعة إما لكراهية ممو كان هذا للملكة أو هى طبيعة وقيم هذا العصر الفاسد الغارق فى خمره وشهواته والتى يتصور فيه الرجال أنه يسودوا على زوجاتهم بالقوانين.
ثانياً:-
أن ممو كان يعرف طبيعة نفسية الملك وطباعه وهو أراد أن يرضى الملك بأن يسمع الملك ما يريده الملك حتى وإن كان مخالفاً للعدل، بل هو أعطى لقراره تفسيراً إجتماعياً هو الحفاظ على هيبة الرجل فى أسرته ليعطى للملك تبريراً فى تصرفه ويظهر أن قرار الملك لهُ حكمة، بل جعل غضب الملك يظهر كأنه واجب عام، وهذه هى المشورة الشريرة لصديق شرير أو صديق جبان
خصى أو خصيان = لا تعنى المعنى الحرفى ” رجل مخصى” بل هذا لقب لأصحاب الأعمال الملوكية فالخصيان السبعة هم الرجال المؤتمنون على الأعمال الملوكية ولهم حظوة الخدمة امام الملك رئيسات فارس = أى الأميرات. ليكون كل رجل متسلطاً فى بيته ويتكلم بذلك بلسان شعبه = أى إذا تزوج رجل إمراة من جنس آخر، يلتزم البيت أن يتكلم بلغة الرجل لا المرأة.
فهرس |
تفسير سفر أستير |
تفسير أستير 2 |
تفسير العهد القديم |