تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس الكبير

المقالة الخامسة: 2-المسيح ينقذنا من الموت

 

لذلك استخدم الأنبياء الطوباويون أقوالاً كثيرة جداً، وهم يبكون علينا كأننا أموات . ويقول أشعياء الطوباوي : « لذلك وسعت الهاوية نفسها وفغرت فاها بلا حد فينزل بهاؤها وجمهورها وضجيجها والمبتهج فيها » (أش 14:5). أي أنه لا توجد فرصة لتجنب الشر ، وكأن الشيطان طغى على الأمم وتسلط عليهم بطريقة قهرية . لقد نزل التعساء إلى الجحيم عند انطلاقهم من هذه الحياة ، وكان فم الموت مفتوحا ليبتلعهم ، إذ قادهم مبتدع الخطية إلى الموت . أيضا داود العظيم عندما تراءت أمام ذهنه هذه المصيبة العظيمة جدا قال بدموع “يفدي نفسي من يد الهاوية لأنه يأخذني ” ( مز 15:49 ) . ولكن الله لم يتر كنا تحت سلطان الموت ، لأنه أرسل لنا من السماء ابنه[1] ربنا يسوع المسيح كراع صالح . ذلك الراعي الذي لا يقود خاصته إلى الجحيم ، بل يقودهم إلى عدم الفساد وإلى الحياة الأبدية ؛ لأنه يقول : « في مراع خضر يربضني إلى مياه الراحة يوردني » ( مز ۲:۲۳ ) ، معطيا لنا العشب الروحي ، ومانحاً إيانا المشروبات الروحية . وهكذا جعلنا مثمرين ، وصرنا جمعا لا يحصى من الشعوب . ويمكن للمرء أن يرى بوضوح من خلال الظلال والرموز هذا الذي قلته حين تحدثت عن يعقوب وعن كل ما هو مكتوب عنه ، وقد سهلت حديثي بقدر المستطاع حين بدا أنه غامض . فقد كتب ما يلي : «وَحَدَثَ لَمَّا وَلَدَتْ رَاحِيلُ يُوسُفَ أَنَّ يَعْقُوبَ قَالَ لِلاَبَانَ: «اصْرِفْنِي لأَذْهَبَ إِلَى مَكَانِي وَإِلَى أَرْضِي. أَعْطِنِي نِسَائِي وَأَوْلاَدِي الَّذِينَ خَدَمْتُكَ بِهِمْ فَأَذْهَبَ، لأَنَّكَ أَنْتَ تَعْلَمُ خِدْمَتِي الَّتِي خَدَمْتُكَ». فَقَالَ لَهُ لاَبَانُ: «لَيْتَنِي أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ. قَدْ تَفَاءَلْتُ فَبَارَكَنِي الرَّبُّ بِسَبَبِكَ». وَقَالَ: «عَيِّنْ لِي أُجْرَتَكَ فَأُعْطِيَكَ». فَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ تَعْلَمُ مَاذَا خَدَمْتُكَ، وَمَاذَا صَارَتْ مَوَاشِيكَ مَعِي، لأَنَّ مَا كَانَ لَكَ قَبْلِي قَلِيلٌ فَقَدِ اتَّسَعَ إِلَى كَثِيرٍ، وَبَارَكَكَ الرَّبُّ فِي أَثَرِي. وَالآنَ مَتَى أَعْمَلُ أَنَا أَيْضًا لِبَيْتِي؟» فَقَالَ: «مَاذَا أُعْطِيكَ؟» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «لاَ تُعْطِينِي شَيْئًا. إِنْ صَنَعْتَ لِي هذَا الأَمْرَ أَعُودُ أَرْعَى غَنَمَكَ وَأَحْفَظُهَا: أَجْتَازُ بَيْنَ غَنَمِكَ كُلِّهَا الْيَوْمَ، وَاعْزِلْ أَنْتَ مِنْهَا كُلَّ شَاةٍ رَقْطَاءَ وَبَلْقَاءَ، وَكُلَّ شَاةٍ سَوْدَاءَ بَيْنَ الْخِرْفَانِ، وَبَلْقَاءَ وَرَقْطَاءَ بَيْنَ الْمِعْزَى. فَيَكُونَ مِثْلُ ذلِكَ أُجْرَتِي. وَيَشْهَدُ فِيَّ بِرِّي يَوْمَ غَدٍ إِذَا جِئْتَ مِنْ أَجْلِ أُجْرَتِي قُدَّامَكَ. كُلُّ مَا لَيْسَ أَرْقَطَ أَوْ أَبْلَقَ بَيْنَ الْمِعْزَى وَأَسْوَدَ بَيْنَ الْخِرْفَانِ فَهُوَ مَسْرُوقٌ عِنْدِي». فَقَالَ لاَبَانُ: «هُوَذَا لِيَكُنْ بِحَسَبِ كَلاَمِكَ». فَعَزَلَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ التُّيُوسَ الْمُخَطَّطَةَ وَالْبَلْقَاءَ، وَكُلَّ الْعِنَازِ الرَّقْطَاءِ وَالْبَلْقَاءِ، كُلَّ مَا فِيهِ بَيَاضٌ وَكُلَّ أَسْوَدَ بَيْنَ الْخِرْفَانِ، وَدَفَعَهَا إِلَى أَيْدِي بَنِيهِ. وَجَعَلَ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَعْقُوبَ، وَكَانَ يَعْقُوبُ يَرْعَى غَنَمَ لاَبَانَ الْبَاقِيَةَ.» ( تك 25:30 – 36 ) .

يجب أن نوجز هذه الأقوال ونشرح ما هو المفهوم الذي يتناسب معها.

لقد خدم يعقوب الطوباوي لأجل امرأتين هما ليئة وراحيل . وصرف سنين هذه الخدمة ، لكن عندما ولدت راحيل التي أحبها حباً شديداً ، يوسف ، وأراد بعد ذلك أن يرجع إلى بيت أبيه ، والحجة التي وجدها للرحيل كانت مقنعة . لأنه قال للابان : إن كان علي أن أرعی خرافك بدون مكافأة . أعمل أنا أيضا لبيتي ؟ أي متى سأجمع لنفسي المواشي التي تكفي لأولادي ؟ ومتى أُدعی أنا سيداً لبيتي ؟ هذا ما قاله يعقوب .

غيَّر لابان وقتذاك رأيه ، لأن يعقوب كان الراعي الصالح ، وقال له قد تبارکت بقدومك . ومع ذلك لم يتر که لكي يذهب في حين أن زمن خدمته من أجل الابنتين وصل إلى نهايته ، لكن وعده بأن يعطيه أجرته المناسبة . وقال له لابان أيضا أنه كان صالح ورءوفاً وواحداً من الصبورین . ويعقوب بدوره أكد للابان بأنه قد صار له سبب بركة من الله . لأنه قال له « وبار كك الله في أثري » مستخدم كلمة « أثري » بدلا من « دخولي » . وهذا الكلام قد سبق وأن قاله الابان . لقد طلب يعقوب أجرة ، ونال وعد تقسیم قطعان لابان . هكذا بعد أن عزل كل شاة رقطاء وبلقاء وكل شاة سوداء بين الخرفان وبلقاء ورقطاء بين المعزي تسلمهم كأجرة . ثم بعد ذلك ارتحل يعقوب بصحبة أولاده وقطيعه الذي صار من نصيبه.

فاصل

  1. يشرح القديس كيرلس حقيقة إرسال الابن لكي يخلص الإنسان في موضع آخر ، قائلا : “ لم يشأ أن يرى هلاك خليقته على الأرض ، أعني الإنسان ، بل على العكس ، فلأجل أنه رأى أن الطبيعة البشرية قد أصيبت بمرض عضال ، فقد أرسل كلمته الذي يستطيع وحده أن يحطم مملكة الشيطان ويحررنا من الشرور التي أمسكتنا في قبضتها “الرسالة الفصحية الأولى ، ترجمة د . ميشيل بديع عبد الملك مراجعة د . نصحي عبد الشهيد ، مايو 2004 ، فقرة 6 ص 28 .

فاصل

1- جمال سر المسيح

المقالة الخامسة 

3- التفسير الروحي

البابا كيرلس عمود الدين
تعليقات لامعة على سفر التكوين

 

زر الذهاب إلى الأعلى