تفسير سفر أيوب ١٦ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر أيوب – الإصحاح السادس عشر

الأيات 1-5:

“فاجاب ايوب وقال، قد سمعت كثيرا مثل هذا معزون متعبون كلكم، هل من نهاية لكلام فارغ او ماذا يهيجك حتى تجاوب، انا ايضا استطيع ان اتكلم مثلكم لو كانت انفسكم مكان نفسي وان اسرد عليكم اقوالا وانغض راسي اليكم، بل كنت اشددكم بفمي وتعزية شفتي تمسككم”.

يرد أيوب أيضاً بأن كلامهم بلا فائدة، فلم يقل أليفاز شئ جديد= قد سمعت كثيراً مثل هذا. معزون متعبون كلكم= وليس أصحاب أيوب فقط بل كل البشر، فلا يمكن أن نجد معزي لنا في ضيقاتنا سوي اللهالروح القدس المعزي” فأصحاب أيوب بينما يظنون أنهم يعزونه أتعبوه. ماذا يهيجك حتي تجاوب= لماذا هذا العناد والإصرار علي إثبات خطيتي، ما الذي تستفيدونه من هذا. ماذا يهيجك في أني أقول أنني بلا خطية لو كانت أنفسكم مكان نفسي= أي لو بدلنا المواقف وصرتم أنتم في آلام مثلي فأنا أستطيع أن أقول كلاماً وحكمة بلا معني وأن أحتقر المتألم فيكم= وأنغض رأسى إليكم=ولكن هل هذا هو التصرف السليم. . قطعاً لا. . ولذلك ما كنت لأفعل ذلك لو تبدلت المواقف بل كنت أشددكم بفمي= أي أتكلم بأقوال معزية لتخفيف أحزانكم.

الأيات 6-16:

“ان تكلمت لم تمتنع كابتي وان سكت فماذا يذهب عني، انه الان ضجرني خربت كل جماعتي، قبضت علي وجد شاهد قام علي هزالي يجاوب في وجهي، غضبه افترسني واضطهدني حرق علي اسنانه عدوي يحدد عينيه علي. ، فغروا علي افواههم لطموني على فكي تعييرا تعاونوا علي جميعا، دفعني الله الى الظالم وفي ايدي الاشرار طرحني، كنت مستريحا فزعزعني وامسك بقفاي فحطمني ونصبني له غرضا، احاطت بي رماته شق كليتي ولم يشفق سفك مرارتي على الارض، يقتحمني اقتحاما على اقتحام يعدو علي كجبار، خطت مسحا على جلدي ودسست في التراب قرني، احمر وجهي من البكاء وعلى هدبي ظل الموت”. عاد أيوب للشكوي من آلامه ربما ليحرك قلوب أصحابه فيرحموه. وهو هنا يقول أن لا الشكوي ولا السكوت يعطيانه راحة= إن تكلمت لم تمتنع كآبتي. . وإن سكت فماذا يذهب عني. وسبب شكواه أنه الله ضجره= إنه الآن ضجرني. الله هو الذي سبب كل هذا. ومن هنا بدأ يكلم الله ويوجه له كلاماً صعباً. خَرَبت كل جماعتي= أولادي وخدمي قتلوا وأصدقائي الذين كانوا يلتفون حولي تركوني. قبضت عليَ= سجنتني في ألامي. وجد شاهدٌ حالي ومنظرى، منظر جسدي المضروب ووجهي صاروا شاهد بل شهود علي غضبك عليَ. وقد يعني أيوب بأن آلامه شاهد علي أن شكواه ليست بلا مبرر. ثم يصور الله كوحش إنقض عليه ليفترسه، وهذا الوحش له أسنانه المفترسة وعيونه التي تلمع بمنظر مخيف. حَرَق علي أسنانه. عدوي يحدد عينيه عليَ. قد يكون عدوه هو أليفاز الذي يهاجمه أو الشيطان أوهو إعتبر أن الله نفسه يعاديه كوحش، وفي هذا يكون كلامه بتسرع ضد الله، فالله لا يعادي أحد من خلائقه، ولكنه في أهواله تصور هذا. فغروا عليَ أفواههم= هذا عن أصحابه الذين يتهموه بالشر. ويبدو أن الأشرار من جيرانه فرحوا ببليته إذ كان سلوكه الكامل يغيظهم، وكانت تصرفاتهم معه مهينة جداً. وفي الأيات 10، 11 نري كيف كان أيوب رمزاً للمسيح في آلامه بل تم هذا حرفياً مع المسيح مز 13:22 + مي 1:5 + مت 67:26

دفعنى الله إلي الظالم= بدلاً من أن ينقذه من أيديهم دفعه لهم. (جيرانه الأشرار أو أصحابه) ولا ندري هل فهم أيوب وقتها مؤامرات الشياطين. ولكن المهم إيمانه بأن الله ضابط الكل فقوله “دفعني الله” يعني أنه لا يفكر في أعدائه كأنهم يتصرفون من أنفسهم، بل الله فوقهم “لم يكن لك علي سلطان إن لم تكن قد أعطيت من فوق

“يو 11:19 وفي يرمز أيوب إلي المسيح الذي أُسْلِم ليد الأشرار ليصلبوه، وكان هذا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق” أع 23:2. كنت مستريحاً فزعزعني= قبل التجربة كان في راحة وزعزعني= هشمني (الإنجليزية واليسوعية) أي مزق كل أعضائي. أمسك بقفاي= أي أتتني المصائب علي غير إنتظار. نصبني له غرضاً= لقد إختارني من بين البشر وسر بأن يجعلني له هدفاً يوجه له كل سهامه. وحينما حددني الله كهدف= أحاطت بي رماته كأن السبئيين والنار والريح هم رماة سهام الله. شق كليتي= أصابت كل أعضائي وأكثرها حساسية مثل الكلي آلام حادة. سفك مرارتي علي الأرض= حينما يصطادون وحشاً برياً ويذبحونه فإنهم يسفكون مرارته بإشمئزاز، فهو يصور أن الله سفك دمه ليس لأنه لا قيمة له بل لأنه كريه. يقتحمني إقتحاماً= كأن الله هجم عليه بينما هو محصن في قلعته (بيته وثروته). خطت مسحاً= المسح من شعر أسود وهو علامة الحزن فهو لبس مسحاً بسبب آلامه، وهل يلبس الحرير علي قروحه المملوءة طيناً دسست في التراب قرني= القرن علامة الرفعة، والتراب علامة الذل، فالله أراد أن يذله.

إحمر وجهي من البكاء= لم يكن أمامه سوي التضرع بدموع، وكان بكائه علي ما وصل إليه حاله.

وعلي هدبي ظل الموت= صارت أشباح الموت قريبة مني جداً كأنها علي رموش عيني.

الأيات 17-22:

“مع انه لا ظلم في يدي وصلاتي خالصة، يا ارض لا تغطي دمي ولا يكن مكان لصراخي، ايضا الان هوذا في السماوات شهيدي وشاهدي في الاعالي، المستهزئون بي هم اصحابي لله تقطر عيني، لكي يحاكم الانسان عند الله كابن ادم لدى صاحبه، اذا مضت سنون قليلة اسلك في طريق لا اعود منها”.

 مع أنه لا ظلم في يدي= كانت شهادة ضميره خالصة أمام الله أنه لم يظلم أحد، ولم يحصل علي ثروته بالظلم. صلاتي خالصة= والصلاة لا يمكن أن تكون خالصة طالما كان هنالك ظلم في الأيدي أش 15:1. ثم صب اللعنات علي نفسه لو كان كاذباً فيما قاله

يا أرض لا تغطي دمي= إن كان هنالك ظلم في يديَ، أو كان قد ظلم أحد، فهو يتمني أن يكشف الله هذا الظلم ولا يختبئ. وإذا حدث هذا وكنت ظالماً لا يكن مكان لصراخي= أي هو راضي بأن الله لا يستجيب له ولا لصراخه إن كان قد ظلم أحداً.

وبعد أن فقد أيوب رجاؤه في أن ينصفه أصدقاؤه، أو يسمعوه ويصدقوه. بل هم إستهزأو به= المستهزئون بي هم أصحابي= وهذا ألمه جداً فلم يجد علي الأرض من يشهد له، فرفع عينيه إلي السماء، إلي الله الذي يشهد له فهو الذي يري كل شئ ويمكن لله أن يشهد علي كماله وإستقامته. شهيدي وشاهدي في الأعالي. والشهيد هو الشاهد الأمين. فالشهيد هو شاهد للحق يصل لدرجة الموت فيسمى شهيد. وفي الأصل كلمة شهيد كلمة عبرية وشاهد كلمة أرامية ولهم نفس المعني. هنا نجد أيوب يلمح في السموات بطلاً إلهياً يدافع عن الكل (يهود وأمم) وهو يدافع عنه، هو لمح قبساً من نور المسيح شفيعنا عند الأب وهو الشهيد الشاهد الذي يشهد له ويبرئه [ولا أحد يبررنا لدي الآب سواه] فما إشتاق إليه أيوب صنعه المسيح. (عب 25:7، 1:8، 12:9، 24) + 1يو 1:2 + رؤ 14:3. ولأن البشر قساة في حكمهم فأصحابي يستهزئون بي= المستهزئون بي هم أصحابي. فلمن أذهب، لا يوجد سوي الله ألجأ إليه. لله تقطر عيني= أي ألجا لله بدموعي. لكي يحاكم الإنسان عند الله كإبن آدم صاحبه= إذا إستطاع الإنسان أن يقف ليحاكم عند الله، ولكن هل هناك كإبن آدم يدافع عني أمام الله، ماذا نقول هل كان أيوب يري المسيح إبن الإنسان الذي يدافع عنا وفي نفس الوقت هو الديان. رؤ 33:8، 34. وبعد أن رأي أيوب هذا بروح النبوة صرخ لله أن يأتي هذا الشاهد الذي يدافع عنه سريعاً فأيام أيوب قليلة. . . في طريق لا أعود منها.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى