تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس الكبير

المقالة الخامسة: 4- المسيح مثل عصا ، ماتت وقامت ، ورُفعت إلى السموات

 

تشير العصا بطريقة رمزية إلى عمانوئيل[1]، لأنه هكذا دُعي في الكتاب المقدس ، على سبيل المثال ، يقول أشعياء النبي : « ويخرج قضيب (عصا) من جذع يسی وينبت غصن من أصوله » ( أش ۱:۱۱ ) . وداود النبي أيضا يقول لله الآب : « عصاك وعكازك يعزياني » ( مز 4:23 ) . لأنه مكتوب : « الرب يعضد الأبرار » ( مز 5:3 ) .

أما نحن ، الخراف العقلية[2] وغنم مرعاه الذين في كل العالم ، يقدم لنا المسيح ذاته مثل عصا . وليس فقط عصا ، بل شجرة البلسم ذات الرائحة الذكية ، وشجرة جوز الهند ، وأيضا شجرة نبات الدلب الباسقة المعروفة باستقامة قوامها العالي . إن شجرة البلسم هي رمز للموت ( لأن الجسد الميت يسكب علية روائح ذكية ، والرائحة الأذکی من كل الروائح هي التي لشجرة البلسم . والمسيح مات لأجلنا وقبر بحسب الكتب ( انظر رو 9:5 ) . كذلك العصا التي هي من شجرة جوز الهند ترمز إلى السهر واليقظة ( لأنه يسبب لنا عدم النوم . والمسيح قام لأجلنا . لأنه لم يمسك من أبواب الهاوية ، ولا أُسر بقيود الموت ) . أخيراً، العصا من شجرة الدلب يبدو أنها تصور مسيرة المسيح نحو الأعالي ، أي صعود المسيح إلى السموات . لأن هذا النوع من الشجر يتميز بطولة وباستقامته وامتداده لأعلى . أيضا رُفع الابن بيمين الآب . لأن بطرس قال له « وإذ ارتفع بيمين الله »( أع ۳۳ : ۲ ) . وبولس يقول إن المسيح « رُفع وأعطاه اسما فوق كل اسم » ( في ۹:۲) ، ليكون له السجود من الجميع . لكن إن أراد أحد أن ينظر لهذا النبات من جهة أخرى ، إذ هناك من هم فضوليون حول معاني الأسماء ، ولأن هذه الشجرة لها أوراق عريضة ومتسعة فهم يقولون ، إنما لأجل هذا دعيت في اللغة اليونانية بمعنى المتسعة . لأننا نحن اتسعنا بالإيمان والمحبة ، وصرنا مزدهرين حول المسيح . لأن الناموس ضيق ، وضيق أيضاً عقل عابدي الأوثان ، ولا يتسع لأحد . وحقا يصرخ الله لجميع الأمم بفم النبي : « تعلموا أن تسمعوا عندما تكونوا متضايقين » ( أش 28:20 س ) .  وبولس الرسول يكتب إلى أهل كورنثوس الذين يريدون أن يرجعوا إلى الضلال القديم بعد اتساع الإيمان ، قائلا : « فمنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيون . قلبنا متسع . لستم متضيقين فينا بل متضيقين في أحشائكم . فجزاء لذلك أقول كما لأولادي كونوا أنتم أيضا متسعين . لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين . لأنه أية خلطة للبر والإثم . أية شركة للنور مع الظلمة . وأي اتفاق للمسيح مع بليعال وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن » ( ۲ کو 11:6 -15) . يقول المرنم أيضا لعمانوئيل مشيراً إلى ضيق الناموس : « أما وصيتك فواسعة جدا” (119: 96) ، و « في طريق وصاياك أجري لأنك ترحب قلبي » ، وأيضا : « أتمشى في رحب لأني طلبت وصايتك » ( مز 45:119).

لكن العصا التي من شجر اللوز ، كما قلت منذ قليل ، تسبب يقظة لمن يتناول ثمرتها ، يتضح هذا مما قاله الله لإرميا النبي : « ماذا أنت راءٍ يا إرميا . فقلت أنا راءٍ قضيب (عصا) لوز » ( إر ۱۱:۱) ، فقال الرب : « أحسنت الرؤية لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها » ( إر ۱۲:۱) . هكذا فإن المسيح قدم لنا ذاته على أنه مثل العصا التي ماتت وقامت ورفعت إلى السموات[3]، وأنه يوسع قلوب الذين يقبلونه بواسطة الروح القدس.

لكن أين وضع يعقوب العصي ؟ وضعها على أحواض المسقاة . وهي ترمز إلى المسقاة والأحواض التي تسقي عقولنا ، أي الخاصة بنا ، وكتابات موسي وتعاليم الأنبياء هي التي تسكب علينا كلمة الله . لأنه مكتوب : « فتسقون مياها بفرح من ينابيع الخلاص » ( أش ۳:۱۲ ) . هناك سنجد عمانوئيل ، عصا القوة نراه کمیت لأجلنا ، وهو البكر من الأموات ( انظر کو۱۸:۱) ، ونراه يصعد إلى السموات ممجداً ويكثر هؤلاء الذين يؤمنون ، كما قلت سابقا . لأن كل أقوال الأنبياء ومن بينهم موسى النبي ، تقودنا إلى سر المسيح . لذلك قال بولس الرسول : « لأن غاية الناموس هي المسيح » (رو4:1).

إذن ، خطط يعقوب على العصي بقعة بيضاء نازعا قشرتها . هكذا الحيوانات توحمت وولدت صغاراً ذات ألوان ناصعة . بالمثل ، نزع المسيح ظلال الناموس وبرقع الكتب النبوية ، مقدمة هكذا الأقوال التي تحوي كل هذه الأمور ناصعة و مرئية . لقد قدم نشيداً روحياً ساحراً ، وأقنع الإرادة بأن تقبله وتحبل وتلد فضائل متنوعة متدربة بطريقتين : بالعمل والقول . لذلك عبر الأنبياء العظام عن هؤلاء الذين تبرروا بالإيمان ، صارخين بقوة قائلين : « شددوا الركب المرتعشة ثبتوها . قولوا لخائفي القلوب تشددوا لا تخافوا . هوذا إلهكم . الانتقام يأتي . جزاء الله .. يأتي ويخلصكم » ( أش 3:35) . وأيضا « هوذا السيد الرب بقوة يأتي وذراعه تحكم له . هوذا أجرته معه وعملته قدامه . كراع يرعی قطيعة . بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات » ( أش 10:40 ) . بمعنى أن الحنان والرأفة ستكون روحياً لأولئك الذين يحملون الكلمة الإلهية فعلا ، لأنهم سوف يحملون ثماراً ويلدون أينما يكونون ، مفاخر حياتهم الإنجيلية ، الأمر الذي لم يصر أبدا من قبل . لأن هذه هي ثمار النفوس التقية والتي بلا لوم .

فاصل

  1. قيامة الكلمة المتأنس هي برهان على ألوهية الابن ويشبهها القديس كيرلس ، في كتاب آخر ، بعصا هرون التي أنبتت ، إذ يقول : “ لكن العصا التي خرجت من جذر يسی ، نبتت مرة أخرى ، أي قام المسيح ودبت فيه الحياة مرة ثانية ‘ ناقضاً أوجاع الموت – كما هو مكتوب – ( انظر أع ۲ : ۲۶ ) . لقد كان حقا هو الحياة بطبيعته ، أي بلاهوته ، فكيف يمكن أن يمسك من الموت ولا ينتصر على الفساد ؟! ومثلما أحييت العصا ، وتبت مرة أخرى – بالفعل – السبط الميت ، وكان هذا الأمر بالنسبة للأقدمين علامة على أن هرون قد عُين رئيس كهنة بقرار السماء ، هكذا نستند على إن البرهان الساطع والحي والكافي على أن عمانوئيل هو الإله بطبيعته ، هو أنه داس الموت ، وأنه قام من الأموات كما يليق بإله . أنظر السجود والعبادة بالروح والحق ، مرجع سابق ، ص 405 .
  2. حين يشرح القديس يوحنا ذهبي الفم الاختلاف بين المسيح وهرون أو بين العبادة المسيحية والعبادة اليهودية يقول : “ وكما أن الفرق كبير بين المسيح وبين هرون ، هكذا هو الفرق بيننا وبين اليهود . إذا فلتلاحظ أن لنا في السماء الكاهن الذبيح ، وفي السماء الكاهن ، وفي السماء الذبيحة . وبناء على ذلك فلنقدم مثل هذه الذبائح التي يمكن أن تقدمها على ذلك المذبح ، ليس بعد خراف وعجول ، ليس دم ، ودخان ورائحة شواء . كل هذا قد أبطل ، وحل محله العبادة العقلية . وما هي العبادة العقلية ؟ هي تلك التي تقدم بالنفس والروح ، لأنه يقول “ الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا ، أي كل من هو ليس في احتياج للجسد ، والأعضاء ، والأماكن . مثل هذه الأمور ، هي الرأفة ، والتعقل ، والرحمة ، والتسامح ، والاحتمال ، والتواضع” تفسير العبرانيين ، الأصحاح السادس ، ص ۱۸۳ .
  3.  بصعود الابن أعطانا أن نوجد نحن أمام الآب ، وهذا ما يؤكد علية القديس كيرلس في موضع آخر، قائلا : “ إذن ، كان القسط – المن – هناك لكي يحفظ لأجيال بني إسرائيل ؛ لأن المسيح غير فاسد ، بل هو باق إلى الأبد ، وهو حاضر في كل وقت ، وفي كل زمان ماثل أمام الرب ، أي أمام أعين الآب . لأن  وحيد الجنس عندما صار إنسانا دخل بعد ذلك إلى قدس الأقداس في الخيمة الأعظم والأكمل ، أي في السماء لكي يظهر الآن أمام الله لأجلنا ، كما هو مكتوب ( انظر عب ۹ : ۲۶ ) . لأنه لا يقدم ذاته أمام الآب لأجل نفسه ، بل يقدمنا في ذاته إلى الآب ، بالرغم من أننا ضللنا من أمام وجه الآب بسبب مخالفة آدم ، و وبسبب الخطية التي ملكت وسادت على الكل . إذن ، فقد افتادنا المسيح ، وبواسطته تمكنا من الحضور إلى مدخل الأقداس كما قال لنا بولس الرسول . لأنه مثلما قمنا مع المسيح ، وجلسنا معه في السماويات ، هكذا أيضا نُوجد معه أمام الآب ” . السجود والعبادة بالروح والحق ، المقالة العاشرة ص 403-404 .

فاصل

3- التفسير الروحي

المقالة الخامسة 

5- يعقوب يزداد غنى

البابا كيرلس عمود الدين
تعليقات لامعة على سفر التكوين

 

زر الذهاب إلى الأعلى