تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس الكبير

المقالة الخامسة: 3- التفسير الروحي

إذن ، من الضروري أن نقول بكل وضوح ما هو معنى هذه الأمور بالنسبة لنا ؟

يرمز يعقوب إلى شخص المسيح نفسه ، كما تكلمنا قبلاً عن ذل. وحيث إن المسيح هو المهماز المنخس الحقيقي، إذ داس على الخطية بطرق كثيرة . وبهذا المفهوم صار بالحق إنساناً بعد أولئك الذين ولدوا قبله أي الأنبياء القديسين ومنهم موسی لكن المسيح له الوساطة[1] والشفاعة إذ هو البكر[2] بين إخوة كثيرين ، وهو وحيد الجنس [3] . هذا هو الذي بورك من الآب بقمح وخمر وفير . وله خضعت الأمم وسجد الرؤساء . وبحسب بركة اسحق « لیکن لاعنوك ملعونين . ومبارکوك مبارکين » ( لا 29:27 ).

المسيح مثل يعقوب ، كأنه هجر السماء التي يشير إليها بيت أبي يعقوب ، وجاء إلى العالم الذي يشير إليه لابان ، ذلك العالم الذي لم يعرف بالمرة من هو الله بالطبيعة ، ذلك العالم الذي عانى كثيرة من خلال تعدد الآلهة ، فلابان كان وثنياً، وهكذا كان العالم وقت المسيح حيث لم يكن يعرف الرب وخالق الكل ، الإله بطبيعته بسبب الهوة الفاصلة بينه وبين المسيح ، وبسبب أن هذا العالم كان يتبع آخر بسبب الخطية ، إذ أن ملك العالم هو الشيطان . هكذا نزل الكلمة[4] من السماء تاركا بيته الأبوي ( هذا ما قلته سابقا ) وكان مثل غريب في العالم . وهذا ما يؤكده يوحنا الحكيم قائلا : « كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم » ( یو ۱۰:۱) . فالمسيح قبل التأنس كان إلها في السموات غير معروف للعالم ، إلا أنه اعتنی بنا بسبب صلاحه ومحبته ووداعته . وهذا الأمر نجده في يعقوب العظيم ، يعقوب الذي كان مثالاً للمسيح.إذ أن يعقوب رعی خراف لابان بالرغم من أنه لم يأخذ أي أجر منه ، وفعل هذا على أمل واحد أنه سوف يتحد بابنتى لابان ليكون أبا لأبناء ، والابنتان طبعة هما ليئة وراحيل . هكذا الابن الذي هو إله بطبيعته كان في العالم ( أي عند لابان « العالم » ) ورعی خرافه معتني بهم لكي يعيشوا ويحيوا مانحاً إياهم ثمار الأرض و منابع مياه تتدفق وأنهار ، وأشرق شمسه كما هو مكتوب ( انظر مت 45:5 ) ممطراً عليهم أمطاراً ، وواضعا في طبيعة الإنسان غريزة التعقل والتدبر لأنه هو النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان يأتي إلى العالم » ( یو۹:۱) وصنع كل هذا – كما قلت – بسبب وداعته ومحبته الطبيعية بدون أن يأخذ أي أجر من العالم ، ولا شكر ، ولا سجود ، ولا إيمان صحيح، ولا انتظار حکم صائب عنه.

كان ليعقوب امرأتان، وكل واحدة منهما صارت أما لبعض أولاده. الكبيرة هي ليئة التي كانت بمثابة مثال للمجمع اليهودي، والصغيرة التي اقترن بها بعد زواجه من الأولى بقليل وكانت موضع اشتیاق وانتظار، هي راحيل ، والتي كانت مثالاً للكنيسة التي من الأمم. وهي التي ولدت يوسف الذي يعني اسمه « زيادة الرب » . لأنه أضاف إلى بني إسرائيل راعياً للأمم . والدقة مفيدة عندما نشرح كلمات الكتاب المقدس . ليئة ولدت قبل راحيل . ثم بعد ذلك توسطت بينهما خادمتان بلهة وزلفة . لكن يعقوب حتى ذلك الوقت كان مستقراً وهادئاً، لأنه لم يكن قد فكر أن يصنع له بيتا خاصا به . لكن عندما ولدت راحيل يوسف عندئذ أراد أن يصنع بيتاً ، إذ قال : « والآن من أعمل أنا أيضا لبيتي » ( تك ۳۰:۳۰ ) . وهذا يعني روحياً أن مجمع اليهود ولد أولئك الذين عُينوا للعبودية تحت الناموس. لكن الرب قد اعترف بكل وضوح أنه لم يكن لديه بيت بعد . لأنه لم يقبل هيكلاً ؟ مصنوعة من الحجارة ، الهيكل الذي بناه سليمان . وبسبب أن اليهود اغتاظوا منه جداً، الذين وبخهم قائلا : « السموات کرسي والأرض موطئ قدمي . أين البيت الذي تبنون لي وأين مكان راحتي » ( أش 1:66).

ولم يصر إسرائيل بيت الله العقلي ، لأنه لم يسكن فيهم . لكن عندما ولدت الكنيسة التي من الأمم، الشعب الجديد، صنع المسيح بيتاً خاصاً لذاته. وما هو هذا البيت؟ البيت هو نحن، الذين آمنا ، وقال عنا البي : « أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا « ( ار 33:31 ، عب 16:10). إنه يسكن داخلنا بواسطة الروح[5] – كما سبق أن أن قُلت – ولكنه لم يكن قد سكن في بني إسرائيل . وكون أن الذين كانوا قبل مجيء المسيح ، كانوا غير مشاركين في الروح ، وأنا أقصد بحسب المثال الذي نتكلم – عنه ، فهذا يوضحه لنا يوحنا الإنجيلي قائلا : «لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطى بعد . لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد » ( یو ۳۹:۷).

لأنه عندما قام من الأموات وجدد طبيعة الإنسان إلى صورة الطبيعة الإلهية [6] ، وقتذاك نفخ وقال للرسل : « اقبلوا الروح القدس » ( یو ۲۲:۲۰ ) . وأيضاً القديس بولس قال : « لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف بل أخذتم روح التبني الذي نصرخ به يا أبا الآب » ( رو ۱۵:۸). إذا كان يوجد روح عبودية في إسرائيل ، أما نحن الذين ولدنا من راحيل ، وأبناء الكنيسة التي من الأمم فيوجد فينا روح الله الذي يمنح البنوة، التي هي بالنسبة لنا بمثابة البيت الروحي . لأن الذين ولدوا من راحیل هم أحرار ، راحيل التي كان لها عينان جميلتان ورائعتان ، بينما عينا ليئة لم تكونا بمثل هذا الجمال.

أن مجمع اليهود لم يكن يرى جيداً. ويؤكد هذا الأمر بولس قائلا : « بل أغلظت أذهانهم لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باق غير منکشف الذي يبطل في المسيح . لكن حتى اليوم حين يقرأ موسى البرقع موضوع على قلبهم . ولكن عندما يرجع إلى الرب يرفع البرقع . وأما الرب فهو الروح وحيث روح الرب هناك حرية . ونحن جميعا ناظرین مجد الرب بوجه مکشوف كما في مرآه نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح » ( ۲ کو 14:3 – 18).

إذن ، هل أدركت أنه بعيون مضيئة ولامعة وبوجه مكشوف يظهر مجد الرب؟ لأنه – كما سبق أن قلت عينا راحيل كانتا لامعتين . فعندما ولدت راحیل يوسف، أسرع يعقوب العظيم في الرجوع إلى وطنه . لكن لابان غير رأيه وقال إنه نال بركة الله لأن خرافه تكاثرت كثيرة . هذا يعني أن العالم الذي خلقه الله يحتاج أن يعترف ويقرر أن كل ما هو لديه يكفي لأجل الحياة ، وأننا على ما يرام وينبغي أن نشكر الله الذي ينعم علينا بخيراته.

لكن يعقوب الطوباوي طلب من لابان أجرة مقابل كل خدمته له . والأجرة التي أرادها هو نفسه كانت كل شاة رقطاء وبلقاء من الخراف والماعز . حسنا ، بالرغم من أن الله الكلمة – في القدم – قاد العالم بوداعة كما يليق بالله ، الله الكلمة الذي « كل شيء به کان » ( یو ۳:۱ ) ترك خاصته « تسلك كل في طريقه » ( انظر زك۷:۳) كما هو مكتوب ، لكن عندما ولدت الكنيسة الشعب الجديد المتزايد ، أي أولئك الذين بإيمانهم به نالوا بالفعل الولادة الروحية ، طلب من العالم – كأجرة الاعتناء هؤلاء الذين هم متأهبون للإيمان به ، والذين لهم هو كل شاة رقطاء ( أبيض واسود ) وبلقاء ( الرمادي ) من الخراف والماعز . ماذا يعني هذا ؟ بحسب الرعاة الذين يطعمون قطعان الغنم والماعز ، فإن ذات اللون الواحد هي الأفضل ، بينما المخططة وذات البقع حسب في المستوى الثاني ولا تعتبر مساوية للأخرى ، لأن صوفهم له لون واحد ، بل ألوان متنوعة ومختلطة.

إذن ، المسيح يقبل من العالم – كأجرة له – ليس المعتبرين أنهم مهمين والذين هم من النخبة الممتازة في العالم ، بل بالحري الذين يبدو أنهم في مستوى أدنى. وليست لهم قيمة في نظر هذا العالم . ويؤكد كلامي هذا بولس العظيم حينما کتب لأولئك الذين آمنوا : « فانظروا دعوتكم أيها الإخوة أن ليس كثيرون حکماء حسب الجسد ليس كثيرون أقوياء ليس كثيرون شرفاء. بل اختار الله جُهال العالم ليخزي الحكماء » ( 1 کو1 :26 -27).

وإذا أراد أحد أن يفسر بأكثر دقة هذه الأقوال الخاصة بنصيب يعقوب من القطعان : الخراف والماعز الرقطاء ( أسود وأبيض ) والبلقاء (اللون الترابي الرمادي ) ، فهذا يعني روحياً أن المؤمنين بالمسيح لهم سلوكيات متنوعة في الأعمال والأقوال . فالرمادي والأسود يعتبران رمزا وظلاً ” لسر المسيح” ، الذي يبدو أنه غامض وغير ظاهر لكثيرين . لأنه قال : « جعل الظلمة سترة حول مظلته » ( مز ۱۱:۱۸ ) أي عبر عن صعوبة فهم التعاليم الخاصة بالله بالمظلة والتي دعاها ظلمة « ضباب المياه وظلام الغمام » ( مز ۱۱:۱۸ ) . وأيضا تقول حكمة ابن سيراخ : “الذي يصرف نفسه إلى التأمل في شريعة العلي … يدخل في تشعبات الأمثال… يبحث عن خفايا الأقوال السائرة وينصرف إلى ألغاز الأمثال » ( حكمة سيراخ ۱:۳۹ – ۳).

هكذا اللون الرمادي يشير إلى عمق وغموض التعاليم عن المسيح ، بينما اللون الأبيض اللامع والشفاف يمثل لمعان وشفافية الأعمال التي حسب الإيمان . لذلك أعلن رب الكل نقاوة الإيمان بالمسيح قائلاً بفم النبي « تعلموا فعل الخير اطلبوا الحق انصفوا المظلوم اقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة . هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف» ( أش ۱ : ۱۷ – ۱۸ ).

إذن ، الذين في المرتبة الثانية في هذا العالم هم مختارون ، ولهم المكانة الأولى بالقرب من مخلص الجميع . وبينما ينظر إليهم الآخرون ويضعوهم بين الأدنياء ، إلا أنهم يتفوقون في المجد ، ويكونون متميزين بألوانهم العقلية المتنوعة بعمق معرفتهم عن الله ، ومتفردون جداً في البهاء والتقوی.

هكذا أخذ يعقوب أجرة ، الخراف الملونة والمخططة. لكن بأي طريقة خدع لابان وجعل الخراف التي اختارها كثيرة جداً، فلنفحص بدقة ودعونا نعرف هذا الكتاب المقدس . مكتوب : «فَأَخَذَ يَعْقُوبُ لِنَفْسِهِ قُضْبَانًا خُضْرًا مِنْ لُبْنَى وَلَوْزٍ وَدُلْبٍ، وَقَشَّرَ فِيهَا خُطُوطًا بِيضًا، كَاشِطًا عَنِ الْبَيَاضِ الَّذِي عَلَى الْقُضْبَانِ. وَأَوْقَفَ الْقُضْبَانَ الَّتِي قَشَّرَهَا فِي الأَجْرَانِ فِي مَسَاقِي الْمَاءِ حَيْثُ كَانَتِ الْغَنَمُ تَجِيءُ لِتَشْرَبَ، تُجَاهَ الْغَنَمِ، لِتَتَوَحَّمَ عِنْدَ مَجِيئِهَا لِتَشْرَبَ. فَتَوَحَّمَتِ الْغَنَمُ عِنْدَ الْقُضْبَانِ، وَوَلَدَتِ الْغَنَمُ مُخَطَّطَاتٍ وَرُقْطًا وَبُلْقًا. وَأَفْرَزَ يَعْقُوبُ الْخِرْفَانَ وَجَعَلَ وُجُوهَ الْغَنَمِ إِلَى الْمُخَطَّطِ وَكُلِّ أَسْوَدَ بَيْنَ غَنَمِ لاَبَانَ. وَجَعَلَ لَهُ قُطْعَانًا وَحْدَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهَا مَعَ غَنَمِ لاَبَانَ. وَحَدَثَ كُلَّمَا تَوَحَّمَتِ الْغَنَمُ الْقَوِيَّةُ أَنَّ يَعْقُوبَ وَضَعَ الْقُضْبَانَ أَمَامَ عُيُونِ الْغَنَمِ فِي الأَجْرَانِ لِتَتَوَحَّمَ بَيْنَ الْقُضْبَانِ. وَحِينَ اسْتَضْعَفَتِ الْغَنَمُ لَمْ يَضَعْهَا، فَصَارَتِ الضَّعِيفَةُ لِلاَبَانَ وَالْقَوِيَّةُ لِيَعْقُوبَ. فَاتَّسَعَ الرَّجُلُ كَثِيرًا جِدًّا، وَكَانَ لَهُ غَنَمٌ كَثِيرٌ وَجَوَارٍ وَعَبِيدٌ وَجِمَالٌ وَحَمِيرٌ.» ( تك 37:30 -43).

إذن ، نقول إن يعقوب كانت لديه معرفة – كراعي غنم – من الممكن للخراف والماعز أن تلد صغارة شبيهة بالألوان التي تراها أثناء فترة الحمل . يبدو أن هذا الأمر يصير وفق قوانين الطبيعة ، لكن هذه الأمور – هي بحسب العقل – سرية ولا يُقترب منها . يعقوب العظيم – إذن ، ببرهان إلهي – اختار الخراف والماعز المخططة والرقطاء . لأنه قال لليئة وراحيل : « وحدث في وقت توحم الغنم أني رفعت عيني ونظرت في حلم وإذا الفحول الصاعدة على الغنم مخططة ورقطاء ومتميزة . وقال لي ملاك الله في الحلم يا يعقوب . فقلت هاأنذا . فقال ارفع عينيك وانظر جميع الفحول الصاعدة على الغنم مخططة ورقطاء ومنمرة . لأني قد رأيت كل ما يصنع بك لابان » ( تك ۱۰:۳۱ – ۱۲ ) .

هذه الأقوال طبعاً وردت في الكتاب المقدس . لكن دعنا نعبر سريعاً على نص هذه الرواية ( أي المعنى الحرفي لها ) ونصعد نحو الروحيات .

فاصل

  1. الوساطة الحقيقية بين الله والبشر تمت في المسيح يسوع ، وهذا ما يؤكده القديس كيرلس في موضع آخر ، قائلا : “ الاقتراب من الآب لا يكون إلا بواسطة الابن ، فهو الوسيط الذي يربطنا بالآب بواسطة ذاته ، ويصعدنا إلى المرتفعات التي تفوق الطبيعة “السجود والعبادة بالروح والحق ، الجزء السادس ، المقالة العاشرة ص ۱۱ – ۱۲.
  2. يؤكد القديس كيرلس على أن الابن هو البكر بفضل التجسد في حواره حول الثالوث ، قائلا : “ إن بولس الرسول المملوء بالمسيح والروح القدس والمتميز بين الرسل يقول ‘ أيضا متى أدخل البكر إلى العالم يقول : ولتسجد له كل ملائكة الله » وأعتقد أنه يستخدم تعبير “ بكر ” في الزمن المناسب الذي يشير إلى ظهوره في الجسد . لأنه قد جاء إلى العالم مع أنه منذ القدم هو كائن فيه مع أن العالم لم يكن يعرفه وهكذا صار وسيطا بين الله والناس وأصبح لقب ‘ ‘ وحيد الجنس ” امتیازاً خاصاً له . فهو إله من إله ، واحد من واحد ، ومولود بطريقة لا توصف ، وعندما أتي إلينا فحينئذ فقط حسب بيننا كأخوة له وذلك عندما دعي بكرا . وإلا فأين الأخلاء إن لم يكن من هو “ وحيد الجنس قد صار ‘ ‘ بكراً ، وسكن بين البشر كإنسان وهو يعلو عن كل الخليقة ؟ ” . مرجع سابق ، الجزء الثالث ، الحوار الرابع ص ۳۷ .
  3. أي المولود من الآب قبل كل الدهور ، والجدير بالذكر أن القديس كيرلس كان يفضل تعبير المولود الوحيد لأن المعارضين كانوا يستخدمون تعبير ” وحيد الجنس” على أنه هو الوحيد الذي صار أو خُلق بواسطة الآب . إذن تأكيد القديس كيرلس الدائم هو على ولادة الابن من الأب وبالتالي هو غير مخلوق . 
  4. يبرز القديس كيرلس تواضع الابن وإخلائه وفي نفس الوقت على عظمته الفائقة بكونه الله ، وذلك أثناء حديثة عن تابوت العهد ، إذ يقول : “ وكان الكاروبان مرسومين بطريقة دائرية على الغطاء ، حتى ما يظهر خدمة القوات السماوية لله (لأن الكلمة هو الله ) ، وبذلك أعلنوا – بطريقة حسنة جداً  – حضورهم القريب جدا ، وأنهم موجودون بجواره لکی يخدموه . ثم قال الله لموسى : وأنا اجتمع بك هناك وأتكلم معك من على الغطاء من بين الكروبين اللذين على تابوت الشهادة بكل ما أوصيك به إلى بني إسرائيل ” ( خر22:25 ) . لكن – كما قلت – كان التابوت هو المسيح ، الله اللوغوس في جسد غير فاسد ، وكان التابوت – بالتأكيد – فوق الأرض ، لكن وحيد الجنس نزل إلى حقارتنا ووضاعتنا . لأنه أخذ الشكل الذي يليق بالعبد ووضع ذاته ( في ۲ : ۷ ) . هذا أيضا هو الغطاء الموضوع عالية ، والقوات السماوية عون له ولكن الابن لم يعرف بالنسبة لنا من طريقة تواضعه فقط ، لكن أيضا من كونه إلهاً وسيداً للكل . لأنه بالرغم من أنه وضع ذاته بسبب شكله البشري الذي أخذه نازلا بحسب التدبير إلينا ، لكن رفعه الله وأعطاه اسما فوق كل أسم ” ( في ۲ : ۹ ) . ولذلك فإن وضع الغطاء عالياً ومرسوماً عليه الكاروبيم يمينا ويساراً يمكن أن يكون مثالاً. لأنه حيث تعلن الخدمة التي تليق بالله ، فهناك – فقط بالتأكيد – يوجد على أية حال مجد الألوهية وعظمة المكانة التي تفوق الكلام ” . السجود والعبادة ، المقالة ” التاسعة ، ص 365-366
  5. سبق للقديس أثناسيوس أن أكد على هذا الأمر بكل وضوح ، قائلا : “ إذن فإن كان يقدس ذاته من أجلنا . وهو يفعل هذا لأنه قد صار إنسان ، فمن الواضح جدا أن نزول الروح عليه في الأردن ، إنما كان نزولا علينا نحن ، بسبب لبسه جسدنا . وهذا لم يصر من أجل ترقية اللوغوس ، بل من أجل تقدیسنا من جديد ، ولكي نشترك في مسحته ، ولكي يقال عنا : “ألستم تعلمون أنكم هيكل الله ، وروح الله يسكن فيكم ” ( 1 کو 3 : 16 ) فحينما أغتسل الرب في الأردن كإنسان ، كنا نحن الذين نغتسل فيه وبواسطته . ضد الأريوسيين ، المقالة الأولى ، فقرة 47 ص 115
  6. أيضا يؤكد القديس كيرلس السكندري على إعادة تجديد الإنسان ، قائلاً: « عندما سقط الإنسان بعصيانه واستعبد لقوة الموت وفقد كرامته القديمة أعاده الآب وجدده إلى الحياة الجديدة بالابن كما كان في البدء . وكيف جدده الابن ؟ بموته بالجسد ذبح الموت وأعاد الجنس البشرى إلى عدم الفساد عندما قام من الموت لأجلنا – قيامة المسيح ، للقديس كيرلس عمود الدين ، تفسير يوحنا ۲۰ ، ترجمة د . نصحي عبد الشهيد ، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ، القاهرة ۲۰۰۳ ، ص ۲۷.

فاصل

2- المسيح ينقذنا من الموت

المقالة الخامسة 

4- المسيح مثل عصا، ماتت وقامت، ورُفعت إلى السماء

البابا كيرلس عمود الدين
تعليقات لامعة على سفر التكوين

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى