تفسير سفر إرميا 2 للقمص أنطونيوس فكري

تفسير إرميا – الأصحاح الثاني

 

غالبًا هذا الأصحاح هو عظة إرمياء الأولى بعد إرساليته، وفيه يظهر النبي للشعب تعدياته ويوبخهم ليتوبوا. ويظهر لهم بشاعة خطاياهم وأهمها الوثنية.

 

آية 2،1:- وصارت إلى كلمة الرب قائلا. اذهب وناد في اذني أورشليم قائلا هكذا قال الرب قد ذكرت لك غيرة صباك محبة خطبتك ذهابك ورائي في البرية في ارض غير مزروعة.

الله قبل أن يوبخهم ذكرهم بمحبتهم الأولى حتى لا ييأسوا. وفي بداية حياة الإنسان مع الله يكون لهُ هذا الاختبار في حلاوة المحبة الأولى وياليتنا لا نترك محبتنا الأولى. فالله ذكر لأورشليم محبة صباك = حين وعدوا موسى وقالوا كل ما قاله الرب نفعل وحين سبحوا الرب بعد الخروج. وأنهم لم يرتدوا إلى مصر بالرغم من صعوبات البرية. وأنهم ارتبطوا معه بعهد وكان هذا العهد هو خطبتهم لله وصاروا عروسًا لهُ فتبعوه بأمانة. وتعبير الخطبة استعمله كثيرين.

 

آية 4،3:- إسرائيل قدس للرب اوائل غلته كل اكليه ياثمون شر يأتي عليهم يقول الرب. اسمعوا كلمة الرب يا بيت يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل.

بهذا العهد بينهم وبين الله صاروا قدسًا للرب مخصصين لكرامته وأوائل غلَته = فهم أول كنيسة في العالم وسط كل الأمم وهذا ينطبق على كل القديسين (يع18:1) وصار الله عدوًا لأعدائهم = كل آكليه يأثمون والمعنى أن الباكورات  كان يمنع أكلها إلا للكهنة ومن يأكلها يأثم فكأن كل من حاول أن يعتدى عليهم ويأكلهم يكون كمن يأكل قدس الرب فيكون مجرمًا ومتعديًا على الرب (هذا فيه عتاب رقيق لهم، فالله يقول لهم أنتم لي فلماذا تتركوني).

 

آية 5:- هكذا قال الرب ماذا وجد في ابائكم من جور حتى ابتعدوا عني و ساروا وراء الباطل وصاروا باطلا.

الله هنا يكشف نكرانهم للجميل فهم بدأوا حسنًا ثم ارتدوا، بدأوا بالروح وأكملوا بالجسد.

وساروا وراء الباطل= أي الآلهة الوثنية وأصنامها. والباطل هو اللاشيء وإسرائيل في سعيه وراء اللاشيء أي الباطل صاروا باطلًا أي لا شيء وفراغ. وهكذا كل من يسعى وراء شهوة البطن وشهوة الجسد وهكذا كان الغنى الأحمق (لو 12: 20) + (رو21:1) أما من يسير وراء الله الحق يصير شريك الطبيعة الإلهية.

 

آية 6:- ولم يقولوا أين هو الرب الذي اصعدنا من ارض مصر الذي سار بنا في البرية في ارض قفر وحفر في ارض يبوسة وظل الموت في ارض لم يعبرها رِجل و لم يسكنها إنسان.

الله يذكرهم بحمايته لهم وإعطائه المن والماء من الصخرة وسط برية قاحلة، برية موت فهو لم يظلمهم فلماذا تركوه؟ غير أن داود النبي يُعبِّر عن حال أولاد الله الذين لم ينسوه “وإن سرت في وادي ظل الموت فلا أخاف شرًا لأنك معي” وهكذا نحن في برية هذا العالم الله يرعانا فيها. الله هنا يظهر لهم أبوته ومحبته ورعايته كأب حنون.

 

آية 8،7:- واتيت بكم إلى ارض بساتين لتاكلوا ثمرها وخيرها فاتيتم و نجستم ارضي وجعلتم ميراثي رجسا. الكهنة لم يقولوا أين هو الرب واهل الشريعة لم يعرفوني والرعاة عصوا علي والانبياء تنباوا ببعل وذهبوا وراء ما لا ينفع.

قارن هنا إحسانات الرب لهم مع خيانة الشعب بكل طوائفه حتى نجسوا أرض الله.

 

الآيات 9-13:- لذلك اخاصمكم بعد يقول الرب وبني بنيكم اخاصم. فاعبروا جزائر كتيم وانظروا وارسلوا إلى قيدار وانتبهوا جدًا وانظروا هل صار مثل هذا. هل بدلت امة آلهة وهي ليست آلهة أما شعبي فقد بدل مجده بما لا ينفع. ابهتي ايتها السماوات من هذا واقشعري وتحيري جدًا يقول الرب. لأن شعبي عمل شرين تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم ابارا ابارا مشققة لا تضبط ماء.

كتيم = تشير للغرب عمومًا فكتيم بلد في جزيرة قبرص وقيدار = تشير للشرق فقيدار هم قبائل العرب الذين يقيمون بين بابل والأردن. فالله يخاصمهم ويخاصم بنيهم إذا إستمروا في وثنيتهم. وبينما أن كل العالم شرقًا وغربًا لا يُغيِّروا آلهتهم فشعب الله تركه وعبد آلهة أخرى متعددة، بل ولم يكتفوا بإله أو اثنين بل تبعوا وعبدوا آلهة كثيرة (28). والمؤلم في هذا أنهم تركوا الإله الحي وذهبوا وراء الباطل. وينطبق هذا على أيامنا فأتباع الديانات والفلسفات الأخرى أكثر إخلاصًا لها من إخلاصنا لمسيحنا الذي يهب شعبه ماء الحياة.

إبهتى أيتها السموات = الملائكة التي تفرح بخاطئ واحد يتوب بهتت من شرهم، وبهتت الشمس والنجوم من أن هذا الشعب ترك إلهه ليعبدها. وحقًا فهذه الأصنام تعطى لذة وقتية لكنها لا تستطيع أن تنفع تابعيها. وهم عملوا شرَّين = 1- تركونى = هم تركوا عبادتى وكان هذا منهم نكرانًا للجميل وكان هذا واجبهم عبادتى أمام كل ما أعطيتهم 2- حفروا لأنفسهم = ذهبوا ليفتشوا عن مصدر آخر للفرح والتعزية، ذهبوا يبحثون عن لذة جسدهم. وهذا من غبائهم فهم تركونى أنا ينبوع الماء الحي = مصدر كل فرح وتعزية وذهبوا لأبار مشققة لا تضبط ماء = لأن الماء في هذه الأبار يوجد اليوم ولا يوجد بعد ذلك، ولذة الجسد هكذا هي وقتية ولكن يعقبها حزن.

 

آية 14:- اعبد إسرائيل أو مولود البيت هو لماذا صار غنيمة.

إسرائيل قال عنه الله ابني البكر. والابن يتمتع بحماية أبيه طالما بقى في منزله ولكن إذا هجر أبيه كالابن الضال يصير غنيمة. هو سار وراء شهواته وصار عبد لمحبة المال والزنا والوثنية. وهذا الكلام ينطبق على إسرائيل وعلى كل منا. كل من يتبع إبليس  يستعبده. وهذه هي خطة إبليس دائمًا أن يفصل بيننا وبين الله ويبعدنا عن الاتصال بالله فينفرد بنا ويستعبدنا ويذلنا.

 

آية 15:- زمجرت عليه الاشبال اطلقت صوتها وجعلت ارضه خربة احرقت مدنه فلا ساكن.

يظهر النبي هنا لهم غبائهم. فخطيتهم هي سبب عقوبتهم بالآلام التي هم فيها. والآلام الآتية أصعب. فالأشبال هنا هم الأعداء الذين يهاجمونهم (أشور أو مصر أو بابل) أو هم الشياطين. ولكن متى يكون لهم سلطة عليهم أو علينا؟ إذا ذهبنا نحن لهم. فكانت يهوذا تريد التحالف مع هؤلاء. وطريقة التحالف تقديم البخور لآلهة من يطلبون التحالف معه. فهم تركوا إلههم حمايتهم، وطلبوا حماية الأمم لهم. والنتيجة إستعباد هذه الأمم لهم. والله ينبه كل واحد ويقول أنتم لستم هكذا فأنتم أبناء ولكن شهواتكم تفقدكم حريتكم.

 

آية 16:- وبنو نوف وتحفنيس قد شجوا هامتك.

تشير لغزو مصري حدث ضد يهوذا ربما أيام رحبعام. أو يهوأحاز وفرض ضريبة عليهم.

 

آية 18،17:- أما صنعت هذا بنفسك إذ تركت الرب الهك حينما كان مسيرك في الطريق. والان ما لك وطريق مصر لشرب مياه شيحور وما لك وطريق اشور لشرب مياه النهر.

هي بإرادتها الحرة تركت الله مصدر الخيرات الحقيقي وذهبت للأمم، إلى مصر = شيحور أي نهر النيل فشيحور تعنى الموحل إشارة لطمى النيل، وللنهر أي للفرات أي أشور هي طلبت خيرات مصر وأشور أو التحالف معهم أو عبادة آلهتهم فالتحالف ما كان يتم سوى بعبادة آلهة الحليف الأقوى. وفي هذا القول ينهاهم النبي عن التحالف مع أحدهم. حقًا من يترك الرب يصبح أعداؤه أعداء حقيقيين وأصدقاؤه أصدقاء مخادعين باطلين. ولاحظ هنا أن هناك إغراء الأنهار الكبيرة التي في مصر وأشور، فإسرائيل لا يوجد فيها أنهار كبيرة ولكن الله كان يعطيهم احتياجهم. وعموما دائما هناك إغراءات تجذب أولاد الله للذة الخطية بينما أن الله يعطى الفرح الحقيقي والسلام الداخلى.

 

آية 20،19:- يوبخك شرك وعصيانك يؤدبك فاعلمي وانظري أن تركك الرب الهك شر ومر وأن خشيتي ليست فيك يقول السيد رب الجنود. لأنه منذ القديم كسرت نيرك وقطعت قيودك وقلت لا اتعبد لانك على كل اكمة عالية وتحت كل شجرة خضراء أنت اضطجعت زانية.

سبب الخطية = خشيتى ليست فيك. وبداية الشر هي عدم خوف الله يليه ترك الرب ويلي ذلك تلقائيًا كل أنواع الشرور، والشر يأتي بالمتاعب والخراب. فالخطية تؤدب صاحبها. بل يمكن أن نقرأ الخطية في عقابها = يوبخك شرك وعصيانك يؤدبك. مثال لذلك مرض الإيدز. والله حرَّرَها= كسر قيودها ونيرها. وكل ما طلبه الله منهم أن يتعبدوا لهُ، ففي ذلك ضمان استمرار حريتهم، فإنتمائهم لله يبعد عنهم إبليس. ولكنها أبت وذهبت وراء إبليس في الهياكل الوثنية التي تُقام على كل أكمة عالية وتحت كل شجرة خضراء = في العبادات الوثنية يفضلون الأماكن العالية إذ يظنون أنهم بهذا يقتربون لآلهتهم، وأيضا يفضلون إقامة مذابحهم تحت الأشجار الضخمة. والعبادة الوثنية فيها زنا روحي أي انفصال عن الله وزنا جسدي كان يمارس في المعابد الوثنية.

أَنْتِ اضْطَجَعْتِ زَانِيَةً = الزنا الجسدى هو إرتباط جسدى بطرف آخر خارج الزواج. والزنا الروحى هو إرتباط روحى (أى عبادة) بإله آخر غير الله.

وقلت لا أتعبد = فبعد أن حررها الله أعطت وعدًا أنها لا تتعبد لآلهة غريبة، ولكن كان هذا لفترة قصيرة ثم ارتدت. وهكذا نحن بعد كل عطية نعطى وعودًا لله ثم نرجع في وعودنا ونفتر. لأنك على كل أكمة = تترجم” بينما أنتِ على كل أكمة”. أي تناقض بين الواقع وما وعدت به.

 

الآيات 21-24:- وأنا قد غرستك كرمة سورق زرع حق كلها فكيف تحولت لي سروغ جفنة غريبة. فانك وأن اغتسلت بنطرون واكثرت لنفسك الاشنان فقد نقش اثمك امامي يقول السيد الرب. كيف تقولين لم اتنجس وراء بعليم لم اذهب انظري طريقك في الوادي اعرفي ما عملت يا ناقة خفيفة ضبعة في طرقها. يا اتان الفرا قد تعودت البرية في شهوة نفسها تستنشق الريح عند ضبعها من يردها كل طالبيها لا يعيون في شهرها يجدونها.

الله غرسها كرمة سورق = أي كرمة فخمة من أجود أنواع الكروم. فسورق كانت مشهورة بكرومها الجيدة. ولكن ماذا أصبحت؟ سروغ جفنة غريبة = سروغ أي أغصان الكرم. والمعنى أنها صارت كرمة غريبة فاسدة (راجع أش5). فالله أسسهم كدولة وكشعب له أيام يشوع وكان لهم ناموسهم وهيكلهم. وعرفوا الله لفترة ثم بدأوا في الإنحدار الذي وصل بهم لحالتهم الراهنة. والله زرعها زرع حق = بكل ما أعدهُ لها. وهكذا صنع الله مع الإنسان حين خلقه، حين خلقه على صورته ولكن الآن هل نحن على صورته أم أن صورتنا غريبة. وشعب يهوذا الذي غرق في عبادته الوثنية وانحرافه، أو آدم الذي فقد صورة الله لم يعد يمكن تطهيره بنطرون = ملح أو أشنان = صابون. وهما رمز لكل محاولات البشر للتطهير لأن التطهير لن يكون سوى بدم المسيح. ويشبههم الله هنا بناقة خفيفة ضبعة في طرقها = هي أنثى سريعة تجمح في عنف وراء ذكورها في شهوانية. ويشبهها بأتان الفرا = وهو حمار الوحش البرى الذي تعوَد على الجموح في البرية ولم يألف العمل، أي لم يصبح أليفًا يمكن إستخدامه في الأعمال العادية. والمقصود أنهم شهوانيون جدًا يستنشقون ريح اللذة، وفي شهوانيتهم هذه من يستطيع أن يجعلهم يرتدون عن خطيتهم = عند ضبعها من يردَها للخلف = أي في حالة هياجها وجموحها وراء شهوتها من يستطيع أن يردها عن ذلك. وكل من يجرى خلفها = كل طالبيها لا يعيون كل الخدام الذين يجرون وراء الشهوانيون الخطاة لا يكلوا ولكنهم يعرفون أنه لا أمل إلا في شهرها يجدونها = أي حينما تكتمل شهور حملها وتصبح ثقيلة غير قادرة على الجرى السريع (أى2:39) . وكذلك من آلام مخاضها تصبح غير متوحشة فيمسكونها ويقودونها ولا تستطيع الهرب. هكذا الشهوانيون لا يمكن إعتبارهم أناس طبيعيون، ولا يمكن قيادتهم للتوبة، ولكن هناك طريق يستعمله الله هو أن يجعلهم في منتهى الثقل بمصيبة كبيرة نتيجة إنجذابهم وراء شهوتهم، والشهوة تحبل بالخطية والخطية تلد موتا أو مصيبة (يع1: 15). وحينئذ تنفتح أذانهم للتعليم وهذا هو الشهر الذي تجدهم فيه (مز6،5:141). وهذا هو المتوقع الآن لأورشليم. وفي وقاحة يقولون لم أتنجس = ليس المعنى أنهم ينكرون وثنيتهم بل هم في وقاحة يقولون أن عباداتهم وممارساتهم الوثنية لا تنجس. وهنا يذكرهم الله بأعمالهم في وادى ابن هنوم (حيث قدَّموا أولادهم ذبيحة للآلهة). ملحوظة:- حتى الآن لا يتصور من يحمل حجابًا ليحميه أو يذهب لمن يدَّعون أنهم يفكون الأعمال أنهم بهذا يتعاملون صراحة مع الشيطان وأنهم بهذا يتنجسون. والبعليم هو أحد الآلهة الوثنية وأصبح رمزًا للأوثان لشهرته.

 

آية 25:- احفظي رجلك من الحفا وحلقك من الظما فقلت باطل لا لأني قد احببت الغرباء ووراءهم اذهب.

في خطيتهم عناد ولا يمكن كبحهم ولا إرجاعهم للتوبة، فهم كأتان الفرا يصعب ترويضهم ولا يقبلون أي تهذيب. ولذلك يحذرهم الله هنا من أن السبي سيكون نتيجة خطيتهم. فحين يقودونهم للسبي سيجعلونهم يسيرون حفاة وفي الطريق إلى بابل صحراء وفيها سيعطشون ولكن من يبحث عن شهوة غريبة فهو يبحث عن ملك غريب وهؤلاء سيحكمهم ملوك غرباء.

 

آية 26:- كخزي السارق إذا وجد هكذا خزي بيت إسرائيل هم وملوكهم و رؤساؤهم وكهنتهم وانبياؤهم.

هؤلاء سيكون خزيهم من آلهتهم التي لا تنفع في ذلك اليوم كخزي السارق حين يضبط وهو يسرق.

 

آية 27:- قائلين للعود أنت ابي وللحجر أنت ولدتني لأنهم حولوا نحوي القفا لا الوجه وفي وقت بليتهم يقولون قم وخلصنا.

في وقت آلامهم استداروا لألهتهم المصنوعة من الخشب (العود) ومن الحجر يطلبونها وبهذا هم أعطوا لله القفا لا الوجه وسوف يخزون من آلهتهم. وهناك معنى آخر للآية أنهم وقت أفراحهم ذهبوا وراء شهواتهم (آلهتهم)، ففي وقت الضيق لن يستجيب لهم الله لأنهم في وقت أفراحهم حولوا له القفا. لذلك يقول الكتاب “أمسرور أحد فليرتل”. عمومًا من يعرف أن يوجه نفسه لله وقت أفراحه، سيحول وجهه إليه وقت شدته، ومن تعود أن يعطي الله القفا في أفراحه سيذهب لغير الله في شدته، معطيا لله القفا.

 

آية (28-30):- “28فَأَيْنَ آلِهَتُكَ الَّتِي صَنَعْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلْيَقُومُوا إِنْ كَانُوا يُخَلِّصُونَكَ فِي وَقْتِ بَلِيَّتِكَ. لأَنَّهُ عَلَى عَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ يَا يَهُوذَا. 29لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ كُلُّكُمْ عَصَيْتُمُونِي، يَقُولُ الرَّبُّ. 30لِبَاطِل ضَرَبْتُ بَنِيكُمْ. لَمْ يَقْبَلُوا تَأْدِيبًا. أَكَلَ سَيْفُكُمْ أَنْبِيَاءَكُمْ كَأَسَدٍ مُهْلِكٍ.”

لباطل ضربت بنيكم = لأنهم عصوا الرب وخاصموه ضربهم. وهو ضرب حتى الشبان منهم فهم قد تقسوا كالكبار. وهم قتلوا أنبياء الله فكانوا كأسد يلتهم ضحيته بفرح ولذة. ولكن بعد الضربات البسيطة التي إستعملها الله لم يتوبوا = لباطل. ولذلك فالطريق الآن لضربة عظيمة. وفي (28) يظهر لهم غباوة عبادة أصنام لا تخلص وقت الضيقة.

 

آية 31:- انتم أيها الجيل انظروا كلمة الرب هل صرت برية لإسرائيل أو ارض ظلام دامس لماذا قال شعبي قد شردنا لا نجيء اليك بعد.

هم لا يدركون إحسانات الله اليومية عليهم. فلا يأتون إليه بالتوبة كما لو كان برية لا تعطى ثمارًا، أو هو ظلامًا = إذا أتوا إليه لا يبصرون طرقهم. وهو الذي يعطيهم الشمس والمطر. والمعنى أن هؤلاء لعماهم يشعرون أن الإلتجاء لله في الشدة هو بلا فائدة وبلا ثمار = برية . وكأن طرق الله مظلمة. ولا يعلمون أنهم هم العميان.

 

آية 32:- هل تنسى عذراء زينتها أو عروس مناطقها أما شعبي فقد نسيني اياما بلا عدد.

الله هو زينتهم ومجدهم وإكليلهم مثل إكليل العروس وزينتها ومع ذلك تركوه زمانًا.

 

آية 33:- لماذا تحسنين طريقك لتطلبي المحبة لذلك علمت الشريرات أيضًا طرقك.

الله يصورهم هنا كزانية تجمل نفسها للآخرين وقد يكون ذلك طلبًا لعقد معاهدات مع جيرانهم. وبدلًا من أن يكونوا قدوة ونورًا للعالم صاروا مثلًا شريرًا وعلموا الشر للآخرين. بمزجهم كل العبادات الوثنية مع عبادة الله.

 

آية 34:- أيضًا في اذيالك وجد دم نفوس المساكين الازكياء لا بالنقب وجدته بل على كل هذه.

جريمتهم في قتل أولادهم كذبائح لمولك الإله الوثني وقتل أنبيائهم وسفك دماء الأبرياء عالقة بهم وهي ظاهرة لا تحتاج للتنقيب ورائها. فهم لا يخفونها في خجل بل يظهرونها.

بل على كل هذه = على أذيالك والأذيال هي الملابس التي تغطى والمقصود رؤسائها وملوكها وكهنتها.

 

آية 35:- وتقولين لأني تبرات ارتد غضبه عني حقا هانذا احاكمك لانك قلت لم اخطئ.

هم تصوروا أن الآلام البسيطة التي عانوا منها تبرأهم ولكن لا سبيل للتبرئة سوى التوبة.

 

آية 37،36:- لماذا تركضين لتبدلي طريقك من مصر أيضًا تخزين كما خزيت من اشور. من هنا أيضًا تخرجين ويداك على راسك لأن الرب قد رفض ثقاتك فلا تنجحين فيها.

هنا الله يوبخهم بأنهم اتخذوا من البشر سندًا لهم وتركوا الله. وهذا وثنية روحية أن نثق في أحد غير الله. ولكنهم سيخزون من مصر كما خزوا من أشور = ولن يجدوا راحة في أي بشر. ولاحظ أن من يثق في الله لن يحتاج أن يركض ليغير طريقه لأن راحته ستكون في الله مثل حمامة نوح لا تستريح سوى في الفلك. وتخرجين ويداك على رأسك = إلى السبي لأن الله رفض ثقاتك = أي الله رفض أن تحميكِ مصر التي لجأتِ إليها. ويداك على رأسِكْ من الألم والخزى. ورفع اليد فوق الرأس هو وضع السبايا، وهذا تهديد لهم بالسبي.

تعليق على الإصحاح

في هذا الإصحاح، يقيم الله قضية خيانة زوجية ضد عروسه إسرائيل، والله يبدأ باللين، بل يقول اذهب ونادِ في أذني أورشليم (2) كمن لا يريد أن يفضحها. وفي رقة يقول لها أنه يحسب خروجها وراءه في برية سيناء هو جميل منها يذكره لها، ولا يقول لها أنه هو الذي أنقذها من عبودية مصر، ولا يذكر لهم الله هنا خطاياهم في البرية وتذمرهم، هذا هو الله الذي لا ينسى كأس ماء بارد. ولتشجيعهم يدعوهم هنا عروس وأولاد وبكور، ويسميهم قدس للرب ويقول عنهم أنهم شعبه. ويفتح عيونهم على خطاياهم وخطورة قراراتهم، فهم يريدون أن يتحالفوا مع من ضربهم سابقًا أي مصر، الله بهذا يفتح عيونهم أن مصر تريد خداعهم (وهكذا الشيطان معنا).

(آية 16) والله يشرح لهم أن أي عقوبة إنما هي ثمرة لخطايانا (19). بل أن الله في محبته لا يسمح لنا إلا بأن نتعرض للنذر اليسير من آلام الخطية. وفي عتابه يقول لهم انظروا خيانتكم لي في الوادي (23) إشارة لتقديم أولادهم ذبائح دموية في الوادي، ويشبههم بناقة (أنثى) تلاحق الذكور (23) إشارة ليهوذا التي تجرى وراء آلهة غريبة تاركة إلهها. وأشر ما يعاتبهم عليه أنهم ما عادوا يشعرون بأنهم يخطئون، صاروا يشربون الإثم كالماء، وهذا أشر ما يصل إليه الخاطئ. لأني تبرأت. فقولهم هذا يشير لشعورهم بأنهم أبرياء مع كل أعمالهم هذه.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى