تفسير سفر أيوب ١٢ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير سفر أيوب – الإصحاح الثاني عشر
في الإصحاحات (12-14) نجد رد أيوب علي صوفر. وهو أولاً يناقش أصحابه ثم يعاتب الله علي تركه في هذه الألام. وإعتراضه علي أصحابه منصب علي فكرتهم بأن لا آلام للبار
الأيات 1-5:
“فاجاب ايوب وقال، صحيح انكم انتم شعب ومعكم تموت الحكمة، غير انه لي فهم مثلكم لست انا دونكم ومن ليس عنده مثل هذه، رجلا سخرة لصاحبه صرت دعا الله فاستجابه سخرة هو الصديق الكامل، للمبتلي هوان في افكار المطمئن مهيا لمن زلت قدمه”.
صحيح أنكم شعب= أي أنتم الأغلبية فهم 3 وأيوب 1 وهم متفقين معاً علي إدانته. وهو هنا يسخر منهم بسبب غرورهم وإدعائهم الحكمة وتصورهم أن كل واحد يجب أن يخضع لحكمهم. ومعكم تموت الحكمة= وبعد أن تموتوا ستنتهي الحكمة معكم ويبقي العالم في ظلام الجهل. ولكن لتعلموا فأنا أفهم مثلكم ولست أنا دونكم. بل هناك كثيرين ولست وحدي الذي لي الحكمة بل من ليس عنده مثل هذه= أي من الذي لا يعرف ما قلتموه (كثيراً ما نقع في غوآية أننا وحدنا الذين نفهم كما وقع في هذا أصحاب أيوب) ثم يشتكي أيوب من الإزدراء الشديد الذي عاملوه به= رجلاً سخرة لصاحبه صرت= حتي أصحابي الذين هم أنتم صرت لكم سخرية، حقاً هم أتوا لتعزيته ولكنهم قالوا كلاما فظيعاً. وما زاد في أحزان أيوب أن من يسخر منه هم أصحابه وهم رجال متدينين= دعا الله فإستجابه= كانوا يصلون وصلواتهم مستجابة. والإهانة إذا صدرت من رجل من رجال الله تصبح فظيعة. ثم يعزي نفسه بأن هذا يحدث دائماً= سخرة هو الصديق الكامل فكثيرون يسخرون منه لكماله وقداسته (وهذا ما حدث مع المسيح القدوس) وهكذا كان نصيب القديسين والشهداء سخرية الجهلاء والوثنيين الذين إضطهدوهم.
للمبتلي هوان في أفكار المطمئن مهيأ لمن زلت قدمه وفي ترجمة اليسوعين
حق البائس في رأي المسعود الإهانة فهي مهيأة (معدة) لمن زلت قدمه. والمعني أن كل من هو في رخاء وحالته منتعشة مستعد دائماً أن يلحق الإهانة بالشخص البائس الذي تصيبه مصيبة كقوله “هو يستحق أكثر من هذا بسبب خطيته. “
الأيات 6-11:
“خيام المخربين مستريحة والذين يغيظون الله مطمئنون الذين ياتون بالههم في يدهم، فاسال البهائم فتعلمك وطيور السماء فتخبرك، او كلم الارض فتعلمك ويحدثك سمك البحر، من لا يعلم من كل هؤلاء ان يد الرب صنعت هذا، الذي بيده نفس كل حي وروح كل البشر، افليست الاذن تمتحن الاقوال كما ان الحنك يستطعم طعامه”.
أيوب هنا يدحض نظرية أصحابه، فهم قالوا “عيون الأشرار تتلف 20:11 وأيوب هنا يحاول أن يثبت العكس أن القوي يأكل الضعيف، وهذا واضح حتي في عالم الحيوان والطيور والأسماك، والله لا يتدخل ليحمي الضعفاء. وهو يريد أن يثبت أن البار مثله ممكن أن يعاني من شر الأشرار وهو برئ. فالحمامة البريئة يلتهمها النسر الظالم. خيام المخربين مستريحة= في الترجمات الأخري ترجمت كلمة المخربين باللصوص. ولعله هنا يشير للسبئيين والكلدانيين الذين سلبوا ثروته ويعيشون في إطمئنان. الذين يأتون بإلههم في يدهم= أي يشعرون أن إلههم قوة يدهم، وإتكالهم هو علي يدهم القوية أو سيوفهم التى في أياديهم. ثم يلجأ لعالم الحيوان ليثبت أن القوي يلتهم الضعيف، بل هو نسب هذا لسطان الله المطلق فقال من لا يعلم أن يد الرب صنعت هذا. ولكن لنعلم أن بسبب الخطية صار هذا التخريب حينما لعنت الأرض. ولنري مثال: قبل المسيحية أي قبل إيمان روما بالمسيحية كان الرومان كذئاب والمسيحيين كحملان. ومن الطبيعي أن يلتهم الذئب الحملان وهذا ما حدث في عصور الإضطهاد. ودخلت المسيحية إلي روما وتحول الذئاب لحملان وعاشوا في محبة ورأينا كيف أن الذئب والخروف يسكنان معاً أش 6:11. الذي بيده نفس كل حي= هنا هو يعزو كل شئ لملكية الله للخليقة فهو له السلطان المطلق. أفليست الأذن تمتحن الأقوال كان بلدد قد قال إسأل الأباء (8:8). هنا أيوب يقول أنا أخذ منهم ما يمكن أن أقبله، فأنا أسمع كل شئ وأمتحنه. وإسمعوا أنتم أيضاً كلامي وتذوقوه ثم أحكموا هل صالح أم لا.
الأيات 12-25:
“عند الشيب حكمة وطول الايام فهم، عنده الحكمة والقدرة له المشورة والفطنة، هوذا يهدم فلا يبنى يغلق على انسان فلا يفتح، يمنع المياه فتيبس يطلقها فتقلب الارض، عنده العز والفهم له المضل والمضل، يذهب بالمشيرين اسرى ويحمق القضاة، يحل مناطق الملوك ويشد احقاءهم بوثاق، يذهب بالكهنة اسرى ويقلب الاقوياء، يقطع كلام الامناء وينزع ذوق الشيوخ، يلقي هوانا على الشرفاء ويرخي منطقة الاشداء، يكشف العمائق من الظلام ويخرج ظل الموت الى النور، يكثر الامم ثم يبيدها يوسع للامم ثم يجليها، ينزع عقول رؤساء شعب الارض ويضلهم في تيه بلا طريق، يتلمسون في الظلام وليس نور ويرنحهم مثل السكران”.
هنا حديث رائع لأيوب عن حكمة الله وقوته وسلطانه. وحديثه هنا بلا إنفعال ولا شكوي. بل يتكلم في حكمة يقول أنه إكتسبها من طول الأيام= عند الشيب حكمة وطول الأيام فهم. فهو يقول أنه أيضاً يعترف وهذا ما علمته له الأيام أن الله حكيم وقادر وله سلطان. عنده الحكمة= لتخطيط ما هو أفضل. والقدرة علي تنفيذ ما خطط له. هوذا يهدم فلا يبني= إذ هدم لا يستطيع أحد أن يبني. يغلق علي إنسان فلا يفتح= يغلق عليه في شدائد أو مرض فلا ينجيه إنسان، وإذا أغلق عليه في قبر فلا أمل في العودة للحياة. ونفس المفهوم نجده في رؤ 7:3. يمنع المياه فتيبس= إذا إمتنعت الأمطار يصيب الأرض الجفاف. (وهذا ما حدث أيضا في شق البحر الأحمر). ومنع المطر هو في سلطة الله وأيضا أعطاه لبعض رجاله(إيليا). والجفاف يكون قصاص من الله تث 23:28، 24. يطلقها فتقلب الأرض= هذه عقوبة من نوع آخر وهي الفيضانات المدمرة (طوفان نوح مثال). والله عنده العز= القوة والقدرة والفهم= الحكمة. وله المضِل والمضَل= الله يستخدم كل أحد لتنفيذ مقاصد عنايته الإلهية. ومن أعمال جميع الناس الله قادر ان يمجد ذاته (فهو حَمَق مشورة أختيوفل بأن قام حوشاي الأركي بتضليل إبشالوم والله تمجد في النهآية). فالقوي والجبار والمضل ليسوا مطلقو الحدود وإلا صار العالم في فوضي. بل كل عظماء الأرض وملوكه في يدي الله. يذهب بالمشيرين أسري (كغنائم حربية) وتذهب عنهم كل كرامة، حتي تثبت مشورة الله وتصبح تدابير هؤلاء المشيرين الذين قاوموا الله كلا شئ. ويحمق القضاة= (مثال:- أخيتوفل+ أش 13:19). إذا فليتضع كل إنسان أمام الله. يحل مناطق الملوك أي ينزع قوتهم. ويشد أحقاءهم بوثاق=(يهوياكين وصدقيا) اي يعاملوا كالعبيد. لأن العبيد كانوا يسيرون بأحقائهم ممنطقة. يذهب بالكهنة أسري= الكهنة هنا حسب الترجمة في الإنجليزية “أمراء” فأيام أيوب كان الكاهن هو رأس العائلة أو رئيس القبيلة أي أميرها، ولكن عموماً فلو أخطأ الكاهن فعقوبته أشد من الإنسان العادي. ينزع ذوق الشيوخ= أي فهمهم (الإنجليزية). فالشيوخ المشهورين بالحكمة، ويعتمد الناس علي حكمتهم، إذا خالفوا الله يفقدون كل حكمة. يقطع كلام الأمناء= الأمناء هنا هم الذين أؤتمنوا علي أعمال عامة. يلقي هواناً علي الشرفاء= الذي أعطاه الله شرفاً وكرامة لدي الناس، إذا أهان الله ينزع عنه كرامته. يكشف العمائق من الظلام= بكيفية عجيبة يكشف الله ما كان مختفياً ومستوراً. ويخرج ظل الموت إلي النور= يفضح الله المؤامرات التي تدبر في الظلام. يكثر الأمم= فإرادة الله خيرة وهو يريد أن يبارك. “باركهم الله قائلاً أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض” تك 28:1. ولكن إن إنحرفت هذه الأمة التي سبق الله وباركها يبيدها (أمثلة بابل واشور. . . ). يوسع الأمم= يزيد عددها وإن سارت في طريق الضلاليجليها= أي تذهب للسبي (إسرائيل ذهبت للسبي) ينزع عقول رؤساء. . . = الله يعطي حكمة للرؤساء ليقودوا شعوبهم فإن هم ضلوا وضلت شعوبهم ينزع الله حكمة وعقل الرؤساء فيصيرون في حيرة لا يدرون ما يفعلون= كمن هو في تيه بلا طريق، يتلمسون في الظلام وليس نور، ويرنحهم مثل السكران. فالرب يزعزع السماء والأرض وكل شئ. . . وسيجلس ملكاً إلي الأبد.
تفسير أيوب 11 | تفسير سفر أيوب | تفسير العهد القديم |
تفسير أيوب 13 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |